كلمة الإخلاص لابن رجب الحنبلي ت الالباني
والتوحيد ت صبري سلامة
كتاب التوحيد لابن رجب الحنبلي
بين يدي هذه الرسالة
مراعاة أحوال المخاطبين
صلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
نبدأ هذا الدرس معكم -وفقكم الله- من خلال قراءة كتاب التوحيد، أو كتاب موسوم بكلمة الإخلاص وحقيقة معناها، للإمام العلَم العلامة أبي الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي، المعروف الشهير، من كبار أئمة الحنابلة، وهو ترجمته بين أيديكم، وهي مدونة في المصادر العديدة، وهو من أعلام القرن الثامن، وله المؤلفات المتنوعة في الفقه والأصول والحديث، وفي العقيدة كما في هذا الكتاب المختصر المبارك.
وهذه الرسالة تُعْنَى بهذا الموضوع العظيم؛ موضوع كلمة التوحيد وما تقتضيه، وما ورد فيها من الأحاديث التي اشتبه معناها على كثير من الناس.
ولاحظت أن الكتاب قد عُنِي به أهل العلم، من حيث الطباعة والتحقيق، والتخريج لما فيه من الأحاديث، والذي وقع لي من هذه الطبعات والتحقيقات تحقيق الأستاذ صبري سلامة شاهين، ولاحظت أنه -يعني- قد وُفِّق في هذا التحقيق، وقدم للكتاب مقدمة في التوحيد أيضا مناسبة، فلا أدري لعل هذه الطبعة معكم أو مع بعضكم، هه؟ هي التي معك؟ جيدة، أظن أنها أجود الطبعات والتحقيقات، فلهذا أقترح أن نستهل هذا اللقاء وهذا الدرس بقراءة ما في صفحة عشرين، ما عندك؟ العنوان بين يدي هذه الرسالة.
نعم، تفضل يا شيخ.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال -وفقه الله تعالى- : تغلغل الفقه الإرجائي في الأمة حتى غدا الإيمان قولا، والتوحيد شعارا، والإسلام إرثا وانتسابا، وصادف هذا الفكر قلوبا خاوية، فاستحكم من القلوب والعقول وفي حياة البشر، وكما قيل:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى
فصــادف قلبــا خاليـا فتمكنا
فترك الناس الفرائض والواجبات والسنن، واكتفوا بقول: "لا إله إلا الله"، وظنوا أن دينهم محفوظ، وإسلامهم مصون، وإيمانهم لا غبار عليه، فهم يؤمنون برب واحد للكون، لا يعتقدون بالتثليث، ويعرفون أن الله ربهم وخالقهم ورازقهم، ويؤمنون -على حد زعمهم- باليوم الآخر، والحساب والعقاب، والجنة والنار.
وقد يؤدي بعضهم صلاة الجمعة والعيدين، وقد يصوم البعض، وقد يصوم البعض الآخر شهر رمضان، أو بعض أيام منه، وقد يعتمر البعض الآخر ويحج بيت الله الحرام، ويظنون أنهم على خير، وعلى جادة الطريق.
والكثير ممن ينتسبون لهذا الدين يعتقد النفع والضر بيد بعض الأولياء والصالحين، فيتوسل بهم، ويستغيث، وينذر لهم، ويحلف باسم الواحد منهم، ويظنون أنهم على خير ما داموا يقولون: "لا إله إلا الله".
وقد سرت أحاديث: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة وأخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله وما شابه ذلك حتى سرت هذه الأحاديث في العامة سريان النار في الهشيم، فأتت على الأخضر واليابس.
فظن أكثر المنتسبين إلى الملة أن النطق بالشهادتين يكفي في إثبات صفة الإسلام ودخول الجنان، وإن تركوا الصلوات، وفعلوا المنكرات كالاستهزاء بالله ورسوله وآياته، وأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، ووالوا أعداء الله من اليهود والنصارى والملحدين، وحكَّموا في الناس الشرائع الكفرية، والقوانين الوضعية الجاهلية، نشأ على ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير، حتى صار في عُرف العامة ومعتقدهم عند بعض الدعاة أن هذا هو الوضع السليم، والأمر الذي لا يُحتاج إلى وقفة، بل وقفات؛ اللهم إلا بعض الإصلاحات من هنا ومن هناك.
وأصبح الإنكار متوجها على من ينكر ذلك الوضع، أو يضع يده على أصل الداء، أو يحاول أن يهز بعنف هذا السبات الذي هو أشبه منه بالموت، ويوقظ الغافلين الذين هم واقعين في شراك عدو الله إبليس اللعين، يُنكر على من ينكر المنكر، ويدعو إلى عودة الناس إلى ربهم بإخلاص دينهم لله وإسلام وجوههم لربهم، وتخليص حياتهم من الشركيات والوثنيات.
وهذه الرسالة التي بين أيدينا تعالج هذا الأمر، وتدعو إلى أن الإيمان والإسلام قول وعمل، ولا ينفع قول بلا عمل، وإن فُهِمَ من بعض الأحاديث أن القول ينفع دون أن يُقرَن بعمل، وهذا ما لا يكون بإذن الله.
أقول: إن مَنْ فهم ذلك ممن قصر فهمه وقل عقله، فينبغي ألا تُنشَر على مسامعه هذه الأحاديث، وتُحجب عنه، ما دام فهمه يؤدي به إلى غير ما أراد الشرع، وهذا ما فهمه الصحابة وسلف هذه الأمة الصالح، الذين ما إن سمعوا مثل هذه الأحاديث حتى ازدادوا عملا وإقبالا على الله.
أما في القرون المتأخرة اتُخِذت مثل هذه الأحاديث ذريعة إلى ترك التكاليف، والاستهانة بالفرائض، وجرأة على انتهاك الحرمات، حتى وصل الحال بهذه الأمة إلى ما صارت إليه مما لا يخفى على ذي عينين، والله المستعان.
قال العلامة جمال الدين القاسمي ...
إلى آخر القول نقول: يكفي ما أدلى به المحقق رحمه الله، وجزاه الله خيرا.
هذه المقدمة مقدمة حسنة ونافعة، وهي -في الحقيقة- تنبه إلى أمر عظيم، وهو خطر منهج الإرجاء.
والإرجاء معروف أن مضمونه هو أن الإيمان هو مجرد التصديق، أو أن الإيمان هو مجرد المعرفة، أو أن الإيمان هو مجرد القول باللسان كما هي أقوال لطوائف المرجئة، وهذا يخالف ما دلت عليه آيات الكتاب وسنة رسول الله من أن الإيمان قول وعمل، اعتقاد وعمل، اعتقاد بالقلب، وعمل القلب، وإقرار اللسان، وعمل الجوارح.
فدين الله الذي بعث به رسله، أو هذا الدين الذي بعث الله به محمدا -عليه الصلاة والسلام- جاء بشريعة عظيمة مشتملة على اعتقادات مفصلة، وأعمال قلبية مفصلة، وأعمال للجوارح مفصلة، أفعال وتروك، حلال وحرام، وواجبات وفرائض، مبادئ الإسلام وواجبات.
فليس دين الإسلام هو أن يقول الإنسان: "لا إله إلا الله" فقط، هذه الكلمة لها مدلولها العظيم، مدلولها عظيم، فكيف يجعل النطق بها يجعل الإنسان مسلما مهما كان؟ مهما فعل؟ مهما فعل من المنكرات؟ بل من الكفريات، بل من الشرك؟
أو كما قال -وفقه الله- في هذه التقدمة: إن مذهب الإرجاء قد استشرَى في الأمة، وقد أدى إلى ألا يبقى مع كثير من المسلمين، ألا يبقى معهم من الإسلام إلا مجرد الاسم، فالمشركون الذين يعبدون القبور بأنواع العبادات لا يُنكَر عليهم ذلك؛ لأنهم يقولون: "لا إله إلا الله"، وهذا غرور من الشيطان، غرور من الشيطان.
كذلك كثير من المسلمين يجترئ على المعاصي، يُقدم عليها بجرأة واستخفاف معتذرا بأنه يقول: "لا إله إلا الله"، يتكل على أحاديث الوعد ، يتكل على هذه الأحاديث التي سنمر بها في هذه الرسالة.
فمذهب المرجئة يؤدي إلى الاستخفاف بهذا الدين، استخفاف بدين الإسلام يؤدي إلى الجرأة على المحرمات من كبائر الذنوب، وما هو أكبر منها: من الشرك، من الطواف بالقبور، والذبح للأموات، والدعاء والاستغاثة بالأموات، وكذلك أنواع من الكفر التي تجري على ألسنة بعض الناس.
فهو خطر عظيم، يعني: هذا المنهج جَرّ إلى هذا الواقع الأليم، واقع أليم، سبحان الله! لا إله إلا الله، يكفيك من دين الإسلام أن تقول: "لا إله إلا الله" بلسانك.
ولهذا، غلاة المرجئة يذكر أهل العلم أن مذهبهم مبني على هذه المقولة: "لا يضر مع الإيمان ذنب". الإيمان الذي هو التصديق أو الاعتراف، "لا يضر مع الإيمان ذنب الإيمان كما لا ينفع مع الكفر طاعة".
فمن اعتقد ذلك فهو كافر، لا يضر، لا يضر مع التصديق من يقول، لا يضر مع قول: "لا إله إلا الله" لا يضر معها ذنب فهو كافر، النصوص دلت على أن الذنوب تضر، وهناك ذنوب توجب الكفر والخلود في النار لمن مات عليها.
ويقابل منهج المرجئة منهج الذين يكفرون بالذنوب، فهما على طرفي نقيض، ولهذا أهل السنة والجماعة على صراط مستقيم، على صراط الله بين هؤلاء وهؤلاء ، وسط في الأفعال، في أسماء الدين والإيمان والأحكام بين الحرورية وبين المرجئة، بين الخوارج والمعتزلة، وبين المرجئة، وسط.
فالوعيدية من الخوارج والمعتزلة يُقنِّطُون أصحاب الذنوب، والمرجئة يؤمنونهم من عذاب الله، يؤمنونهم من عذاب الله، وأهل السنة والجماعة بالنسبة لأهل الكبائر التي دون الكفر والشرك يقولون لهم فيهم ما قاله الله -سبحانه وتعالى-: ( ) .
وأما الشرك وأنواع الكفر فلا؛ هذه توجب الخروج، أنواع الردة، نواقض الإسلام، النواقض يخرج بها الإنسان عن الإسلام وإن كان يقول: "لا إله إلا الله"، وإن كان يقولها.
فـ"لا إله إلا الله" إنما تعصم دم الإنسان في الدنيا وماله، وتعصمه في الآخرة من الخلود في النار، تعصمه من دخول النار إذا لم يأتِ ما يوجب؛ فإن شهادة أن لا إله إلا الله تقتضي، ماذا تقتضي؟
"لا إله إلا الله" معناها: لا معبود بحق إلا الله. هل تقتضي مجرد اعتقاد؟ لا تقتضي اعتقاد أمرين، اعتقاد أن الله هو الإله المستحق للعبادة، وأن كل ما سواه لا يستحق العبادة، فهذا اعتقاد.
وتقتضي عمل، تقتضي عبادة الله، تخصيصه بالعبادة، وترك عبادة ما سواه، فهي تقتضي اعتقادا، وتقتضي عملا.
فالأول: هو المذكور في قوله: ( ) .
والثاني: من قوله : ( ) • ( ) .
( ) .
فالذي يقول بلسانه: "لا إله إلا الله" وهو لا يبرأ من المشركين وشركهم، ولا يعتقد بطلان ما هم عليه وضلالهم، ليس له من هذه الكلمة إلا أن يقولها بلسانه، لا حظ له لا مما تقتضيه اعتقادا، ولا مما تقتضيه عملا ، لا تقتضيه.
وإذا اعتقد -بزعمه- أنه يبرأ من المشركين، إذا اعتقد أو زعم أنه يقول: "لا إله إلا الله"، وأنه لا يستحق العبادة إلا الله، وأن كل ما سواه لا يستحق العبادة، ولكنه أعرض عن عبادة الله، فأي معنى لهذا الإقرار؟
أعرَض عن عبادة الله، إعراضه هذا يكذب دعواه، إعراضه عن عبادة الله، لا يعبد الله، ولا يطيع الله، ولا يحرم الحرام إلا زعما، ولا يقيم فريضة، لا يبالي، هذا لم يحقق، قول: "لا إله إلا الله".
فالناس في هذا المقام على تفاوت عظيم؛ منهم من ينتهي به الإرجاء إلى الكفر، ومنهم من ينتهي به إلى الجرأة على المحرمات، وشتان بين من يأتي المعصية وهو خائف وَجِل ويلوم نفسه، ويفكر في التوبة وفي الخلاص، ومن يأت بهذه الشبهة، شبهة؛ لأن الشبهة هذه، شبهة الإرجاء هذه تسند وتعمل على الإقدام على الشهوات المحرمة، فيجتمع له الشهوة والشبهة، وشتان بين من يفعل الذنب من غير هذه الشبهة.
فالشيطان يأتي الإنسان قبل فعل المعصية يجرئه عليها بتهوينها، بذكره بتذكيره بمغفرة الله ورحمته، بتذكيره بأنه مسلم وأنه يقول: "لا إله إلا الله"، يذكره بالأحاديث الواردة في هذا المعنى، أحاديث الوعد، وبعد الإقدام على المعاصي من مداخل الشيطان أن يقنِّطَه من رحمة الله حتى ييئس من رحمة الله، ولا يهم، ولا يفكر في التوبة.
فالمقام عظيم وخطير، وهذا الانقسام موجود من الصدر الأول، وسارٍ في الأمة من وقت خروج الخوارج وعلى إثرهم المرجئة إلى يومنا هذا.
والمذهبان موجودان، لكن مذهب الإرجاء الآن هو -يعني- الذي له دعاة، وله -يعني- أتباع كثيرون يقررونه، ويهونون الذنوب على الناس.
فالواجب على المسلمين أن يحذروا من السبيلين: سبيل أهل التكفير، التكفير بالذنوب؛ وسبيل المرجئة المستخفين بالذنوب، والمهونين لخطر الذنوب.
على المسلمين أن يسلكوا الصراط المستقيم بين هذين الفريقين، والله يهدي من يشاء إلى صراطه المستقيم، نستغفر الله ونتوب إليه.
نعم يا شيخ.
النص المحقق
قال الشيخ الإمام العالم العامل العلامة القدوة الحافظ زين الدين عبد الرحمن بن الشيخ الصالح العلامة أحمد بن رجب الحنبلي البغدادي -هدانا الله النفع به، آمين، رحمه الله-:
في الصحيحين عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: كان النبي ومعاذ بن جبل رديفه على الرحل فقال: يا معاذ. قال: لبيك رسول الله وسعديك، قال: يا معاذ. قال: لبيك رسول الله وسعديك. قال: يا معاذ. قال: لبيك رسول الله وسعديك. قال: ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار. قال: يا رسول الله، ألا أخبر بها الناس فيستبشروا؟ قال: إذن يتكلوا. فأخبر بها معاذ عند موته تأثما .
وفي الصحيحين عن عتبان بن مالك، عن النبي أنه قال: إن الله حرم على النار من قال: "لا إله إلا الله" يبتغي بها وجه الله .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- وأبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- في الشك أنهم كانوا مع النبي في غزوة تبوك، فأصابتهم مجاعة، فدعا النبي بنطع فبسطه، ثم دعا بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكف ذرة، وجعل الآخر بكف تمر، وجعل الآخر يجيء بكسرة، حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، فدعا رسول الله بالبركة، ثم قال: خذوا في أوعيتكم. فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوه، قال: فأكلوا حتى شبعوا، وفضلت فضلة، فقال رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكٍ فيهما فيحجب عن الجنة .
وفي الصحيحين عن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه-، عن النبي أنه قال: ما من عبد قال: "لا إله إلا الله" ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال: وإن زنى وإن سرق. قالها ثلاثا، ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر. فخرج أبو ذر وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر .
وفي صحيح مسلم عن عبادة أنه قال عند موته: سمعت رسول الله يقول: من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، حرم الله عليه النار .
وفي الصحيحين عن عبادة، عن النبي أنه قال: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من عمل .
وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة جدا يطول ذكرها
هذه جملة من الأحاديث الواردة في فضل التوحيد، وما يوجبه من دخول الجنة والنجاة من النار، هذه الأحاديث ظاهرة الدلالة على فضل التوحيد، وعظم ثوابه، كما عقد الشيخ محمد بن عبد الله في كتاب "التوحيد" الباب الثاني، فقال: باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب، وذكر بعض هذه الأحاديث، ذكر حديث عبادة بن الصامت، وحديث عتبة.
فهذه الأحاديث منها ما اقتُصِرَ فيه على شهادة أن لا إله إلا الله، أو لا إله إلا الله، بعضها فيه ذكر الشهادتين، ومنها ما فيه أكثر من ذلك كما في حديث عبادة، ومنها ما فيه إطلاق القول: من قال: "لا إله إلا الله"، أو: من شهد أن لا إله إلا الله، ومنها ما فيه ذكر قولها مقيدا، ففي حديث عبادة : من قال: "لا إله إلا الله" يبتغي بذلك وجه الله، إن الله حرم على النار من قال: "لا إله إلا الله" يبتغي بذلك وجهه .
وفي حديث سعيد، عن أبي هريرة في قصة ما وقع لهم في غزوة تبوك من أنه -عليه الصلاة والسلام- لما أصابتهم مجاعة أمرهم بجمع ما في أزوادهم، فجمعوا شيئا يسيرا هذا جاء بكف من تمر، وهذا بكف من ذرة، فجمعوا شيئا، فدعا فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم قال: خذوا فاملئوا أوعيتكم. وأكلوا وشربوا وبقيت بقية، فذكر الرسول -عليه الصلاة والسلام- وشهد الشهادتين أشهد أن لا إله إلا الله قال -عليه الصلاة والسلام-: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكٍ إلا دخل الجنة، أو أدخله الجنة .
فالأحاديث فيها ذكر الشهادة، وذكر الإخلاص، وذكر العلم، وعدم الشك، مما يدل على أنه لا يكفي مجرد التلفظ بها، لا يكفي مجرد النطق بها كما سيأتي أنه لا بد من شروط.
وقد أخذ العلماء من هذه الأحاديث الشروط، كما تعلمون ذلك في دراساتكم الأولية، الشروط : العلم واليقين والانقياد، والصدق والإخلاص، والمحبة والقبول، والكفر بما يُعبد من دون الله، هذه الشروط، هذه مستوحاة ومستمدة من الأحاديث.
فأول هذه الأحاديث؛ حديث معاذ -رضي الله تعالى عنه-، وكان رديف النبي على الحمار، راكبا معه، قال: يا معاذ فيقول: لبيك وسعديك. يعيد له هذا الخطاب وهذا النداء مرات ليستجمع معاذ ذهنه، وليتم إقباله؛ فالأمر عظيم.
يا معاذ -في اللفظ المعروف المشهور في إحدى الروايات- أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم ... الحديث.
وفي هذه الرواية قال: "من شهد أن لا إله إلا الله"، لفظ الحديث عند الرواية الأولى. نعم اقرأ لفظه.
ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار .
نعم، في هذه الرواية: ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار يوافق حديث عتبان وغيره "إلا حرمه الله على النار".
هو بمعنى: وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا فالحديث واحد؛ لأن اختلاف الروايات راجع إلى الرواية بالمعنى، والروايات متفقة في معناها؛ فشهادة أن لا إله إلا الله هذا هو حقه على العباد، أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا، حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، هو مضمون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
فشهادة أن محمدا رسول الله تتضمن الإيمان به وبما جاء به -عليه الصلاة والسلام-، وأعظم ما جاء به التوحيد، وقوله: إلا حرمه الله على النار هذا هو معنى قوله في اللفظ الآخر: وحق العباد على الله ألا يعذبهم أو ألا يعذب من لا يشرك به شيئا .
وفي ذكر الشهادة ، الشهادة تدل على معانٍ تقتضي العلم واليقين، لا بد من العلم، فالشهادة باللسان بلا علم هذه كذب، ولا بد في الشهادة من صدق، لا بد أن تقوم الشهادة على علم، وعلى صدق، فالمنافقون لما قالوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم أكذبهم الله، • ( ) .
فكل هذه الأحاديث ليس فيها إطلاق الوعد على مجرد القول، الوعد بالنجاة من النار، أو بالتحريم على النار، أو بدخول الجنة، ليس في شيء منها ترك ذلك إلى مجرد القول، وإن ورد شيء مضاف إلى مطلق القول فإنه مقيد بالنصوص المتضمنة لتلك الشروط، من العلم، من الإخلاص، من الصدق من اليقين المنافي للشك، "غير شاكٍ" كما في الحديث.
فهذه الأحاديث فهم منها أهل العلم الدلالة على فضل التوحيد، وعظيم ثوابه، وعظيم أثره، وهؤلاء هم أهل الفهم الصحيح، وسيأتي كلام المؤلف على هذه الأحاديث، وذكر مذاهب الناس فيها.
فأما المرجئة فاتخذوها شبهة لهم، أخذوا من هذه الأحاديث أنه يكفيهم من دين الله أن يقولوا: "لا إله إلا الله" بألسنتهم، ولم ينظروا إلى ما قُيدتْ به من الصدق والإخلاص والانقياد الذي يقتضيه لفظ الشهادة، فقوله -عليه الصلاة والسلام- : أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله .
ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
في حديث عبادة: "من شهد" بلفظ الشهادة ، الذي يقول بلسانه: "لا إله إلا الله" من غير علم ولا يقين، من غير علم بمعناها وما تقتضيه، هو في الحقيقة لم يتحقق بحقيقة الشهادة، لم يتحقق بحقيقة الشهادة؛ إنما هو يقول هذه الكلمة بلسانه، وليس هذا هو المطلوب، وليس هذا هو الذي رُتِّبَ عليه دخول الجنة، والنجاة من النار، والتحريم على النار، ليس هذا الوعد العظيم، ليس مرتبا على مجرد النطق بها مع الإتيان بكل أو ببعض ما ينقضها.
والأدلة على بطلان هذا الفهم وهذا التوجه السيئ أدلة كثيرة؛ فالصحابة قاتلوا المرتدين وهم يقولون: "لا إله إلا الله"، أتباع مسيلمة، وقاتلوا مانعي الزكاة وهم يقولون: "لا إله إلا الله"، وعلي -رضي الله تعالى عنه- قتل السبئية الغلاة وهم يقولون: "لا إله إلا الله"، وهكذا.
يقولونها، وقد أوضح هذا المعنى وجلاه واستشهد له ببعض هذه الشواهد وغيرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في آخر الرسالة والكتاب المعروف: "كشف الشبهات"، في آخره قد أبطل هذه الشبهة -شبهة المرجئة-الذين يقولون: إنه -يعني- لو يكفي في التحقق من الإسلام وعصمة الدم والمال قول "لا إله إلا الله" في آخر "كشف الشبهات" أتى بشواهد وبأدلة قيمة مفحمة لأصحاب هذا التوجه الباطل.
ونأتي إلى ما أورده المؤلف من موقف أهل السنة من هذه الأحاديث ومذاهبهم فيها، فإن هذه الأحاديث هي في الحقيقة يمكن أن يصدق عليها أنها من النصوص المتشابهة، القرآن والحديث فيه محكم ومتشابه، فيه الواضح البين، وفيه المتشابه ، الآيات وهذا كما قال -سبحانه وتعالى- : • ( ) .
وهذا المسلك لأهل الزيغ هم يسلكونه في الآيات المتشابهات، وفي الأحاديث المتشابهات التي هذه منها، نصوص الوعد، بل وكذلك نصوص الوعيد هي كلها من المتشابه، ولهذا حصل بسببه، حصل هذا الانقسام، وهذا الافتراق في فهمها، فهدى الله أهل السنة والجماعة الذين اتبعوا السلف الصالح، اتبعوهم بإحسان، هداهم إلى الصواب، فردوا النصوص بعضها إلى بعض، وجمعوا بين نصوص الوعد والوعيد، جمعوا بين نصوص الوعد والوعيد، ففهموا عن الله ورسوله، فهموا عن الله ورسوله فهما حسنا.
وأما أهل الضلال من أهل البدع، من الخوارج والمعتزلة وغيرهم ومن المرجئة، فقد ساء فهمهم لكلام الله وكلام رسوله.
ولما في هذا الحديث وأمثاله من الاشتباه نهى النبي معاذا من أن يحدِّث به الناس، قال: أفلا أبشر الناس؟ أو أفلا أحدث الناس فيستبشروا؟ قال: لا، إذن يتكلوا، لا تبشرهم فيتكلوا.
ولا ريب أن المراد بالناس : الناس الذين لا يحسنون -يعني- فهم هذا الحديث، معاذ وهذا فيه فضيلة له، وأنه ممن يحسن الفهم عن الله ورسوله، فلهذا خصه بالتحديث بهذا الأمر، ونهاه عن أن يحدث به سائر الناس وعموم الناس، وفي أصحاب رسول الله كثير ممن هو في منزلة معاذ وفوقها.
ولهذا عمر نفسه لما أخبر عن الرسول بهذا المعنى، وأنكر عليه عمر أن يحدث به، واستثبت منه الحديث حتى رجع إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- يشتكي عمر، ذكر عمر أنه يخاف على الناس أن يتكلوا، "إذن يتكلوا، إذن يتكلوا"، وقال: دعهم يعملوا، دعهم يعملوا.
فكثير من الناس إذا سمع أحاديث الوعد حمله ذلك على التقصير في العمل، بخلاف أهل العلم والإيمان والبصيرة؛ فإنه لا تحملهم أحاديث الوعد وأدلة الوعد والفضل والفضائل إلا على مضاعفة الجهد، فالعشرة المبشرون بالجنة لم تزدهم هذه البشارة إلا جدا واجتهادا، وهكذا أمثالهم لا يأخذون من هذه البشائر ما يحملهم على البطالة، وعلى الإخلاد إلى الدعة، والتقصير في الواجبات، بل لا يحملهم ذلك على التقصير في الفضائل والنوافل؛ بل هم يعلمون إن ما بُشروا به من دخول الجنة إنما كان ذلك للأعمال التي جعلها الله سببا لبلوغ هذه المنازل.
ولعلنا اليوم نكتفي بهذه المقدمات، ونأتي بعد ذلك لما ذكره المؤلف من أقوال ومذاهب أهل السنة في هذه الأحاديث، والجواب عنها، وعن احتجاج المرجئة بها، صلى الله وسلم وبارك على نبيه ورسوله.
أحسن الله إليكم.
س: وهذا سائل يقول: هل يغفر الله الشرك الأصغر؟ وإذا كان لا يغفره فهل يوجب الخلود في النار؟
ج: من أهل العلم من يطلق أنه لا يغفر، ومن قال: إنه لا يغفر. لا يقول: إنه يوجب الخلود، ويوجب دخول النار؛ بل قد لا يدخل النار، فضلا عن أن يوجب الخلود، فأما الخلود فلا يقول به أحد، لا يقول أحد: إن الشرك الأصغر يوجب الخلود في النار لمن مات عليه.
لكن منهم من يقول: إنه قد لا يغفر -يعني لا يغفر- لكن يمكن أن يسقط العقاب عن صاحبه برجحان الحسنات، وهذا يؤول إلى أنه يُغفر، فإذا سقط العقاب آل الأمر إلى المغفرة والحمد لله.
والأظهر عندي فيما ظهر لي -والله أعلم- أنه داخل في عموم: ( ) .
فالشرك الذي توعد الله عليه بنفي الغفران هو الشرك الذي قال الله فيه: • • ( ) .
والشرك الأصغر لا يجعل صاحبه في عداد المشركين الذين جاء في النصوص في الأمر بقتالهم، والوعيد بخلودهم في النار • • ( ) .
أفيدخل في ذلك صاحب الشرك الأصغر؟ لا، لا يدخل في هذه النصوص في وعيد المشركين في الخلود في النار، والله أعلم.
أحسن الله إليكم.
س: وهذا يقول: ما هو ضابط العمل الذي يدخل صاحبه في الإيمان ولا يخلد في النار؟ وهل يكفي أي عمل، مثل قطع غصن شجرة تؤذي الناس؟ سبحان الله! سبحان الله! لا حول ولا قوة إلا بالله! وهل أيش؟ وهل يكفي أي عمل، مثل قطع غصن شجرة تؤذي الناس كما جاء في الحديث؟
ج: هذه من شبهات أهل الإرجاء المعاصرين، هم الذين يمثلون بمثل هذا المثال، الأعمال التي فرضها الله منها أركان الإسلام، ومنها الواجبات الكثيرة، فالذي يشهد أن لا إله إلا الله شهادة الحق، عالما بها، صادقا في قولها، لا يكفيه من دين الإسلام أن يقطع شجرة، هذه فرضيات في الحوار والجدل، في الجدال يأتي الناس بافتراضات، أتظن هل يتصور أن مسلما يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. ثم يصمم ويعزم على أنه لا يفعل من دين الله إلا مثل هذه الأمور التي يفعلها مختلف الناس؟!
قطع الشجرة، إزالة الأذى، وإماطة الأذى عن الطريق هل يختص أهل الإسلام بفعلها؟ أليست هي من الأمور العادية؟ هي أمر عادي؟ نعم، أقول: إن إماطة الأذى عن الطريق ليس من الإيمان إلا بالنية، لو أماط الإنسان الأذى عن الطريق، أو قطع شجرة عن الناس تؤذيهم، يعني: من باب الإحسان الذي يقصده كثير من الناس ذوي الأخلاق، الحقيقة إن هذا خلق كريم، إزالة الأذى عن الناس أمر عادي، لكن من الذي يزيلها إيمانا واحتسابا، إيمانا بوعد الله، واحتسابا لثوابه، إيمانا بأن الله يحب منه ذلك، واحتسابا لثواب ذلك؟ من هو؟ الصادق في إيمانه.
فالذي يقطع الشجرة لهذا أتراه يصر على ترك الصلوات، وصيام رمضان، والحج، لا يقيم شيئا من الشعائر؟! فلا يكون هذه أشياء تُفترض افتراضا، وتُقال في الجدل، نعم، نسأل الله السلامة والعافية.
أحسن الله إليكم.
س: يقول: فضيلة الشيخ، هل يكفر من طاف على قبر إذا قامت عليه الحجة؟
ج: نعم، يكفر إذا دُعِي، وبُيّن له، وهو يطوف على القبر، يتقرب إلى صاحب القبر، يتقرب إلى صاحب القبر -كما هو الغالب- يكفر، ما الذي يمنع؟ الكفر يأتي بكلمة، الكفر يحصل بكلمة، يحصل بالفعل، فما الذي يمنع من أن يكفر؟
من أهل العلم من يرى أنه كافر حتى ولو لم يؤمر ما دام أنه مسلم، هو كافر لكن هذا يرجع إلى مسألة الكلام في العذر بالجهل، قد يعذر أو لا يعذر، لكن ما دام أنه يعبد غير الله، يعبد هذا الميت، يتقرب إليه، يسجد له، يطوف به تقربا إليه، لكن الذي فيه نظر لو ظن أن هذه عبادة يتقرب بها إلى الله، فلا بد أن تفرق بين الصلاة عند القبر لله، أو الطواف بالقبر لله، وبين أن يسجد لصاحب القبر، يعبد صاحب القبر في الصلاة أو الطواف، لا بد من الفرق بين التصورين والحالتين. نعم.
أحسن الله إليكم.
س: وهذا يقول: هناك أثر عن أحد السلف أنه يقول: من قال: إن الإيمان يزيد وينقص فقد خرج من الإرجاء، فهل هذا صحيح ؟
ج: من قال: إن الإيمان يزيد وينقص. إذا علمنا إن المرجئة يقولون: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، لا يزيد ولا ينقص، وهذا القائل، أنا لا أدري عن هذا النقل، لكن أعلق عليه حسب ما ورد في السؤال، إذا كان المميز للمرجئة أنهم يقولون: الإيمان لا يزيد ولا ينقص. إذا كان هذا هو المميز لهم.
فإذا قال القائل: إن الإيمان يزيد وينقص. فإنه يخرج عن مذهب المرجئة، هذا ... لكن إذا كان مذهب المرجئة له جوانب أكثر من هذا، يعني: وأول ذلك إخراج مسمى الأعمال عن مسمى الإيمان، إخراج الأعمال عن مسمى الإيمان، إذا كان هذا هو أصل مذهبهم، ومحور الخلاف بينهم وبين أهل السنة.
فإذا كان هذا القائل الذي يقول: إن الإيمان يزيد وينقص. يوافق على إن الأعمال ليست من الإيمان، لكن يقول: إن التصديق الذي في القلب يزيد وينقص، فهل يخرج عن مذهب المرجئة؟ لا يخرج، لكن غاية الأمر أنه خرج خروجا جزئيا، خرج في أنه لم يوافقهم على قولهم: إن الإيمان لا يزيد لا وينقص.
والشخص قد يكون مرجئا، ولكنه قد يخرج عن مذهب المرجئة في شيء، وهكذا في سائر المذاهب، يكون الشخص من هذه الطائفة، ويخرج عنها في مسألة ما من المسائل، وخروجه في تلك المسألة لا يخرجه عن نسبته لتلك الطائفة بإطلاق، ولعل إن صح هذا النقل إنه بما إن المرجئة -يعني- في الأصل والمعروف عنهم إنهم يقولون: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص. جعل هذا القائل؛ لأن هذه مقياس فمن قال: الإيمان يزيد وينقص. فمعناه عنده أن العمل من الإيمان؛ وأن الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، والله أعلم.
أحسن الله إليكم.
س: وهذا يقول: يقول بعض المرجئة: إن العمل من الإيمان لكن ليس شرطا في صحة الإيمان، فمهما تخلف العمل فإن الإيمان صحيح، فهل هذا صحيح؟
ج: لا والله، ما هو صحيح على هذا الإطلاق، الأعمال أنواع، الأعمال والتروك أنواع، فشعب الإيمان التي ذكرها الرسول -عليه الصلاة والسلام- نبه أهل العلم على أن من شعب الإيمان ما يزول الإيمان بزواله، ومن شعب الإيمان ما لا يزول الإيمان بزواله، بل ينقص، ويختلف النقص بحسب مراتب شعب الإيمان. نعم.
أحسن الله إليكم.
س: يقول: فضيلة الشيخ، ما الفرق بين الجبرية وأهل السنة؟
ج: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، الجبرية يقولون: إنك أنت الآن في قيامك وقعودك وذهابك ومجيئك وصلاتك وركوعك مثل الشجرة، ما لك إرادة، ولا قدرة، يعني: حركتك في قيامك وذهابك مثل حركة المصاب بالرعشة المرتعش، فهذا مذهب الجبرية، الإنسان ما له اختيار، ولا إرادة، ولا قدرة، ولا شيء، هو مسلوب، يعني: مثل الذي يسقط من شاهق، ما له إرادة، يقولون: إن حركة الإنسان المكلف كحركة الأشجار، وحركة المرتعش، وحركة النائم.
أما أهل السنة يقولون: لا، هذه حركة إرادية، لا أن أنتم وكل عاقل يقسم حركة الإنسان إلى قسمين: حركة إرادية، وحركة لا إرادية، فقيامه وقعوده، وذهابه ومجيئه وكلامه حركة إرادية، وأما حركته نائما فهي حركة لا إرادية، يتحرك بلا إرادة منه.
كذلك المقهور، المكره على الشيء الذي يُلقى من مكان شاهق، حركته من فوق لتحت حركة إرادية؟ حركة لا إرادية، إلى آخره، الأمثلة كثيرة.
أحسن الله إليكم.
س: فضيلة الشيخ، من يقول: إن شروط "لا إله إلا الله" ليست شروط صحة كلها، وإنما بعضها شروط صحة، وبعضها شروط كمال، ومنهم من يقول: إنها بحسب حال الشخص. أفتونا مأجورين بالصحيح في هذه المسألة، وجزاكم الله خيرا.
ج: لعله يأتي الكلام في هذا المناسبة إن شاء الله، الشروط -إن شاء الله- لنا معها وقفات.
أحسن الله إليكم.
س: وهذا يقول: فضيلة الشيخ، هل يدخل العلمانيون في الإرجاء.
ج: ما أدري، العلمانيون كلمة حديثة، ومصطلح جديد، فإذا أُريد بالعلماني من -يعني- يفرق في دين الله، ويقول: إن الدين -يعني- مخصوص فيما بين العبد وربه، ولا علاقة له بشئون الحياة، هذا يكفر؛ لأن دين الله شامل، لا يخرج عنه شيء، لا بد أن يحكم، لا بد من تحكيم شرع الله في كل تصرفات العباد، من أخرج شيئا عن تحكيم الشرع وقال: هذا لا يُحَكَّم فيه الشرع، الشرع يجب تحكيمه في العبادة ، يجب تحكيمه في التعامل، في تعامل الناس، في البيع والشراء، وفي العلاقات، وفي السياسة، يجب تحكيم الشرع في السياسة، في العلاقات بين الأمة الإسلامية وأعدائها، في العلاقات الأسرية، يجب أن تكون العلاقات الأسرية يحكم فيها شرع الله، الشريعة شريعة كاملة شاملة.
انظر إلى أبواب الفقه، فيها العبادات، وفيها المعاملات، وفيها الجنايات، وفيها الجهات، نظام يشتمل على أنظمة كثيرة.
فالذي يعتقد خروج شيء من أعمال الناس إنه لا يَحكُم فيها الشرع، ولا يُحَكَّم فيها الشرع، يعني: يجب تحكيم الشرع في الكلام، وفي اللباس، وفي النظر، وفي الذهاب، أنت عبد، ليس لك أن تفعل ما تشاء كما تشاء، أنت عبد لا بد أن تتحقق بالعبودية لله، وتحقيق العبودية لله إنما تكون بتحكيم شرعه، بأن تحكم شرع الله على نفسك وغيرك. نعم.
أحسن الله إليكم.
س: يقول: فضيلة الشيخ، حديث البطاقة وحديث الجهنميون، هؤلاء لم يفعلوا خيرا قط، فيدخلون الجنة بغير عمل، كيف نفهم هذا الحديث، وجزاكم الله خيرا؟
ج: أجِّلْه -إن شاء الله- في الموضوع، الموضوع معكم، كل مواضيع هذه الرسالة في هذا الإطار، لا تستعجلوا بالأسئلة.
أحسن الله إليكم.
س: يقول: تحكيم الهوى، واتباع الشهوات، هل يدخل هذا في الشرك، وجزاكم الله خيرا؟
ج: نعم، تحكيم الهوى نوع من الشرك، الرسول -عليه الصلاة والسلام- سمى الذي قد استولى عليه حب الدنيا، فيرضى بحصولها، ويسخط لفقدها، سماه عبدا تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة .
يعني: قلبه متعلق، يريد خميصة، أو يريد خميلة، هذه أمثلة، فإذا لم تحصل له سخط، وإذا حصل عليها رضي، هو يسخط على من يمنعه من مراده، ولعله يسخط على ربه، ويسخط قضاء الله الذي -يعني- لم يتحقق له ما يريد من شهوات دنياه. آخر سؤال.
أحسن الله إليكم وأثابكم، ونفعنا بعلمكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أهل التوحيد لا يخلدون في النار وإن دخلوها
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
قال -رحمه الله تعالى- : أهل التوحيد لا يخلدون في النار وإن دخلوها، وأحاديث هذا الباب نوعان:
أحدهما: ما فيه أن من أتى بالشهادتين دخل الجنة، أو لم يحجب عنها، وهذا ظاهر؛ فإن النار لا يخلد فيها أحد من أهل التوحيد الخالص، وقد يدخل الجنة ولا يحجب عنها إذا طهر من ذنوبه بالنار.
وحديث أبي ذر معناه أن الزنا والسرقة لا يمنعان دخول الجنة مع التوحيد، وهذا حق لا مرية فيه، ليس فيه أنه لا يعذب يوما عليهما مع التوحيد.
وفي مسند البزار عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- مرفوعا: من قال: لا إله إلا الله نفعته يوما من دهره يصيبه قبل ذلك ما أصابه .
والثاني: ما فيه أنه يَحرُم على النار، وهذا قد حمله بعضهم على الخلود فيها، أو على نار يخلد فيها أهلها، وهي ما عدا الدرك الأعلى؛ فإن الدرك الأعلى يدخله خلق كثير من عصاة الموحدين بذنوبهم، ثم يخرجون بشفاعة الشافعين، وبرحمة أرحم الراحمين.
وفي الصحيحين أن الله -تعالى- يقول: وعزتي وجلالي لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه .
ساق المؤلف جملة من الأحاديث -كما تقدم- مما يدل على فضل التوحيد، ونجاة أهل التوحيد من النار، تحريمهم على النار، دخولهم الجنة، وأنهم لا يُحجَبون منها.
وذكرت لكم أن هذه النصوص هي -في الحقيقة- نظائرها كثيرة، وهي مع نصوص الوعيد وغيرها من نوع المتشابه الذي يشتبه معناه، ويخفى معناه على بعض الناس، ولهذا وقع ما وقع من الافتراق والانقسام والاشتباك، فضل بهذه الأحاديث أهل الإرجاء، سواء كان هذا الإرجاء -يعني- مؤصلا على اعتقاد في مفهوم الإيمان، وفي حقيقة الإيمان، أو كان من الشُبَه التي يلقيها الشيطان في نفوس بعض العصاة، وإن لم يكونوا ممن يعتقد أو يعتنق مذهب المرجئة.
كثير من العصاة من أهل السنة ممن لا يقولون أو يعتقدون أو يعرفون مذهب المرجئة في الإيمان، إذا سمعوا مثل هذا الحديث ألقى الشيطان في نفوسهم التهاون بالمعاصي، وفهموا من ذلك أن معاصيهم لا تضرهم، أو أن توحيدهم يمنعهم من العذاب، ويوجب لهم دخول الجنة.
وهذا جهل واغترار، اغترار برحمة الله ومغفرته، وجهل في المراد من هذه النصوص، نصوص الوعد، وهذا حتى ينسحب هذا المعنى على الأحاديث التي فيها أن من فعل كذا دخل الجنة، ومن فعل كذا -يعني- وقاه الله من النار، اتقوا النار ولو بشق تمرة .
يمكن يقول بعض الناس : اتقوا النار ولو بشق تمرة، تصدقوا بتمر، بتمر كثير، وبصدقات تكون لك حجابا من النار، ولو فعلت تكون لك حجابا من النار ولو اقترفت المعاصي الأخرى.
فنصوص الوعيد ضل بها المرجئة، وضل بها الجهلة من أهل السنة، عصاة من أهل السنة يخطئون الفهم، ويُلَبِّس عليهم الشيطان، يزين لهم أن ما يقومون به من أعمال صالحة -يعني- يعصمهم من الوعيد المرتب على معاصيهم، من سوء الفهم، يعني: من سوء الفهم ظن من يظن أن -مثلا- كما أشار المحقق أنه إذا صلى الجمعة فصلاة الجمعة تكفر ما بينها وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام، كما جاء في الحديث الصحيح، وهذا حق، لكن ليس كما يظن الجاهل أن صلاته الجمعة تكفيه عن أداء الفرائض والصلوات، وتوجب له مغفرة ما يقترف من كبائر الذنوب.
فأحاديث الوعد بمغفرة الذنوب المرتب على الأعمال الصالحة، هذا محمول عند أهل العلم على الصغائر، كما جاء النص بذلك: الجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفارة ما بينهن -أو لما بينهن- ما اجتنبت الكبائر، أو إذا اجتنبت الكبائر .
أو في الحديث الآخر: ما لم تؤتَ كبيرة .
فالذي يظن أن محافظته على الصلوات، وإتيانه بالعمرة، أن هذا يكفر عنه ما يقترفه من كبائر الذنوب من الزنا، أو من شرب الخمر، وأكل الربا، وعقوق الوالدين، وما أشبه ذلك، هذا من خدع الشيطان، ومن الاغترار بمغفرة الله، ومن سوء الفهم بكلام الله وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام.
بعد هذه الأحاديث المؤلف يصنفها إلى صنفين: ما فيه الوعد بدخول الجنة، أن من أتى بهذه الشهادة بصدق وإخلاص ويقين دخل الجنة، أو لم يُحجب عن الجنة، يقول: هذه لا إشكال فيها؛ فإنها ليس فيها نفي أنه يعذب على قدر ذنوبه، أو يعذب ما شاء الله ثم يُخرج من النار، إنما فيها الإخبار بدخول الجنة، والموحدون -وإن عذبوا- فمصيرهم ومآلهم ونهايتهم إلى الجنة.
فهذه الأحاديث لا إشكال فيها، ولا متمسك فيها، يعني: للمرجئة، لكن التي فيها الإشكال والشبهة فيها أظهر الأحاديث التي فيها: إن الله حرم على النار من قال: "لا إله إلا الله" يبتغي بذلك وجه الله .
"حرم على النار"، أو فيها نفي العذاب، من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، يعني: أنه لا يعذب.
من مات وهو لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة "وهو لا يشرك بالله شيئا" يعني: هذه ممكن يُحْمَل على الشرك الأكبر، فيظن الظان -وهذا يمكن أن يقال من جنس الأول، من جنس الذي لا إشكال فيه، المهم التي فيها إشكال هو ما فيه نفي العذاب، التحريم على النار، إن الله لا يعذب من لا يشرك به شيئا، حق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا.
ثم سينقل لكم مذاهب الناس في الجواب، مذاهب يعني: أهل السنة، أهل السنة القائلين بأن أهل الكبائر مستحقون للوعيد، مستحقون للوعيد، وأن لهم أجوبة، انقسموا في هذه الأحاديث إلى مذاهب:
فالمذهب الأول: أنهم حملوا هذه الأحاديث على الخلود، إن الله حرم على النار من قال: "لا إله إلا الله" يعني: حرم عليه الخلود فيها، أو قوله: "حرمه الله على النار" يعني: حرمه على الخلود، حمله على الخلود، أو حمله على النار نار المشركين؛ فالنار مراتب أو دركات، فنار معدة للكافرين للخلود فيها، فهذه هي التي حرمها الله على أهل التوحيد، وحرمهم عليها.
أما النار المعدة للعصاة، المعدة للتطهير، معدة للتطهير لا للخلود، فهذه ليست مرادة في مثل هذه الأحاديث، هذا من الأجوبة، وليس هو بالبين؛ لأن اسم النار شامل، اسم النار شامل لكل دركاتها .
كيف وفي بعض نصوص الوعيد ذُكر الخلود • ( ) نعم. الثاني.
الثاني: ما فيه أنه يَحْرُم على النار، وهذا قد حمله بعضهم على الخلود فيها، أو على نار يخلد فيها أهلها، وهي ما عدا الدرك الأعلى؛ فإن الدرك الأعلى يدخله خلق كثير من عصاة الموحدين بذنوبهم، ثم يخرجون بشفاعة الشافعين، وبرحمة أرحم الراحمين .
هذا هو الجواب الأول. نعم.
شروط لا إله إلا الله
شروط "لا إله إلا الله" ، وقالت طائفة من العلماء: المراد من هذه الأحاديث أن "لا إله إلا الله" سبب لدخول الجنة، والنجاة من النار، ومقتضٍ لذلك، ولكن المقتضي لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه، فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه، أو لوجود مانع، وهذا قول الحسن ووهب بن منبه، وهو الأظهر.
وقال الحسن للفرزدق وهو يدفن امرأته: ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة. قال الحسن: نعم، إن لـ"لا إله إلا الله" شروطا، فإياك وقذف المحصنة.
ورُوِيَ عنه أنه قال للفرزدق: هذا العمل فأين الطنب؟ وقيل للحسن: إن ناسا يقولون: من قال: "لا إله إلا الله" دخل الجنة. فقال: من قال: "لا إله إلا الله"، فأدى حقها وفرضها دخل الجنة.
وقال ابن منبه لمن سأله: أليس "لا إله إلا الله" مفتاح الجنة؟ قال: بلى، ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فُتح لك وإلا لن يفتح لك.
وهذا الحديث أن مفتاح الجنة "لا إله إلا الله" خرجه الإمام أحمد بإسناد منقطع عن معاذ قال: قال لي رسول الله إذا سألك أهل اليمن عن مفتاح الجنة فقل: شهادة أن لا إله إلا الله .
ويدل على صحة هذا القول أن النبي رتب دخول الجنة على الأعمال الصالحة في كثير من النصوص، كما في الصحيحين عن أبي أيوب: أن رجلا قال: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة. فقال: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-: أن رجلا قال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة. قال: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. فقال الرجل: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئا، ولا أنقص منه. فقال النبي من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا .
وفي المسند عن بشير بن الخصاصية قال: أتيت النبي لأبايعه، فاشترط عليّ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأن أقيم الصلاة، وأن أوتي الزكاة، وأن أحج حجة الإسلام، وأن أصوم رمضان، وأن أجاهد في سبيل الله، فقلت: يا رسول الله، أما اثنتين فوالله لا أطيقهما: الجهاد والصدقة. فقبض رسول الله يده ثم حركها، وقال: لا جهاد ولا صدقة فبم تدخل الجنة إذن؟ فبم تدخل الجنة إذن؟! قلت: يا رسول الله، أنا أبايعك. فبايعته عليهن كلهن .
ففي هذا الحديث أن الجهاد والصدقة شرط في دخول الجنة، مع حصول التوحيد والصلاة والصيام والحج، ونظير هذا أن النبي قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
نكتفي بهذا.
القول الثاني في الجواب عن أحاديث تحريم من قال: "لا إله إلا الله" على النار، وتحريم النار عليه، وأن من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله فإن الله -تعالى- لا يعذبه.
القول الثاني: أن المراد أن التوحيد سبب مقتضٍ لدخول الجنة والنجاة من النار، وكل سبب شرعي أو كوني فإنه يتوقف تأثيره وحصول مقتضاه على وجود الشروط، وانتفاء الموانع، فمتى فُقِدَ الشرط أو وُجِدَ المانع لم يعمل السبب عمله، ولم يتحقق مقتضاه، والمؤلف يقول: إن هذا هو الصحيح.
والمؤلف يقول: إن هذا هو الصحيح، إن هذا القول هو الصحيح، ونَسَبَه للحسن البصري ووهب بن منبه، وهو في الحقيقة -يعني- نسبته إليهما، لا لاختصاصهما بهذا المعنى، لكن لوجود تلك الآثار عنهما.
فالحسن يبين أنه لا يكفي مجرد النطق بـ"لا إله إلا الله"، والتلفظ بـ"لا إله إلا الله"؛ بل لا بد من معرفة معناها، والتحقق من مقتضاها، واستشهد بقوله للفرزدق: ما عملت لهذا اليوم؟ قال: "لا إله إلا الله"، أو شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة. قال: نَعَم أو نِعْم، عندكم المحقق ذكر أنه في بعض النسخ: نِعْم العُدَّة.
نَعَم، شهادة أن لا إله إلا الله هي الأصل، فنِعْمَ العدة، ولكن لا بد من الحذر من معاصي الله، إياك وقذف المحصنات. يبين أن هذا لا يبرر، أو لا يُسَوِّغ الجرأة على المعاصي وانتهاك الحرمات.
وهذا الأثر عن وهب بن منبه، وهو كلام جيد عندما قيل له: ما تقول في قوله من قال: لا إله إلا الله. دخل الجنة أو أن "لا إله إلا الله" مفتاح الجنة ؟
فقال: نعم، ما من مفتاح إلا وله أسنان، المفتاح له أسنان.
وهذا معروف في نوع مفاتيح الأبواب، قديما الأبواب الخشب يكون لها سَكَر من الخشب يُسَمَّى مِجْرَى معروف، يعرفه مَنْ، نعرفه نحن وأدركناه، يعرفه من شهد نوعيته، المفتاح نفسه خشبة موضوع فيها أعواد تسمى أسنانا، إذا فُقد واحد منها ما يفتح؛ لأن هذه الأسنان ترفع الأعواد التي تمنع من الخشبة المعترضة التي تحبس الباب وتمنعه من الحركة، ترفع هذه الأعواد، هذه الأسنان، فينفتح الباب.
وهذا مثال طيب، ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فُتِحَ لك، وإن جئت بمفتاح ليس له أسنان لم يُفتح لك.
فالشيء الذي هو سبب لا يتحقق مقتضاه إلا بوجود الشروط، وانتفاء الموانع، وهذا الجواب جوابٌ محكم يَنتفع به الباحث في أمور كثيرة، استقرِئ هذا في الأمور الكونية كما في مسألة مفتاح الباب، وفي الأمور الشرعية، حتى في نصوص الوعيد اعْتَبِرْ هذا، في نصوص الوعيد يُعتبر هذا.
فمثلا: جاء الوعيد في شأن القاتل: ( ) .
أو الوعيد في شأن الفارّ من الزحف: • ( ) .
ونظائر ذلك كثير في نصوص الوعيد.
أيضا تجد في هذه النصوص -نصوص الوعد، ونصوص الوعيد- أن هذه الأمور التي رُتِّب عليها الوعد، وهي الأعمال الصالحة، أو الوعيد المُرَتَّب على المعاصي، هذه كلها تقتضي أن هذا الفعل سبب مقتضٍ لما رُتِّبَ عليه من ثواب، أو ما رُتِّبَ عليه من عقاب.
والسبب لا يترتب، أو لا يتحقق مقتضاه إلا بوجود الشروط وانتفاء الموانع، فهذه قاعدة -يعني- مهمة ونافعة في أمور كثيرة، وهذه القاعدة ترفع كثيرا من الإشكالات.
ففي المثال الذي ذكرته في باب الوعيد: ( ) الآية. قتل المؤمن سبب لدخول النار والخلود فيها، سبب يقتضي ذلك، ولكن دَلَّتْ النصوص على أن هناك ما يمنع من ذلك، التوبة مانع من هذا الوعيد بالاتفاق، باتفاق أهل السنة، والتوحيد مانع من هذا الوعيد، أي: من الخلود باتفاق أهل السنة، مانع.
فهذه المعصية أو هذا الذنب من كبائر الذنوب سبب مقتضيه، وهو -مع ذلك- مُقَيَّد بمشيئة الله • ( ) .
( ) .
فعلمنا أن هذا الوعيد معلق على المشيئة، فجائز أن يغفر الله لهذا القاتل بما شاء من أسباب، ولا يدخله النار، يغفر له، ويتجاوز عنه، ويُرْضِي عنه المقتول، فقد يكون لهذا القاتل من الأعمال الصالحة ما يقتضي ذلك، ما يقتضي مغفرة الله له، ونجاته من العذاب.
نعم، أَعِدْ يا شيخ فهد، أعد الموضوع من أوله، وقالت طائفة ..
وقالت طائفة من العلماء: المراد من هذه الأحاديث أن "لا إله إلا الله" سبب في دخول الجنة، والنجاة من النار، ومقتضٍ لذلك، ولكن المقتضي لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه، فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه، أو لوجود مانع
في هذه المناسبة تُذكر الشروط هنا، الشروط التي استنبطها أهل العلم، وهي شروط -في الحقيقة- تقتضي أنه لا يكفي مجرد النطق بها، الشروط المعروفة التي ذُكِرَتْ بالأمس، وهي محفوظة: العلم، والقبول، والصدق، الإخلاص، والمحبة، والانقياد، واليقين، والكفر بما يُعْبَد من دون الله.
هذه شروط، لا يتحقق مُقتضى هذه الكلمة إلا باستيفاء هذه الشروط، لا بد فيها من علم ويقين وصدق وإخلاص، وكل واحد من هذه الشروط له ضد، وآخرها وثامنها الكفر بما يُعبد من دون الله.
وإذا تحققت هذه الشروط، فيا تُرى هذه الشروط إذا تحققت على الوجه الأكمل، إذا تحققت في قلب العبد على الوجه الأكمل فإنها تمنع، يعني: توجب للعبد ألا يُصر على كَبيرة، ولا على تَرْك واجب؛ لأن هذه المعاني إذا تحققت في القلب على الوجه الأكمل أثمرت ثمراتها ( ) .
فإذا تحقق العلم التام، واليقين، والصدق، والإخلاص لله، والمحبة للتوحيد بما دلت عليه هذه الكلمة، يا تُرى أتراه يصر على شيء من المعاصي؟! هذه توجب الامتناع عن الإقدام على المعصية، وإن حصلت الهفوة فإنها تمنع من الإصرار على المعصية، لكن قد تضعف هذه المعاني، فيحصل الخلل، ويحصل النقص والتقصير في العمل. نعم.
وهذا قول الحسن ووهب بن منبه، وهو الأظهر.
وقال الحسن للفرزدق وهو يدفن امرأته: ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة. قال الحسن: نِعْم، إن لـ"لا إله إلا الله" شروطا، فإياك وقذف المحصنة.
وروي عنه أنه قال للفررزدق: هذا العمود، فأين الطنب؟
هذا العمود، فأين الطُنُب؟ يعني: هذا من باب التمثيل، كقول وهب بن منبه في شأن المفتاح، هذا العمود، فأين الطنب؟ البناء، أو الفسطاط، أو الخيمة، لا تقوم إلا بالعمود مع الطُنُب، فإذا سقط العمود لم تُفِد الطُنُب، وإن وُجِدَ العمود ولم توجد الطنب لم ينفع العمود، فالخيمة يتوقف الانتفاع بها على العمود وعلى الطُنُب، فباجتماعها يحصل الانتفاع والاستظلال، و .. فأين الطنب؟ نعم.
وقيل للحسن: إن ناسا يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة. فقال: من قال: لا إله إلا الله. فأدى حقها وفرضها، دخل الجنة.
وقال وهب ابن منبه لمن سأله: أليس "لا إله إلا الله" مفتاح الجنة؟ قال: بلى، ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فُتِحَ لك، وإلا لم يُفْتَح لك.
وهذا الحديث: إن مفتاح الجنة "لا إله إلا الله". خرجه الإمام أحمد بإسناد منقطع عن معاذ قال: قال لي رسول الله إذا سألك أهل اليمن عن مفتاح الجنة فقل: شهادة أن لا إله إلا الله .
ويدل على صحة هذا القول أن النبي رتب دخول الجنة على الأعمال الصالحة في كثير من النصوص كما في الصحيحين عن أبي أيوب: أن رجلا قال: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة. فقال: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-: أن رجلا قال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة. قال: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. فقال الرجل: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئا، ولا أنقص منه. فقال النبي من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا .
وهذه الأحاديث موافقة لما في القرآن، فالله -تعالى- في آيات كثيرة إنما رتب دخول الجنة على الإيمان والعمل الصالح • ( ) .
وقال -سبحانه وتعالى-: ( ) .
وقال تعالى: • • ( ) .
والآيات في هذا المعنى كثيرة (خطأ)إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى ( ) .
فدخول الجنة مرتب على الإيمان والعمل الصالح، على الإيمان والعمل الصالح، فهذه الأحاديث التي سُئل فيها الرسول -عليه الصلاة والسلام- عما يُدخل الجنة ويُباعد عن النار، فلم يقتصر على قوله: قل: لا إله إلا الله فقط. قل: لا إله إلا الله، لا، قال: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، هذا يتضمن معنى قول: لا إله إلا الله، أي: تخلص العبادة لله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم.
على ما في الأحاديث من تنوع الأجوبة لا يكون كلها فيها الجواب، يعني: بذكر التوحيد والأعمال الصالحة، منها حديث معاذ المشهور الذي رواه الترمذي، وهو من أحاديث الأربعين النووية: قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار. قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يَسَّره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت .
فذكر له أصول الإسلام ومبانيه العظام، وجعل ذلك هو السبب في دخول الجنة والنجاة من النار، جعل هذا جوابا لسؤال معاذ: أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار؟ فلم يقصر ذلك على قوله: قل: لا إله إلا الله، أو تعبد الله ولا تشرك به شيئا، مع أن قوله: "تعبد الله ولا تشرك به شيئا" يقتضي العمل، يقتضي العبادة، يقتضي إخلاص العبادة لله، فهذه الأحاديث موافقة لما جاء في القرآن كثيرا كثيرا.
وفي المسند: عن بشير بن الخصاصية قال: أتيت النبي لأبايعه، فاشترط عليّ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأن أقيم الصلاة، وأن أوتي الزكاة، وأن أحج حجة الإسلام، وأن أصوم رمضان، وأن أجاهد في سبيل الله. فقلت: يا رسول الله، أما اثنتين فوالله لا أطيقهما: الجهاد، والصدقة. فقبض رسول الله يده ثم حركها، وقال: لا جهاد ولا صدقة، فبمَ تدخل الجنة إذن؟! قلت: يا رسول الله، أنا أبايعك. فبايعه عليهن كلهن .
ففي هذا الحديث أن الجهاد والصدقة شرط في دخول الجنة، مع حصول التوحيد والصلاة والصيام والحج .
وهذا الحديث من جنس ما قبله باعتبار الأعمال، ولا سيما أركان الإسلام العظام: الصلوات الخمس، والزكاة، والصيام، والحج، وذكر في هذا الجهاد.
فيقول بشر بن الخصاصية: جئت لأبايع الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فاشترط عليه في المبايعة هذه الشروط: الشهادتين، وسائر مباني الإسلام، وأضاف إلى ذلك الجهاد، فأبدى الرجل الاستعداد للمبايعة على كل ما ذُكِر إلا الصدقة -يعني: الزكاة- والجهاد، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- قبض يده وقال -يعني-: كيف تدخل الجنة ولا صدقة ولا جهاد؟ ولا صدقة، ولا جهاد؟! يقول: فبايعته على الأمرين.
والمقصود من هذه المبايعة أن يلتزم المسلم بهذه الأمور، فمن امتنع عن أن يلتزم بالزكاة، أو التزم أن يمتنع من الجهاد، معنى هذا عدم القبول لهاتين الشريعتين، وهاتين الفريضتين، وإن كانت الزكاة فرض عين على من تحققت فيه الشروط، والجهاد الأصل فيه أنه فرض كفاية، لكن لا بد من الالتزام بالشرائع، لا بد من الالتزام بشرائع الإسلام، فلو جاء -يعني- إنسان ليدخل في الإسلام، وعُرض عليه الإسلام بشرائعه، وقال: أنا أقبل الإسلام إلا كذا، فإنه لا يكون مسلما.
فهذا الرجل يبدو أنه -يعني- أبدى عدم الاستعداد للالتزام بالصدقة والجهاد، فامتنع النبي عن مبايعته.
لا بد من الالتزام بشرائع الإسلام، وذلك بالإيمان بها، ونية القيام بها؛ لأن كثيرا من هذه الواجبات عند المبايعة لم يتهيأ القيام بها، الحج له وقت، والصيام له وقت، والجهاد يتوقف على وجود أسباب، والصدقة -أيضا- تتوقف على وجود المقتضي، وهو ملك المال، وملك النصاب، لكن الأمر -يعني- المتحتم في هذا المقام هو الالتزام بها، الالتزام بها، بالإقرار بوجوبها، وعقد العزم على القيام بها.
أما من يقول: أنا أقبل الإسلام إلا كذا. هذا أنا لا أقرّ به، ولا أعترف به، ولا أفكر أني أعمله، هذا لا يكون بهذا مسلما، لا بد لمن أراد الدخول في الإسلام أن يشهد الشهادتين، ويلتزم ببقية الشرائع، لا بد من الالتزام.
فالرجل -يعني- أولا اعترف بالصلاة والصيام والحج، وامتنع من الالتزام بالصدقة والجهاد، قال: كيف تدخل الجنة، ولا صدقة، ولا جهاد؟! فلما رأى أنه لا بد، وأن الصدقة والجهاد من الأهمية في الدين -من الأهمية بمكان- راجع نفسه، واستجاب لما عرض عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبايع على كل هذه المذكورات.
شروط دخول الجنة
ونظير هذا أن النبي قال: أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله .
ففهم عمر وجماعة من الصحابة أن من أتى بالشهادتين امتنع من عقوبة الدنيا بمجرد ذلك، فتوقفوا عن قتال مانعي الزكاة، وفهم الصديق أنه لا يمتنع قتاله إلا بأداء حقوقها لقوله فإذا فعلوا ذلك منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها .
وقال: الزكاة حق المال .
وهذا الذي فهمه الصديق، قد رواه عن النبي جماعة من الصحابة، منهم: ابن عمر وأنس وغيرهما، وأنه قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة .
ويدل على ذلك قوله تعالى: • ( ) .
كما دل قوله تعالى: • ( ) .
على أن الأخوّة في الدين لا تثبت إلا بأداء الفرائض مع التوحيد؛ فإن التوبة من الشرك لا تحصل إلا بالتوحيد.
ولما قرر أبو بكر هذا للصحابة رجعوا إلى قوله، ورأوه صوابا، فإذا عُلم أن عقوبة الدنيا لا ترتفع عمن أدى الشهادتين مطلقا، بل قد يُعاقَب بإخلاله بحق من حقوق الإسلام، فكذلك عقوبة الآخرة .
وهذه الأحاديث -أيضا- تؤيد ما سبق من اعتبار الأعمال في ثبوت حكم الإسلام، وفي النجاة من العقاب، ومن القتال أو القتل، ومن العذاب في الآخرة، وقد ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها .
منه أيضا من قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله .
في حديث ابن عمر في الصحيحين -كما ذكر المؤلف- فيه ذكر الأصول الثلاثة: الشهادتين، والصلاة، والزكاة، أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، فحسابهم على الله .
وهذا الحديث وما في معناه تماما مطابق للآيتين:
• ( ) .
• ( ) .
فأفادت الآيات والأحاديث أنه لا يُكَفُّ عن قتالهم إلا بالتوبة من الشرك، وذلك بالإتيان بالشهادتين، وبالتزام هذه الشرائع: الصلاة والزكاة، كذلك ما بعد بعدهما؛ لكن الاقتصار عليهما لأنهما أعظم أركان الإسلام، ومن التزم بهما فما بعدهما تابع لهما.
ويوضح هذا المقام ما جرى بين أبي بكر الصديق مع عمر ومن وافقه في شأن مانعي الزكاة، حيث عزم أبو بكر على قتالهم، فاعترض عليه عمر، وقال: كيف تقاتل من قال: لا إله إلا الله، وقد قال رسول الله أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها؟ فقال لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة. وقال: والله لو منعوني عقالا أو عناقا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه، قال عمر: فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعلمت أنه الحق .
فاتفق الصحابة على قتال مانعي الزكاة، اتفقوا على قتالهم، المؤلف يستنبط من هذا أن هذه الأحاديث تدل على أن التوحيد لا يعصم من عقوبة الدنيا؛ بل يبيح القتال، يعني: يباح قتال من امتنع من فريضة من فرائض الإسلام، يباح قتاله، يباح قتله ، بل قال -عليه الصلاة والسلام-: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني يجب قتل الثيب الزاني، يجب إقامة الحد عليه، مع أنه يشهد أن لا إله إلا الله.
لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة .
وقوله: "أمرت أن أقاتل الناس" إلى قوله: "إلا بحق الإسلام"، وفي لفظ الآخر: "إلا بحقها".
قال أبو بكر: الزكاة حق المال، وكل شرائع الإسلام هي من حقوق "لا إله إلا الله"، من حقوق "لا إله إلا الله" إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، كل ذلك حقها.
فعُلِمَ بهذا كله بُطلان مذهب المرجئة الذين يقولون: إنه لا يضر مع الإيمان ذنب، وأن قول: لا إله إلا الله يوجب النجاة من النار، وتحريم النار.
فلا بد من إعمال النصوص كلها، فالذي يأخذ بعض النصوص ويترك بعضا هذا متبعٌ لهواه، لا بد من رد النصوص بعضها إلى بعض، والجمع بينها.
وهذا هو المنهج الذي سار عليه أهل السنة، جمعوا بين نصوص الوعد والوعيد، جمعوا بين نصوص الوعد والوعيد، وفسروا بعضها ببعض، فلم يكفروا بالذنوب كما فعلت الخوارج، ولم يخرجوا من أصل الإيمان كما فعلت المعتزلة احتجاجا بقوله -عليه الصلاة والسلام-: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن .
ولم يفعلوا فعل المرجئة ويقولوا قولهم بأن التصديق بالقلب، ومعرفة الخالق، والنطق بكلمات التوحيد، إن هذا يكفي ويعصم من العذاب؛ فهذا التوحيد لم يعصم من عقوبة الدنيا.
الصحابة قاتلوا مانعي الزكاة، والرسول يقول أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة .
ومصداق ذلك في قوله تعالى: • ( ) .
فعُلِمَ أنه لا يُخَلَّى سبيلهم بمجرد -يعني- النطق بكلمة التوحيد من غير التزام بالشرائع.
هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
أحسن الله إليكم.
س: وهذا سائل يقول: كيف نحمل حديث القوم الذين بايعوا الرسول على كل شيء إلا الزكاة، فقبل ذلك منهم -صلى الله عليه وسلم-؟
ج: هذا إذا ساقه محمول على نوع من التدرج، على نوع من التدرج، وإلا فلا يمكن أن يستقر مثل قبول من قال: لا إله إلا الله و… كما تقدم في حديث أسامة، يعني: يجب الكف عنهم، فهؤلاء إن صح الحديث، أنا لا أدري درجته، هذا يحمل على نوع من التدرج في الدعوة. نعم.
أحسن الله إليكم.
س: يقول: بعض أهل المعاصي إذا نُصح أو أُنكر عليه، قال: الإيمان في القلب. فهل هذه العبارة صحيحة؟
ج: نعم، أصل الإيمان في القلب، أي والله، الإيمان أصله في القلب، ويتفرع من الإيمان في القلب إيمان الجوارح، فلا تصح -يعني: هذه الكلمة- لكنها كلمة حق أريد بها باطل.
فقول هذا القائل يشبه قوله التقوى هاهنا، ويشير إلى صدره يشبهه، فإذا قيل للعاصي: اتق الله، هذا حرام، هذا ما يجب. قال: التقوى في القلب، التقوى هاهنا. أو ذكر الحديث، كان من قبيل قلنا له: هذه كلمة حق أريد بها باطل. كما قال المشركون لما نهوا عن الشرك قالوا: ( ) .
قولهم: لو شاء الله ما أشركنا. أليس حقا؟ هو حق في ذاته، ولكنهم مبطلون؛ لأنهم ما أرادوا بها تحقيق التوحيد، أرادوا بها تبرير الشرك، ومعارضة الشرع، فهي كلمة حق أُريدَ بها باطل.
فالمتكلم إذا تكلم بكلمة حق يريد بها باطل فهو مُبْطِل؛ لأنه ما أراد ما في كلمته من الحق، إنما أراد الباطل الذي يُتَوَهّم منها، أو يمكن أن يفهمه منها بعض الناس. نعم.
أحسن الله إليكم.
س: يقول: ما مراد الشارع عندما يذكر عدم المغفرة في الكتاب أو في السنة؟
ج: عدم المغفرة، عدم المغفرة، الله قال: • ( ) .
وقال -سبحانه وتعالى-: • ( ) .
فالسؤال ما هو بَيِّن، فصاحبه عليه أن يوضحه، أو يتكلم إذا شاء.
أحسن الله إليكم.
س: وهذا يقول: هل بعض الفرق الضالة -وذكر بعض الفرق- يقول: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، هل يكون مصيرها الجنة بعد العذاب؟
ج: بعض الفرق الضالة، يعني: هذا بعض الفرق الضالة ممن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، يعني: يدخلوا الجنة بعد العذاب؟ هذا سؤاله؟ هذا يتصل بحديث: وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة وهم أهل الأهواء.
ففرق الضلال المتوعدون بهذا الوعيد منهم من حمله على الخلود في النار، وهذا يتضمن كفر هذه الفرق، أن كل هذه الفرق المذكورة في الحديث أنهم كفار؛ لأن الكفر هو الموجب للخلود في النار، وهذا قول ضعيف في الحديث.
ومنهم من قال: بل إن الوعيد المذكور في الحديث هذا من جنس وعيد العصاة، من جنس وعيد أصحاب الكبائر، وعيد، وهذه البدع، وهذه الأقوال أسباب مقتضية لهذا الوعيد، وهم تحت مشيئة الله؛ إن شاء الله غفر لهم، وإن شاء عذبهم.
والقول الثالث: أن هذه البدع وهذه الأهواء منها ما يوجب الكفر، فيوجب الخلود في النار لمن مات عليه، ومنها ما لا يوجب الكفر، فغايته أن يكون مقتضِيا لدخول النار، وهذا هو القول الوسط.
واقرءوا هذه المذاهب الثلاثة فيما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في الكلام على هذا الحديث، في المجلد الثالث من مجموع الفتاوى، تكلم على هذا الحديث بكلام -يعني- نافع، ذكر فيه الأقوال في الفرقة الناجية، وقول الإمام أحمد -رضي الله عنه تعالى ورحمه-: إن لم يكونوا من أهل الحديث فلا أدري من هم.
فذكر كلامهم، وذكر الأقوال الثلاثة في هذا الوعيد، أو في حكم هذه الفرق، فمن كان من أهل هذه الفرق -يعني: مُفَرِّطا في طلب الحق، ومتعصبا، ومتبعا لهواه- فهو مستحق للوعيد، ومن كان مجتهدا في معرفة الحق، طالبا للحق، ولكنه لم يوفق له، ولم يتهيأ له من يدله، فهو مخطئ، وهذا يكون جهله مع طلبه وإرادته للحق عذرا له، فلا يُعَذَّب.
وأوضح شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مواضع من أن الخطأ يجري في المسائل الاعتقادية كما يجري في المسائل العملية، ويستشهد بقصة الرجل الذي أمر أهله وأولاده أن يحرّقوه، وعَدَّ ذلك من الخطأ المغفور. نعم.
أحسن الله إليكم.
س: يقول: هل يشترط إذن الوالدين في طلب العلم والرحلة إليه؛ لأن والدتي تمنعني من ذلك، وجزاكم الله خيرا؟
ج: إذا كان هذا العلم من قبيل الفرض العيني فترك الفرض العيني معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أما إذا كان من نوع المستحب، والعلم واسع، وطرقه متعددة، فطاعة الوالدين في ترك المستحب قد تكون واجبة، طاعة الوالدين في ترك المستحب قد تكون واجبة.
ويُنْظَر إلى الدوافع التي تحمل أمك أو أباك على المنع من السفر لطلب العلم، إن كان المانع هو بغض الخير وأهله، وبغض العلم، فلا عبرة بمنعهما لسوء القصد، قصدهما، وقبح الدافع لهما.
أما إذا كان الباعث هو حاجتهما، يريدان أن تكون قريبا، تريد أمك -مثلا- أن تكون قريبا منها، تحتاج إليك، أو أنها تقلق عليك إذا رحلت وسافرت عنها، يكون قلبها مشغولا بك، فبر بأمك، وخذ من العلم ما تهيأ له من قرب، وأسبابه قد تيسرت ولله الحمد.
بر الأم، بر الوالدين عظيم، أبو هريرة يقول لما ذكر فضل مملوك، وروى حديث ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، يقول: لولا الجهاد وبر أمي لوددت أن أموت مملوكا كما جاء عنه -رحمه الله ورضي عنه. نعم.
أحسن الله إليكم.
س: يقول: ما هو الصحيح في عدد التعوذ بالله من النار حين يصبح وحين يُمسي؟ هل هي سبع مرات، أو ثلاث مرات، وجزاكم الله خيرا؟
ج: سبع مرات، ورد في الحديث سبع مرات، فقل: ربي أجرني من النار، ربي أجرني من النار سبع مرات. نعم.
أحسن الله إليكم.
س: يقول: بعض العوام لا يصرفون العبادة لغير الله -تعالى-، ولكن بعضهم لا يعرف معنى شهادة أن لا إله إلا الله، ويفسرونها إما بتوحيد الربوبية أو غيره، فهل هؤلاء قد انتقضت عنهم الشهادة لانتقاض شرط من شروطها، وجزاكم الله خيرا؟
ج: إذا كانوا يفسرونها عند السؤال بأنه -يعني- ما لنا رب غير الله، أو يقول: معناها أن الله رب كل شيء، لكنه في اعتقاده وفي عمله أن عبادة غير الله شرك، فهو فاهم لمعناها، وإن لم يكن بالطريقة، يعني: بطريقة علمية وترتيب كلام، "لا إله إلا الله" أي: لا معبود بحق إلا الله.
فمن العوام من لا يحسن هذا، يعني: لو قلت له: ما معنى "لا إله إلا الله"؟ يمكن ما يحسنها، لكن هو يعلم معنى: "لا إله إلا الله"، يعني: يعلم معناها بالتصور العام، يعني: هو ينكر ما يفعله المشركون وعباد القبور، يقول: هذا شرك، العبادة لله وحده، لا نعبد إلا الله، وهذا شرك، ويعرف أنهم مشركون.
أما إذا كان يعتقد أن "لا إله إلا الله"، يعني: لا خالق إلا الله، وأن -مثلا- دعاء الموتى، ودعاء الغائبين، والتوجه بهذه الأعمال، إن هذه ما تنافي "لا إله إلا الله"، فهو مشرك .
أحسن الله إليكم.
س: يقول: رجل وامرأته أسلما حديثا، وامتنعت المرأة عن الحجاب الشرعي، وقد ناصحها زوجها كثيرا، وهي ترفض ذلك وتقول: إنها لن تتحجب، فماذا يصنع ؟
ج: إن شاء الله يدعو لها بالهداية، ويجاهدها ويتلطف معها، ويدعو لها كثيرا، وهذا الإصرار منها له أسباب، يعني: النشأة، والضغوط الاجتماعية التي ستعاني منها، فتحتاج إلى شيء من الصبر والمثابرة، والمجاهدة والإقناع، والتذكير بفضل الحجاب، والمصالح المترتبة عليه. نعم.
أحسن الله إليكم وأثابكم، وجعل ما قلتم في ميزان حسناتكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بارك الله فيكم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال -رحمه الله تعالى-: وقد ذهبت طائفة إلى أن هذه الأحاديث المذكورة أولا وما في معناها كانت قبل نزول الفرائض والحدود، منهم الزهري والثوري وغيرهما، وهذا بعيد جدا؛ فإن كثيرا منها كان بالمدينة بعد نزول الفرائض والحدود، وفي بعضها أنه كان في غزوة تبوك، وهي في آخر حياة النبي وهؤلاء منهم من يقول في هذه الأحاديث: إنها منسوخة.
ومنهم من يقول: هي محكمة، ولكن ضم إليها شرائط، ويلتفت هذان إلى أن الزيادة على النص هل هي نسخ أم لا؟ والخلاف في ذلك بين الأصوليين مشهور.
وقد صرح الثوري وغيره بأنها منسوخة، وأنه نسخها الفرائض والحدود، وقد يكون مرادهم بالنسخ البيان والإيضاح، فإن السلف كانوا يطلقون النسخ على مثل هذا كثيرا، ويكون مقصودهم أن آيات الفرائض والحدود، فبَيَّن بها توقف دخول الجنة والنجاة من النار على فعل الفرائض، واجتناب المحارم، فصارت تلك النصوص منسوخة، أي: مبينة مفسرة، ونصوص الفرائض والحدود ناسخة، أي: مفسرة لمعنى تلك، موضحة لها .
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
تقدم ذكر جوابين أو مذهبين في هذه النصوص الدالة على أن التوحيد موجب لدخول الجنة، أن الشهادتين من مات عليهما دخل الجنة، أو أنه لا يُعَذَّب، أو أنه مُحَرَّم على النار، أو النار محرمة عليه.
تقدم قول ابن رجب -رحمه الله- يعني الأحاديث التي فيها الوعد بدخول الجنة، وألا يحجب عن الجنة، أن أمرها سهل؛ لأنها محتملة أن يكون هذا الدخول من أول الأمر، أو بعد التخفيف.
ولكن الذي فيه الإشكال هو ما فيه نفي العذاب، أنه لا يُعَذَّب، أو أنه حُرِّمَ على النار، أو أن الله حرمه على النار، فذكر قول من يتعول هذا النفي على نفي الخلود، نفي العذاب، وتحريم دخول النار، أي: تحريم الخلود في النار، أو أن النار المراد بها نار الخلود، النار التي يخلد فيها من دخلها.
والجواب الثاني: وهو أحكم وأرجح، وهو أن المراد من هذه الأحاديث أن التوحيد مقتضٍ لدخول الجنة، والنجاة من النار، وسببٌ بل هو السبب الأعظم، ولكن أي سبب فإنه يتوقف حصول مسببه على وجود الشروط وانتفاء الموانع.
فالتوحيد -إذن- لا يتحقق مقتضاه بالنجاة من النار مطلقا، أو دخول الجنة من أول وهلة، إلا بوجود شروط، وانتفاء موانع، وذلك أن هذا مشروط بفعل الفرائض، واجتناب المعاصي، جَمْعًا بين الأدلة؛ لأن نصوص الوعيد مستفيضة من الكتاب والسنة.
ففي القرآن الوعيد على كثير من الذنوب: أكل الربا، وقتل المؤمن، والتولي يوم الزحف، السبع الموبقات، السبع الموبقات المذكورة في حديث أبي هريرة كلها لها -يعني- ورد الوعيد عليها في القرآن، ورد الوعيد عليها في القرآن.
لا يجوز إهدار هذه النصوص واقتراح دلالتها تمسكا بها بهذه الأحاديث المحتملة المطلقة، لا بد من رد النصوص بعضها إلى بعض، والجمع بينها، وتقييد المطلق، حَمْل المطلق على المقيد، وحَمْل العام على الخاص.
لا بد في المسائل الاعتقادية، كما في الوعد والوعيد، أو في الأمور العملية كما هو معروف ومقرر لدى أهل الأصول.
المذهب الثالث: نعم، المذهب الثالث قول طائفة: إن هذه الأحاديث هذه إنما وردت قبل نزول الفرائض، ونسبه المصنف للزهري وسفيان الثوري، وكذلك نُسِب لسعيد بن المسيب -رحمهم الله- وغيرهم.
وضعف المصنف هذا المذهب، وهو -كما قال- يقولون: غير صحيح، يعني: القول بأن هذه معناها أن هذه وردت في مكة، وأن الرسول قال ذلك في مكة، هذا لا يستقيم أبدا، فالذين رووا هذه الأحاديث وسمعوها ونقلوها كان ذلك منهم في المدينة، منهم من لم يسلم إلا متأخرا كأبي هريرة، وهو مباشر هذا، يعني: يرويه مباشرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.
ومنها -كما أشار المؤلف- منها ما وقع في غزوة تبوك، وهي متأخرة.
إذن فهذا القول لا يستقيم، ولا يصح إطلاق القول بأن هذه الأحاديث إنما وردت قبل نزول الفرائض.
إذن، هذا لا يصلح جوابا عنها، لا يصلح أن يكون جوابا عنها.
يقول المؤلف: إن بعض أولئك، يعني: بعض القائلين بهذا القول من يطلق لفظ النسخ يقول: إن هذه النصوص منسوخة، يعني: هذه الأحاديث نسختها الفرائض والحدود، يعني: نصوص الفرائض، ونصوص الحدود، والوعيد على الذنوب، هذه نسخت هذه الأحاديث، وهذا يرد عليه إطلاق النسخ، يرد عليه إن هذه أخبار، والأخبار لا يَرِد عليها النسخ، ولا يدخل فيها النسخ.
ولكن الأئمة -كالثوري ممن رُوي عنه أنه أطلق القول بالنسخ- ينبغي أن يوجه كلامه بما ذكره المصنف إن النسخ في عُرف كثير من السلف يريدون به البيان والإيضاح، فيطلقون تخصيص العام، يطلقون النسخ على تقييد المطلق وتخصيص العام، يقولون: هذا ناسخ، يعني: مخصص، أو هذا ناسخ، يعني: مقيد، وهذا منسوخ، يعني: يريدون به العام المخصوص، أو المطلق الذي ورد ما يقيده.
فليس إذن مرادهم بالنسخ هو رفع حكم الدليل المتقدم بدليل متأخر كما هو اصطلاح الأصوليين المتأخرين.
وقد يجري على مذهب من يقول من الأصوليين: إن الزيادة على النص نسخ. هذا معنى معروف ومشهور عن الحنفية، إن الزيادة على النص نسخ.
وحمل كلام الأئمة والسلف على التوجيه الأول أولى؛ لأن الذين يقولون من الأصوليين: إن الزيادة على النص نسخ. هم يريدون به حقيقة النسخ، أنه يرضى النسخ للمتقدم، إن الزيادة على النقص نسخ، يريدون به حقيقة النسخ المعروفة لدى الأصوليين.
ولهذا قال من قال من فقهاؤهم كما ذكرت مشهور عن الحنفية، قالوا: إن التغريب، زيادة حكم التغريب على الجلد في حد البكر إنه نص، في حد البكر بمائة جلدة، فالزيادة على النص، التغريب زيادة على النص الذي في القرآن، اجلدوهما مائة جلدة، • • • ( ) .
قالوا: إن هذا زيادة على النص، والزيادة على النص نسخ، ولا يجوز نسخ القرآن بالسنة.
المقصود أقول: إن حَمْل كلام الثوري ونحوه من أن هذه النصوص نسختها الفرائض، حَمْلها على أنها بمعنى: بينتها وفسرتها، ووضحتها وقيدتها، هذا هو اللائق، وهذا هو المناسب، وهذا ما رجحه المصنف -رحمه الله- ابن رجب.
فإذا قيل: إن هذه النصوص -يعني- ليست على إطلاقها، بل هي مبينة يجب أن ترد إلى النصوص الأخرى، استقام الأمر، واستقام المذهب، وحصل -يعني- رد الشبهة، شبهة المرجئة، هذه نصوص بينتها نصوص الفرائض ونصوص الوعيد على المعاصي، وبذلك تبطل شبهة المرجئة وتعلقهم بهذه الأحاديث الواردة في فضل التوحيد.
وهذا يكون متفقا في المآل مع الجواب الثاني، وهو قول من يقول: إن هذه الأحاديث إنما تدل على أن التوحيد سبب للنجاة من النار، والسبب لا بد فيه من وجود الشروط وانتفاء الموانع، كما في الجواب الثاني.
نعم يا شيخ..
فهم النصوص المطلقة في ضوء النصوص المقيدة
وقالت طائفة: تلك النصوص المطلقة قد جاءت مقيدة في أحاديث أخر، ففي بعضها: من قال: لا إله إلا الله مخلصا، وفي بعضها: مستيقنا، وفي بعضها: يصدق قلبه لسانه، وفي بعضها: حقا من قلبه، وفي بعضها: قد زل بها لسانه واطمئن بها قلبه.
وهذا كله إشارة إلى عمل القلب وتحققه بمعنى الشهادتين، وتحققه بقول: لا إله إلا الله، ألا يأله القلب غير الله حبا ورجاء، وخوفا وتوكلا واستعانة، وخضوعا وإنابة وطلبا، وتحققه بأن محمدا رسول الله ألا يُعبد الله بغير ما شرع الله على لسان محمد وقد جاء هذا المعنى مرفوعا إلى النبي صريحا أنه قال: من قال: لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة. قيل: ما إخلاصها يا رسول الله؟ قال: أن تحجبك عن كل ما حرَّم الله عليك .
وهذا يُروَى من حديث أنس بن مالك وزيد بن أرقم، ولكن إسنادهما لا يصح، وجاء أيضا من مراسيل الحسن نحوه، وتحقيق هذا المعنى وإيضاحه أن قول العبد: لا إله إلا الله. يقتضي ألا إله له إلا الله .
جواب رابع: وهو أن هذه الأحاديث ورد ما يقيدها، فهي جاءت مطلقة، بعض الأحاديث جاء مطلقا، ولكن ورد في جملة أحاديث أشار المؤلف إليها، والمحقق عندكم قد أحسن في تخريجها.
فكل حديث يرد فيه ذكر الوعد على مجرد قول: "لا إله إلا الله" فلا بد أن يقيد بتلك الأحاديث، الأحاديث التي فيها ذكر اليقين ذكر الإخلاص، وذكر الاستيقان.
مع أن هذه الأحاديث نفسها التي مرت بنا التي هي محور البحث، ومناط الكلام، نجد أن هذه القيود موجودة فيها، أو في بعضها، فحديث عتبان بن مالك: إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله .
"يبتغي بذلك وجه الله" هذا هو معنى الإخلاص، إذن القيد موجود، هذه القيود التي أشار إليها المؤلف هي موجودة في هذه الأحاديث، بعضها فيه صريح، وبعضها مفهوم، أنا قلت لكم: إن لفظ الشهادة، من شهد أن لا إله إلا الله.
فالشهادة تتضمن العلم، وتتضمن اليقين، تتضمن الصدق، فالذي قالها بلسانه دون قلبه لم يشهد، ومن علم معناها وقالها بلسانه، يعني: غير صادق أيضا، بل قال ذلك نفاقا، لم يقل ذلك عن انقياد، فكذلك لم يكن بهذا مخلصا.
وفي الحديث: يبتغي بذلك وجه الله ومن قال ذلك، من قالها يبتغي بذلك وجه الله فما قالها إلا وهو موقن غير شاكٍ، فمن شأنها أن يزل بها لسانه، ويلهج بها حبا لها، وطمأنينة قلبية بما دلت عليه هذه الكلمة.
ومن قالها على هذا الوجه، على وجه العلم واليقين بالشروط التي سبق ذكرها، وهي معروفة، من تحققت فيه هذه الشروط، فإن التوحيد يمنعه من الإصرار على الذنوب، من ترك واجب، أو فعل محرم.
فمن قال: "لا إله إلا الله" على وجه اليقين التام، والصدق والإخلاص التام والطمأنينة، فإنه لا بد أن يؤدي الفرائض، ويجتنب المحارم.
ومتى قصَّرَ في شيء من ذلك فإنما أوتي من نقص علمه، ونقص يقينه، ونقص إخلاصه، ونقص محبته، فإن هذه المعاني تتفاضل؛ العلم واليقين والصدق والإخلاص، هذه الأحوال القلبية تتفاضل، هي من شعب الإيمان، وهي تتفاضل بالقوة والضعف.
فمن قال: لا إله إلا الله صادقا غير منافق، عالما ليس بجاهل، هذا الذي قامت به هذه الشروط.
قلت لكم: له حالان:
إما أن تكون هذه المعاني قامت بقلبه على وجه الكمال، فلا بد أن يظهر أثر ذلك على الجوارح بفعل الفرائض واجتناب المحرمات.
وإما أن تقوم بقلبه على ضعف ما هو بزوال شيء منها، لا، على ضعف، فيكون أثر ذلك على جوارحه بحسب ذلك، ومن هنا يحصل الخلل، واعتبر هذا في أحاديث الشباب+ فيمن يخرج النار، أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال ذرة أو برة أو خردلة من إيمان .
هذا الذي يخرج من النار لا شك أنه لم يقلها كاذبا، ولم يقلها -يعني- غير عالم بمعناها مطلقا، ولم يقلها نفاقا، بل كان فيها مخلصا، لكن ما معه من العلم بمعناها، والإخلاص في قولها، والمحبة، لم يبلغ المرتبة التي بلغها أهل الإيمان الكُمَّل الذين نجوا، أو نجاهم الله بكمال إيمانهم وتوحيدهم من النار، فلم يتعرضوا لها.
فلا بد من ملاحظة هذا المعنى، وأن هذه المعاني التي يعدها العلماء شروطا أنها متحققة لكل أهل التوحيد، أهل التوحيد بمعنى الكلمة، أهل التوحيد الذين ينفعهم توحيدهم بالخروج، أو في الخروج من النار، إلا أنهم متفاوتون، فالكمل منهم في هذه المعاني هؤلاء توحيدهم يمنعهم من دخول النار.
إذن، فمن قال فيهم الرسول -عليه الصلاة والسلام-: إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله .
"حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله" نعلم أن المراد من قالها على الوجه الأكمل، وقد توفرت فيه الشروط، شروط التوحيد المذكورة المأخوذة من سائر النصوص، فهذا الذي تحقق في التوحيد.
الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقد بابا ثالثا قال: باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، من حقق التوحيد.
فمن كملت له هذه المعاني في قلبه لا بد أن يظهر أثرها على جوارحه: فعلا وأداء للفرائض، واجتنابا للمحرمات.
فالتوحيد الكامل يمنع من الإصرار على شيء من الذنوب.
قد يقع الموحد في الذنب، فليس بمعصوم، لكنه لا يصر عليه، فلا بد أن كمال إيمانه وإخلاصه وتوحيده يمنعه من الإصرار؛ لأن في قلبه من خوف الله ورجاء ثوابه ما يوجب له الفزع إليه، والرجوع إليه -سبحانه وتعالى-.
فهذه جملة أجوبة -يعني- أهل العلم عن هذه الأحاديث، وهي متفقة في المعاني، فكلهم يتفقون، أهل السنة والجماعة كلهم يتفقون: إن هذه الأحاديث ليست على ظاهرها الذي يدعيه أو يفهمه المرجئة، أو يفهمه المغرورون من جهلة أهل السنة مثلا.
كما سبقت الإشارة إلى هذا المعنى، أهل السنة متفقون على أن هذه الأحاديث ليست على ظاهرها الذي يدعيه المرجئة، أو يظنه المغترون برحمة الله ومغفرته.
وهناك جواب خامس، ونقله لكم المحقق ونُسِب للبخاري، وهو حَمْل هذا التوحيد على من قالها نادما تائبا، من قال هاتين الشهادتين نادما على ما سلف من ذنوبه تائبا.
وهذا المعنى قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع، أو في بعض المواضع، في توجيه بعض هذه الأحاديث، وتوجيه حديث صاحب البطاقة؛ لأن المراد: من قالها على غاية من الصدق والإخلاص على وجه الكمال والتحقيق للتوحيد، ثم لم يرتكب بعد ذلك ذنبا.
فما جاء عن البخاري فيه تقييد هذا بالتوبة، ومعلوم أن من قال ذلك تائبا نادما على ما سلف من ذنوبه، ثم بقي على هذه الحال، فالأمر فيه واضح، هذا محرم على النار، والنار محرمة عليه.
ومضمون ومنحى ما ذكرته لكم عن شيخ الإسلام -رحمه الله-، ونقله شارح كتاب التوحيد -اذكر- في فتح المجيد، وفي تيسير العزيز الحميد؛ لأنه أصله أن المعنى من قال هذه الكلمة مخلصا كل الإخلاص، وصادقا كل الصدق، ثم مات على ذلك، مات على ذلك، على هذه الحال، فإن هذه الحال توجب ألا يصر على ذنب من الذنوب، فمن مات على هذه الحال من كمال وتحقيق التوحيد كان هذا التوحيد عاصما له من دخول النار، والله أعلم.
نعم..
الشرك والكفر له أصل وفروع
وتحقيق هذا المعنى وإيضاحه أن قول العبد: لا إله إلا الله يقتضي ألا إله له غير الله، الإله الذي يطاع فلا يعصى، هيبة له وإجلالا، ومحبة وخوفا ورجاء، وتوكلا عليه، وسؤالا منه، ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله فمن أشرك مخلوقا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحا في إخلاصه في قول "لا إله إلا الله"، ونقصا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك.
وهذا كله من فروع الشرك، ولهذا ورد إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشؤها من طاعة غير الله، أو خوفه، أو رجائه، أو التوكل عليه والعمل لأجله.
كما ورد في إطلاق الشرك على الرياء، وعلى الحلف بغير الله، وعلى التوكل على غير الله، والاعتماد عليه، وعلى من سَوَّى بين الله وبين المخلوق في المشيئة مثل أن يقول: ما شاء الله وشاء فلان، وكذا قوله: ما لي إلا الله وأنت.
وكذلك ما يقدح في التوكل، وتفرد الله بالنفع والضر، كالطيرة والرقى المكروهة، وإتيان الكهان، وتصديقهم بما يقولون، وكذلك اتباع هوى النفس فيما نهى الله عنه قادح في تمام التوحيد وكماله.
ولهذا أطلق الشرع على كثير من الذنوب التي منشؤها من اتباع هوى النفس بما هو كفر وشرك، كقتال المسلم، ومن أتى حائضا، أو امرأة في دبرها، ومن شرب الخمر في المرة الرابعة، وإن كان ذلك لا يخرجه عن الملة بالكلية.
ولهذا قال السلف: كفر دون كفر، وشرك دون شرك، وقد ورد إطلاق الإله على الهوى المتبع.
قال تعالى: ( ) .
وقال الحسن: "هو الذي لا يهوى شيئا إلا ركبه".
وقال قتادة: "هو الذي كلما هوى شيئا ركبه، وكلما اشتهى شيئا أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى".
وروي من حديث أبي أمامة مرفوعا بإسناد ضعيف: ما تحت ظل السماء إله يعبد أعظم عند الله من هوى متبع .
وفي حديث آخر: لا تزال "لا إله إلا الله" تدفع عن أصحابها حتى يؤثروا دنياهم على دينهم، فإذا فعلوا ذلك رُدَّت عليهم، وقيل لهم: كذبتم .
ويشهد لذلك الحديث الصحيح عن النبي تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شِيكَ فلا انتُقِش .
فدل هذا على أن كل من أحب شيئا وأطاعه، وكان غاية قصده ومطلوبه، ووالى لأجله، وعادى لأجله فهو عبده وذلك الشيء معبوده وإلهه.
ويدل عليه أيضا أن الله -تعالى- سمى طاعة الشيطان في ..
ومما يوضح ما تقدم من أن مطلق التوحيد، أو مطلق التكلم بـ"لا إله إلا الله" لا يكفي للنجاة من النار، وأن قائليها -قائلي لا إله إلا الله- متفاوتون أن هذه الكلمة "لا إله إلا الله" كلمة التوحيد مركبة من نفي وإثبات كما هو معروف، نفي إلهية ما سوى الله، وإثبات الإلهية له -سبحانه وتعالى- فمضمونها الإيمان بأنه -تعالى- الإله الحق الذي لا يستحق العبادة سواه.
والإله بمعنى المألوه، يعني: المعبود، فهو -تعالى- هو المعبود بحق، وهو المستحق للعبادة.
فمعنى هذه الكلمة أن قائلها يأله، أو لا يأله إلا الله، يعني: لا يعبد إلا الله، والعبادة تتضمن شيئين: المحبة، والذل لله، كما يقول ابن القيم:
وعبادة الرحمن غاية حبه
مع ذل عابده هم القطبان
لا بد من اجتماع الأمرين: المحبة والذل، أو المحبة والإجلال.
إذن، فحقيقة التوحيد الذي دلت عليه هذه الكلمة أن المؤمن، أو أن العبد لا يأله إلا الله، فالله -تعالى- هو المألوه المعبود بحق، حبا وخوفا، ورجاء وتوكلا، ورغبة ورهبة، فلا بد من التحقق بهذه المعاني.
وهذه المعاني -كما تقدم- توجب أفعالا وتروكا، اجتناب، تقتضي اجتناب المحرمات، والمبادرة إلى المأمورات، ولا يكون الإنسان محققا لهذه الكلمة إلا إذا تحقق من هذه المعاني، إلا إذا حقق تألهه لله، وعبوديته لله.
إذن، هذا التأله وهذا التعبد ليس على مرتبة واحدة، فلا بد لتحقيق التوحيد من اجتناب المعاصي، بل لا بد للتوحيد من اجتناب الشرك كله.
أما الشرك الأكبر فإنه يناقض أصل التوحيد، ويزول التوحيد معه، الشرك الأكبر -وهو عبادة غير الله معه، مع الله، ودعاء غيره، واتخاذ الند له- فهذا مناقض لأصل التوحيد، ناقض لهذه الكلمة، وأما ما دونه من أنواع الشرك الأصغر فإنه يناقض كمال التوحيد الواجب، كما في الأمثلة التي ذكرها المؤلف.
هناك أنواع من الذنوب جاء النص بأنها من الشرك؛ كالرياء، والحلف بغير الله، وتسوية المخلوق بالله في المشيئة، كقول القائل: ما شاء الله وشئت، أو هذا من الله ومنك.
كما في الأمثلة التي ذكرها المؤلف.
هناك أنواع من الذنوب جاء النص بأنها من الشرك، كالرياء، والحلف بغير الله، وتسوية المخلوق بالله في المشيئة، في قول القائل: "ما شاء الله وشئت"، أو: "هذا من الله ومنك"، أو: "لولا الله وأنت"، فهذه أنواع من الشرك.
وكـ -يعني- الإفراط في حب المحبوبات الطبيعية، مثل المال، حب المال، حب الولد، حب أعراض الدنيا بأنواعها؛ الدرهم والدينار، والخميصة والخميلة.
هذه محبوبات طبيعية، فإذا أفرط الإنسان في حبها، فصار يرضى بوجودها، ويسخط بعدمها، إذا أُعْطِيَ رضي، وإن لم يُعْطَ سخط، صار قلبه مُعَبّدًا لها.
يقول المؤلف: إنه قد دلت الأدلة على أن كل الذنوب، الذنوب التي مصدرها اتباع الهوى ورد فيها إطلاق اسم الكفر أو إطلاق الشرك، وإن كانت لا تُخرج من الملة، لا توجب الردة، لكنها تدل على نقص التوحيد، ونقص الإيمان.
فلا بد إذن لتحقيق مقتضى هذه الكلمة "لا إله إلا الله" لتكون عاصمة من دخول النار، وموجبة لدخول الجنة، لا بد من اجتناب كل ما ينافي تحقيق التوحيد، ينافي كمال التوحيد من أنواع الشرك وأنواع الكفر.
أنواع الشرك، يعني: الشرك الأصغر، أما الأكبر فإنه مناقض أصلا، نواقض الإسلام هي ناقضة للتوحيد، وهادمة له، ومن قال هذه الكلمة: "لا إله إلا الله"، ثم أتى بناقض، فهو كافر مرتد، خارج عن ملة الإسلام، لا ينفعه أنه يقولها بلسانه؛ لأنه قد انتقض في حقه شرط من الشروط زال .
فإن الشهادتين تقتضيان توحيد التوحيد، وتحقيق المتابعة للرسول -عليه الصلاة والسلام-.
وشهادة "أن محمدًا رسول الله" تقتضي تصديق الرسول في كل ما أخبر به، وطاعته في كل ما أمر به، أو نهى عنه، وألا يعبد الله إلا بما شرع.
لا بد لتحقيق هاتين الشهادتين من القيام بما تقتضيه الشهادتان، من أداء الفرائض، واجتناب المحرمات.
إذن، فالذنوب منها ما يناقض أصل التوحيد، ومنها ما يناقض كماله كما تقدم.
ذكر المؤلف جملة مما ورد فيه إطلاق اسم الكفر، ذاك الكفر عليه من الذنوب، كقتال المسلم، إتيان الكاهن، إتيان المرأة في دبرها، أو إتيان الحائض.
ومن هذا الجنس إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب، والنياحة على الميت، فكل هذه ذنوب تنافي تحقيق التوحيد والإيمان، يعني: هذه الذنوب منها ما أطلق عليه اسم الشرك، ومنها ما أطلق عليه اسم الكفر.
فعُلِمَ بهذا أن "لا إله إلا الله" لها مدلول عظيم، وأهلها هم متفاوتون فيها، فأكمل الناس توحيدا الرسل، وأكملهم +أولوا العزم، ثم الناس بعد ذلك على مراتب؛ الصديقون، والشهداء، والصالحون، ومنهم من دون ذلك، الظالمون لأنفسهم إلى من ذكرت حالهم ممن يُخرَجون من النار بشفاعة الشافعين، وبرحمة أرحم الراحمين.
فكلهم يصدق عليهم أنهم موحدون، وكلهم يقولون: "لا إله إلا الله"، لكن مع التباين العظيم في العلم بمعناها، والصدق والإخلاص في أدائها، والعمل بمقتضاها تفاوت لا يعلم مداه إلا الله -سبحانه وتعالى-.
فاتباع الهوى هذا مصدر لكثير من الذنوب، اتباع الهوى، حتى الشرك هو يصدر عن اتباع الهوى كما قال الله -سبحانه وتعالى- في المشركين: ( ) .
يقول -سبحانه وتعالى-: • • • ( ) .
هذا هو، ( ) فاتباع الهوى مصدر للذنوب كبيرها وصغيرها، للكفر، والشرك، وسائر المعاصي مصدرها الهوى.
ولهذا جاء في القرآن إطلاق اسم الإله على الهوى، وإن من الناس من اتخذ إلهه هواه .
فجعل معبوده هو الهوى، جعل معبوده هو الهوى، فمن بلغ به الأمر -يعني- إلى أن يستحل ما يهواه، ويترك ما لا يهواه بإطلاق، فإنه يخرج عن الإسلام بها.
ولكن المخلط من المسلمين تجده يتبع هواه في أشياء، ويخالف هواه في أشياء، ولا بد يخالف في أشياء، أما من هو متبع لهواه بإطلاق فهذا معناه أنه لا يحل حلالا، ولا يحرم حرامًا، ولا يؤدي فريضة، بل ولا يؤمن بها ( ) .
هذه صفة الكفار الذين قال الله فيهم: ( ) .
وقال -سبحانه وتعالى-: ( ) .
فكيف مع هذه النصوص المستفيضة يقال: إنه يكفي العبد في دخول الجنة والنجاة من النار أن يقول: "لا إله إلا الله"، ولا يفعل شيئًا، ولا يقوم بقلبه شيء من محبة الله ومحبة رسوله -عليه الصلاة والسلام؟!
هذا من أبطل الباطل، ومن اتباع الهوى، ومن الجهل العظيم.
إذ كيف تُحَكَّم -يعني- تعتبر، أو يؤخذ بظاهر هذه النصوص المزعومة، وتهدر دلالة سائر النصوص، نصوص الوعيد، ونصوص النهي عن كثير من الأقوال والأفعال، الظاهرة والباطنة؛ فإن الذنوب منها ذنوب قلبية، وذنوب قولية، وذنوب عملية، عمل الجوارح، فكلها فيها ، فيها الحرام ، أعمال القلوب، وأعمال الجوارح، وأقوال اللسان.
نسأله -سبحانه وتعالى- أن يعصمنا وإياكم من أنواع الضلال، وأنواع الكفر والشرك، وأنواع المعاصي، وأن يمن علينا بتحقيق التوحيد.
نسأله -تعالى- أن يصلح قلوبنا، وأن يوفقنا للتحقق بمعنى "لا إله إلا الله"، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله.
أحسن الله إليكم.
س: وهذا سائل يقول: هل نستطيع أن نعرف أن الرجل أتى بشروط "لا إله إلا الله" من المحبة والعلم وغيرها، أم هي خاصة بين العبد وبين ربه ؟
ج: لا والله، لا نستطيع أن نعلم ما في قلبه إلا بحسب ما يظهر لنا؛ إنما الحكم في الدنيا على الظواهر، فمن ظهر لنا منه الخير والاستقامة، والمحافظة على فرائض الله، وتجنب المعاصي، استدللنا بذلك على ما في باطنه من باب حسن الظن، والحمل على أحسن المحامل، وإلا فلا نحكم على ما في قلب العبد، يعني الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: إني لم أؤمر بأن أنقب عن ما في قلوب الناس +وشق بطونهم أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
فعلم العبد بحقيقة التوحيد، علمه بمعنى هذه الكلمة، وصدقه وإخلاصه ومحبته، كل ذلك من أعمال قلبه، وما يدريك، إنما الحكم +الذي الحكم في الدنيا على ما يظهر من حال الإنسان، فلا نستطيع أن نصنف أن هذا صالح، أو هو من الصالحين، أو من المتقين بحسب ما يظهر، وهذا فاسق بحسب ما ظهر منه، وهذا كافر بحسب ما ظهر منه. نعم.
أحسن الله إليكم.
س: يقول هل عدم الإتيان بجميع الشروط -شروط "لا إله إلا الله" يفضي إلى عدم الخلود في النار، كمن لم يكمّل اليقين في قلبه، ومن لم ينقاد إلا بقلبه؟ وهل يكون من فعل ذلك كمثل الرجل الذي أمر أولاده أن يحرقوه. وجزاكم الله خيرًا؟
ج: قلت لكم: لا بد أن تكون أصول هذه الشروط موجودة، اليقين مراتب، نضع كذا، اليقين نجعله مثالا، اليقين مراتب، يعني: آحاد المؤمنين، المؤمن من الصالحين هو عنده صفة اليقين، اليقين بما يقول من كلمة التوحيد، عنده يقين في إيمانه بالرسول وهكذا.
أفترى آحاد الصالحين يقينه كيقين أبي بكر، وهل إيمان ويقين أبي بكر كيقين إبراهيم ومحمد -عليهما الصلاة والسلام؟
لكن لا بد منه، فاليقين إذا خالطه الشك ما صار يقينًا، زال اليقين أصلا، زال اليقين بالكلية، فضد اليقين الشك، والشك رِدَّة، اعتبر هذا هكذا.
والمحبة أيضًا تتفاوت تفاوتًا عظيمًا، لكن إذا زالت المحبة بالكلية، +وقد يحل مكانها البغض، كل مسلم صادق في إسلامه والله إنه يحب الرسول ولا بد، ويحب ربه لا بد، لكن قد يختفي أثر هذه المحبة، وقد تضعف هذه المحبة حتى يكون ما يظهر أثرها على الجوارح والأعمال، بسبب إما -يعني- تكون في غفلة.
فالمحبة تتفاوت، لكن إذا زالت المحبة، ما فيه… حَلَّ محلها البغض، يعني من يؤمن يعرف أن الرسول صادق، ولكنه يبغضه، علمه لا ينفعه.
كثير من الكفار يعلمون هذا، فمنهم من يكذبه بلسانه وهو مصدق له، وهو الجاحد • ( ) .
ومنهم من يصدقه بقلبه وبلسانه، ولكنه يبغضه ويحاربه، مثل كثير من اليهود وغيرهم -يعني- منهم من يظهر تصديقه، ومع ذلك لكنه يبغضه ويعاديه حسدًا، ويمتنع من الانقياد والاستجابة لما دعا إليه كِبْرًا، فيلاحظ هذا المعنى، والله أعلم. نعم.
أحسن الله إليكم.
س: يقول: هي عُبَّاد القبور إذا نصحوا….
ولكن ما أدري جاء في السؤال مثل الرجل؟ أي نعم يا شيخ. الذي أوصى بنيه بأن يحرقوه ويذروه؟
ج: أي هذا، هذا تقدم القول في نظيره هذا من باب العذر بالجهل في بعض مسائل الاعتقاد، وقلت لكم: العذر بالجهل قد يتعلق ببعض -يعني- مسائل الاعتقاد كمسائل الأعمال نعم، نعم. قل.
أحسن الله إليكم.
س: يقول: هل عباد القبور إذا نُصِحوا وحُذروا من الشرك، فأبوا وعاندوا فهل يُقاتَلُون؟
ج: إي والله يقاتلون، والله لو تهيأت الأسباب، وقامت دولة ترفع راية التوحيد وراية الجهاد، لوجب قتال أولئك حتى يرجعوا، باب القتال باب واسع. نعم.
س: + وهل عوام الروافض..
ج: + يُدعون ويبين لهم، فإن استجابوا، وإلا قوتلوا، وهُدِّمت أوثانهم، نعم. قُلْ.
أحسن الله إليكم.
س: يقول: هل عوام الرافضة كفرة أم معذورون ؟
ج: أبدًا، هم كفار، ولكن عاد أمرهم إلى الله، وسبقت الإشارة، ويتكرر هذا المعنى من حيث الحكم الإجمالي العام، والحكم على المعين بس، وإلا الأئمة ماذا قالوا في الجهمية؟ أليس قد نُقِل تكفيرهم عن خمسمائة عن أهل العلم؟
تعرفون هذا فيما حكاه ابن القيم، ونسب حكايته إلى الطبراني واللالكائي، ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان، هذا في الجهمية، والرافضة والله شرحه؛ لأن الرافضة قد جمعوا مخازي الطوائف، تريدهم هم قبورية ولّا ما هم قبورية ؟ ما هم يعبدون أضرحة الأئمة عندهم؟!
مشركون، وهم أيضًا معتزلة، فمذهبهم في باب الصفات هو مذهب المعتزلة، بل انتقلت إليهم أصول المعتزلة، ودخل فيهم الفكر الاعتزالي، هذا هو الموجود.
هذا غير الأصول الكفرية التي يختصون بها، كتكفير الصحابة وتفسيقهم. نعم.
أحسن الله إليكم .
لكنهم يتسترون، ينافقون، يظهرون الالتزام، ولا يظهرون شيئًا من أصولهم الكفرية؛ لأن من أصولهم التقية، يعني: الذي أسس المذهب الرافضي أو الشيعي -يعني- بناه على التقية، النفاق؛ لأنه يعرف أن هذا المذهب لا يمكن أن يكون له رواج، وهو -يعني- وهو ظاهر -يعني بحقيقته- وهو مكشوف بحقيقته، لا بد أن يكون مقنعًا، لا بد يكون مقنعًا بالنفاق، النفاق الذي اسمه عندهم التقية.
أحسن الله إليكم.
س: يقول: رجل يشهد أن لا إله إلا الله، ولا يصلي، ولا يصوم، ولكنه يزكي ويتصدق، فما حكم هذا الرجل؟
ج: ما أدري، هذه مسألة ترجع إلى مسألة تكفير، كفر تارك الصلاة، وهذه مسألة فيها اختلاف بين أهل السنة، نعم. بعده.
أحسن الله إليكم.
نسأل الله العافية، والمسألة مشهورة ويتكرر القول فيها، وفيها الأحاديث، ولكل من الطائفتين استدلالات ووجهات نظر، ومن قال -يعني- بكفر تارك الصلاة لا نقول إنه حروري، ولّا من الخوارج، ولا نقول إن من قال: إنه لا يكفر إنه صار بهذا مرجئًا؛ فهذان قولان مأثوران عن الأئمة عن الأئمة، أئمة أهل السنة، الإمام أحمد والشافعي ومالك وأبي حنيفة وغيرهم، الخلاف قائم موجود. نعم.
أحسن الله إليكم.
س: يقول كيف نوجه عقيدة الولاء والبراء مع أقارب يصلون، ولكنهم يستمعون للغناء ويختلطون، وماذا لو كانوا يصلون الصلوات ما عدا صلاة الفجر، وماذا لو كانوا والدين ؟ وجزاكم الله خيرًا.
ج: الله المستعان، نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، الولاء والبراء يعني: الذي يقوم على المحبة والبغض، على الحب في الله، والبغض في الله، هذا ينقسم الناس فيه ثلاث طوائف الناس باعتبار -يعني- ما يستحقونه من هذا ثلاث:
من الناس من تجب البراءة منهم مطلقًا، وهم الكفار.
والثاني: من تجب محبتهم مطلقًا، وهم المؤمنون الصالحون الذين لم يظهر منهم ما يوجب بغضهم والإنكار عليهم.
ومنهم المخلِّطون، فهؤلاء يجب أن يحبوا، ويوالوا على قدر ما معهم من الإيمان والتقوى والعمل الصلاح، ويبغضوا بحسب ذلك.
ثم هذا الصنف الثالث -يعني- إذن أقسام كثيرة حسب تفاوتهم فيما معهم من الإيمان والعمل الصالح، وما معهم من شعب الكفر، وهي المعاصي.
وارجعوا إلى شرح الطحاوية فيما ذكره الشارح على قول الطحاوي، ونحب أهل كذا، أهل الصدق والأمانة، ونبغض أهل الكذب والخيانة. قريب من هذه العبارة.
فأهل السنة عندهم أن الإنسان يمكن أن يجتمع فيه ما يوجب المحبة وما يوجب البغض، ففيه شيء من -يعني- محبة الله، شيء من -يعني- صفات العداوة لله، فيُحَبّ لما معه، ويبغض بحسب ما معه مما يقتضي بغضه. نعم والله أعلم.
أحسن الله إليكم.
س: هذا يقول: نحن في أمريكا، ومسجدنا في الأصل كنيسة اشتراه بعض الأخوة -جزاهم الله خيرًا- لتحويلها إلى مسجد، ولكن يبادرنا شك في أن أرض الكنيسة قبور لكهنتهم القدماء، وقانونهم يمنع من نقل القبور، فبماذا تنصحوننا؟ وجزاكم الله خيرًا.
ج: لا إله إلا الله. لا إله إلا الله. أولا قولك: يبادرنا. يظهر أنكم لستم على يقين من وجود القبور، وهذا يجعل الأمر -يعني- يخفف الإشكال؛ لأن الأصل السلامة، كأنه شك، لستم على يقين بأن فيها قبور، فإذا كان الأمر كذلك فالأصل عدم القبور، فيمكن أن تمضوا على هذا الأصل، وإن غلب أو تيقنتم أن فيها قبورا، أعتقد أنه من اليسير.
فهذه القبور يحتمل أن تكون -إذا كانت قديمة جدًا- أن تكون تالفة ، وتلف ما فيها، ولا وجود لرفات أهلها.
وإذا قدر إنها موجودة، فأعتقد أنه من اليسير عليكم أن تخرجوها، لا باسم نقل القبور، تخرجوها مع التراب الذي تحفرونه من الأرض، لا على صفة نقل القبور لتدفنوها في مكان ثانٍ، لا أبدًا، تخرج وتُرْمَي في أي مكان؛ لأنه لا حرمة لها، لا حرمة لها، لستم بحاجة، يعني: ما يلزمكم أن تفعلوا فيها -يعني- صفة نقل القبور لا.
احفروها، وليذهب رفاتها في التراب الذي يُرْمَى ولو في أخبث مكان؛ فإنه لا حرمة لرفات أموات الكفار، نعم. والله أعلم.
أحسن الله إليكم.
س: يقول: كيف يُرَدُّ على من احتج بحديث: الذين لم يعملوا خيرًا قط ويخرجون من النار ؟
ج: هذا حديث أنا أعده من المتشابه الذي لا بد من رده إلى المحكم، فلا يمكن أن نجعله -يعني- أصلًا تُرَدُّ من أجله النصوص الأخرى، هذا يمكن أن يستدل به بعض -يعني- القائلين بعدم كفر تارك الصلاة.
هو مما يتعلق به، من قال بأن تارك الصلاة لا يكفر، والله أعلم. نعم.
أحسن الله إليكم وأثابكم، ونفعنا بعلمكم، وجعل ما قلتم في ميزان حسناتكم.
طاعة الشيطان تقدح في توحيد الرحمن
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال -رحمه الله تعالى-: ويدل عليه -أيضًا- أن الله -تعالى- سَمَّى طاعة الشيطان في معصيةٍ عبادةً للشيطان، كما قال تعالى: ( ) .
وقال حاكيًا عن خليله إبراهيم أنه قال لأبيه: • ( ) .
فمن لم يحقق عبودية الرحمن وطاعته فإنه يعبد الشيطان بطاعته له، ولم يخْلُص من عبادة الشيطان إلا من أخلص عبودية الرحمن، وهم الذين قال فيهم: • ( ) .
فهم الذين حققوا قول "لا إله إلا الله"، وأخلصوا في قولها، وصدقوا قولهم بفعلهم، فلم يلتفتوا إلى غير الله، محبة ورجاء، وخشية وطاعة وتوكلا، وهم الذين صدقوا في قول "لا إله إلا الله"، وهم عباد الله حقًا.
فأما من قال: "لا إله إلا الله" بلسانه، ثم أطاع الشيطان وهواه في معصية الله ومخالفته، فقد كَذّب فعله قوله، ونقص من كمال توحيده بقدر معصية الله في طاعة الشيطان والهوى، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله.
( ) .
فيا هذا، كن عبد الله لا عن الهوى؛ فإن الهوى يهوى بصاحبه في النار ( ) .
تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، والله ما ينجو غدًا من عذاب الله إلا من حقق عبودية الله وحده، ولم يلتفت معه إلى شيء من الأغيار، من علم أن إلهه ومعبوده فرد فليفرده بالعبودية، ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا.
كان بعض العارفين...
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
تقدم تقرير أن "لا إله إلا الله" لها مدلول، وهو أن الإله الحق هو الله، وإنه مستحق للعبادة، فهو الذي يستحق أن يؤله، يعني: يُعْبَد وحده لا شريك له، يُعْبَد خوفًا ورجاء وتوكلا، ورغبة ورهبة واستعانة، بكل أنواع العبادة الظاهرة والباطنة، هو المستحق لذلك.
وهذه الأمور يتفاضل فيها الناس؛ فالإيمان يزيد وينقص، أعمال القلوب تزيد وتنقص، أعمال الجوارح تزيد وتنقص.
ولذلك كان الناس أصناف، منهم السابقون في الخيرات، ومنهم المقتصدون، ومنهم الظالمون لأنفسهم ( ) .
تفاضل العباد في إيمانهم، وفي طاعتهم، وفي سائر أنواع العبادة، تفاضل لا يعلم مداه إلا الله الذي يعلم ما في القلوب، ويعلم ما يُسِرُّه العباد وما يعلنون.
وإذن، فهناك الذنوب التي تنقِّص التوحيد، تنقص الإيمان، ولهذا -كما تقدم- جاءت النصوص فيها تسمية بعض الذنوب كفرًا، تسمية بعض الذنوب شركًا، شرك وكفر، فكما أن شعب الإيمان إيمان، فشعب الكفر كفر، يعني: بمعنى أنها من الكفر، اثنتان في الناس هما بهم كفر، سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر .
ومعنى ذلك أن الذي ينقص تحقيقه للتوحيد، تحقيق لمدلول هذه الكلمة العظيمة "لا إله إلا الله"، يكون عنده شعبة من الشرك بقدر ما معه من المخالفات.
تقدم ذكر الحديث: تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم .
إذا أفرط الإنسان في المحبة الطبيعية خرج إلى نوع من الشرك ( ) .
هذه هي آية المحبوبات الثمانية، إيثار هذه المحبوبات قد يصل إلى الكفر، وقد يكون دون ذلك، قد يكون كفرًا، فكثير من الكفار تركوا الإيمان بالله ورسوله إيثارًا -يعني- للوطن والعشيرة والأهل، إيثارًا لهم، وموافقة لهم.
ومنهم من يؤثر هذه المحبوبات في المعصية، يؤثرهم فيطيعهم في معصية الله، ويقدم محابهم على ما أوجب الله -سبحانه وتعالى- وهكذا.
تقدم أن اتباع الهوى هو أصل الشرك الأكبر والأصغر، أنواع الشرك أكثرها اتباع الهوى ( ) .
بعد هذا كله يقول المؤلف: من الدليل على ذلك أن الله سمى طاعة الشيطان عبادة، وكل معصية هي طاعة للشيطان، كل معصية هي طاعة للشيطان.
ولكن من الخلق من عبد الشيطان عبادة -يرحمك الله- صار بها كافرًا مشركًا كعباد الأوثان، عباد الأوثان هم عابدون للشيطان، يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: أصل الشرك -أصل الشرك كله، أصل شرك عباد الملائكة، والأنبياء، والصالحين، والأصنام، والأحبار والرهبان وغير ذلك- أصل الشرك عبادة الشيطان، هذا أصل الشرك.
( ) .
( ) لا تعبدوا الشيطان، وما الذي كان من أولئك؟ إنما كانت منهم الطاعة، طاعة الشيطان، يعني: أكثر الأمم لا تقصد أنها تعبد الشيطان، لكن هي في الواقع عبدت الشيطان من حيث أنها أطاعته.
وقال إبراهيم -عليه السلام-: • ( ) .
إذن، فعُلِم أن طاعة الشيطان هي نوع عبادة، هي عبادة له، وهي تختلف كما ذكرت.
إذن، التألّه لله والتعبد له يقتضي طاعته ومحبته، وخوفه ورجاءه، وإفراده بذلك، فالعبد على الحقيقة، عبد الله على الحقيقة هو الذي يفرد ربه بالطاعة، ولا يطيع إلا من أمره الله بطاعته من الرسل • ( ) .
يقول نوح -عليه السلام-: • ( ) فإن طاعة الرسل هي طاعة لله، وكل من أمر الله بطاعته فطاعته هي طاعة لله، في حدود ما أمر الله به من طاعته.
فالعبودية تقتضي كمال الطاعة، وكمال الحب، والذل والإجلال، وما يتبع ذلك من الخوف والرجاء والتوكل.
فيجب إفراده -سبحانه وتعالى- بحيث إفراده بالعبادة بكل أنواعها الظاهرة والباطنة، بكل أنواعها، ولا يحقق هذا المقام إلا الذين استثناهم الله في قوله: • ( ) .
وقال -سبحانه وتعالى- عن إبليس : • • ( ) .
فيه قراءة (المُخْلِصِين) فهم مخلصون، يخلصون لله في أعمالهم، ومخلصون لله، فهم العباد الخُلَّص، عباد الله الخلَّص، ليس فيهم عبودية لغير الله، وهذا يصدق على الأنبياء، فهم الأنبياء والمرسلون والصديقون والشهداء والصالحون، فهم مخلصون لله في أعمالهم وأقوالهم الظاهرة، فاعبد الله مخلصًا. ( ) .
أما من يتبع هواه فيما يخالف هدى الله فليس بمخلص، ولا مُخلَص، وإن كان عنده شيء من -يعني- من أصل العبودية لله، فالعبودية لله المتضمنة لمحبته وتعظيمه وطاعته، الناس فيها على مراتب، فأكمل الخلق عبودية لله هو الرسول وهو مقام شريف شرَّفه الله به، ونوَّه بهذا الوصف • ( ) .
( ) .
( ) .
قال -سبحانه وتعالى- في نوح -عليه السلام-: ( ) .
وقوله: ( ) كذبوا عبدنا، عبودية، هذه العبودية خاصة.
فالرسل والأنبياء والصديقون -على اختلاف مراتبهم- هم الذين حققوا التوحيد، وحققوا العبودية لله، فأخلصوا الدين لله، أخلصوا الدين لله، فلم تزاحم محبة الله محبة غيره، لم تزاحم محبةَ الله في قلوبهم محبةُ غيره، وسيأتي مزيد كلام في المحبة؛ لأن المؤلف استرسل في هذا، وتكلم عن هذا كثيرًا. نعم.
كان بعض العارفين يتكلم على أصحابه على رأس جبل، فقال في كلامه: لا ينال أحد مراده حتى ينفرد فردًا بفرد. فانزعج واضطرب حتى رأى أصحابه أن الصخور قد تدكدكت، وبقي على ذلك ساعات، فلما أفاق فكأنه نشر من قبر .
قوله: "لا إله إلا الله" تقتضي ألا يحب سواه .
هذا الأثر مما ينقل عن بعض الصوفية، وهم الذين يتلقبون بهذه الألقاب؛ العارف، العارف ليس من الأسماء الشرعية التي ما أعلم، المؤمن، التقي، الصالح، الصديق، هذه الألقاب.
أما العارف، المعرفة مطلوبة، وهي العلم، أنه تعالى أمر بالعلم ( ) لكن أصبح مصطلح العارف عند الصوفية يعني المحقق لمقامات، المحقق لـ -يعني- السير إلى الله، وجمع القلب على الله، ولهم مصطلحات كثيرة.
الصوفية لهم مصطلحات: العارف، وتلميذ الشيخ يسمونه: المُرِيد، يعني الذي يتلقى منه التربية على السلوك والعبادة والأعمال، يسمونه المريد، ولهم -يعني- مصطلحات بدعية في ما يشرع زعمهم للسالك.
وهذه القصة يستشهد بها المؤلف، ولا بأس من الاستشهاد ببعض الأمور التي يقصد منها تقرير أمر صحيح.
هذا العارف الذي كان يقول في القصة إنه لا ينال أحد مراده، لا ينال أحد مراده حتى ينفرد فردًا بفرد، يعني: لهم رموز وعبارات.
ابن القيم نقل في تعريف التوحيد، نقل عن بعض الشيوخ الصوفية يقول: التوحيد -لعله عن الجنيد- يقول: التوحيد إفراد القديم عن المحدث، وراح يشرح، شرحه في "مدارج السالكين"، إفراد القديم عن المحدث.
"حتى ينفرد فردًا بفرد"، هو يشير في هذا الكلام إلى أنه لا ينال أحدًا مراده، يعني: مراده لا يناله أحد من العباد والسُّلَّاك والسائرين إلى الله، لا ينال أحد مراده حتى ينفرد فردًا بفرد.
الفرد هو الله، هو فرد، وهذا اللفظ -يعني- معناه صحيح، الله -تعالى- فرد، لكن الذي ورد في أسمائه الأحد والواحد، الأحد والواحد، أما الفرد فلا أعرف أنه ورد فيه شيء من النصوص، لكن معناه صحيح، وكثيرًا ما يجري على لسان بعض أهل العلم أنه -سبحانه وتعالى- أحد فرد صمد، أحد فرد: يعني أحد واحد؛ لأن الفرد يعني الواحد.
"حتى ينفرد": يعني حتى هذا الواحد الفرد ينفرد، بحيث لا يكون له تعلق إلا بذلك الواحد، ويمكن يتشهد لهذا بقول ابن القيم: "كن واحدًا في واحدٍ ولواحد" أعني: طريق الحق والإيمان، "كن واحدًا في واحد": يعني في الطريق، يعني طريق الحق واحد، "ولواحد": كن لله الواحد، لا تكن لغيره، لا تكن عبدًا لغيره، إلى آخر القصة.
وأنه لما قال هذه المقالة غُشِي عليه وصُعق، وهذا يحصل لبعض الصوفية، ومسألة الغشي فيها كلام -يعني- معروف لشيخ الإسلام وغيره، وأن الغشي هذا ما هو بمشروع، لكن إذا الإنسان غلبه الصعق والغشي يكون معذورًا، ولم يُعرف الصعق والغشي عن -يعني- من حال الرسل والأنبياء والكُمَّل من المؤمنين والصحابة، لم يعرف هذا، إنما عرف في بضع العباد السُّلَّاك.
فغاية الأمر أن يكونوا معذورين في الصعق؛ لأن الصعق والغش أمر ممدوح، فيعتبر -يعني- من لا يُغْشَى ومن يحصل الصعق والغشي يكون أفضل ممن لا يحصل له ذلك، هذا لا يصلح، وسيأتينا -يعني- عبارات كثيرة، المؤلف -يعني- كان عنده نزعة -إن صح أن نقول- نزعة تصوف، ولهذا يستشهد بكثير من -يعني- ببعض أقوال الصوفية والأشعار، كما سيأتينا في الصفحات التالية. نعم.
دلالة محبة الله
قوله: "لا إله إلا الله" تقتضي ألا يحب سواه؛ فإن الإله هو الذي يطاع محبة وخوفًا ورجاء، ومن تمام محبته محبة ما يحبه، وكراهة ما يكرهه، فمن أحب شيئًا مما يكره الله، أو كره شيئًا مما يحبه الله، لم يكمل توحيده، ولا صدَّقه في قوله "لا إله إلا الله"، وكان فيه من الشرك الخفي بحسب ما كرهه مما يحبه الله، وما أحبه مما يكرهه.
قال تعالى: • ( ) .
قال الليث عن مجاهد في قوله تعالى: ( ) قال: لا تحبوا غيري.
وفي صحيح الحاكم، عن عائشة -رضي الله عنها-، عن النبي أنه قال: الشرك أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء .
وأدناه أن تحب على شيء من الجور، أو تبغض على شيء من العدل، وهل الدين إلا الحب والبغض.
قال الله تعالى: • ( ) .
وهذا نص في أن محبة ما يكرهه الله وبغض ما يحبه متابعة للهوى، والموالاة على ذلك، والمعاداة عليه من الشرك الخفي.
وقال الحسن: اعْلَمْ أنك لن تحب الله حتى تحب طاعته.
وسُئل ذو النون: متى أحب ربي؟ قال: إذا كان ما يبغضه عندك أَمَرّ من الصبر.
وقال بشر بن السري: ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغضه حبيبك.
وقال أبو يعقوب النهرجوري: كل من ادعى محبة الله ولم يوافق الله في أمره، فدعواه باطلة.
وقال يحيى بن معاذ: ليس بصادق من ادعى محبة الله ولم يحفظ حدوده.
وقال رويم: المحبة الموافقة في جميع الأحوال. وأنشد:
ولـو قلـت لي مت مت سمعًا وطاعة
وقلت لداعي الموت أهلًا ومرحبًا
ويشهد لهذا المعنى أيضًا قوله تعالى • ( ) .
وقال الحسن: قال أصحاب النبي يا رسول الله، إنا نحب ربنا حبًا شديدًا. فأحب الله أن يجعل لحبه عَلمًا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ومن هنا يعلم أنه لا تتم شهادة "أن لا إله إلا الله" إلا بشهادة "أن محمدًا رسول الله"؛ فإنه إذا عُلم أنه لا تتم محبة الله إلا بمحبة ما يحبه وكراهة ما يكرهه، فلا طريق إلى معرفة ما يحبه وما يكرهه إلا من جهة محمد المبلغ عن الله ما يحبه وما يكرهه.
فصارت محبة الله مستلزمة لمحبة رسول الله وتصديقه ومتابعته، ولهذا قرن الله بين محبته ومحبة رسول في قوله: ( ) إلى قوله: ( ) .
كما قرن بين طاعته وطاعة رسوله في مواضع كثيرة.
وقال ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد إذا أنقذه الله منه كما يكره أن يُلْقَى في النار .
هذه حال السحرة، لما سكنت المحبة قلوبهم سمحوا ببذل نفوسهم، قالوا لفرعون: اقض ما أنت قاض.
ومتى تمكنت المحبة في القلب لم تنبعث الجوارح إلا إلى طاعة الرب، وهذا هو معنى هو معنى الحديث الإلهي الذي خرجه..
يقول المؤلف في هذه الجملة أن قول "لا إله إلا الله" يتضمن محبة الله، وهذا حق؛ فإن العبادة معنى "لا إله إلا الله": لا معبود بحق إلا الله، فتتضمن أن الله -تعالى- هو المعبود المستحق للعبادة.
والعبادة حقيقتها هي كمال الحب مع كمال الذل، كمال الحب مع كمال الذل.
إذن، فقول "لا إله إلا الله" يقتضي محبة الله من قائلها، يعني: يقتضي أن يكون قائلها محبًا لله، ومحبًا لما يحبه.
هذا أمر بديهي، وأمر -يعني- مما فطر الله عليه عباده، أن محبة الحبيب تقتضي محبة ما يحب، بل وبُغض ما يُبغض، ومحبة الله من مقامات الدين، بل إن قول: "لا إله إلا الله" كما أنه يقتضي محبة الله فإنه يقتضي خوفه ورجاءه.
فلا بد من تصديق هذه الكلمة، وتصديقها -تصديق دعوى المحبة- إنما هو بمحبة ما يحبه الله، وبغض ما يبغضه.
فيحسب ما يقوم بالقلب من محبة الله وصدق العبودية لله تكون حال الإنسان في تعامله مع الأشياء، فيحب ما يحبه الله، ويبغض ما يبغضه.
وأما العكس؛ فأحب ما يبغضه الله، أو أبغض أو كره ما يحبه الله، كان ذلك مُكذِّبًا لدعواه المحبة، أو دالا على نقص ما يدعيه من المحبة.
ومعنى هذا أن كمال التوحيد يقتضي محبة ما يحبه الله، وبغضا يبغضه الله من الأعمال والأقوال والأشخاص، يقتضي محبة ما أمر الله به ورسوله، وبغض ما نهى الله عنه ورسوله، ومحبة ما يحبه الله من عباده من الملائكة والأنبياء والصالحين، محبة أولياء الله، وبغض أعدائه؛ لأنه -تعالى- يبغضهم.
إذن، فمن لم يتحقق بهذا فلا بد أن يكون عنده نوع من الشرك في المحبة، فمن أحب شيئًا مما يبغضه الله، أو كره شيئًا مما يحبه لم يكن محققًا لمحبة الله؛ فإن محبة الله المطلقة التامة تقتضي محبة كل ما يحبه الله ومن يحبه، وبغض ما يبغضه الله ومن يبغضه الله.
ومن ذلك: محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن محبة الرسول هي من محبة الله، ومحبة المؤمنين هي من محبة الله، يعني: تابعة وفرع، وقد قرن الله محبة الرسول بمحبته في كتابه، وكذلك في الحديث ( ) إلى قوله: ( ) .
وفي الحديث: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما .. .
وقرن الله في المحبة بينه وبين الرسول كما قرن بينه وبين الرسول في الطاعة، فإن محبة الرسول تقتضي طاعته طاعة مطلقة، طاعة مطلقة كطاعة الله؛ لأن طاعة الرسول هي طاعة لله؛ لأن الرسول لا يأمر إلا بما أمر الله به، ولا ينهى إلا عما نهى الله عنه، أما غيره من الخلق فإنه قد يأمر بمعصية الله.
فلهذا جاء قُيِّدَتْ طاعة المخلوق غير الرسول -عليه الصلاة والسلام- قيدت بالمعروف، أو بغير المعصية، إنما الطاعة في المعروف .
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
وتحقيق محبة الرسول بمتابعته، بل وتحقيق محبة الله بمتابعة الرسول • ( ) .
فاتباع الرسول هو البرهان.
جاء في تفسير هذه الآية -كما أشار المؤلف- أنه ادعى قوم محبة الله، فامتحنهم بهذه الآية، وتسمى هذه الآية: "آية المحنة".
فاتباع الرسول هو العلم على حب الله، اتباع الرسول هو العلم على حب الله وحب رسوله • ( ) .
وأورد المؤلف جملة من أقوال بعض شيوخ الصوفية، مثل فلان وفلان، أبو يعقوب النهرجوري، ورويم، وفلان، وذو النون، هؤلاء من أعلام الصوفية، ولهم أقوال جيدة وحسنة، ويستشهد بها شيخ الإسلام وابن القيم، يستشهدون بها كثيرا.
وقدماء الصوفية وشيوخ الصوفية المتقدمون -يعني- الغالب عليهم الخير، وإن كان لهم أخطاء كغيرهم من الناس، كل طائفة من أهل الدين، من أرباب السلوك، أو أرباب الفقه، أو أرباب -يعني- أو من -يعني- حسب الأصناف، كل منهم فيهم المعتدل المستقيم، وفيهم اللي من يكون عنده بعض الأخطاء في قوله أو في فعله.
والواجب العدل في الحكم على الطوائف والجماعات، وعلى الأفراد، فالمقصود أن المصنف ابن رجب -رحمه الله- في هذه الرسالة وفي غيرها يستشهد بأقوال أولئك الصوفية؛ لأن لهم عبارات صحيحة، وجُلّ ما سمعت وسمعتم -يعني- معناه صحيح، وأن العنوان على صدق المحبة هي الطاعة، والوقوف عند الحدود، ومحبة ما يحبه الحبيب، محبة ما يحبه الله، وهذا كله صحيح.
إلا أن الأمر لا يقف عند حد المحبة فقط؛ فالعبودية تتضمن المحبة والخوف والرجاء ( ) .
فلا بد أن تقوم العبادة على هذه الأصول، الصوفية -بعضهم، أو كثير منهم- يبالغون في تعظيم مقام المحبة، ولا يعظمون مقام الرجاء والخوف، بل ربما استنقصوا مقام الرجاء الخوف، وهذا من أغلاطهم.
كما يُروى عن بعض أني لا أعبد الله حبًا أو رغبة في جنته، ولا خوفًا من ناره، بمعنى أنه لا يعبده إلا بدافع الحب، وهذا غلط؛ بل الله -تعالى- أمر بخوفه ورجائه، وأثنى على أوليائه بالخوف والرجاء ( ) .
لعل هذه المقدمة تنفع في ملاحظة ما سيأتي من استشهادات المؤلف من عبارات بعض أعلام الصوفية كما ذكرها، لكن جملة ما ذكره هنا من أن المحبة -محبة الله الصادقة- تقتضي محبة ما يجب، وبغض ما يبغض، وأن خلاف ذلك قادح في المحبة بقدر ما يقع من تلك المخالفات، هذا كلام صحيح، وحق لا نزاع فيه. أستغفر الله، أستغفر الله. نعم.
تلازم الظاهر والباطن
وقال ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد إذا أنقذه الله منه كما يكره أن يُلْقَى في النار .
هذه حال السحرة، لما سكنت المحبة قلوبهم سمحوا ببذل نفوسهم، قالوا لفرعون: اقض ما أنت قاض.
ومتى تمكنت المحبة في القلب لم تنبعث الجوارح إلا إلى طاعة الرب، وهذا هو معنى الحديث الإلهي الذي خرجه البخاري في صحيحه، وفيه: ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها .
وفي بعض الروايات: فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي .
والمعنى: أن محبة الله -إذا استغرق بها القلب، واستولت عليه- لم تبعث الجوارح إلا إلى مراد الرب، وصارت النفس حينئذ مطمئنة، ففنيت بإرادة مولاها عن مرادها وهواها.
يا هذا، اعبد الله لمراده منك، لا لمرادك منه؛ فمن عبده لمراده منه فهو ممن يعبد الله على حرف، إن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة .
ومتى قويت المعرفة والمحبة لم يرد صاحبها إلا ما يريده مولاه، وفي بعض الكتب السالفة: "من أحب الله لم يكن شيء عنده آثر من رضاه، ومن أحب الدنيا لم يكن شيء عنده آثر من هوى نفسه".
وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن الحسن قال: "ما نظرت ببصري، ولا نطقت بلساني، ولا بطشت بيدي، ولا نهضت على قدمي حتى أنظر على طاعة أو معصية، فإذا كانت طاعة تقدمت، وإذا كانت معصية تأخرت".
هذا حال خواص المحبين، فافهموا -رحمكم الله- هذا؛ فإنه من دقائق أسرار التوحيد الغامضة.
وإلى هذا المقام أشار في خطبته لما قدم المدينة، حيث قال: أحبوا الله من كل قلوبكم وقد ذكرها ابن إسحاق وغيره.
فإن من امتلأ قلبه من محبة الله لم يكن فيه فراغ لشيء من إيرادات النفس والهوى، وإلى ذلك أشار القائل بقوله:
أروح وقـد ختمتَ على فؤادي
فلو أنني استطعت غضضت طرفي
بحـبك أن يحـل بـه سـواكَا
.. .. .. ..
إلى آخر الأبيات. تجاوَزْها
متى بقي للمحب من نفسه خطر، فما بيده من المحبة إلا الدعوى، إنما المحب من يفني عن نفسه كله، ويبقى بحبيبه، فبه يسمع وبه يبصر، القلب بيت الرب.
وفي الإسرائيليات يقول الله: ما وسعني سمائي ولا أرضي، ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن، فمتى كان القلب فيه غير الله فالله أغنى الأغنياء عن الشرك، وهو لا يرضى بمزاحمه أصنام الهوى.
الحق -تعالى- يغار على عبده المؤمن أن يسكن في القلب سواه، وأن يكون فيه شيء لا يرضاه.
أردناكم صرفا فلما أردناكم
.. .. .. ..
أبيات، تجاوزها .
لا ينجو غدًا إلا من لقي الله بقلب سليم، ليس فيه سواه، قال الله تعالى: ( ) لا ينجو غدًا إلا من لقي القلب السليم …
لعلك تقف على هذا. لا. نعم، لا ينجو، بداية الكلام بعد الأبيات الله بقلب سليم، نعم، إلى آخره.
لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.
استشهد المؤلف في هذا المقام بأن كمال المحبة يقتضي كمال الطاعة، استشهد بهذا الحديث الذي رواه البخاري، من حديث أبي هريرة، وفيه: ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها .
وفي رواية في غير الصحيح: فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي .
وهذا اللفظ يفيده اللفظ الأول، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها .
فالمحب الصادق والمؤمن، أقول: المؤمن الصادق تكون جميع تصرفاته لله، وفي الله، كما في الحديث المشهور: ومن أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان .
"أحب لله": بمعنى أنه لا يحب إلا لله، ولا يبغض أحدا إلا لله، وإن أعطى أعطى لله، كل ما يبذله هو لله، حتى ما ينفق على زوجته، كما في حديث سعد: وإنك لن تعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا أُجِرْتَ عليه، حتى ما تجعل في فِي امرأتك .
فأهل الإيمان الكامل كل تصرفاتهم حتى الأمور الطبيعية العادية، حتى الأمور العادية تكون لله تتكيف، إذا أنفق على أولاده ينفق عليهم محتسبًا، يراعي ما يجب عليه، ما أوجب الله عليه من الإحسان إليهم، ما يترتب على إنفاقه من إغنائهم، ما يترتب على إنفاقه عليهم من كفايتهم، وإعانتهم على ما ينفعهم، وهكذا تكون أعماله كلها لله.
ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته .. المحبة الكاملة، وإلا فالله يحب كل مؤمن، لكن محبته لأوليائه -يعني- ليست على مرتبة واحدة، أو على حد سواء، ومحبة أوليائه له كذلك، فيها تفاوت وتفاضل.
( ) .
• ( ) .
فالأنبياء والصالحون والمؤمنون متفاضلون.
يقول في الحديث: فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصره، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها .
فتكون -أيضًا- أفكاره دائرة على الحق، إذا كانت هذه حال الجوارح فحركة الجوارح تابعة لما في القلب، إنما تكون الجوارح متقيدة بهذه الحال لتقيد القلب بالعبودية لله، بكمال عبودية القلب لله حبًا وخوفًا ورجاء.
وهذا يعني أن المحقق لهذه العبودية والمحبة والإيمان لا يريد إلا ما يريده الله، الإرادة الشرعية، لا يريد إلا ما يريده الله، الإرادة الشرعية.
يقول المؤلف أو غيره: "فيفنى -هذه من عباراتهم- يفنى بمراد الله عن مراده".
"يفنى بمراد الله": يعني الشرعي، "عن مراده": عن مراد نفسه الطبيعي، عن مراد نفسه يفنى؛ بحيث أنه لا تكون له إرادة إلا ما يكون بتحقيق مراد الله منه.
فالمحب الصادق هو الذي يعبد الله كما جاء في النص، يعبد الله على مراده منه، يعني على مراد الله منه، لا على مراده هو من الله.
المحب الصادق يعبد الله على ما يريده الله منه، لا على ما يريده هو من الله، الإنسان يريد من الله كذا وكذا وكذا، وهذه عبارة فيها ما فيها؛ لأنه -كما ذكرت- العبد يعبد ربه على وفق ما أراده الله منه، وهذا لا يمنع أنه يريد من ربه المغفرة في الجنة، والنجاة من النار، يريد من ربه أمورًا.
والله -تعالى- قد أثنى على أنبيائه ورسله، مع أنهم يريدون منه الرحمة، يريدون منه الجنة، ويريدون منه النجاة من النار ( ) .
( ) .
المذموم أن تعبد الله لما تريده منه من أمر الدنيا، فهذا هو الذي يصدق عليه ما استشهد به المؤلف من قوله تعالى: •• • ( ) .
يعبد الله على طرف من الدين، غير متمكن منه، فهو يعبد الله ما استقامت دنياه، فإذا أصابته فتنة أو مصيبة أو فقر وحاجة انقلب على وجهه.
فمن يعبد الله لينال أو ليعطيه -يعني- سعادة الدنيا، ولا يريد الآخرة، فهذا هو الذي ذم الله آله بقوله: •• ( ) .
هم يريدون المال والولد، وكذا وكذا، وأنواع المتاع.
فمن الناس من يقول: ( ) .
ومنهم من يقول: • ( ) .
• ( ) .
وما ذم الله الذين يريدون الآخرة؛ إنما ذم الذين يريدون الدنيا ( ) .
وقال -سبحانه وتعالى-: ( ) .
أراد الآخرة • ( ) .
( ) فإرادة ثواب الآخرة وإرادة الجنة، هذه فلا إثم فيها، ولا نقص فيها، ولا عيب على من يعبد الله محبة له، وخوفًا منه، ورجاء لثوابه، وطمعًا في ثوابه.
هذا لماذا ذكره الله لعباده الجنة والنار وذكر أمر الآخرة؟ ترغيبًا وترهيبًا • ( ) .
+ ( ) .
نعم، هذا والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله.
فيه -يعني- عندكم عبارات وكلام كله راجع -في الجملة- إلى ما تقدم وما ذكر الآن، والله أعلم، وصلى الله على محمد.
أحسن الله إليكم.
أستغفر الله، أستغفر الله.
س: فضيلة الشيخ، هذا يقول: هل المرجئة يطبقون الحدود الشرعية في الحدود خصوصًا ؟
ج: أما المرجئة الفقهاء نعم، والله يطبقونها، ويقولون بأن العاصي مستحق للعقاب، وأما المرجئة الغلاة الجهمية فهم لا؛ يعني مذهبهم يقتضي عدم تطبيق الحدود. نعم.
أحسن الله إليكم.
س: ويقول هل المرجئة الفقهاء مخطئون من حيث فهم النصوص؟
ج: نعم، إي والله مخطئون في فهم النصوص، سبحان الله! كيف الرسول يقول: الإيمان بضع وستون شعبة ويقول لوفد عبد القيس : آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ وذكر لهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تؤدوا الخمس من المغنم، كل هذه يفسر بها الإيمان، ثم نقول: هذه الأعمال ليست من الإيمان ؟! سبحان الله! نعم.
أحسن الله إليكم.
س: وهذا يقول: فضيلة الشيخ، إني أحبكم في الله، هل من وقعت جوارحه في المعصية يعني أن الله لم يحبه؟
ج: سبحان الله العظيم! هذا يرجع إلى شيء من الكلام اللي لعله تقدم أن محبة الله لعباده تتفاوت، وكل مؤمن له حظ من محبة الله، وكل مؤمن -يعني- له حظ من حبه لله، فأكمل الخلق حظًا من حب الله هما الخليلان، ولهذا كانت لهما الخلة، خليلان، فأعلى مراتب المحبة الخلة، وهي لمحمد وإبراهيم -عليهما الصلاة والسلام-.
وإثبات الخلة لهما لا ينفي المحبة عمن سواهما من الأنبياء، ومحبته -تعالى- للأنبياء -يعني- لا تنفي محبته لعباده المؤمنين.
فالعبد إذا وقع في المعصية فهذا -يعني- دليل على النقص، نقص محبته لله، ولكنه إذا تاب وأناب قد ترتفع منزلته، إذا تاب وأناب قد ترتفع منزلته، فيكون بعد المعصية خيرًا منه قبل المعصية، قبل المعصية. نعم.
أحسن الله إليكم.
س: وهذا يقول: هل الرحمة صفة ذاتية أم صفة فعلية؟
ج: ذاتية وفعلية؛ فهناك الرحمة رحمة به قائمة به -سبحانه وتعالى- فهي ذاتية، فهو لم يزل رحمانًا، ولم يزل ذو رحمة، وهو -مع ذلك- يرحم من يشاء، ويعذب من يشاء، اقرءوا ذلك في كتاب الله. نعم.
أحسن الله إليكم.
س: يقول: فضيلة الشيخ، ما حكم محبة الزوجة والولد؟
ج: نعم، هذا سؤال طيب، محبة الزوجة والولد وغير ذلك من الأمور الطبيعية، هذه محبة طبيعية، لا تقدح في المحبة الشرعية إلا أن يفرط الإنسان فيها، فإذا أفرط الإنسان فيها فأوجبت له معصية الله كانت مذمومة، والمذموم فيها هذه التعدي والمبالغة.
أما الإنسان مجبول على محبة الطعام والشراب والزوجة والولد، والأمور التي جُبِلَ عليها ( ) .
فالخلل يأتي من الإفراط في حب هذه المحبوبات ( ) هذه المحبوبات الثمانية، فمن آثر محبتها على محبة الله ورسوله كان مذمومًا، أما إذا أحبها الحب الطبيعي مع تقديم محبة الله ورسوله ..
أما إذا أحبها الحب الطبيعي، مع تقديم محبة الله ورسوله على محبتها- لم تضر إذن. نعم .
س: أحسن الله إليكم. هذا سؤال من النساء تقول: فضيلة الشيخ، هل دورة المياه تدخل ضمن حدود المسجد؟
ج: لا، دورة المياه ليست من حدود المسجد. نعم.
س: وتقول أيضا: بعض النساء الحيض يستمعن لدروس هذه الدورة ومتابعتها في هذا المسجد من الجهة الخلفية، التي تدخل ضمن مدخل دورة المياه الفاصل عن مصلّى النساء، فهل يجوز ذلك؟
ج: أرجو أنه ليس من النافع ما لم يكن مصلى؛ هذا لعله تابع يعني: كما قلنا في دورة المياه. نعم.
س: أحسن الله إليكم. يقول فضيلة الشيخ: متى تكون طاعة غير الله شركا أكبر، ومتى تكون دون ذلك، نريد منكم حفظكم الله التفصيل، وجزاكم الله خيرا؟
ج: وهذا آخر سؤال، والجواب والله أعلم طاعة المخلوق في تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل، هذا هو الشرك: ( ) .
أما الطاعة في فعل المعصية مثل يعني: إنسان عاص أو فاسق يقول: مش يله نفعل كذا يا فلان، هنا هذا العاصي يؤمن بتحريم الزنا والخمر أو نحو ذلك، لكنه يدعو إلى المعصية، يريد أن يكون له شركاء ومتعاونون معه، فيدعو فيطيعه بعض الناس، يطيعه بعض من ضعف إيمانه وخوفه من الله.
فهنا أطاعه في الفعل لم يتغير إيمانه بتحريم الزنا، إنما أطاعه في الفعل فعل المعصية، والنوع الأول -اللي ذكرته- هو شرك، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد.
النجاة لا تكون إلا لصاحب القلب السليم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
قال رحمه الله تعالى: لا ينجو غدا إلا من لقي الله بقلب سليم ليس فيه سواه، قال الله -تعالى-: ( ) .
القلب السليم هو الطاهر من أدناس المخالفات، فأما المتلطخ بشيء من المكروهات فلا يصلح لمجاورة حضرة القدس -أو القدوس، "حضره القدس" هذه العبارة، وبهذه العبارة الدارجة في اللسان من يتكلم بهذه الكلمة-
فلا يصلح لمجاورة حضرة القدس إلا بعد أن يطهر في كير العذاب، فإذا زال منه الخبث صلح حينئذ للمجاورة؛ إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، فأما القلوب الطيبة فتصلح للمجاورة من أول الأمر: ( ) • ( ) .
ومن لم يحرق اليوم قلبه بنار الأسف على ما سلف، أو بنار الشوق بلقاء الحبيب -فنار جهنم له أشد حرا، ما يحتاج إلى التطهير بنار جهنم إلا من لم يكمل تحقيق التوحيد والقيام بحقوقه، .
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه ورسوله، وعلى أهله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
يقول المؤلف: "لا ينجو من عذاب الله يوم القيامة إلا صاحب القلب السليم" نعم، قال الله -سبحانه وتعالى-: ( ) هذا جاء في ثنايا قصة إبراهيم ودعاء إبراهيم: • • ( ) .
ومن بديع المناسبات أن الله أخبر عن إبراهيم أيضا بسلامة القلب: ( ) فالقلب السليم جاء في هذين الموضوعين كليهما، يعني: الأولى في كلام إبراهيم، والثانية في وصف الله لإبراهيم.
والقلب السليم، سليم: صيغة تدل على السلامة، ضد العليل وضد المريض، سليم سالم، يقول النسائى: القلب السليم هو السالم من المخالفات، المخالفات: مخالفات الأوامر والنواهي، بترك مأمور، أو فعل محذور، هذه هي المخالفات.
فلا ينجو من عذاب الله نجاة مطلقة بحيث لا يناله عذاب إلا صاحب القلب السليم، من أتى الله بقلب سليم فهذا هو الذي ينجو، لا يتعرض للعذاب، لا يتعرض لشيء من العذاب لسلامة قلبه، وعلى هذا فيدخل الجنة من أول وهلة.
فأشار المؤلف إلى نوع من سلامة القلب، وقد يقال: إن كلامه شامل، لكن لعله مما يوضح المقام ما ذكره العلامة ابن القيم في مواضع من كتبه، ولا سيما في "إغاثة اللهفان"؛ فإنه عُني بالكلام على أقسام القلوب، فينبغي أن تراجع تلك الأبواب.
ومما جاء في كلامه: أن القلب السليم: هو السالم من فتن الشهوات وفتن الشبهات، فتن الشهوات التي تعارض أمر الله، الشهوات تعارض الأمر والنهي، وفتن الشبهات التي تعارض خبر الله، ففتن الشهوات تحمل على المعصية والمخالفة، بترك المأمور وفعل المحذور، والشبهات تضعف اليقين، أو تورث الشك فيما أخبر الله به ورسوله.
إذن فالقلب السليم لا بد أن يسلم اعتقاده من عوارض الشبهات، وتسلم إرادته من عوارض الشهوات، فالقلوب أقسام: فيها القلب السليم، والقلب المريض، والقلب الميت، الميت الذي لا حس ولا إرادة ولا حركة -ميت-، وهو قلب كافر.
القلب الميت هو القلب الكافر، والقلب السليم هو القلب المؤمن كامل الإيمان، والمريض هو القلب المخلط الذي فيه مادتان: مادة الحياة، ومادة مرض أو مادة موت، وهو لما غلب عليه منهما.
في الحديث الصحيح: تعرض الفتن على القلوب عودا عودا كعرض الحصير، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت في قلبه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب إلى قلبين: قلب أبيض فيه السواد +يصغر، وقلب أسود مرباد كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أصيب من هواه .
ومن أمراض القلوب التي تبعث علي الشهوات وهي كثيرة: منها الرياء، الرياء: وهو أن يعمل الإنسان العمل مما يحب الله، ومما شرع الله؛ ليراه الناس وليقول فيه الناس : كذا وكذا، يعني: للمحمده -نعوذ بالله-، وهذا مرض خطير، نسأل الله أن يعفينا وإياكم منه.
نسأل الله أن يطهر القلوب -لا إله إلا الله-؛ ولهذا جاء في الحديث قوله أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه فقال: الرياء مخوف.
وفي المسائل التي ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب استنباطا من نصوص باب الخوف من الشرك -أن الرياء أخوف ما يُخاف على الصالحين الرياء، فعلى الإنسان أن يتقيه وأن يأخذ بالأسباب الواقية منه، وأن يسأل ربه أن يعصمه من الشرك كله: صغيره وكبيره، ظاهره و خفيه.
الرياء شرك أصغر وخفي، فالقلب السليم هو الذي سلم من هذه الآفات: الرياء وغيرها من أمراض القلوب، فللقلوب أمراض: الكبر، والحسد، الرياء، سوء الظن -سوء الظن بالله-، الظنون الكاذبة، الغش، أمراض، أمراض قلبية معنوية كلها تنافي سلامة القلب.
لكن قد تصل إلى أن يموت بها القلب فيصير ميتا، وقد يصير مريضا ثم يصح، وقد يبقى مريضا، فالقلوب هكذا، فأحوال القلوب تشبه أحوال الأبدان، وكما أن الأبدان -هكذا- تعرض لها العوارض: منها المريض، ومنها الصحيح، ومنها المريض، والأمراض تختلف: مرض -يعني- معضل ربما يفضي بصاحبه إلى الموت، كذلك أمراض القلوب، نسأل الله العافية، ونعوذ بالله، لا إله إلا الله.
أعد يا شيخ المسألة في الموضوع فيه مسائل قريبة.
احذروا الرياء
أول ما تسعر به النار من الموحدين العّباد المراءون بأعمالهم، وأولهم العالم والمجاهد والمتصدق للرياء؛ لأن يسير الرياء شرك، ما ينظر المرائي إلى الخلق في عمله إلا لجهله بعظمة الخالق، المرائي يزوِّر التواقيع على اسم الملك؛ ليأخذ البراطيل لنفسه، ويوهم الخلق أنه من خاصة الملك .
هذه أمثال -يعني- تضرب للمرائي، أولا إن المرائي إنما أوتي من جهله بربه، من عرف ربه وأنه المستحق لأن يُعلى ويُعبد، ويتقرب إليه بأنواع القرابين -لا يبالي بالخلق ولا يعبأ بهم، فعمله الظاهر وفي الغيب والشهادة واحد، لا يبالي بالناس إنما يعمل لربه، ويتقرب إلى ربه، فإنما أوتي بجهل لعظمة الخالق.
والمرائي يظهر الصلاح، وهذا هو الذي ضَرب له مثلين؛ لأنه يزور التواقيع، ويظهر أنه من خواص الملك، وينقش اسم الملك على الدرهم الزائف، كل هذه أمثال بحال المرائي من جهة أنه يظهر الصلاح والقرب من الله وهو بخلاف ذلك، وكل -يعني- عمل المرائي تزوير، فليس باطنه كظاهره. نعم.
نقش المرائي على الدرهم الزائف اسم الملك ليروج، والبهرج ما يجوز إلا على غير الناقد، وبعد أهل الرياء يدخل النار أصحاب الشهوات وعبيد الهوى، الذين أطاعوا هواهم وعصوا مولاهم، فأما عبيد الله فيقال لهم: • • • • ( ) .
نار جهنم تنطفئ بنور إيمان الموحدين،
في الحديث: تقول النار للمؤمن جز فقد أطفأ نورك لهبي وفي المسند عن جابر عن النبي لا يبقى مؤمن ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما، كما كانت على إبراهيم، حتى أن للنار ضجيجا من بردهم هذا ميراث ورثه محبون من حال الخليل -عليه السلام-، نار المحبة في قلوب المحبين تخاف منها نار جهنم .
الله المستعان على كل حال، في هذه الجملة تنبيه إلى أن أصحاب القلوب السليمة -وهم عباد الله المخلصين هؤلاء- يسيرون إلى الجنة من أول، وهلة ولا ينالهم شيء من العذاب، ولا تمسهم النار بحرها وإن وردوها.
الله تعالى يقول: • • • ( ) وهذا الورود قد قيل: إنه هو العبور على الصراط، إنما هو مرور فقط دون الدخول.
وقال بعض المفسرين كما يشهدون بهذا الحديث: إنه ما من بر أو ما من مؤمن ولا كافر إلا دخلها، لكن المؤمنون لا ينالهم حرها، ولا يضرهم عذابها، بل تكون عليهم بردا وسلاما، يجوزون: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك حري كما جاء في الحديث أو في الأثر.
فالمقصود قيل: إن الورود إنه الدخول: ( ) وقد وجه هذا المعنى شيخنا محمد الأمين الشنقيطي في "أضواء البيان" استشهد في ذلك بأن الورود في سائر مواضعه يراد به الدخول: • ( ) فسمَّى الدخول ورودا إلى غير ذلك من الآيات بما فيها ذكر الدخول: • ( ) .
وعلى أي حال فـالتوحيد الخالص، وعباد الله المخلصون لا يعذبون ولا يمسهم شيء من العذاب، بل هم ينجون كما قال -سبحانه وتعالى-: • • ( ) • • • ( ) .
كأن السياق يقتضي أنه يقال: هذا اليوم يوم القيامة، ولا مانع أنه يقال للنفس عند الاحتضار: • • • ( ) فهي ترجع إلى ربها بالموت، وترجع إلى ربها كذلك يوم القيامة، وتدخل في عباد الله وفي كرامة الله: • ( ) • ( ) .
فالنفس المطمئنة ونفوس عباد الله الطيبين تعود إلى الجنة وتدخل الجنة بعد الموت، ولكن الدخول المستقر والدخول على وجه التمام والكمال إنما يكون يوم القيامة، إنما ترد الأرواح إلى الأبدان، ويبعث الناس من قبورهم، فهنالك يصير كل إلى ما يناسبهم من الجزاء: • ( ) • ( ) • • • ( ) لا إله إلا الله . نعم
نار المحبة في قلوب المحبين تخاف منها نار جهنم، قال الجنيد: قالت النار: يا ربي، لو لم أطعك هل كنت تعذبني بشيء؟ قال: نعم، كنت أسلط عليك ناري الكبرى. قالت: وهل هناك نار أعظم منى وأشد؟ قال: نار محبتي أسكنتها أوليائي المؤمنين. كان بعض العارفين يقول: أليس عجبا أن أكون حيا بين أظهركم، وفي قلبي من الاشتياق إلى ربي مثل شعل النار التي لا تنطفئ .
هذه كلمات في الحقيقة منكرة، واستشهاد المؤلف بها في الحقيقة غير لائق، لكن كما ذكرت لكم أن بعض أهل العلم يكون عنده نزعة تصوف، ويتساهل بالاستشهاد بأقوال بعض شيوخ الصوفية، فقوله أولا: "إن نار المحبة" التعبير عن قوة نار المحبة وصدق المحبة بالنار هذا لا يليق في محبة الله، ولا يصلح أبدا، هذه محبة العشاق الذين يعانون من عشقهم، ومحبتهم تلك عذاب، هم يعذبون بها: ( ) .
فالمفتون بأمر من المحبوبات حين لا يناله يبقى معذبا به، بسبب توقانه وتعلقه به، أما محبة الله فحاشى وكلا أن تكون نارا وأن تكون عذابا، فأنبياء الله ورسله وأتباعهم من الكمل من المؤمنين في قلوبهم من محبة الله ما ليس في قلوب أولئك الصوفية، وهذه المحبة هي حلاوة، يجدونها حلاوة في قلوبهم، لا يجدونها نارا ولا عذابا: ثلاث من كن فيه وجد فيهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواه إلى آخر الحديث.
ثم يردف هذا الكلام "إن محبة الله نار تخافها نار جهنم" بهذا القول المفترَى، إن نار جهنم تقول هذا الحوار: لو لم أطعك فبأي شيء تعذبني؟ أعذبك بناري الكبرى، نار محبتي. محبة الله ليست نارا بل هي حلاوة ونعيم، نعيم قلوب المؤمنين.
فالمؤمنون وإن كانوا يحبون ربهم ويخافونه ويرجونه، فهم ينعمون… ينعمون لمحبته، وينعمون بخوفه ورجائه؛ لأنهم يخافون منه ويفرون إليه، يفرون منه إليه، لا ملجأ منك إلا إليك.
هذا كلام لا يصح أن يقال، كلام مُنكر لو لم يعني لسلطت عليك +يقول في هذا الكلام للجنيدى يقول يزعم… مستبعد، الجنيدى يثنى عليه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم؛ لأنه يبعد أن يثبت عنه ذلك، الله أعلم.
"لسلطت عليك ناري الكبرى" يعني: لجعلتك تحبيني، هل هذا كلام، يعني: محبة تجدين منها عذابا أعظم من عذابك لمن يُعذب بك! كلام ساقط: "ناري الكبرى" نار الله الكبرى التي يعذب بها الكفار: • • ( ) نار الله الكبرى هي النار التي أعد الله للكافرين، هي النار الكبرى.
هي إطلاق على كل حال، إطلاق هذه الألفاظ يُطلقه العشاق، الواحد منهم يتكلم ويقول: في قلبي نار، ومن حب فلان أو فلانة، نعم يجدون نارا ويجدون ألما، ويتعذبون ويشقون شقاء، أما أهل الإيمان وأهل العلم بالله والحب لله فليسوا كذلك، نسأل الله السلامة والعافية. نعم.
ما للعارفين شغل بغير مولاهم، ولا هم في غيره، في الحديث: من أصبح وهمه غير الله فليس من الله قال بعضهم: من أخبرك أن وليه له هم في غيره فلا تصدق، وكان داود الطائي يقول: في الليل همك عطل علي الهموم، وحالف بيني وبين السهاد، وشوقي إلى النظر إليك أوبق مني اللذات، وحال بيني وبين الشهوات، فأنا في سجنك أيها الكريم مطلوب، .
وكذلك أن الكلام كلام يصح، وكلام أحد الصوفية الجهال يعني: عندهم محبة، وعندهم شوق، لكن على غير علم وبصيرة، فحب الأنبياء والصالحين يقال: إنه عطل عليهم كل شيء،
أليسوا يتزوجون، أليس الرسل لهم أزواج وذرية: ( ) أليسوا يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق؟ يمشون في الأسواق ويقضون حوائجهم.
فحبهم لله وإقبالهم على الله لم يُعطل عليهم لذاتهم الطبيعية، حتى يترك كل واحد أهله وولده ولذاته أمور بشريه طبيعية، فهو شرع للإنسان أن يأكل وأن يشرب: وكان رسول الله يحب الحلوى والعسل يعني: إذا كان الإنسان أكل شيئا من الطيبات هذا ينافي ثمن محبته لله؟ هذا من جهل العباد.
الذي تجاوزوا فيه الحدود، من جهل العباد فيرجى أن يغفر الله لهم خطأهم ما دام أنه صدر عن حسن نية وعن اجتهاد، لكن ما خالف الشرع يجب رده على كل أحد كائن، فمثل هذه الأقاويل لا ينبغي أن تذكر. نعم.
من صدق في قول لا إله إلا الله نجا من كربات يوم القيامة
إخواني، إذا فهمتم هذا المعنى فهمتم معنى قوله من شهد أن لا إله إلا الله صدقا من قلبه حرمه الله على النار فأما من دخل النار من أهل الكلمة فلقلة صدقه في قولها؛ فإن هذه الكلمة إذا صدقت طهرت القلب من كل ما سوى الله، ومتى بقي في القلب أثر لسوى الله فمن قله الصدق في قولها، من صدق في قوله: "لا إله إلا الله" لم يحب سواه، ولم يرج إلا إياه، ولم يخش أحدا إلا الله، ولم يتوكل إلا على الله، ولم يبق له بقية من آثار نفسه وهواه .
هذا الكلام كلام حق، من صدق في التوحيد خلا قلبه من العُبودية لغيره، ما معقول يخلو قلب من غير الله، فيه تعلقات طبيعية ومحبة طبيعية وخوف طبيعي، الخوف الطبيعي والحب الطبيعي هل يتجرد من طبيعة الإنسان!
من شهد لا إله إلا الله صدقا من قلبه أو مستيقنا بها، فإنه يخلو من العُبودية لغيره، ما يخلو من غير الله بمعنى: أنه لا يكون فيه تعلق أو التفاتة أو محبة أو خوف منه، هناك الخوف الطبيعي والحب الطبيعي، هذا أمر لا يمكن أن يتجرد منه الإنسان؛ الرسل وأتباعهم -كما علمنا- تعرف لهم أحوالا طبيعية، وهم أكبر الخلق حبا لله وتعظيما لله وعبودية لله.
تعرف لهم العوارض الطبيعية: إبراهيم -عليه السلام- لما دخل عليه ضيفه خاف منهم: قال: ( ) وقال الله -تعالى-: ( ) موسى خاف لما ألقى السحرة عصيهم وحبالهم، أوجس منهم خيفة: • ( ) شواهد كثيرة.
كذلك المحبة للأشياء الطبيعية: كان رسول الله يحب الحلوى والعسل يحب الدب كل هذا لا ينافي محبة الله، المحبة التي فيها عبودية، بحيث إنه يأتون هذه المحبوبات على أمر الله، وعلى شرع الله، وعلىما يحب الله، ويقدم هواه ويقدم هذه المحبوبات على ما يحبه الله: ( ) الآية، والحديث: تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة .
لا بد أن نلحظ هذا + لهذه الأقاويل المجملة التي فيها إجمال، ثم -كما ذكرت لكم- إن هذه كلها فيها الدندنة على ذكر المحبة، وفيها إجمال يعني: بجانب الخوف والرجاء والعبادة تقوم على هذه الأسس، وعلى هذه الأركان: المحبة، والخوف، والرجاء.
ولهذا قال بعض أهل العلم مقولة مشهورة: من عبد الله بالحب كدن، كحال بعض الصوفية +هذي الجنة، فيقول: أنا لا أخاف... بئسما قال، كلام منكر، ومن عبده بالقول فقط كان حروريا بالخوف، +قوم من الخوارج، ومن عبده بالرجاء كان من؟ فيه مقولة لها توجيه، ومن عبد الله بالخوف والحب والرجاء، فهو مؤمن موحد مستقيم على الصراط المستقيم. نعم.
ومع هذا فلا تظنوا أن المراد أن المحب مطالب بالعصمة، وإنما هو مطالب كل ما جل أي كلافات كالوصمة، قال زيد بن أسلم: إن الله ليحب العبد حتى يبلغ من حبه له أن يقول: اذهب فاعمل ما شئت فقد غفرت لك. وقال الشعبي: إذا أحب الله عبدا لم يضره ذنبه.
وتفسير هذا الكلام أن الله له عناية بمن يحبه من عباده، فكلما زلق ذلك العبد في هوة الهوى أخذ بيده إلى نجوة النجاة، ييسر له أسباب التوبة، وينبهه على قبح الزلة، فيفزع إلى الاعتذار، ويبتليه بمصائب مكفرة لما جنى.
وفي بعض الآثار يقول الله: أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب.
وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبي أنه قال: الحمى تذهب الخطايا كما يذهب الكير خبث الحديد .
وفي المسند وصحيح بن حبان عن عبد الله بن مغفل: أن رجلا لقي امرأة كانت بغيا في الجاهلية، فجعل يداعبها حتى بسط يده إليها، فقالت: مه؛ فإن الله أذهب الشرك وجاء بالإسلام، فتركها وولى وجعل يلتفت خلفه وينظر إليها، حتى أصاب وجهه حائطا، فأتى النبي والدم يسيل على وجهه، فأخبره بالأمر، فقال رسول الله أنت عبد أراد الله بك خيرا، ثم قال: إن الله إذا أراد بعبد خيرا عجل عقوبته في الدنيا، وإذا أراد بعبده شرا أمسك ذنبه حتى يوافيه يوم القيامة .
هذا الكلام إنه ليس المراد من الكلام في تحقيق التوحيد أو صدق المحبة أن يكون الإنسان معصوما، لا يقترف ذنبا، المقصود ألا يكثره، وإلا فليس أحد من أولياء الله بعد رسول الله معصوما، فتجوز الذنوب على أولياء الله الكمل، تجوز الذنوب لكن أهل الإيمان الصادق لا يصرون على الذنوب، بل كما قال -سبحانه وتعالى-: • ( ) .
فهم يتوبون، يذنبون فيتوبون، والتوبة باب واسع مفتوح للعباد، لكل من أذنب ذنبا لا يضيق بهذا الباب، يعني: يتوب إلى الله ويبادر: • ( ) وقال -سبحانه-: • ( ) .
والتوبة من أعلى مقامات الدين، قد أثنى الله بها على الرسل: • • • ( ) .
فالمقصود أن على العبد أن يتوجه إلى ربه، ويصدق ويراقب ربه، فإذا عصى بادر إلىالتوبة، فليستحضر أن الله مطلع عليه شهيد، وعليه أن يحذر أن يراه حيث نهاه، وأن يفقده حيث أمره، وأعلى مقامات الدين الإحسان وهي: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، فهذا لما نبه عليه المؤلف، هذا كلام طيب.
فليس من شرط الولاية العصمة، ليس من شرط الولاية العصمة، فأولياؤها تجوز عليهم الذنوب، لكن يتوبون وينيبون ويبادرون بالتوبة إلى الله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له. نعم.
يا قوم، قلوبكم على أصل الطهارة، وإنما أصابها رشاش من نجاسة الذنوب، فرشوا عليها قليلا من دمع العيون، وقد طهرت، اعزموا على حطام النفوس، عن رضاع الهوى، فالحمية رأس الدواء، متى طالبتكم بمعلوفاتها فقولوا لها كما قالت تلك المرأة لذلك الرجل الذي دمي وجهه: "قد أذهب الله الشرك وجاء بالإسلام".
والإسلام يقتضى الاستسلام والانقياد للطاعة، ذكروها +متح: • ( ) لعلها تحن إلى الاستقامة، عرفوها اطلاع من هو أقرب إليها من حبل الوريد لعلها تستحيي من قربه ونظره: • ( ) • ( ) .
راود رجل امرأة في فلاة ليلة، فأبت وقال لها: ما يرانا إلا الكواكب، قالت فأين مكوكبها؟
أكره رجل امرأة على نفسها، وأمرها بغلق الأبواب، ففعلت فقال لها: هل بقي باب لم تغلقيه؟ قالت. نعم، الباب الذي بيننا وبين الله. فلم يتعرض لها.
رأي بعض العارفين رجلا يكلم امرأة، فقال: إن الله يراكما، سترنا الله وإياكما.
سئل الجنيد: بما يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى ما تنظر .
وهذه العبارات وهذه القصص كلها تؤكد ما سبق، وأن على العبد أن يراقب ربه أنه معرض للذنوب، وإن كان عبدا صالحا معرض للغفلة، ومعرض للوقوع في الزلة والهفوة.
لكن عليه أن يستحضر اطلاع الله عليه، عليه أن يتذكر أن الله يسمعه ويراه، ويعلم سره وعلانيته؛ ولهذا الله يذكر عباده بهذه الأسماء الثلاثة: السميع، والبصير، والعليم.
لو نستحضر هذه الثلاثة يعني: ما تقتديه هذه الأسماء الثلاثة، لكن نؤمن بها، والإيمان بها غير التأثر بها، كل مسلم يقول: نقول: الله سميع، تقول نعم: الله سميع، يسمع جميع الأصوات، ومع ذلك يطلق لسانه في اللفظ في الإثم في الحرام، في طول قُول الزور، وهكذا اسمه البصير واسمه العليم. لا إله إلا الله.
فاسمه السميع يقتضي أنه سامع لجميع الأصوات، سامع لأقوالنا وكلماتنا السر منها والعلانية، و البصير يقتضي أنه يرانا ويرى أفعالنا: ( ) .
الله يرى أعمال العباد: ( ) يراك: ( ) ( ) قيل في معنى هذا: إنها على مرأى منا، يسمع ويرى: ( ) .
وكذلك العليم، العلم شامل، يعلم ما في الصدور: ( ) ، ( ) لا إله إلا أنت.
فبهذه القصص -يعني- يعتبر الإنسان يغفل، فتلك جاءت في الحكاية عن ذلك الرجل الذي خلا مع تلك المرأة، وأمرها أن تغلق الأبواب، وقال: هل بقي باب؟ قالت: نعم، بقي باب وهو الباب الذي بيننا وبين الله، فتأثر لذلك وتركها وخاف من ربه، وهكذا يكون الإيمان.
الإيمان يبعث على المراقبة، على مراقبة ربه وهو غائب عن الناس لا يراه أحد، فيكف عن الحرام، يكف عن الحرام عن الكسب الحرام، قد يظهر بمال يقدر على أن يختلسه ولا يطلع عليه أحد ويعمل، ولكن يمنعه من ذلك الخوف، خذ المثال في قصة عهد الثلاثة: رجل دعته امرأة ذات منصب يعني: كل المغريات، ذات منصب وجمال، وهي التي تدعوه، فقال: إنى أخاف الله.
وأعظم مثل لهذا يوسف -عليه السلام- قد اجتمعت فيه كل أسباب الوقوع في الفاحشة: من ناحية ضعف مقام، وتهيئ الفرصة إذ أغلقت الغرفة، ويعني مملوك يعني: رقيق غريب، شاب أعزب، وتدعوه سيدته لمطلوبها، ويفر من ذلك: ( ) .
والنتيجة أنه يفر، يفر إلى الباب ليخرج، ليسلم من العاقبة، وهكذا: ( ) يعني: أيهما أسبق، هو يريد الباب ليهرب ويخرج، وهي تريد الباب لماذا؟ لتغلقه ولتحول بينه وبين الخروج.
الشاهد على مقام المراقبة، مقام الخوف من الله، هذا هو الباعث على الكف عن المحارم، والباعث على التوبة عن الجرائم، هذا وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد . نعم.
سئل الجنيد: بما يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى ما تنظر. وقال المحاسبي: المراقبة علم القلب بقرب الرب، كلما قويت المعرفة بقرب الله قوي الحياء من قربه ونظره: وصى النبي رجلا أن يستحي من الله كما يستحي من رجلٍ صالح من عشيرته لا يخالفه قال بعضهم: استح من الله على قدر قربه منك، وخف الله على قدر قدرته عليك.
كان بعضهم يقول: منذ أربعين سنة ما خطوت خطوة لغير الله، ولا نظرت إلى شيء أستحسنه حياء من الله .
فالجمل المتقدمة هي تؤكد ما سبق، وأن مما يعين على الكف عن الحرمات على غض البصر، وحفظ الفرج وحفظ الجوارح عن معاصي الله -هو استحضار اطلاع الله على عبده: سماعه، وبصره، وعلمه، فاستحضاره لمعاني هذه الأسماء هذا أعظم سبب يكف عن المحرمات، يجعل العبد يحجم ويمتنع ويتذكر أن الله يراه، يراه الله يسمعه، أن الله يعلم سره وعلانيته فيستحي من ربه.
فبقدر علم العبد بذلك ويقينه بذلك وشعوره بذلك، تكون حاله في أمر حدود الله، الوقوف عند حدود الله، وقيامه بطاعة الله سبحانه وتعالى.
وذكر المصنف في بعض الشواهد لهذا من أقوال بعض العّباد وبعض المأثورات والأحاديث، التي وإن كانت ضعيفة مثلا فأهل العلم لا يرون مانعا من الاستشهاد بالأحاديث، وإن كانت ضعيفة في تقرير وتأكيد الأمر الثابت، مما يكون في أحاديث الترغيب والترهيب يعني: الأحكام والعقائد، إنما تثبت بالأدلة الصحيحة.
لكن هناك من الأدلة ما يُذكر -يعني- للاعتراض والاستشهاد لا للاعتماد، فالقضية الثابتة عقدية علمية أو عملية الثابتة بالدليل الصحيح من كتاب وسنة، لا بأس أن تسوق الشواهد والروايات والآثار والأخبار التي تؤيدها وتؤكدها وتعمقها في النفس؛ لأنها يعني: المعنى حق فلا مانع من ذكر ما يؤيد ما هو أمر معلوم وثابت بالدليل.
فكثير من أهل العلم من الأولين والآخرين -يعني- درجوا على هذا، فلن يتخذ مثلا ذكرهم لبعض الروايات أو بعض الآثار وبعض الأحاديث التي مثلا يُقال: إنها ضعيفة، لا يتخذ من ذلك مطعن عليهم، لا، إذا عُرِف مقصودهم اندفع بعض القائلين من الجاهلين أو المغرضين. نعم قل.
فضائل كلمة التوحيد
وكلمة التوحيد لها فضائل عظيمة، لا يمكن ها هنا استقصاؤها، فلنذكر بعض ما ورد فيها، فهي كلمة التقوى كما قاله عمر وغيره من الصحابة، وهي كلمة الإخلاص وشهادة الحق، ودعوة الحق وبراءةُ من الشرك، ونجاة هذا الأمر؛ ولأجلها خُلق الخلق كما قال -تعالى-: ( ) .
ولأجلها أُرسلت الرسل، وأُنزلت الكتب، قال -تعالى-: ( ) وقال -تعالى-: • ( ) .
وهذه الآية أول ما عدد على عباده من النعم، في سورة النعم التي تسمى سورة "النحل"؛ ولهذا قال ابن عينية: ما أنعم الله على العباد نعمةً أعظم من أن عرفهم "لا إله إلا الله"، وإن "لا إله إلا الله" لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا؛ ولأجلها أُعدت دار الثواب ودار العقاب في الآخرة، فمن قالها ومات عليها كان من أهل دار الثواب، ومن ردها كان من أهل العقاب، .
يعني: الموضوع هذا هو ختام الرسالة، فلا يكتمل هذا الموضوع، يختم المؤلف رسالته القيمة في التوحيد، وهو الكلام في فضائل هذه الكلمة يعني: كل فضائل هذه الكلمة، أو فضائل التوحيد، هذه الكلمة: "لا إله إلا الله".
"لا إله إلا الله" جاءت في القرآن بعدة أساليب تُعبر عنها، كقوله -تعالى-: • ( ) فقال -تعالى- وهي الكلمة التي قال الله فيها: ( ) .
ولها أسماء: "كلمة التوحيد"، "كلمة التقوي"، التي جاء ذكرها في سورة "الفتح": ( ) قال -سبحانه وتعالى-: ( ) هذه آية في آخر السورة، أولها: • ( ) .
كلمة التقوى -كما ذكر المصنف- نُقلت في تفسيرها عن عمر وغيره: أن "لا إله إلا الله" كلمة التقوى؛ لأن من قالها صدقا من قلبه أوجب له ذلك تقوى الله؛ لأنها تتضمن الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، الإيمان به ربا وإلها، فمن آمن بهذه الكلمة إيمانا صادقا، فإنها توجب له تقوى الله، توجب له أن يطيع ربه، وأن يعبد ربه، وأن ينتبه لأوامره.
وهي "شهادة الحق"؛ لأنها الشهادة التي شهد به الله لنفسه، وشهدت بها ملائكته وأولو العلم: ( ) .
وهي "كلمة الإخلاص"؛ لأن من أقر بها ظاهرا وباطنا أخلص في عمله، أخلص لله عمله، فهي تجلب الإخلاص: إخلاص الدين لله، وإخلاص العبادة لله، ومن فضلها أنها الموجبة لدخول الجنة والنجاة من النار، أو والنجاة من الخلود في النار كما تقدم.
وهي التي من أجلها خلق الله الثقلين: الجن، والإنس : ( ) ومن أجلها أرسل الله الرسل: • ( ) وكل نبي يقول لقومه: ( ) .
وقال -تعالى-: ( ) بل من أجل ذلك خلق الله السموات والأرض، وخلق الجنة والنار، وخلق الله الدنيا والآخرة، كما قال -سبحانه وتعالى-: ( ) .
خلق العباد ليبتليهم، وخلق السموات والأرض لابتلاء العباد، كما قال -سبحانه-: ( ) ( ) .
وابتلاؤهم إنما -يعني- لأمرهم ونهيهم، أمرهم لعبادة الله، ونهيهم عن عبادة ما سواه، وأمرهم بطاعته وطاعة رسله، وخلق الله الجنة والنار: خلق الله الجنة للموحدين، وخلق النار للكافرين المشركين، هذا معناه أن الله خلق الخلق لهذه الكلمة؛ فمن أجلها خلق الله الخلق وخلق السموات والأرض، وأرسل الرسل وأنزل الكتب، وخلق الجنة والنار.
فـ"لا إله إلا الله" معناها الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، وذلك هو العروة الوثقى كما قال -سبحانه وتعالى-: •• ( ) ويأتي الكلام على بقية ما ذكره المؤلف في فضائل هذه الكلمة.
وفضائل هذه الكلمة أو فضل التوحيد المؤدى، والمعنى واحد؛ فإن التوحيد هو معنى "لا إله إلا الله"، و"لا إله إلا الله" معناها التوحيد؛ ولهذا في رواية الأحاديث تارة يُعبر عن هذه الكلمات بالتوحيد، وتارة تُذكر هذه الكلمة. نعم، والله الموفق.
نسأل الله أن يوفقنا للتحقق في هذه الكلمة، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم تحقيق التوحيد "لا إله إلا الله" "لا إله إلا الله"، نعم يا شيخ بعض الأسئلة.
س: أحسن الله إليكم. وهذا يقول: هل استثقال الطاعة وفعلها مكرها، هل هي من كراهية ما يحبه الله؟
ج: هذا السؤال طيب، وكان في ذهني أن أتكلم عن معناه، هذه كراهة طبيعية، الكراهه للعباد نوعان: كراهة -والعياذ بالله- عقدية نابعة من عدم القناعة بالشريعة، هذه كراهة النفاق: • ( ) هذه قد تصل إلى الردة عن الإسلام: يكره الصلاة، يكره الصيام، كراهة عقدية، عدم رضاه وعدم إيمانه هذا كفر وردة.
لكن المؤمن بالله ورسوله، وبشرعه ودينه وكتابه قد يكون إيمانه لا يقوى على مقاومة الكراهة الطبيعية، يكره القيام بقطع المجلس، أو القيام من النوم ليقوم -يعني- بشيء من الاستثقال، هذا نتيجة ضعف الإيمان، وغلبة الشهوة والهوى، شهوة النوم أو شهوة الجلسة أو ما أشبه ذلك.
فهذه كراهة في أصلها كراهة طبيعية، لكن الكراهات الطبيعية إذا أدت إلى التفريط في الواجب أو التقصير في الواجب، كانت مذمومة يعنى: ما معناه؟ يوضح هذا ما ثبت أن الجنة حفت بالمكاره، الجهاد مكروه للنفوس؛ لأن فيه إزهاق النفوس، وذهاب النفوس، وذهاب الأموال، لكن أهل الإيمان الصادق يتقحمونه، يتقحمون أسباب الموت في سبيل الله، لأنهم تحقق عندهم من الإيمان ما حلت أمامه كراهة الموت، وما حلت كراهة الموت، وهي كراهة طبيعية.
كذلك إخراج المال مكروه للنفس، لكن واحد إيمانه قوي بحيث إنه تذوب هذه الكراهية وتضمحل، حتى يخرج المال بكل أرياحية، وبكل طيب نفس، ذهبت عنه تلك الكراهة؛ لأنه جاء ما يقاومها، إيمان، إيمان بوعد الله، إيمان بشرع الله، إيمان، فهو يخرج المال بكل أرياحية وبسرعة.
واحد دون ذلك يتصدق، لكن يقال: يحسب ويفكر، ويقدم ويؤخر، ثم بعد هذا القدر الذي يخرجه هه... هذا يجده الناس من واقعهم، في أنفسهم وفي غيرهم.
اختبر نفسك الآن، شوفوا كيف البذل، يبذل الناس نقول الناس على العموم، ونحن من الناس هكذا ينبغي، تجد في متطلبات النفوس وفي الحاجات بذل بلا حساب، لكن إذا جاء مصرف خيرى جاءت المحاسبات، يعني: الإنسان في شهوة من الشهوات: المية، والمتين، والثلاث، والخمس، والألف، والألفين.
يعني: الآن أصحاب الثراء أو المتوسط تجده في مناسبة زواج يأخذ بيت عرس بمائة ألف لليلة واحدة يستأجرها، مع بعض التكاليف مائة ألف... أيه... لكن جاء مشروع خيرى، إن ساهم بخمسة آلاف هو يشكر.
موضوع طويل، هذه لفتة، إليكم الفرق بين الكراهة الطبيعية. الكراهة الطبيعية قد -يعني- تزول وتضعف جدا لقوة الإيمان، وقد تقوى بضعف الإيمان، فتؤدي إلى التقصير في الواجب أو ترك الواجب... الله أكبر... نعم.
س: أحسن الله إليكم. وهذا يقول: كثيرا عندما أتوجه للصلاة، أو أحضر مجالس الذكر، أو أقرأ القرآن، أو غيرها من الأعمال الصالحة -تأتينى أفكار بأنني مراءٍ، فماذا علاج هذا الأمر؟
ج: هذا مدخل للشيطان، أبدا لا تطع الشيطان، قاوم خواطر الرياء، وسر على الطريق، هذه من العوارض، قاوم الشيطان، لا يترك طريقا إلا دخل على الإنسان منه، يعني: يأتي من باب الخوف من الرياء، فيجعل الإنسان يترك بعض الأعمال خوفا من الرياء، قاوم الرياء واعمل.
حتى آل الأمر بطائفة من العباد، الطائفة التي تُعرف "بالملامية" أنهم لهم أعمال في السر، ونوافل وطاعات وصيام وقيام الليل، ولكن -يعني- غلوا في الحذر من الرياء واتقاء الرياء، يُظهرون بعض المخالفات حتى لا يُظن بهم خير، حتى يظن أنهم من المقصرين، أو من الفساق خداعا من الشيطان، فقاوم الرياء، ولا تترك العمل خوفا من الرياء. نعم.
س: أحسن الله إليكم. سؤال عبر الشبكة يقول: ما رأيكم فيمن يقول: لابد من معرفة أن الكفر كالفسق والظلم، ينقسم إلى قسمين: كفر، وفسق وظلم يُخرج من الملة، وآخر لا يُخرج من الملة، وكل ذلك يعود إلى الاستفاء القلبي، فما رأيكم في ذلك وجزاكم الله خيرا؟
ج: اسم الكفر والفسق والظلم جاء في القرآن على هذا الوجه، أو في الجملة، يعني: النصوص الكتاب والسنة تدل على هذا الترتيب، أن الكفر: هناك كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم.
هذا التقسيم صحيح، ولكن القول بأنه لا كفر -الكفر والظلم الأكبر والفسق الأكبر- لا يكون إلا باستفاء القلب هذا باطل، باطل، بل الكفر يكون بالقلب، باعتقاد كالشك، ويكون بفعل القلب: كالإباء عن الإيمان بالله، ولو أظهره، يعني: من المنافقين من يؤمن بقلبه، ولكن لم يؤمن بلسانه وظاهره، وهو مصدق بقلبه، ولكنه غير مُنقاد بقلبه مصدق.
وهناك من يكون -يعني- مصدقا بقلبه ومظهرا بالإسلام، لكنه يعرض له أن يسخر ويهزأ، السخرية والاستهزاء بدين الله، أو بشيء من شرائع الدين، أو بشيء مما جاء به الرسول -عليه الصلاة والسلام- أنه بهذا ينقض دينه، ولو قال: إني أمزح.
لو قال إنسان مجاملة لبعض الكفار: والله دينكم صحيح -هذه الكلمة بس- هو كافر، اعلموا أنه كافر، ولو أنه قال ذلك كذبا ليكذب عليهم، وقال: والله -يعني- مجاملا دينكم صحيح.
الدليل على هذا قوله -تعالى-: ( ) ؛ لأن قوله: دين اليهود صحيح، دين النصارى، دين المشركين، البوذيين دينهم صحيح، الذي يقول ذلك من غير إكراه هو كافر؛ لأن هذا كفر: ( ) الآية، نسأل الله العافية.
س: أحسن الله إليكم. هذا سائل يقول: يقول أحد السلف: ما أحببت الدنيا إلا لقيام الليل وقيام النهار، فكيف أتخلص من حب الدنيا، وهل الحب أنواع؟
ج: حب الدنيا أنواع، حب الدنيا بكل ما فيها من متطلبات وشهوات حبها طبيعي: حب الزوجة، حب الأولاد، حب المال، حب لأنواع المتع هذه من حب الدنيا، وحب طبيعي لا يُلام عليه إنسان على أنه يحب زوجته أو ولده كما تقدم آنفا، لكن هو يلام إذا أفرط في الحب، فأهل الإيمان والكُمل يحبون هذه المحبوبات، ويستحضرون فيها النيات الصالحة.
الذي يريد أن يتزوج من الناس : من يتزوج كدافع الجبلة والطبيعة، وقد لا يخطر بباله الاستعفاف عن الحرام، إنما يتزوج هكذا بحكم بمقتضى الجبلة، هذا عادي، وآخر يتزوج للمعاني الشرعية يريد إعفاف نفسه، ويستحضر أنه يعف زوجته ويريد معاني أخرى ليحقق مقاصد شرعية لتكثير النسل، يحقق غرض الرسول في قوله: تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة .
وآخر يتزوج مجرد أنه يصير له زوجة وبيت وكذا، وما عنده مانع يزني ويتزوج، فهو عنده في مبدئه أو في مسلكه كله واحد، الحلال والحرام سيان يعني: في سلوكياته، فحب الدنيا متنوع، وقل مثل ذلك في المال، وقل ذلك في سائر الشهوات.
س: أحسن الله إليكم. وهذا يقول: فضيلة الشيخ، يقول أحد السلف في العصاة: هانوا عليه فعصوه، ولو عزواعليه لعصمهم، فهل التوفيق لطاعة الله تدل على محبة الله للعبد؟
ج: لا شك أن التوفيق فضل من الله، وقد يكون هذا التوفيق ثمرة لعمل صالح سابق، واقتراف المعصية قد يكون أيضا ثمرة لمعصية سابقة، هذا المعنى في الجملة لا أقول: مطلقا، أقول هذا الكلام، فالتوفيق و الخزلان كلاهما من قدر الله، ومن فعله سبحانه وتعالى.
اقرءوا مشهد "التوفيق والخزلان" في "مدارج السالكين"، مشاهد في الذنوب والمعاصي، منها مشهد "التوفيق والخزلان" يصور ابن القيم هذا المقام تصويرا بارعا، يقول: إن القلب في لحظة يحصل له التوفيق، وفي لحظة +يخزل، لحظات، فالقلب يتقلب بين التوفيق والخزلان -نسأل الله التوفيق-، اقرءوا هذا الموضوع: "التوفيق والخزلان" فأي معصية تقع فيها فما أوتيت، يعني: فهي بقدر الله، يعني: هذا مرده القدر.
الإيمان بالقدر فيه دعاء يذكر، يؤثر عن بعض الحكماء والعقلاء، ذكره ابن تيمية وغيره في مواطن، دعاء طيب يقول: اللهم إن أطعتك فبفضلك ولك المنة علي، وإن عصيتك فبعدلك ولك الحجة علي.
كلام رصين قائم على المعتقد السليم: "اللهم إن أطعتك فبفضلك ولك المنة علي".
إذا أديت عملا فلا تنظر إلى نفسك وتغتر، اشهد توفيق الله: "ولك المنة علي، وإن عصيتك فبعدلك -ما ظلمتك، يعني: خزلك ولم يوفقك- ولك الحجة علي" فلا تحتج بقدر الله، لا تحتج ارجع إلى نفسك بالملام، لُمْ نفسك: • ( ) .
نسأله -تعالى- أن يعصمنا وإياكم من معاصيه، وأن يوفقنا وإياكم لطاعته. ما تقرأه آخر سؤال.
س: هذا يقول: فضيلة الشيخ، هل فرقة النصيرية والزيدية من فرق الرافضة، وهل يكفرون يا فضيلة الشيخ؟
ج: أما النصيرية والزيدية كلهم من الشيعة، الزيدية ليسوا من الرافضة، لكن من الشيعة، وأما النصيرية فهم من الرافضة الغلاة الباطنية، وهم كفار بإجماع المسلمين، النصيرية والإسماعيلية وأشباههم من طوائف الباطنية، هم من الذين أجمع المسلمون على كفرهم، بل أجمع المسلمون على أنهم أكفر من اليهود والنصارى، لكنهم منافقون. هذا ونسأل الله السلامة والعافية، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
في الحقيقة إن المواضع التي تقتضي الوقوف معها سواء كانت من استدلالات أو نقول هي كثيرة، لكن نظرا إلى ضيق الوقت من جانب، وأنه يفوت بعضها عن الذهن، يعني: يمر مواضع تفوت بالنسيان، التعليق يكون على ما أتذكر مثلا.
فكنت أتوقع أنه يسأل عن بعض ما ورد في الكتاب من أسئلة كأنها خارجة عن الكتاب -يعني: حول الموضوع-، ما لاحظت أحدا يسأل عن شيء من الجزئيات أو النقول التي قلتها، فهذا من العذر فيما فات التنبيه عليه أو التعليق عليه.
واليوم نظرا لأنه آخر اللقاء سنحاول نقرأ إلى آخر الكتاب -بإذن الله-، ويحصل التعليق على ما تيسر على هذا المنهج، وعلى هذه الطريق، والله أعلم. نعم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال -رحمه الله تعالى-: ومن أجلها أمرت الرسل بالجهاد، ومن قالها عصم ماله ودمه، ومن أباها فماله ودمه هدر، وهي مفتاح دعوة الرسل، وبها كلم الله موسى كفاحا.
وفي مسند البزار وغيره، عن عياض الأنصاري، عن النبي أنه قال: إن "لا إله إلا الله" كلمة حق على الله كريمة، ولها من الله مكان، وهي كلمة جمعت وشركت، فمن قالها صادقا أدخله الله الجنة، ومن قالها كاذبا أحرزت ماله، وحقنت دمه، ولقي الله فحاسبه، وهي مفتاح الجنة -كما تقدم- وهي ثمن الجنة قاله الحسن.
وجاء مرفوعا من وجوه ضعيفة: من كانت آخر كلامه دخل الجنة، وهي نجاة من النار وسمع النبي مؤذنا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله. فقال: خرج من النار خرجه مسلم.
وهي توجب المغفرة، في المسند عن شداد بن أوس وعبادة بن الصامت: أن النبي قال لأصحابه يوما: ارفعوا أيديكم وقولوا: لا إله إلا الله. فرفعنا أيدينا ساعة، ثم وضع رسول الله يده، ثم قال: الحمد لله، اللهم بعثتني بهذه الكلمة، وأمرتني بها، ووعدتني الجنة عليها، وإنك لا تخلف الميعاد، ثم قال: أبشروا؛ فإن الله قد غفر لكم وهي أحسن الحسنات قال أبو ذر: قلت يا رسول الله، علمني عملا يقربني من الجنة ويباعدني من النار، قال: إذا عملت سيئة فاعمل حسنة ، فإنها عشر أمثالها، قلت: يا رسول الله ، لا إله إلا الله من الحسنات، قال: هي أحسن الحسنات وهي تمحو الذنوب والخطايا وفي سنن ابن ماجه، عن أم هانئ عن النبي أنه قال: "لا إله إلا الله " لا تترك ذنبا ، ولا يسبقها عمل .
رئي بعض السلف بعد موته في المنام، فسئل عن حالهم فقال: ما أبقت "لا إله إلا الله " شيئا. وهي تجدد ما درس من الإيمان في القلب. وفي المسند أن النبي قال لأصحابه: جددوا إيمانكم، قالوا: كيف نجدد إيماننا؟ قال: قولوا "لا إله إلا الله " وهي التي لا يعدلها شيء في الوزن، ولو وزنت بالسماوات والأرض رجحت بهن .
وفي المسند عن عبد الله بن عمرو، عن النبي أن نوحا قال لابنه عند موته: آمرك بلا إله إلا الله، فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو كن حلقة مبهمة قصمتهن "لا إله إلا الله ". .
-نعم- .
وفيه أيضا عن عبد الله بن عمرو -رضي الله تعالى عنهما-، عن النبي أنه قال: إن موسى -عليه السلام- قال: يا رب، علمني شيئا أذكرك به وأدعوك به، قال: يا موسى، قل: "لا إله إلا الله " ، قال: يا رب، كل عبادك يقولون هذا، قال: قل: "لا إله إلا الله " ، فقال: لا إله إلا أنت ، إنما أريد شيئا تخصني به، قال: يا موسى، لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري ، والأرضين السبع في كفة، و"لا إله إلا الله " في كفة مالت بهن "لا إله إلا الله ". .
ولذلك ترجح بصحائف الذنوب، كما في حديث السجلات والبطاقة، وقد خرجه أحمد والنسائي والترمذي، وأيضا من حديث عبد الله بن عمرو، عن النبي وهي التي تخرق الحجب كلها، حتى تصل إلى الله .
وفي الترمذي عن عبد الله بن عمرو -رضي الله تعالى عنهما- ، عن النبي أنه قال: لا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تصل إليه وفيه أيضا عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-، عن النبي أنه قال: ما قال عبد: "لا إله إلا الله" مخلصا، إلا فتحت له أبواب السماء، حتى تفضي إلى العرش، ما اجتنبت الكبائر. .
ويروى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- مرفوعا ما من شيء إلا وبينه وبين الله حجاب، إلا قول: "لا إله إلا الله "، كما أن شفتيك لا تحجبها، كذلك لا يحجبها شيء حتى تنتهي إلى الله .
وقال أبو أمامة: ما من عبد يهلل تهليلة فينهنهها شيء دون العرش. وهي التي ينظر الله إلى قائلها ويجيب دعاءه.
خرج النسائي في كتاب اليوم والليلة من حديث رجلين من الصحابة عن النبي أنه قال: من قال :"لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" مخلصا بها روحه، مصدقا بها قلبه ولسانه، إلا فتق الله له السماء، حتى ينظر إلى قائلها من أهل الأرض، وحق لعبد نظر الله إليه أن يعطيه سؤله .
هذا عند النسائي ..
إي نعم.
نعم.
وهي الكلمة التي يصدق الله قائلها ، كما خرجه النسائي والترمذي وابن حبان، من حديث أبي هريرة وأبي سعيد -رضي الله تعالى عنهما-عن النبي أنه قال: إذا قال العبد: لا إله إلا الله والله أكبر، صدقه ربه وقال: لا إله إلا أنا، وأنا أكبر، وإذا قال: لا إله إلا الله وحده، يقول الله : لا إله إلا أنا وحدي ، وإذا قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال الله: لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي ، وإذا قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، قال الله : لا إله إلا أنا، لي الملك ولي الحمد، وإذا قال: لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، قال: الله لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوة إلا بي.
وكان يقول: من قالها في مرضه ثم مات لم تطعمه النار، وهي أفضل ما قاله النبيون .
تقدم أن المؤلف -رحمه الله -رأى أن يختم هذا الدرس، وأقول الدرس؛ لأن الذي يظهر أنه لم ينشئها على وجه التأليف؛ لأنه لم يصدرها بتقدمة، إنما .. استهلت بذكر الأحاديث، أحاديث فضل التوحيد وفضل "لا إله إلا الله"، واستدلال المرجئة بها إلى آخر ما تقدم، وكأنه درس ألقاه وأملاه -رحمه الله -.
يختم هذا الدرس بالذكر وبالتنويه بفضل كلمة التوحيد "لا إله إلا الله " ، ولا ريب أنها كلمة عظيمة؛ لأنها مشتملة على أمر عظيم، فإنها الشهادة التي شهد الله بها لنفسه، وشهدت بذلك ملائكته وأولو العلم ( ) "لا إله إلا الله "، كم نجد في القرآن من لفظها ومن معناها ؟ نجد في القرآن "لا إله إلا الله " ، ( ) .
لا إله إلا هو، سبحانه عما يسيئون، لا إله إلا هو، لا إله إلا أنت ، لا إله إلا الله .
هذا كله بلفظ كلمة التوحيد، نجد معناها أيضا مبثوثا في آيات القرآن بالمعنى ، ففيها قول الأنبياء ( ) "ما لكم من إله غيره" هو معنى "لا إله إلا الله"، ( ) ( ) .
بل فيها- أيضا- .. في "لا إله إلا أنا" بالاسم الظاهر و بالضمير، ضمير المتكلم يقول -سبحانه وتعالى-: ( ) هذا مما قاله لموسى -عليه السلام- وأشار المؤلف إلى أن الله خاطب بها موسى يقول: كفاحا، إن أراد يقول كفاحا، يعني: بلا واسطة.
كلمه بلا واسطة منه إليه من وراء حجاب، فنعم، فهو حق، وهذه خصوصية موسى أن الله كلمه بلا واسطة ، ولكن لفظ "كفاحا" تشعر بالرؤية، وهذا المعنى من قصده فهو غالط ومخطئ، والمؤلف -قطعا- أنه لا يريد ذلك المؤلف، لا يمكن أن يريد أن موسى كلم الله كفاحا، أي: من غير حجاب، بل كلمه من وراء حجاب.
وجاء في شأن عبد الله بن حرام والد جابر، الذي استشهد في وقعة أحد، ورد فيه أنه قال: أما علمت أن الله كلم أباك كفاحا كلمه كفاحا، يعني معناها أنه كلمه من غير حجاب، وهذا في عالم الآخر، كلمه كفاحا.
أقول: هذه الكلمة جاءت في القرآن بهذا التركيب، بتركيب النفي والاستثناء، وهو أسلوب الحصر، و ( ) لا إله إلا الله، لا إله إلا أنت .
وجاءت أيضا بأساليب أخرى من أساليب الحصر، مثل ( ) فقوله: ( ) معناها: لا نعبد غيرك، لا نعبد إلا إياك، فهو بمعنى: لا إله إلا الله ، ( ) تساوي: لا إله إلا أنت، ( ) أي: لا إله إلا أنت، لا نعبد غيرك.
وفي معناها قوله: دعوة الأنبياء أن يعبدوا الله ويجتنبوا الطاغوت، هذا هو معنى "لا إله إلا الله"، وقول إبراهيم لقومه: ( ) هذه هي الكلمة، ونفس الكلمة هذه أيضا.. ذكرت بمعناها في قوله سبحانه: ( ) .
وورد في فضلها من الأحاديث الصحيحة الشيء الكثير، وفي مشروعية اللهج بها "لا إله إلا الله " ، فهي إحدى الكلمات الأربع التي قال بها الرسول -عليه الصلاة والسلام -: لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلىّ مما طلعت عليه الشمس. لا إله إلا الله، لا إله إلا الله ، وهي أفضلهن ، لا ريب أن لا إله إلا الله هي أفضل هذه الكلمات الأربع.
وورد يعني استحباب ذكر الله بها في مواضع، يعني كالذكر بعد الصلاة، كان رسول الله يقول: لا إله إلا الله دبر كل صلاة، لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مع أذكار أخرى أيضا في نفس هذه الكلمة، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
وذكر الله فيها مطلقا ومقيدا، يعني: كثير، كما ورد: من قال: لا إله إلا الله في يوم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير- من قال ذلك مائة مرة، كتبت له مائة حسنة وحط به عنه مائة خطيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا من زاد عليه . أو كما جاء في الحديث.
لا إله إلا الله. وتقدم أنها كلمة التقوى ، هي كلمة التقوى، التقوى تقوم عليها، فبها يُتقى الشرك بالله ، وتتقى جميع المعاصي، من قالها وتحقق بها، تحقق بالتقوى، فمن حقق التوحيد فقد حقق التقوى التي هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي.. المناهي .
وفضائلها كثيرة ؛ لأنها تتضمن التوحيد، توحيد الله في إلهيته، وهي تتضمن أيضا توحيده في ربوبيته؛ فإن توحيد العبادة أو توحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات.
إذن فكلمة التوحيد: لا إله إلا الله متضمنة لأنواع التوحيد الثلاثة، وإن المقصود الأول والأعظم منها هو توحيد العبادة؛ لأنه الذي وقعت فيه الخصومة بين الرسل وأممهم، وهو التوحيد الذي وقع فيه الانحراف من سائر الأمم.
ومن عظيم شأنها أنها يعني أنها هي التي خلق الخلق من أجلها كما تقدم: خلق الله السماوات والأرض، وخلق الموت والحياة، وخلق ما على الأرض، وخلق الجنة والنار، كل ذلك من أجل توحيده -سبحانه وتعالى- ، الذي هو معنى لا إله إلا الله ، والله خلق الثقلين الجن والإنس لهذه الكلمة :" لا إله إلا الله" ؛ ليعبدوه ( ) .
وما ساقه المؤلف مما مر علينا منه ما هو من القسم الصحيح، ومنه ما هو من قسم الحسن، ومنه ما هو قسم يعني من الضعيف. وقلت لكم: إن أهل العلم من منهجهم الاستشهاد بالحديث الضعيف وبالآثار في تأييد الأمر الثابت بالدليل الصحيح.
فقول: "لا إله إلا الله" ثابت بالأدلة من الكتاب والسنة، وهي رأس الأمر، وهي أصل دين الرسل كلهم من أولهم لآخرهم، ( ) إلا أن نوحي إليه لا إله إلا أنا فاعبدون ( ) …الآية.
فلا غضاضة إذا حشد المؤلف هذه المأثورات وهذه الأحاديث في فضل لا إله إلا الله ، ومن ذلك حديث أبي سعيد وعزاه هنا أو نسبه أو جعله من رواية عبد الله بن عمرو.
حديث ابن سعيد في فضل لا إله إلا الله ، وهو ما أورده الشيخ محمد بن عبد الوهاب في باب" فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب": وأن موسى -عليه السلام- قال: يا رب، علمني شيئا أدعوك وأذكرك به، قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله ، قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا .
معناه كما في اللفظ الذي ساقه المؤلف: أنه أراد.. أريد شيئا تخصني به، كل عبادك المؤمنين الموحدين كلهم يقول: لا إله إلا الله ، قال: يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله .
فمثل هذا إذا نظر إلى.. يعني في لا إله إلا الله ينظر إلى الكلام يعني من وجهين، من جهة معناها، من حيث معناها ومدلولها، فهي تدل على أعظم المعاني على أن الله العظيم الموصوف بكل كمال المنزه، عن كل نقص أنه هو الإله الحق الذي لا يستحق العبادة سواه ، وأنه سبحانه رب كل شيء ومليكه، فهو العظيم الذي لا أعظم منه، وهو الكبير المتعال، وهو الموصوف بكل كمال.
فلهذا الاعتبار هذا المعنى يرجح بكل شيء، هذا المعنى العظيم الذي تدل عليه هذه الكلمة يرجح بالسماوات والأرض، السماوات والأرض ومن فيهن ليست شيئا في جانب هذا المعنى العظيم الذي تدل عليه هذه الكلمة.
أما من حيث إنها عمل وقول يقوله العباد، العباد يقولون: لا إله إلا الله ، فإن وزنها يختلف ، فيقولها المنافق ولا وزن لها هذه الكلمة من المنافق، من حيث إنها يعني قولة له يقولها، لا إله إلا الله، هل لها وزن ؟ ليست لها وزن، ويقولها سائر الموحدين الصادقين لكن مع التفاوت العظيم.
فهي من الأنبياء والمرسلين والكمل من المؤمنين، غير وزنها وثقلها ممن دونهم، فهل هذه الكلمة، كلمة التوحيد من حيث إنها عمل من أعمال العباد وأقوالهم التي توزن، هذا تتفاوت تفاوتا عظيما.
فالذين يدخلون الجنة ممن يقولونها، لا ريب أن وزنها لم يرجح بسيئاتهم، لو كان وزنها رجح بسيئاتهم ما دخلوا ما دخلوا النار، لو رجح، لكن صاحب البطاقة له حال، صاحب البطاقة الذي ينشر له تسعة وتسعون سجلا من السيئات فيبهت، يقال: لك حسنة، فيقول: لا يا رب أو يبهت، يقال: بل لك عندنا حسنة، فإنك لا تظلم، فتخرج له بطاقة فيها لا إله إلا الله، فتوضع البطاقة في كفة، والسجلات في كفة، قال: فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة .
هذه لها حال أخرى، لها ثقل يختلف عن حال الآخرين، فلا بد من ملاحظة هذا المعنى، والله أعلم.
هذا المعنى يستفاد من النظر لمجموع النصوص، لا تقف عند دليل واحد وتنسى كل الأدلة وتفهمها ، يكون الفهم قاصرا، لكن افهم الأدلة مضموما بعضها إلى بعض، فتخرج بالنتيجة، والله أعلم.
وهكذا القول في المأثور عن نوح -عليه السلام-: أن السموات السبع والأرضين لو كانت حلقة -كلها حلقة هذا التصوير لبيان عظم وزنها- مبهمة فصمتهن أو قصمتهن لا إله إلا الله .
وهي كلمة التوحيد من الكلم الطيب، إي والله الكلم الطيب، هي في ذاتها من الكلم الطيب، وهي أطيب الطيب ، لكن يختلف أيضا حكمها بحسب قائلها وما صدرت عنه من أحوال القلوب، من الكلم الطيب ( ) .
إذن هذه الكلمة تصعد إلى الله ، وهل صعودها خاص بها ؟ لا، بل كل الكلم الطيب يصعد إليه، يصعد الكلام الطيب من التسبيح والتهليل والتكبير وتلاوة القرآن، كل كلم يقوله الإنسان من الكلام الطيب الذي يحبه الله، ويأمر به، فإنه يدخل، ويشمله عموم: ( ) .
ومتى صعد إليه فإنه لا يحجب ، فالله يقبله - سبحانه وتعالى- من عبده المؤمن المخلص الذي ذكر الله صادقا، معظما لربه، مسلما.
هذه الكلمة أقول يعني كلمة مجملة عما أورده المؤلف، وما استشهد به في فضل لا إله إلا الله . نعم، اتفضل يا شيخ.
وهي أفضل ما قاله النبيون، كما ورد ذلك في دعاء يوم عرفة، وهي أفضل الذكر، كما في حديث جابر المرفوع: أفضل الذكر لا إله إلا الله وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: أحب كلمة إلى الله تعالى، لا يقبل الله عملا إلا بها، وهي أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفا، وتعدل عتق الرقاب ، وتكون حرزا من الشيطان
كما في الصحيحين عن أبي هريرة قال عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال : من قال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحي عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثر من ذلك .
-قال: أخرجه البخاري في كتاب "بدء الخلق"، باب "صفة إبليس"، وفي "كتاب الدعوات"، باب "فضل التهليل"، ومسلم وفي "كتاب الذكر"، باب "فضل التهليل والتسبيح والدعاء"، والترمذي في كتاب الدعوات، وأحمد بن مسلم
انتهى. بارك الله فيك، نعم -. وفيهما أيضا عن أبي أيوب عن النبي أنه قال: من قالها عشر مرات كان كمن أعتق أربع أنفس من ولد إسماعيل وفي الترمذي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعا: من قالها إذا دخل السوق -وزاد فيها- يحيي ويميت، كتبت له ألف ألف حسنة، ومحي عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة، وفي رواية " وبني له بيت في الجنة .
ومن فضائلها أنها أمان من وحشة القبر " لا إله إلا الله "، وهول الحشر، كما في المسند وغيره عن النبي أنه قال: ليس على أهل "لا إله إلا الله " وحشة في قبورهم، ولا في نشورهم، وكأني بأهل "لا إله إلا الله " قد قاموا ينفضون التراب عن رءوسهم، ويقولون: الحمد الله الذي أذهب عنا الحزن .
وفي حديث مرسل: من قال: لا إله إلا الله، الملك الحق المبين كل يوم مائة مرة، كانت له أمانا من الفقر، وأنسا من وحشة القبر، واستجلب به الغنى، واستقرع به باب الجنة .
وهي شعار المؤمنين إذا قاموا من القبور، قال النصر بن عربي: بلغني أن الناس إذا قاموا من قبورهم كان شعارهم: لا إله إلا الله . وقد خرج الطبراني حديثا مرفوعا: إن شعار هذه الأمة على الصراط: لا إله إلا أنت .
ومن فضائلها أنها تفتح لقائلها أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، كما في حديث عمر عن النبي فيمن أتى بالشهادتين بعد الوضوء خرجه مسلم.
وفي الصحيحين عن عبادة عن النبي أنه قال: من قال: أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن الله يبعث من في القبور- فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يدخل من أيها شاء .
وفي حديث عبد الرحمن بن سمرة عن النبي في قصة منامه الطويل، وفيه قال: ورأيت رجلا من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة، فأغلقت الأبواب دونه، فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله، ففتحت له الأبواب وأدخلته الجنة .
ومن فضائلها أن أهلها وإن دخلوا النار بتقصيرهم في حقوقها، فإنهم لابد أن يخرجوا منها، وفي الصحيحين عن أنس عن النبي أنه قال: قال الله وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله .
وخرج الطبراني عن أنس عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن أناسا من أهل لا إله إلا الله يدخلون النار بذنوبهم، فيقول لهم أهل اللات والعزى: ما أغنى عنكم قول لا إله إلا الله ؟ فيغضب الله لهم، فيخرجهم من النار، فيدخلون الجنة، ومن كان في سخطه محسنا، فكيف يكون إذا ما رضي ؟! .
لا يستوي بين من وحده، وإن قصر في حقوق توحيده، وبين من أشرك به.
قال بعض السلف: كان إبراهيم -عليه السلام- يقول: اللهم لا تشرك من كان يشرك بك، بمن كان لا يشرك بك.
كان بعض السلف يقول في دعائه: اللهم إنك قلت عن أهل النار إنهم: ( ) ونحن نقسم بالله جهد أيماننا ليبعثن الله من يموت، اللهم لا تجمع بين أهل القسَمين في دار واحدة.
كان أبو سليمان يقول: إن طالبني ببخلي طالبته بجوده، وإن طالبني بذنوبي طالبته بعفوه، وإن أدخلني النار أخبرت أهل النار أني كنت أحبه.
وكان بعض العارفين يبكي طول ليله ويقول: إن تعذبني فإني لك محب، وإن ترحمني فإني لك محب.
العارفون يخافون من الحجاب أكثر مما يخافون من العذاب، قال ذو النون: خوف النار عند خوف الفراق، كقطرة في بحر لجي.
كان بعضهم يقول: إلهي، وسيدي، ومولاي، لو عذبتني بعذابك كله كان ما فاتني من قربك، أعظم عندي من العذاب.
اجتهد اليوم في تحقيق التوحيد، فإنه لا يوصل إلى الله سواه، واحرصوا على القيام بحقوقه، فإنه لا ينجي من عذاب الله إلا إياه. آخره والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
في هذه الجملة يعني بعض ما تقدم التنبيه عليه، ومنها مما ورد أن لا إله إلا الله أمان لقائلها من وحشة القبر يوم البعث. هذه كلام حق، يمكن أن نستدل لهذا بقوله تعالى : ( ) .
وقد أورد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في باب" فضيلة التوحيد" هذه الآية، نعم.
إن التوحيد هو سبب الأمن والهدى، فمن ثبت له أصل التوحيد، فإنه يأمن من الخلود في النار، فلا بد له من دخول الجنة، فله نصيب من الأمن.
ومن حقق التوحيد، وقال هذه الكلمة محققا لمعناها، عاملا بمقتضاها، فاز بالأمن التام، والهدي التام، فجزاء الله للعباد قائم على العدل، فلا يسوي بين المشركين والموحدين، ولا يسوي بين العصاة المسرفين على أنفسهم، وبين المتقين، تعالى الله عن ذلك ( ) .
الله تعالى يتقدس عن هذا، ويتعالى أن يسوي بين أوليائه وأعدائه، أو بين المفرطين في حقه، والقائمين بحقه؛ ولهذا بحكمته وعدله جعل الجنة درجات درجات، حتى إن من أهل الجنة من يتراءون الغرف، كما يتراءى الناس الكوكب الغارب في الأفق في علو بعيد.
منازل ودرجات متفاضلة، والوسيلة هي أعلى درجة في الجنة، وهي لنبينا أعلى درجة.
فدرجاتهم ونعيمهم متفاضل، وكما في حديث عبادة أدخله الله الجنة على ما كان من عمل قد قيل في معناه يعني من حيث الدرجات، يعني يدخل الجنة على ما كان من العمل، فمن فضل "لا إله إلا الله "يعني من فضل التوحيد أنه به الأمان.
فمن قالها وكان محققا لها، فله الأمن من عذاب القبر، ووحشة القبر، ومن الفزع يوم الفزع الأكبر، ( ) .
( ) الحسنة هي: لا إله إلا الله، لكن ليس المقصود هو مجرد التلفظ بها.
العصاة المسرفون على أنفسهم يحصل لهم من الفزع يوم القيامة والخوف حسب حالهم وذنوبهم، وينالهم من العذاب ما شاء الله بحسب ذلك، لكن الذي يفوز بالأمن ( ) .
من جاء بالتوحيد وجاء بالإيمان ولم يخلطه بظلم ( ) سبحان الله العظيم ( ) .
وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية في كلامه على هذه الآية، ما يفهم به المراد، ما يفهم عن الله مرادا من كلامه، فإن الظلم أنواع: ظلم في حق الله، ولا تقل: ظلم الله ، العباد لا يظلمون الله ( ) .
لكن الظلم في حق الله هو الشرك الأكبر، وهذا ينافي الأمن والهدي مطلقا، فلا أمن ولا هدى لمن لبس إيمانه بالشرك، كما قال -عليه الصلاة والسلام- لما أشكل على الصحابة هذه الآية، وشق عليهم، قال: ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: ( ) .
والنوع الثاني: هو ظلم الإنسان لنفسه بالمعاصي، فهذه أيضا يفوت في هذا الظلم من الأمن والهدى، بحسب ما اقترفه العبد من معاصي.
والثالث: ظلم العباد في الدماء، في أنفسهم، وأموالهم، في أعراضهم.
فهذا النوع الثاني والثالث لا يمنعان من الأمن والهدى مطلقا مع التوحيد، لا يمنعان من الأمن والهدى، فالذي ينافي الأمن مطلقا والهدى: هو الشرك والكفر بأنواعه، لا بد من معرفة هذه الحقيقة؛ لأننا علمنا من النصوص أن الذي يقترف الذنوب على اختلاف بأنواعها معرض للعذاب.
إذن فليس له الأمن التام، ليس آمنا، لا يرد القيامة آمنا، • • ( ) يأتي آمنا.
الذي يأتي آمنا، هو المؤمن الموحد الصادق، الذي قدم على ربه غير مصر على شيء من الذنوب، يأتي آمنا يوم القيامة، فله الأمن في ذلك اليوم ( ) آمن من الفزع، آمن من العذاب، آمن من النار.
والله تعالى يذكر هذا المعنى في مواضع ( ) يخافون في الدنيا، ولكن يوم القيامة يزول عنهم الخوف.
وإن حصل في بعض المواقف -يعني: خوف عام-، هذا شيء آخر، كما في أحاديث الشفاعة، وأن الرسل في هذا اليوم يترادون الشفاعة، ويمتنعون، ويعتذرون، كل منهم يقول: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، نفسي نفسي نفسي
هذا خوف عام يحصل لسائر الخلق، حتى الأنبياء والرسل، لكن لهم الأمن الذي تزول معه تلك المخاوف.
هذه أيضا كلمة أقولها تعليقا على ما سمعتم من هذه الجملة التي ساقها المؤلف في التنويه بفضل لا إله إلا الله، وختمها ببعض المقولات والآثار عن مسألة محبة الله ، وأن عذاب- يعني الحجاب- أعظم من النار، وهذا عذاب الحجاب، مما يتضمن عذاب النار، نعوذ بالله من النار، ونعوذ بالله من الحجاب عن الله.
• • ( ) كما أن أعلى نعيم أهل الجنة وأفضله هو نظرهم إلى وجه الله.
فنعيم النظر هو داخل في نعيم الجنة، فالصوفية يفصلون بينهم، ويجعلون الجنة اسما خاصا، بما فيها من المآكل والمشارب والمطاعم والمنافع، والله تعالى إذا وعد عباده بالجنة. فمن نعيمها: نظر أوليائه إليه في جنات النعيم، وسماعهم لكلامه.
نسأله- سبحانه وتعالى- أن يمن علينا بأسباب النجاة، وأن يجعلنا وإياكم من الفائزين برضاه وعفوه، الفائزين بكرامته، وأن يجعلنا ممن ينعم بالنظر إلى وجهه الكريم، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله.
أحسن الله إليكم شيخنا، وجعل ما قلتم في ميزان حسناتكم.
س: وهذا سائل عبر الشبكة يقول: يحسب سؤال مقدم من طلبة العلم بمندوبية الدعوة بمردان. السؤال يقول: شيخنا، نحبكم في الله ، والسؤال هل ما جاء بالحديث من قال لا إله إلا الله مائة مرة إلى آخر الحديث، وفي آخره إلا من زاد عليه فهل يفهم من لفظ: "من زاد" جواز قول: لا إله إلا الله مائتي مرة أو ثلاثمائة، كورد ثابت؟
ج: هذا سؤال طيب، الذكر كغيره من العبادات يشرع مطلقا ومقيدا، المقيد: هو المقيد بوقت، مثل الصباح والمساء وأدبار الصلوات، وما أشبه ذلك، وعند كذا، وعند دخول المسجد، والخروج منه، وعند دخول البيت، وعند النوم، هذه أذكار مقيدة.
وهناك الذكر المطلق، أو العبادة المطلقة: هي المشروعية بلا قيود، لا تقيد بوقت، ولا تقيد بعدد.
فهذا الحديث الثابت في الصحيحين يدل على مشروعية أن يقول الإنسان في اليوم: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
ينبغي أن يقول الإنسان ذلك في اليوم مائة مرة، والذي يظهر أنه ينبغي أن يقولها الإنسان في الصباح؛ لقوله وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك أو نحو ذلك. هذا يفهم أنها من أذكار الصباح يعني تذكر الله.
وأما قوله : ولم يأت أحد بأفضل منه، إلا من زاد عليه فلا يقتضي أن تتخذ ذلك راتبا.
الراتب: مائة مرة، والزائد لا تلتزم بعدد، ما هو لازم، الأهم في التسبيح، تسبيح في أدبار الصلوات، يعني: التسبيح والتحميد والتكبير الوارد في حديث الفقراء ذهب أهل الدثور بالأجور هو ثلاث وثلاثون من التسبيح والتهليل والتكبير.
بعد ذلك إذا قلتها انتهت السنة المقيدة، أو الذكر المقيد، بعدها قل ما شئت، قل: سبحان الله ، والحمد لله، والله أكبر.
لكن انتهت، يعني قف عند ثلاث وثلاثين، واختم بـ "لا إله إلا الله" ، ثم بعد ذلك إن بدا لك أن تسبح، سبح ولا تلتزم بعدد، لا تلتزم بعد الصلوات أنك تسبح، يعني ستين، تقول: أنا أسبح ثلاثا وثلاثين، وأسبح ثلاثا وثلاثين أيضا كشيء راتب.
أخيرا كذلك أقول فيما يتعلق بحديث التهليلات مائة مرة، فلا يلتزم الإنسان بعدد، ولا يتقيد في عبادة إلا في حدود ما ورد، فيأخذ السنة، يأخذ العبادة على الوجه المشروع، من حيث الإطلاق والتقييد، فيعمل بالمشروع مقيدا مقيدا، وبالمشروع مطلقا مطلقا، هكذا ينبغي للمسلم.نعم.
س: ويقول: هل هذا الفضل لكلمة الإخلاص يتحقق للعبد، حتى وإن لم يكن من المصلين؟
ج: لا حول ولا قوة إلا بالله ، أعوذ بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله. وإن لم يكن من المصلين؟!
من كان من المصلين لا يقول: لا إله إلا الله، لا يقول هذا الذكر إلا على وجه البدعة، أما إنسان يتعبد بهذه التهليلات مائة مرة، ولا يصلي، هذا ما يكون، إذا كان يتقرب إلى الله بأن يهلل هذه التهليلات مائة مرة، فلا أتصور أنه لا يكون من المصلين،- نعوذ بالله -.
من لا يصلي حاله تعيس، يعني إما أن يكون كافرا على قول كثير من أهل العلم، وعلى ما جاء في الأحاديث، وإما أن يكون- والعياذ بالله- عاصيا، يعني أعظم عصيان، نسأل الله العافية.
كيف هذا السؤال؟! ما له وجه عندي، اللهم إلا أنه يسأل عن مثلا، يمكن أن يكون هناك صوفية -والعياذ بالله-، يعني يكثرون من التهليل والتهليل، وقد يزين لهم الشيطان أنهم يستغنون بالتهليل عن الصلاة، هؤلاء كفار إذا كانوا يظنون بأن تهليلاتهم هذه تغنيهم عن الصلاة فهم كفار. تفضل.
س: أحسن الله إليكم، هذا يقول: ما حكم كتابة عبارة "حقوق النسخ محفوظة" على الكتب والأشرطة وبرامج الحاسب الآلي؛ بغرض منع الآخرين من نسخها، وهل يجوز لي أن أنسخها للاستخدام الشخصي، وإذا كان أصحاب هذه المؤلفات كفارا، فهل لهم حقوق عليها ؟
ج: ينبغي أن مثل هذا يُستفتى فيه، يرجع فيه إلى لجنة الإفتا؛ لتدرس هذا الموضوع، وعندهم فيه بعض فتاوى، والأحوال في مثل هذه الأمور تتفاوت وتختلف.
لكن الذي أستطيع أن أقوله فقط أنه يجوز الاستنساخ، الاستنساخ الشخصي في الأمور؛ لأن المحظور عندهم هو المزاحمة التجارية، وهذا يتفاوت فيه الناس، يعني بعض الأعمال يكلف كثيرا من يقوم به، فمزاحمة باستنساخه للبيع، والتجارة، هذا فيه إضرار، وفي الحديث الصحيح لا ضرر ولا ضرار .
ما يجوز لمسلم أن يضر إخوانه المسلمين، بل لا يجوز الظلم حتى للكفار، الظلم لا يجوز. أنا أقول هذا كلام عام إجمالي، ولا أحدد ولا أقول يعني بحكم في كل جزئية من هذه المسائل التي وردت في السؤال، لكن أنا أعطيك التوجيه العام.
لكن الذي عندي فيه شيء من القناعة، أو أنني لا أجد فيه حرجا ظاهرا، أن مسألة الاستنساخ الشخصي أمر سهل؛ لأنه ما فيه المحظور غير وارد هنا، هو قضية المزاحمة والمضاربة في باب التجارة.
والناس الذين يقومون بهذه الأعمال، منهم يعني من يمكن أن يوصف بالاحتكار المذموم؛ لأنهم أيضا مع انتفاعهم واستردادهم للتكاليف التي بذلوها والحصول على أرباح طائلة، يبقون يحتكرون هذا الأمر، هذا فيه نمط احتكار وجشع، وهذا لا يليق بالمسلمين أن يكون عندهم هذا الأمر.
أما إذا أنهم يعني طالبوا بهذا الحق؛ ليستردوا مثلا الكلف؛ لدفع الضرر الذي يلحقهم بالمزاحمة، ثم حصلوا على الأرباح.
استمرارهم في أن هذا الملك، هو ما فيه نظر عندي، هو ملك ملكه، يمكن النسخ التي ينتجها تكون ملكه، أما نفس المعلومات ما تكون ملكا، هذا فيه تأمل، وفيه نظر.
أمور الناس عجيبة، وكذلك الكفار، إذا علمنا أنهم مثلا يعني ما فيه إضرار بهم، يعني لو فرضنا أن إنتاجا معينا قد بذلت فيه الأموال الطائلة، وقد حصل لهم المردود الذي يغطي ذلك وأرباح، فبأي حق نقول أن هذا النوع ملكهم؟! ملكهم الشيء الذي صنعوه، أما إن أصنعوه فلا حجر، أصبح معلوما، وأصبح باليد، فلا بد من ملاحظة هذه الجوانب، والله أعلم بالصواب.
س: أحسن الله إليكم، أحد السائلين يقول: يا شيخ، أنا شاب أثقلت كاهلي الذنوب والمعاصي، حتى سئمت الحياة، وكرهت نفسي، ولم أعد أجد طعما للحياة، بماذا تنصحونني، وجزاكم الله خيرا ؟
ج: الله تعالى أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وهو الغفور الرحيم، فاحذر أيها السائل من أن يلبس عليك الشيطان، فيجرك أو يوقعك في القنوط من رحمة الله ، جاهد نفسك عن معاصي الله قبل أن تقترفها، وبعد أن تقترب جاهدها على التوبة، جاهد، ولا تيأس من رحمة الله أبدا، احذر أن يخدعك الشيطان، ولا تتمنى الموت من أجل ذلك، سل ربك أن يهديك، أن يعينك على طاعته.
استعذ بالله من الشيطان، ومن شر النفس، ومن سيئات الأعمال، جالس الأخيار، احذر قرناء السوء، اقرأ في الكتب الطيبة التي توجهك إلى التوبة، والكتب التي فيها ما ينشط هذا المعنى في قلبك، كتاب الله سبحانه قبل كل شيء.
• • ( ) .
واذكر حديث الذي قتل تسعا وتسعين نفسا، ثم أتم المائة، لم تمنعه هذه الذنوب من التوبة، فتب إلى الله ، جاهد نفسك، وحتى لو تبت ثم رجعت، ثم تبت ثم رجعت، ثم تبت..، وأنت صادق في توبتك، فهذا لا يمنعك من أن تتوب أيضا .
يعني ما فيه محطة خلاص ينغلق فيها التوبة إلا عند الموت، احذر احذر أيها السائل وأمثاله، احذر من اليأس والقنوت من رحمة الله، إن الله أرحم الراحمين، الله كريم، الله غفور.
نقول هذا بشأن من يخشى عليه اليأس، ويخشى عليه القنوت، وإلا فحذار حذار من الجرأة على المعاصي، اتكالا على رحمة الله ومغفرته: • ( ) نعم .
س: أحسن الله إليكم، يقول في الحديث الذي ذكر في قوله: إلا فتق الله له السماء فهل تشتق منها صفة ؟
ج: لا لا ، هذا الحديث يُنظر إليه، معناه فيه غرابة، الله يرى وينظر إلى من شاء دون أن يفتق السماء. أيش علل ذلك الحديث عندكم؟ الله أعلم، الله تعالى لا يحتاج في نظره إلى من شاء من عباده إلى أن يفتق السماء، كأن فحوى هذا اللفظ أن السما، يعني تحجب نظر الرب تعالى، طيب أخرجه النسائي. إذن أخرجه النسائي بس.. بس؟ والسائل كنت أظن أنه سيسأل عن هذا المعنى المستغرب.
لكن هل يشتق لله منها اسم صفة فتق، الله يفعل ما يشاء، خذ الفتق من آية أخرى، يمكن من شيء آخر ( ) فتق الأرض، وفتق السماء، فتقهما ، • ( ) فتق السماء.
وأحسن ما قيل في تفسير هذه الآية: إنه فتق السماء بالمطر: بإنزال المطر، والأرض بإنبات النبات.
( ) وليس المراد ما يقوله الخرافون المفترون ممن لا يؤمن بالله، واليوم الآخر من أن الأرض كانت قطعة من الشمس، ثم يحاول الجاهلون الغالطون أن يعني تصحيح هذه النظرية بالاستدلال لها بهذه الآية.
يقول: هذا يقتضي أن السماوات والأرض كانتا ملتصقة ملتصقة؟! هكذا يقولون، ففتق الله، يعني فصل السما عن الأرض ، هذا كلام محدث باطل، لا ينبغي التعويل عليه، لتصحيح نظريات، يعني نظريات أناس إنما يحكمون على الأشياء، وعلى الأمور حاضرها، وماضيها، بمجرد عقولهم.
يقولون الأرض منفصلة عن الشمس، ويقدرون لهذه الأمور من السنين أعدادا خيالية تقدر بالملايين، وبآلاف ملايين السنين .نعم .
س: أحسن الله إليكم . وهذا يقول: ما معنى قولهم "كن واحدا في واحد لواحد" ؟
ج: "كن واحدا" يعني: مقبلا متجردا لواحد وهو ربك، أقبل على ربك الواحد، غير ملتفت لسواه، "في واحد" طريقه، طريق السير إلى الله ، كما في هذا البيت لابن القيم في الشعر في القافية النونية:
كن واحدا ولواحد في واحد
...........
. يعني في طريق الحق، وهو "واحد"، أعني: طريق الحق والإيمان. نعم .
س: أحسن الله إليكم، وهذا يقول: أنا إمام أحضر دروس هذه الدورة، ولكن يفوتني بعضها، أو بعض بدايتها؛ لأنني أحضر من مكان بعيد. يقول: السؤال: هل تنصحني يا شيخ الاستمرار في ذلك؟ وهل أحضر جميع الدروس؟ وما الفائدة إذا حضرت درسا يفوت أوله أو آخره؟ وهل تؤيد حضورنا وجزاك الله خيرا ؟
ج: خذ من كل خير ما تستطيع وما تيسر، هذا في كل شيء، في طلب العلم، وفي العبادة، وفي الصلاة، وفي تلاوة القرآن.
أحوال الناس تختلف، يعني من الناس من لا يحضر هذه الدروس، أو غيرها مع رغبته في ذلك؛ لظروفه،ظروفه لا يتمكن مع..، عنده من المشاغل، عنده من الأسباب والعوائق التي تعوقه.
وهكذا ومن الناس يمكن أن يحضر أسبوع هذه الدورة، ومنهم من يحضر أكثر من ذلك، ومنهم من يحضر مثلا دروس الصباح، ومنهم من يحضر دروس المساء، والكل على اختلاف. نعم .
س: أحسن الله إليكم، وهذا يقول: شيخنا، نريد منكم نصيحة في نهاية هذا الدرس؟
ج: لا إله إلا الله. الذي أوصيكم به ونفسي أن نتقي الله في السر والعلانية، وأن نضرع إلى الله بسؤاله التوفيق في ذلك، فنسأله تعالى أن يلهمنا رشدنا ، وأن يقينا شر أنفسنا، نسأله سبحانه وتعالى أن يؤتي نفوسنا تقواها، اللهم آتي نفوسنا تقوها، وزكها أنت خير من زكاها.
وأوصيكم بالمواصلة في التزود من العلم، من خلال هذه الدورات المحدودة في أوقات معلومة، ومن خلال الفرص الأخرى، وأوصيكم بالعناية بكتب السلف الأول، وأهل العلم المعروفين بالسلفية، المعروفين بالسنة، واتقاء ما يوجد في كتب الناس من سائر الطوائف من المخالفات والإشكالات.
فالكتب الآن -يعني في المكتبات- ركام هائل من أنواع الكتب، منها ومنها ومنها..، أنواع، فعلى طالب العلم، ولا سيما المبتدئ، أن يعنى بالمتون المختصرة، التي هي من تأليف أئمة السنة، ثم يتدرج، وعليه أن يسترشد بمن هو أعلم منه، ويسترشد برأي من سبقه ممن يثق بمعرفته وفي نصحه كذلك.
وأذكر بأن على المسلم أنه يواصل السير في العلم والعمل ( ) يا عبد الله لا تكن مثل فلان، كان يقوم من الليل، فترك قيام الليل .
هذا لا يليق، على المسلم أنه يستمر ويكون مجتهدا في العلم والعمل، في كل أعمال الخير التي يعني يعملها، لا يتراجع عن شيء منه، بل يديم.
وعليه أن يقتصر، بحيث لا يشق على نفسه ويحرجها، بحيث يعرضها للقعود والكسل، كما أوصى النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه بذلك القصد القصد تبلغوا، يسروا ولا تعسروا، بشروا ولا تنفروا، سددوا قاربوا … الحديث. فعمل قليل يدوم، خير من عمل كثير وينقطع. نعم.
س: أحسن الله إليكم. ويقول: ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أن الأعمال لا تتفاضل بصورها، بل بحقائقها في القلوب، وليس كل من قال: "لا إله إلا الله " حاله كصاحب البطاقة، فما معنى كلام شيخ الإسلام، وجزاكم الله خيرا ؟
ج: هذا أنا قلته، أنا قلت هذا المعنى، يعني نبهت على هذا التفاوت، سبحان الله، هذا في كل الأعمال، في "لا إله إلا الله" وفي غيرها.
ماذا في قلبك؟ كم ممن يذكر الله بلسانه، وقلبه غافل؟! آه يذكر الله بقلبه ولسانه، لكن لا يكون بقلبه من الشعور بعظمة معنى هذه الكلمة، وما تدل عليه، وما يكون بقلب الآخر من أهل الإيمان.
ولهذا يظهر ذلك على الجوارح، هذا يصلي، وهذا يصلي، هذا مقبل على ربه من أول وهلة، من حين يكبر إلى آخره، ولا يكاد يغيب، إلا أنه يعني يمكن عوارض خاطفة، مقبل على ربه، شاعر بمقامه بين يديه.
كلام يعني نقوله ونعلمه، ولكن التحقق به حالا ، هذا شيء آخر، أين من يقوم بين يدي الله مقبلا عليه، خائفا وجلا راجيا، راجيا لربه، راجيا رحمته، خائفا من عذاب؟!
ومن يصلي وقلبه شارد هنا وهناك، كما حال الأكثر؟!
يقول ابن القيم، يعني هذا مما يشير إلى تفاضل الأعمال في فضله وفي رجائه:
حـتى يكون العاملان كلاهما
هذا وبينهما كما بين السما
فـي رتبـة في ناظر الإنسان
والأرض فـي فضـل وفي رجحان
حتى يكون العاملان كلاهما في رتبة، في الصلاة فهذا بجنب هذا، مقامهم واحد، وكلهم يركعون ويسجدون، ولكن بينهم من التفاوت.
واقرءوا ما قال ابن القيم في تفاوت الناس في تفاضلهم في صلاتهم، في "الوابل الصيب" تأخذون يعني عبرة في التصوف..، أين صلاة الرسول، أو غيره ممن دونه، ممن كمل من المؤمنين، من صلاة من لا يكتب له من صلاته إلا عشرها، عشر! لا إله إلا الله .نعم.
س: أحسن الله إليكم، وهذه سائلة تسأل عن الوسوسة في الصلاة، حيث لا تدري هل أتت بالركوع والسجود، كأن تسجد ثلاث سجدات، وأحيانا تعيد صلاتها مرة ومرتين، فما حكم ذلك، وجزاكم الله خيرا.
ج: الشك في الصلاة إن كان يعرض أحيانا، فحكمه معروف: أن الإنسان إذا شك يبني على ما استيقن، وإذا غلب على ظنه، يبني على غالب الظن، كأن يشك: هل سجد سجدتين، ولاّ سجدة واحدة ؟
له حالتان، إما أنه يكون مترددا، أو يغلب على ظنه أنه سجد السجدتين، يبني على اليقين.
عنده شك: هل صلى أربع ولاّ ثلاث، فتارة يكون عنده تردد، ما يدري، تارة يكون عنده غلبة الظن، فإن كانت عنده غلبة الظن، يبني على غالب ظنه، وإن كان عنده شك يبني على اليقين. هذا حكم الشك في الصلاة، ويسجد السجدتين بعد ذلك.
هذا إذا كان الشك طارئا وعارضا، أو يعرض أحيانا.
أما إذا كان الشك كثيرا، ويتكرر في كل صلاة، فهذا لا تلتفت إليه؛ لأن هذا يؤدي إلى الوسواس، وهو فعلا يعني أوقع.
من بُلي بالوسواس إلى حالة تشبه حالة الجنون، حتى أن من الذين أصيبوا بالواسواس، من انتهى به الأمر إلى أن يتركوا الصلاة.
والله هكذا، يسأل أحدهم يقول: أنا لي كذا من الأيام ما صليت، يقول: ما صليت، عجزت أصلي، يقول: لأيش السبب؟ مرض ؟ عجزت أن أصلي، كلما يكبر يقول: ما صحت التكبيرة، لماذا؟ فهو يعني لسبب تخوف من أن التكبيرة ما صحت، أو أنه يثقل بها لسانه. بلاء الوسواس.
فأقول للأخت السائلة: حذار حذارمن الوسواس، لا تعيدي الصلاة، إذا كان الشك عندك كثيرا، ويتكرر احذرى، فلا تعيدي الصلاة.
ولكن امضي واطرحي الشك، اطرحيه كأنه لم يكن. ففي باب التكبير كبري، ولو قال الشيطان لك: ما كبرتي. لا تعيدي التكبير، وهكذا في السجدات، وهكذا في الركعات، لا تأتي بشيء زيادة استجابة لتلك الوساوس، ولا تعيدي الصلاة، حذار استجابة لتلك الوساوس، والله المستعان .
س: أحسن الله إليكم. وهذا يقول: ما حكم التكني بأبي القاسم ؟
ج: ما فيه مانع، هذا إنما كان يحذر في حياته -عليه الصلاة والسلام- . نعم .
س: أحسن الله إليكم. وهذا يقول: يوجد في حاشية الكتاب في صفحة خمسة وتسعين كلام لـ "صديق حسن خان"، يقول: وأساس هذا الدين ورأسه ونبراسه شهادة أن لا إله إلا الله أي: لا معبود إلا الله ، فهل هذا الكلام صحيح.
ج: صحيح، لا إله إلا الله: لا معبود إلا الله ، يعني معناه: لا معبود بحق، بس، وهذا مراده طبعا، لكن ينبغي يعني اعتبارها بحق، لا معبود بحق ، فالشيخ "صديق حسن خان" معروف بسلامة المعتقد -فيما أعلم-، ولا يريد إذا قال: لا معبود بحق .. ، أي: لا معبود إلا الله ، فهذا قطعا لا يريد أنه ليس في الأرض ما يعبد بالباطل، لا، إنما يريد: لا معبود بحق، هذا مراده. فينبغي أن يعرف هذا. نعم.
س: يقول: أحسن الله إليكم، الحديث الذي قال فيه رسول الله لأصحابه : ارفعوا أيديكم وقولوا: "لا إله إلا الله " فرفعنا أيدينا ساعة إلى آخر الحديث. يقول: فهل يكفي الذكر بهذه الكلمة عن الدعاء، وهو الذي يعلم ما في الأنفس ؟
ج: الذكر وكل العبادات هي دعاء كما تعلمون، دعاء مسألة، ودعاء عبادة، وكما يقول شيخ الإسلام -رحمه الله - : إن جنس الذكر أفضل من جنس الدعاء، لكن في مواضع ، لا في مواضع التي يقيد بها الدعاء، التي جاء فيها الدعاء مقيدا ينبغي الإتيان بالدعاء بشروط، فجنس الذكر أفضل من جنس الدعاء.
ولكن هذا لا يعني أنه على الإطلاق في كل المواضع، فهناك من الأدعية ما هو واجب، ومن الأدعية ما هو مستحب ، وما هو أفضل من الذكر، بل من الذكر ما هو أفضل من تلاوة القرآن.
أرأيتم إجابة المؤذن أفضل من تلاوة القرآن، لو أن الشيخ قال: أنا أريد أمضي أتلو القرآن، أنا إلى حد الآن في خير، تقول: لا هذا غلط، بل إجابة المؤذن أفضل من تلاوة القرآن. نعم .
س: أحسن الله إليك. سائل يقول: ما حكم أن يقول الشاب على الشبكة لإحدى الأخوات: إنه أخوها في الله، ويتخذان الدين وتعلمه ذريعة للحديث ؟
ج: هذا لا يجوز أن يكون الحديث بين النسا والرجال من خلال الشبكة؛ لأن الآن نحن في عصرالخداع والمكر والاحتيال، وهذه الوسائل كلها قد اتخذت المرأة أحبولة للوقوع في المآثم، فليس للشاب أن يتخذ إحدى الفتيات يعني طرفا للمحادثة معها؛ لأن هذا السبيل للمحادثة معها.
فإن الحديث معها يجر، وليس لها كذلك أن تفعل، عليها أن تتقي الله، وعلى كل منهما أن يتقيا الله ، أن يتقي ربه.
فهذه وسائل يعني لا يخفى خطرها، والمكر والاحتيال موجود للناس، قد يتضرع الإنسان بالسؤال، ويبدو أنه.. قد يكون في أول الأمر بريئا، ثم يستدركه الشيطان شيئا فشيئا، ويتأول في ذلك.
فعلى الإنسان أن يسد باب الشر عن نفسه، ويأخذ بأسباب السلامة، على كل مسلم ومسلمة أن يحذر من مداخل الشيطان.
ومداخل الشيطان أنواع كثيرة، ومن مداخله الحسية هذه الوسائل الشبكة، وهي شبكة، على اسمها، وكم اصطاد بها الشيطان من خلق الله ، هي شبكة للشيطان في أكثر الأحيان، هي شبكة للشيطان في أكثر أحوالها، وهي بلاء من البلاء.
كل هذه الوسائل بلاء، والله تعالى يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، نسأله تعالى أن يهدينا وإياكم صراطا مستقيما، وأن يعصمنا من الضلالة، وأسباب الضلال، إنه تعالى ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم اهدنا ولا تذلنا، اللهم ارحمنا ولا تعذبنا، اللهم اغفر لنا، وارحمنا، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.
أحسن الله إليكم شيخنا… .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق