نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

 نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}

Translate

الخميس، 16 مارس 2023

ح3وج4.كتاب تفسير ابن عبد السلام عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي

 

ح3وج4.كتاب تفسير ابن عبد السلام عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي
كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69)

{ بِخَلاقِهِمْ } بنصيبهم من خيرات الدنيا . { وَخُضْتُمْ } في شهوات الدنيا ، أو في قول الكفر . { كَالَّذِى خَاضُوَاْ } فارس والروم ، أو بنو إسرائيل .


وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)

{ وَمَسَاكِنَ طَيِّبةً } قصور مبنية باللؤلؤ والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر ، أو يطيب العيش بسكناها وهو محتمل . { عَدْنٍ } خلود وإقامة ، والمعدن لإقامة الجوهر فيه ، أو كروم وأعناب بالسريانية ، أو عدن اسم لبطنان الجنة ووسطها ، أو اسم قصر في الجنة ، أو جنة في السماء العليا لا يدخلها إلا نبي ، أو صدِّيق ، أو شهيد ، أو إمام عدل ، أو محكَّم في نفسه . وجنة المأوى في السماء الدنيا تأوي إليها أرواح المؤمنين .


يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)

{ جَاهِدِ الْكُفَّارَ } بالسيف { وَالْمُنَافِقِينَ } بيده فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، فإن لم يستطع فليكفهر في وجوههم ، أو يجاهدهم باللسان ، أو بإقامة الحدود وكانوا أكثر من يصيب الحدود .


يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)

{ يَحْلِفُونَ } نزلت في ابن أُبَي لما قال : { لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى المدينة } [ المنافقون : 8 ] ، أو قال الجلاس بن سويد إن كان ما جاء به محمد حقاً فنحن شر من الحمير ثم حلف بالله ما قال ، أو قال ذلك جماعة من اليهود . { كَلِمَةَ الْكُفْرِ } هو ما حلفوا أنهم ما قالوه فأكذبهم الله ، أو قولهم محمد ليس بنبي . { وَهَمُّواْ } بقتل الرسول في غزاة تبوك ، أو بأخراج الرسول بقولهم { لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى المدينة } [ المنافقون : 8 ] أو هَمُّوا بقتل الذي أنكر عليهم .


وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)

{ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ } نزلت والتي بعدها في حاطب بن أبي بلتعة كان له مال بالشام فنذر أن يتصدق منه فلما قدم عليه بخل ، قاله الكلبي ، أو قتل مولى لعمر حميما لثعلبة فوعد إن أوصل الله إليه الدية أن يخرج حق الله تعالى منها فلما وصلت بخل بحق الله تعالى فنزلت ، فلما بلغته أتى الرسول صلى الله عليه وسلم بصدقته فلم يقبلها منه ، وقال إن الله تعالى منعني أن أقبل صدقتك فجعل يحثو التراب على رأسه ، فمات الرسول صلى الله عليه وسلم فأتى أبا بكر رضي الله تعالى عنه ثم عمر رضي الله تعالى عنه بعده ، ثم عثمان رضي الله تعالى عنه فلم يقبلوها .


الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)

{ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ } لما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على النفقة في غزوة تبوك ، جاء عبدالرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم ، وقال هذه شطر مالي ، وجاء عاصم بن عادي بمائة وسق من تمر ، وجاء أبو عقيل بصاع من تمر وقال أجرت نفسي بصاعين فذهبت بأحدهما إلى عيالي وجئت بالآخر ، فقال الحاضرون من المنافقين أما عبد الرحمن وعاصم فما أعطيا إلا رياء ، وأما صاع أبي عقيل فإن الله تعالى غني عنه . فنزلت . الجُهد والجَهد واحد ، أو بالضم الطاقة وبالفتح المشقة .


اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)

{ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } آيسه من الغفران لهم . { سَبْعِينَ مَرَّةً } ليس بحد لوجود المغفرة بما بعدها ، والعرب تبالغ بالسبع والسبعين ، لأن التعديل في نصف العقد وهو خمسة فإذا زيد عليه واحد كان لأدنى المبالغة وإن زيد اثنان كان لأقصى المبالغة ، وقيل للأسد سبع لأن قوته تضاعفت سبع مرات ، قاله علي بن عيسى . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم سوف أستغفر لهم أكثر من سبعين فنزلت { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } الآية [ المنافقون : 6 ] فكف .


فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)

{ الْمُخَلَّفُونَ } المتركون كانوا أربعة وثمانين نفساً . { خِلافَ } بعد ، أو مخالفة عند الأكثر . { لا تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ } قاله بعضهم لبعض ، أو قالوه للمؤمنين ليقعدوا معهم .


فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)

{ فَلْيَضْحَكُواْ } تهديد { قَلِيلاً } ، لأن ضحك الدنيا فَانٍ ، أو لأنه قليل بالنسبة إلى ما فيها من الأحزان والغموم . { كَثِيراً } في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، أو في النار أبداً يبكون من ألم العذاب .


فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83)

{ أَوَّلَ مَرَّةٍ } دعيتم ، أو قبل استئذانكم . { الْخَالِفِينَ } النساء والصبيان ، أو الرجال المعذورين بأمراض أو غيرها « ع » .


وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)

{ وَلا تُصَلِّ } نزلت في ابن أُبي لما صلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو أراد الصلاة عليه فأخذ جبريل عليه السلام بثوبه ، وقال : ولا تُصلِّ على أحد ولا تقم على قبره قيام زائر ، أو مستغفر .


وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86)

{ أَنْ ءَامِنُواْ } دوموا على الإيمان ، أو افعلوا فعل المؤمن ، أو أمر المنافقين أن يؤمنوا باطناً كما آمنوا ظاهراً . { الطَّوْلِ } الغنى ، أو القدرة ، قيل نزلت في ابن أُبي والجد بن قيس .


رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87)

{ الْخَوَالِفِ } النساء ، أو المنافقين ، أو الأدنياء الأخسَّاء ، فلان خَالِفة أهله إذا كان دونهم .


لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88)

{ الْخَيْرَاتُ } جمع خيرة ، غنائم الدنيا ومنافع الجهاد ، أو ثواب الآخرة ، أو فواضل العطايا ، أو الحور { فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } [ الرحمن : 70 ] .


وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90)

{ الْمُعَذِّرُونَ } مخفف الذين اعتذروا بحق ، وبالتشديد الذين كذبوا في اعتذارهم فالعذر حق ، والتعذير كذب ، قيل هم بنو أسد وغطفان .


لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)

{ الضُّعَفَآءِ } الصغار لضعف أبدانهم ، أو المجانين لضعف عقولهم أو العميان ، أو المجانين لضعف تصرفهم { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً } [ هود : 91 ] ضريراً . { نَصَحُواْ } برئوا من النفاق ، أو إذا قاموا بحفظ المخلفين والمنازل ، فيرجع إلى من لا يجد النفقة خاصة ، قيل نزلت في عائذ بن عمرو وعبد الله بن مغفل .


وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)

{ لآ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ } زاداً لأنهم طلبوه ، أو نعالاً لأنهم طلبوها ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة : « أكثروا من النعال فإن الرجل لا يزال راكباً ما كان منتعلاً » ، نزلت في العِرْباض بن سارية ، أو عبد الله بن الأزرق ، أو في بني مقرن من مزينة ، أو في سبعة من قبائل شتى ، أو في أبي موسى وأصحابه .


إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93)

{ السِّبِيلُ } الإنكار ، أو المأثم . { الْخَوَالِفِ } المتخلفون بالنفاق ، أو الذراري من النساء والأطفال .


الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97)

{ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً } كفرهم أكثر وأشد لجفاء طباعهم وغلظ قلوبهم ، أو الكفر فيهم أكثر لعدم وقوفهم على الكتاب والسنة . { وَأَجْدَرُ } أقرب مأخوذ من الجدار بين المتجاورين . { حُدُودَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ } من فروض العبادات ، أو من الوعيد على مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم والتخلف عن الجهاد .


وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98)

{ مَا يُنفِقُ } في الجهاد ، أو الصدقات . { مَغْرَمًا } المغرم : التزام ما لا يلزم { عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } [ الفرقان : 65 ] لازماً . { الدَّوَآئِرَ } انقلاب النعمة إلى غيرها من الدور .


وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)

{ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ } استغفاره لهم « ع » ، أو دعاؤه .


وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)

{ وَالسَّابِقُونَ } أهل بيعة الرضوان ، أو أهل بدر ، أو الذين صلوا إلى القبلتين ، أو الذين سبقوا بالموت والشهادة من المهاجرين والأنصار سبقوا إلى الثواب وحسن الجزاء { رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ } بالإيمان { وَرَضُواْ عَنْهُ } بالثواب ، أو رضي عنهم بالعبادة ورضوا عنه بالجزاء ، أو رضي عنهم بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ورضوا عنه بالقبول .


وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)

{ حَوْلَكُمُ } حول المدينة ، مزينة وجهينة وأسلم وغفار وأشجع كان فيهم بعد إسلامهم منافقون كما في الأنصار ، وإنما نافقوا لدخول جميعهم تحت القدرة فميزوا بالنفاق وإن عمتهم الطاعة . { مَرَدُواْ } أقاموا وأصروا ، أو مَرنوا عليه وعتو فيه { شَيْطَانًا مَّرِيدًا } [ النساء : 117 ] عاتياً ، أو تجردوا فيه وتظاهروا به { لا تَعْلَمُهُمْ } حتى نعلمك بهم ، أو لا تعلم عاقبتهم فلا تحكم على أحد بجنة ولا نار . { مَّرَّتَيْنِ } إحداهما بالفضيحة في الدنيا والجزع من المسلمين ، والثانية بعذاب القبر « ع » ، أو إحداهما بالأسر والأخرى بالقتل ، أو إحداهما بالزكاة والآخرى أمرهم بالجهاد ، لأنهم يرونه عذاباً لنفاقهم ، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه أو إحداهما عذاب الدنيا والأخرى عذاب الآخرة . { عَذَابٍ عَظِيمٍ } بأخذ الزكاة ، أو بإقامة الحدود في الدنيا ، أو بالنار في الآخرة .


وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)

{ وَءَاخَرُونَ اعْتَرَفُواْ } نزلت في أبي لبابة في قضيته مع بني قريظة . أو في سبعة أنصار من العشرة المتخلفين في غزوة تبوك ، أبو لبابة بن عبد المنذر ، وأوس بن ثعلبة ، ووديعة بن حرام ، فلما ندموا على تخلفهم وربطوا أنفسهم إلى سواري المسجد ليطلقهم الرسول صلى الله عليه وسلم إن عفا عنهم ، فلما مر بهم وكانوا على طريقه فسأل عنهم فأُخبر بحالهم فقال : « لا أعذرهم ولا أطلقهم حتى يكون الله تعالى هو الذي يعذرهم ويطلقهم » فنزلت « ع » . { عَملاً صَالِحاً وَءَاخَرَ سَيِئاً } الصالح : الجهاد ، والسيىء التخلف عنه ، أو السيىء الذنب والصالح التوبة ، أو ذنباً وسوطاً لا ذاهباً فروطاً ولا ساقطاً سقوطاً . قاله الحسن رضي الله تعالى عنه .


خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)

{ خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ } لما تاب الله تعالى على أبي لبابة وأصحابه قالوا : يا رسول الله خذ منا صدقة تطهرنا وتزكينا ، فقال : « لا أفعل حتى أُؤمر » فنزلت ، صدقة بذلوها تطوعاً ، أو الزكاة الواجبة { تُطَهِّرُهُمْ } من ذنوبهم ، وتزكي أعمالهم { وَصَلِّ } استغفر ، أو ادعُ قاله « ع » . { سَكَنٌ } قربة « ع » ، أو وقار ، أو أمن ، أو تثبيت ، والدعاء واجب على الآخذ أو مستحب ، أو يجب في التطوع ومستحب في الفرض ، أو يستحب للوالي ويجب على الفقير ، أو بالعكس ، أو إن سأل الدافع الدعاء وجب وإن لم يسأل استحب ، قال عبد الله بن أبي أوفى لما أتيت الرسول صلى الله عليه وسلم بصدقات قومي قلت يا رسول الله صَلِّ عليَّ فقال : « اللهم صلِ على آل أبي أوفى » .


وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106)

{ وَءَاخَرُونَ } هم الثلاثه الباقون من العشرة المتخلفين في غزوة تبوك لم يربطوا أنفسهم وهم كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع ، { مُرْجَوْنَ } لما يرد من أمر الله فيهم . { يُعَذِّبُهُمْ } يميتهم على حالهم ، أو يأمر بعذابهم إن لم يعلم صحة توبتهم { عَلِيمٌ } بما يؤول إليه حالهم { حَكِيمٌ } في إرجائهم .


وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107)

{ وَالِّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً } هم بنو عمرو بن عوف ، اثنا عشر رجلاً من الأنصار بنوا مسجد الضرار . { وَتَفْرِيقَا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ } لئلا يجتمعوا في مسجد قباء . { وَإِرْصَادًا } انتظاراً لسوء يتوقع ، أو لحفظ مكروه يفعل . { لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } بمخالفتهما ، أو عداوتهما ، وهو أبو عامر الراهب والد حنظلة بن الراهب ، وكان قد حزَّب على الرسول صلى الله عليه وسلم فبنوه له ليصلي فيه إذا رجع من عند هرقل اعتقاداً منهم أنه إذا صلى فيه نُصروا ، ابتدءوا بنيانه والرسول صلى الله عليه وسلم خارج إلى تبوك فسألوه أن يصلي فيه فقال : « أنا على سفر ولو قدمنا إن شاء الله تعالى أتيانكم وصلينا لكم فيه » ، فلما رجع أتوه وقد فرغوا منه وصلوا فيه الجمعة والسبت والأحد وقالوا : قد فرغنا منه ، فأتاه خبره وأنزل الله تعالى فيه ما أنزل . { لا تَقُمْ فِيهِ } لا تُصَلِّ فيه فعند ذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بهدمه فحُرق ، أو انهار في يوم الأثنين ولم يُحرق .


لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)

{ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى } مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو مسجد قباء ، وهو أول مسجد بني في الإسلام « ع » ، أو كل مسجد بني في المدينة أسس على التقوى . { يَتَطَهَّرُواْ } بالتوبة من الذنوب . { واللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } بالتوبة ، أو أراد الاستنجاء بالماء ، أو المتطهرين من أدبار النساء .


أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)

{ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ } مسجد قباء ، أو قوله : { لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى } مسجد المدينة ، وقوله { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ } مسجد قباء . { جُرُفٍ } حرف الوادي الذي لا يثبت عليه البناء لرخاوته . { هَارٍ } هائر ، وهو الساقط . { فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ } سقطوا ببنيانهم في جهنم ، أو سقط المسجد بنفسه مع بقعته في جهنم ، قال جابر بن عبد الله : رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار حتى انهار ، وقيل حفرت فيه بقعة فرئي فيها الدخان .


لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)

{ رِيبَةً } حين بنوه شك ، او غطاء ، أو بعد هدمه حزازة ، أو ندامة . { تَقَطَّعَ } يموتوا « ع » ، أو يتوبوا ، أو تقطع في القبور .


إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)

{ اشْتَرَى } لما جُوزوا بالجنة على ذلك عُبِّر عنه بلفظ الشراء تَجوزاً .


التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)

{ التَّآئِبُونَ } من الذنوب . { الْعَابِدونَ } بالطاعة ، أو بالتوحيد ، أو بطول الصلاة . { الْحَامِدُونَ } على السراء والضراء ، أو على الإسلام . { السَّائِحُونَ } المجاهدون واستؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم في السياحة فقال : « سياحة أُمتي الجهاد » ، أو الصائمون ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « سياحة أُمتي الصوم » « ع » ، أو المهاجرون أو طلبة العلم . { بِالْمَعْرُوفِ } التوحيد ، أو الإسلام . { الْمُنكَرِ } الشرك ، أو الذين لم يَنْهوا عنه حتى انتهوا عنه . { وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ } القائمون بأمره ، أو بفرائض حلاله وحرامه ، أو لشرطه في الجهاد . { الْمُؤْمِنِينَ } المصدقين بما وعدوا في هذه الآيات ، أو بما ندبوا إليه فيها . لما نزل { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى } جاء رجل من المهاجرين فقال : يا رسول الله ، وإن زنا وإن سرق وإن شرب الخمر فنزلت { التَّآئِبُونَ } .


مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)

{ مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ } لما زار الرسول صلى الله عليه وسلم قبر أمه ، وقال : « استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي واستأذنته في الدعاء لها فلم يأذن لي » فنزلت ، أو نزلت في أبي طالب لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك » ، أو سمع علي رضي الله تعالى عنه رجلاً يستغفر لأبويه فقال : أتستغفر لهما وهما مشركان فقال أو لم يستغفر إبراهيم لأبويه فذكره علي رضي الله تعالى عنه للرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت .


وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)

{ مَّوْعِدَةٍ } وعد إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام أبوه أنه إن استغفر له آمن ، أو وعد إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام أباه أن يستغفر له لرجائه إيمانه فلما مات على شركه تبرأ من أفعاله ومن الاستغفار له . { لأَوَّاهٌ } دَعَّاء ، أو رحيم ، أو موقن ، أو مؤمن بلغة الحبشة « ع » ، أو مُسبِّح ، أو مكثر من تلاوة القرآن ، أو متأوه ، أو فقيه ، أو متضرع خاشع مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو إذا ذكر ذنوبه استغفر منها . وأصل التأوه التوجع . { حَلِيمٌ } صبور على الأذى ، أو صفوح عن الذنب .


وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115)

{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ } أسلم قوم من الأعراب ورجعوا إلى بلادهم يعملون بما شاهدوه من الرسول صلى الله عليه وسلم من صوم أيام البيض والصلاة إلى بيت المقدس ، ثم قدموا إليه فوجدوه يصوم رمضان ويصلي إلى الكعبة ، فقالوا : يا رسول الله دِنَّا بعدك بالضلالة إنك على أمر وإنا على غيره فنزلت .


لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)

{ تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِىِّ وَالْمُهَاجرِينَ } توبة لعونه بإنقاذهم من شدة العسرة ، أو تخليصهم من نكاية العدو وغيره ، أي رجعهم إلى ما كانوا فيه من الحالة الأولى . { الْعُسْرَةِ } في غزوة تبوك كانوا في قلة من الظَّهر فيتناوب الرجلان والثلاثة على بعير واحد ، وتعسر الزاد فيشق الرجلان التمرة بينهما ، أو يمص النفر التمرة والواحدة ثم يشربون عليها الماء وذلك في شدة الحر ، واشتد عطشهم حتى نحروا الإبل وعصروا أكراشها فشربوا ماءها . { يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ } يتلف بالجهد والشدة ، أو يعدل عن المتابعة [ والنصرة ] { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ } التوبة الأولى في الذهاب والثانية في الرجوع ، أو الأولى في السفر ، والثانية بعد الرجوع إلى المدينة .


وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)

{ وَعَلَى الثَّلاثَةِ } وتاب على الثلاثة . { خُلِّفُواْ } عن التوبة فأُخرت توبتهم حتى تاب الله تعالى على الذين ربطوا أنفسهم مع أبي لبابة ، أو خلفوا عن بعث الرسول صلى الله عليه وسلم . { ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ } لامتناع المسلمين من كلامهم . { وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ } بما لقوه من جفوة الناس { وَظَنُّواْ } أيقنوا أنهم لا يلجؤون في قبول توبتهم والصفح عنهم إلا إلى ربهم ، ثم تاب عليهم بعد خمسين ليلة من مقدم الرسول صلى الله عليه وسلم { لِيَتُوبُواْ } ليستقيموا ، لأن توبتهم قد تقدمت « ع » وامتحنوا بذلك إصلاحاً لهم ولغيرهم .


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)

{ يَآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ } بموسى ، أو عيسى عليهما الصلاة والسلام { اتَّقُواْ اللَّهَ } تعالى في الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم . { وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ } الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم أجمعين في الجهاد ، أو يا أيها المسلمون اتقوا الله تعالى في الكذب ، أو اتقوا الله في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمركم بالجهاد { الصَّادِقِينَ } أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما أو الثلاثة الذين خُلِّفوا وصدقوا الرسول في تخلفهم ، أو المهاجرين ، لأنهم لم يتخلفوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد ، أو من صدقت نيته وقوله وعمله وسره وعلانيته .


وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)

{ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ } ما كان عليهم أن ينفروا جميعاً لأن الجهاد صار فرض كفاية . نسخت قوله تعالى : { انفروا خِفَافاً وَثِقَالاً } [ التوبة : 41 ] « ع » ، أو ما كان لهم إذا بعث الرسول صلى الله عليه وسلم سرية أن يخرجوا جميعاً ويتركوا الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة واحده بل يقيم بعضهم . لما عُيِّروا بالتخلف عن غزوة تبوك خرجوا في سرايا الرسول صلى الله عليه وسلم وتركوه وحده بالمدينة فنزلت . { فَلَوْلا نَفَرَ } مع الرسول صلى الله عليه وسلم طائفة لتتفقه في الجهاد معه ، أو هاجرت إليه في إقامته لتتفقه ، أو لتتفقه الطائفة المقيمة مع الرسول صلى الله عليه وسلم معناه فهلا إذا نفروا أن تقيم مع الرسول صلى الله عليه وسلم طائفة لأجل التفقه في الدين في أحكامه ، ومعالمه ويتحملوا ذلك لينذروا به قومهم إذا رجعوا إليهم ، أو ليتفقهوا فيما يشاهدونه من المعجزات والنصر المصدق للوعد السابق ليقوي إيمانهم ويُخبروا به قومهم .


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)

{ الَّذِينَ يَلُونَكُم } العرب ، أو الروم ، أو الديلم ، أو عام في قتال الأقرب فالأقرب .


وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)

{ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ } قاله المنافقون بعضهم لبعض على وجه الإنكار ، أو قالوه لضعفاء المسلمين استهزاء . { فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً } بها لأنهم لم يؤمنوا بها قبل نزولها أو زادتهم خشية .


وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)

{ رِجْساً } إثماً ، أو شكاً ، أو كفراً .


أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)

{ يُفْتَنُونَ } يُبتلون ، أو يضلون ، أو يُختبرون بالجوع والقحط ، أو بالجهاد والغزو في سبيل الله ، أو ما يلقونه من الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم أو ما هتكه الله تعالى من أسرارهم .


لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)

{ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } لم يبقَ من العرب بطن إلا ولده ، أو من المؤمنين لم يصبه شرك ، أو من نكاح لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية ، أو ممن تعرفونه بينكم . { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } شديد عليه ما شق عليكم « ع » أو شديد عليه ما ضللتم ، أو عزيز عليه عنت مؤمنكم . { حَرِيصٌ عَلَيْكُم } أن تؤمنوا . { رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } بما يأمرهم به من الهدى ويؤثره من صلاحهم ، نزلت هذه الآية والتي بعدها بمكة ، أو هما آخر ما نزل « ع » .


فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)

{ فَإِن تَوَلَّوْاْ } عنك ، أو معن طاعة الله تعالى .


الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)

{ الر } أنا الله أرى « ع » أو حروف من الرحمن ، وقيل « الر » و « حم » و « ن » اسم الرحمن مقطع ، أو اسم للقرآن ، أو فواتح افتتح الله تعالى بها القرآن . { تِلْكَ } هذه { ءَايَاتُ الْكِتَابِ } :
تلك خيلي منه وتلك ركابي ... هن صفرٌ أولادها كالزبيب
أي هذه خيلي . { الْكِتَابِ } التوراة والإنجيل ، أو الزبور ، أو القرآن . { الْحَكيمِ } المحكم ، أو لانه كالناطق بالحكمة .


أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2)

{ أَكَانَ لِلنَّاسِ } لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم قالت العرب : الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً فنزلت . { قَدَمَ صِدْقٍ } ثواباً حسناً بما قدموه من العمل الصالح « ع » ، أو سابق صدق سبقت لهم السعادة في الذكر الأول ، أو شفيع صدق هو محمد صلى الله عليه وسلم أو سلف صدق تقدموهم بالإيمان ، أو لهم السابقة بإخلاص الطاعة .


إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)

{ يُدَبِّرُ الأَمْرَ } يقضيه وحده ، أو يأمر به ويمضيه . { مَا مِن شَفِيعٍ } يشفع إلا أن يأذن له ، أو لا يتكلم عنده إلا بإذن ، أو ثانٍ له من الشفع ، لأنه خلق السموات والأرض وهو فرد لا حي معه ، ثم خلق الملائكة والبشر . { مِن بَعْدِ إِذْنِهِ } أمره كن فكان .


إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)

{ يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ } ينشئه ثم يفنيه أو يحييه ثم يميته ثم يبدؤه ثم يحييه .


إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7)

{ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } يخافون عقابنا ، أو يطمعون في ثوابنا .


إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)

{ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } يجعل لهم نوراً يمشون به ، أو يهديهم بعملهم إلى الجنة ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « يتلقى المؤمن عمله في أحسن صورة فيؤنسه ويهديه ، ويتلقى الكافر عمله في أقبح صورة فيوحشه ويضله » أو يهديهم إلى طريق الجنة ، أو مدحهم بالهداية . { مَن تَحْتِهِمُ } تحت منازلهم ، أو بين أيديهم وهم يرونها من علٍ ، قال مسروق : أنهارها تجري في غير أخدود .


دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)

{ دَعْوَاهُمْ } إذا عدوا شيئاً يشتهونه قالوا : { سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ } فيأتيهم ذلك وإذا سألوا الله شيئاً قالوا : { سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ } { وَتَحِيَّتُهُمْ } ملكهم سالم ، التحية : الملك . أو يُحيي بعضهم بعضاً بالسلام أي سلمت مما بُلي به أهل النار . { وَءَاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ } كما أن أول دعائهم { سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ } كان آخره بالحمد له . أو إذا أجاب سؤالهم فيما ادعوه وأتاهم ما اشتهوه شكروا بالحمد له .


وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)

{ وَلَوْ يُعَجِّلُ } للكافر عذاب كفره كما عجل له المال والولد لقضي أجله ليعجل له عذاب الآخرة . أو لو استجيب للرجل إذا غضب فدعا على نفسه أو ماله ، أو ولده فقال : لا بارك الله فيه ، أو أهلكه { لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } لهلكوا . { الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } خاص بمشركي مكة ، أو عام . { طُغْيَانِهِمْ } شركهم « ع » أو ضلالتهم ، أو ظلمهم . { يَعْمَهُونَ } يترددون ، أو يتمادون ، أو يلعبون .


وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)

{ مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ } لجنبه يتعلق بدعانا ، أو بمس .


وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)

{ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } كفار مكة . { بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَذّآ أَوْ بَدِّلْهُ } إذا أتى بغيره جاز أن يبقى معه وإذا بدله فلا يبقى المبدل معه ، طلبوا تحويل الوعد وعيداً والوعيد وعداً والحلال حراماً والحرام حلالاً ، أو طلبوا إسقاط عيب آلهتهم وتسفيه أحلامهم ، أو إسقاط ما فيه من ذكر البعث والنشور . { مَا يُوحَى إِلَىَّ } من وعد ووعيد وأمر ، ونهي وتحليل وتحريم { إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى } بتبديله وتغييره .


قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)

{ أَدْرَاكُم } أعلمكم ، أو أنذركم . { عُمُراً } أراد ما تقدم من عمره ، أو أربعين سنة ، لأنه بُعث عن الأربعين ، وهو المطلق من عمر الإنسان .
{ أَتُنَبِِّئُونَ اللَّهَ } أتخبرونه بعبادة من لا يعلم ما في السموات ولا ما في الأرض ، أو ليس يعلم الله له شريكاً .


وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)

{ وَمَا كَانَ النَّاسُ } آدم عليه الصلاة والسلام ، أو أهل السفينة ، أو من كان على عهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام أو بنو آدم . { أُمَّةً وَاحِدَةً } على الإسلام حتى اختلفوا « ع » ، أو على الكفر ، أو على دين واحد فاختلفوا في الدين فمؤمن وكافر ، أو اختلف بنو آدم لما قتل قابيل أخاه . { سَبَقَتْ } بتأجيل العذاب إلى الآخرة ، لعجل العذاب في الدنيا ، أو بأن لا يعاجل العصاة { لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ } وباضطرارهم إلى معرفة المحق من المبطل .


وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)

{ رَحْمَةً } رخاء بعد شدة ، أو عافية بعض سقم ، أو خصابة بعد جدب ، أو إسلاماً بعد كفر ، وهو المنافق ، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه { مَّكْرٌ } كفر وجحود ، أو استهزاء وتكذيب ، لما أجيب دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بسبع كسبع يوسف عليه الصلاة والسلام أتاه [ أبو سفيان ] وسأله أن يدعو لهم بالخصب وقال : إن أجابك وأخصبنا صدقناك ، فدعا بذلك فأخصبوا فنقضوا ما قالوه وأقاموا على كفرهم فنزلت هذه الآية .


إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)

{ حَصِيداً } ذاهباً ، أو يابساً . { تَغْنَ } تعمر أو تعيش ، أو تقم غني بالمكان : أقام به ، أو تنعم .


وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)

{ دَارِ السَّلامِ } السلامة ، أو اسم الله تعالى والجنة داره . { وَيَهْدِى } بالتوفيق والإعانة ، أو بإظهار الأدلة . { صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } القرآن ، أو الإسلام ، أو الحق ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحباه رضي الله تعالى عنهما من بعده .


لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)

{ أَحْسَنُواْ } عبادة ربهم { الْحُسْنَى } الجنة ، والزيادة : النظر إلى الله تعالى ، أو الحسنى واحدة الحسنات والزيادة مضاعفتها إلى عشرة « ع » ، أو الحسنى حسنة بحسنة ، والزيادة : مغفرة ورضوان ، أو الحسنى : جزاء الآخرة ، والزيادة : ما أعطوا في الدنيا ، أو الحسنى : الثواب والزيادة : الدوام . { يَرْهَقُ } يعلو ، أو يلحق ، غلام مراهق : لحق بالرجال . { قَتَرٌ } سواد الوجه « ع » ، أو الجزاء ، أو الدخان ، قتار اللحم والعود دخانهما ، أو الغبار في محشرهم إلى الله . { ذِلَّةٌ } هوان أو خيبة .


هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)

{ تتلو } تقرأ كتاب الحسنات والسيئات ، أو تتبع ما قدمته في الدنيا ، أو تعاين جزاءه { تَبْلُواْ } تسلم لك نفس ، أو تختبر { مَوْلاهُمُ } مالكهم { الْحَقِّ } لأن الحق منه كالعدل لأنه العدل منه .


وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36)

{ إِلاَّ ظَنّاً } تقليداً للرؤساء .


وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37)

{ تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ } من التوراة والإنجيل والزبور أو البعث والجزاء والنشور .


بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)

{ بِعِلْمِهِ } بعلم التكذيب لشكهم فيه ، أو بعلم ما فيه من الوعد والوعيد . { تَأْوِيلُهُ } ما فيه من البرهان ، أو ما يؤول إليه من عقابهم .


وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45)

{ لَّمْ يَلْبَثُواْ } في الدنيا ، أو القبور . { يَتَعَارَفَونَ } أنهم كانوا على الباطل ، أو يعرف بعضهم بعضاً إذا خرجوا من القبور ثم تنقطع المعرفة .


وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47)

{ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ } يوم القيامة ليشهد عليهم قضي بينهم ، أو إذا جاء في الدنيا ودعا عليهم قضي بينهم في الدنيا بالانتقام منهم ، أو إذا جاء في الآخرة قضي بينهم وبينه لتكذيبهم في الدنيا .


وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53)

{ أَحَقٌ هُوَ } البعث ، أو عذاب الآخرة . { بِمُعْجِزِينَ } بممتنعين ، أو بمسابقين .


وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54)

{ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ } أظهروها ، أو أخفوها من رؤسائهم ، أو أخفاها الرؤساء منهم ، أو بدت بالندامة أسرة وجوههم ، وهي تكاسير الجبهة قاله المبرد . { وَقُضِىَ بَيْنَهُم } وبين الرؤساء ، أو قضي عليهم بالعذاب .


قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)

{ بِفَضْلِ اللَّهِ } الإسلام . ورحمته : القرآن ، أو عكسه « ع » { فَلْيَفْرَحُواْ } بهما ، أو فلتفرح قريش أن كان محمد صلى الله عليه وسلم منهم « ع » .


أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)

{ أَوْلِيَآءَ اللَّهِ } أهل ولايته المستحقون لكرامته « ع » ، أو الذين آمنوا وكانوا يتقون ، أو الراضون بالقضاء والصابرون على البلاء والشاكرون على النعماء ، أو من توالت أفعالهم على متابعة الحق ، أو المتحابون في الله تعالى .


لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)

{ الْبُشْرَى } في الدنيا عند الموت بتعريف مكانه وفي الآخرة الجنة ، أو في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها ، أو تُرى له وفي الآخرة الجنة ، { لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ } لا خلف لوعده ، أو لا نسخ لخبره .


وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71)

{ فَأَجْمِعُواْ } أعزموا ، أو أعدوا أمركم مع شركائكم على التناصر ، أو ادعوا شركاءكم لتنصركم . { غُمَّةً } مغطى مستوراً ، غُم الهلال استتر ، أو ضيق الأمر الموجب للغم { لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ } آلهتكم ، أو ما عزمتم عليه . { اقْضُواْ } ما أنتم قاضون ، أو انهضوا « ع » ، أو أفضوا إليَّ ما في أنفسكم .


فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)

{ وَمَن مَّعَهُ } ثمانون رجلاً أحدهم جُرْهم وكان عربي اللسان ، وحمل من كل زوجين اثنين ، وأول ما حمل الذرة وآخره الحمار فدخل إبليس متعلقاً بذنبه « ع » . { خَلآئِفَ } لمن غرق . { وَأَغْرَقْنَا } قيل : عاشوا في الطوفان أربعين يوماً ، قال ابن إسحاق : بقي الماء بعد الغرق مائة وخمسين يوماً ، وكان بين إرسال الطوفان إلى غيض الماء ستة أشهر وعشرة أيام ، وقال : استوت على الجودي لسبع عشرة ليلة من الشهر السابع .


قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78)

{ لِتَلْفِتَنَا } لتلوينا ، لفت عنقه لواها ، أو لتصدنا ، أو لتصرفنا ، لفته لفتاً : صرفه . { الْكِبْرِيَآءُ } الملك ، أو العظمة ، أو العلو ، أو الطاعة .


فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83)

{ ذُرِّيَّةٌ } قليل « ع » ، أو الغلمان لأن فرعون كان يذبحهم فأسرعوا إلى الإيمان أو أولاد الزَّمْنَى ، أو قوم أمهاتهم من بني إسرائيل وآباءهم من القبط { يَفْتِنَهُمْ } يقتلهم ، أو يكرههم على استدامة ما هم عليه . { لَعَالٍ } متجبر ، أو طاغْ باغٍ .


فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85)

{ فِتْنَةً } لا تسلطهم علينا فيفتنونا ، أو يفتتنوا بنا لظنهم بتسليطهم أنهم على حق .


وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)

{ تَبَوَّءَا } تخيرا واتخذا { بِمِصْرَ } المعروفة ، أو الإسكندرية ، قاله مجاهد { بُيُوتاً } قصوراً ، أو مساجد . { بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً } مساجد يصلون فيها ، لأنهم كانوا يخافون فرعون إذا صلوا في الكنائس ، أو اجعلوا مساجدكم [ قِبلَ ] الكعبة « ع » ، أو يقابل بعضها بعضاً ، أو اجعلوا بيوتكم التي بالشام قِبْلة لكم في الصلاة فهي قبلة اليهود إلى اليوم { وَبَشِّرِ الْمؤْمِنِينَ } بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة .


وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88)

{ اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ } اهلكها ، فصارت زروعهم وأموالهم حجارة منقوشة . { وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ } بالعمى عن الرشد ، أو بالقسوة ، أو بالموت ، أو بالضلالة ليهلكوا كفاراً فيعذبوا في الآخرة . { الْعَذَابَ الأَلِيمَ } الغرق .


قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)

{ دَّعْوَتُكُمَا } أمن هارون على دعاء موسى عليهما الصلاة والسلام فسماه داعياً ، ومعنى آمين : اللهم استجب ، أو اسم من أسماء الله تعالى بإضمار حرف النداء تقديره يا آمين استجب ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : « آمين خاتم رب العالمين على عبادة المؤمنين » أي يمنع من وصول الأذى والضرر إليهم كما يمنع الختم من الوصول إلى المختوم ، أو معناه بعد الدعاء اللهم استجب وبعد الفاتحة كذلك أمنة تكون « ع » ، وتأخر فرعون بعد الإجابة أربعين عاماً . { فَاسْتَقِيمَا } فامضيا لأمري فخرجا في قومهما ، أو فاستقيما في الدعاء على فرعون وقومه ، قيل ليس لنبي أن يدعو إلا بإذن لأن دعاءه يوجب النقمة وقد يكون فيهم من يتوب .


فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)

{ نُنَجِّيكَ } نُلقيك على نجوة وهي المكان المرتفع . { بِبَدَنِكَ } بجسدك لا روح فيه ، أو بدرعك وكانت من حديد يُعرف بها ، وكان من تخلف من قومه ينكر غرقه ، فرمي به على الساحل فرآه بنو إسرائيل ، وكان قصيراً أحمر كأنه ثور . { خَلْفَكَ } بعدك عبرة وموعظة .


وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93)

{ مُبَوَّأَ صِدْقٍ } لأنه كالصدق في الفضل ، أو تصدق به عليهم ، الشام وبيت المقدس ، أو الشام ومصر . { فَمَا اخْتَلَفُواْ } بنو إسرائيل في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم { حَتَّى جَآءَهُمُ الْعِلْمُ } القرآن ، أو محمد صلى الله عليه وسلم فيكون العلم بمعنى المعلوم لأنهم عرفوه من كتبهم .


فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94)

{ فِى شَكٍّ } من إرسالك ، أو من أنك مكتوب في التوراة والإنجيل { الَّذِينَ يَقْرَءُونَ } أهل الصدق والتقوى منهم ، أو من آمن كعبد الله بن سلام ، خوطب به الرسول صلى الله عليه وسلم والمراد أمته ، أو على عادتهم في التنبيه على أسباب الطاعة كقول الوالد لولده : إن كنت ولدي فبرني ، والسيد لعبده : إن كنت عبدي فأطعني ، ولا يشك في ولده أو عبده ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : « لا أشك ولا أسأل » .


فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98)

{ فَلَوْلا كَانَتْ } أي لم تؤمن قرية بعد أن حقت عليهم كلمة ربك . { قَوْمَ يُونُسَ } أهل نينوى من بلاد الموصل وعدهم يونس عليه الصلاة والسلام بالعذاب بعد ثلاث ، فقالوا : انظروا فإن خرج يونس فوعيده حق فلما خرج فزعوا إلى شيخ منهم ، فقال : توبوا وقولوا يا حي حين لا حي ، ويا حي محيي الموتى ، ويا حي لا إله إلا أنت ، فلبسوا المُسُوح ، وفرقوا بين كل والدة وولدها وخرجوا عن القرية تائبين داعين فكشف عنهم ، وكان ذلك يوم عاشوراء . { كَشَفْنَا } حصوله بقبوله التوبة بعد رؤية العذاب فكشف عنهم بعد أن تدلى عليهم ولم يكن بينه وبينهم إلا ميل ، أو رأوا دلائل العذاب ولم يروه ، ولو رأوه لما قبلت توبتهم كفرعون . { حِينٍ } أجلهم ، أو مصيرهم إلى الجنة أو النار « ع » .


وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100)

{ بِإِذْنِ اللَّهِ } بأمره ، أو معونته ، أو إعلامه إياها سبيل الهدى والضلال . { الرِّجْسَ } السخط « ع » ، أو الإثم ، أو العذاب ، أو ما لا خير فيه ، أو الشيطان .


وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105)

{ أَقِمْ وَجْهَكَ } استقم بإقبال وجهك على ما أُمرت به ، أو أراد بالوجه النفس . { حَنِيفاً } حاجاً « ع » ، أو متبعاً أو مستقيماً ، أو مخلصاً ، أو مؤمناً بالرسل ، أو سابقاً إلى الطاعة ، من حنف الرِّجْلَيْن وهو أن تسبق إحداهما الأخرى .


قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108)

{ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ } القرآن ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم .


الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)

{ كِتَابٌ } القرآن ، { أُحْكِمَتْ ءَايَاتُهُ } بالأمر والنهي { ثُمَّ فُصِّلَتْ } بالثواب والعقاب ، أو أُحكمتم من الباطل ثم فُصِّلت بالحلال والحرام والطاعة والمعصية ، أو آيات هذه السورة كلها محكمة ، { فُصِّلَتْ } فُسِّرت ، أو أُحكمت آياته للمعتبرين وفُصِّلت للمتقين ، أو أُحكمت آياته في القلوب وفُصِّلت أحكامه على الأبدان . { حَكِيمٍ } في أفعاله { خَبِيرٍ } بمصالح عباده ، أو حكيم فيما أنزل خبير بمن يتقبل .


أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)

{ أَلاَّ تَعْبُدُواْ } يعني أن كتبت في الكتاب أن لا تعبدوا إلا الله ، أو أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول ذلك . { نَذِيرٌ } من النار { وَبَشِيرٌ } بالجنة .


وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)

{ وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } مما سلف ثم توبوا إليه في المستأنف متى وقعت منكم ذنوب ، أو قدّم الاستغفار ، لأنه المقصود وأخّر التوبة لأنها سبب إليه . { مَّتَاعاً حَسَناً } في الدنيا بطيب النفس وسعة الرزق ، أو بالرضا بالميسور والصبر على المقدور ، أو بترك الخلق والإقبال على الحق قاله سهل رضي الله تعالى عنه { أَجَلٍ مُّسَمًّى } الموت ، أو القيامة ، أو وقت لا يعلمه إلا الله تعالى « ع » { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِى فَضْلٍ فَضْلَهُ } يهديه إلى العمل الصالح « ع » ، أو يجزيه به في الآخرة . { كَبِيرٍ } يوم القيامة لكبر الأمور فيه .


أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)

{ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } على الكفر { لِيَسْتَخْفُواْ } من الله تعالى أو على عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم ليخفوها عنه ، أو على ما أضمروه ليخفوه على الناس ، أو كان المنافقون إذا مروا بالرسول صلى الله عليه وسلم غطوا رؤوسهم وحنوا صدورهم لئلا يراهم أو قال رجل إذا أغلقت بابي وأرخيت ستري وتغشيت ثوبي وثنيت صدري فمن يعلم بي فأخبر الله تعالى بذلك . { يَسْتَغْشُونَ } يلبسون ويتغطون ، قال :
أرعى النجوم ما كلفت رِعْيَتَها ... وتارة أتغشى فضل أطماري
كنى باستغشاء الثياب عن الليل ، لأنه يسترهم بظلمته كما يستترون بالثياب وكانوا يخفون أسرارهم ليلاً ، أو كانوا يغطون وجوههم وآذانهم بثيابهم بغضاً للرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا يروه ولا يسمعوا كلامه ، أو أراد المنافقين لأنهم لسترهم ما في قلوبهم كالمستغشي ثيابه ، أو كان قوم من المسلمين يتنكسون بستر أبدانهم فلا يكشفونها تحت السماء فبيّن الله تعالى أن النسك بالاعتقاد والعمل . { مَا يُسِرُّونَ } في قلوبهم { وَمَا يُعْلِنُونَ } بأفواههم ، أو ما يسرون الإيمان وما يعلنون العبادات ، أو ما يسرون عمل الليل ، وما يعلنون عمل النهار « ع » { بِذَاتِ الصُّدُورِ } بأسرارها ، نزلت في الأخنس بن شريق « ع » .


وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)

{ مُسْتَقَرَّهَا } حيث تأوي { وَمُسْتَوْدَعَهَا } حيث تموت أو مستقرها الرحم ومستودعها الصلب ، أو مستقرها في الدنيا ومستودعها في الآخرة .


وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)

{ أَحْسَنُ عَمَلاً } أتم عقلاً ، أو أزهد في الدنيا ، أو أكثر شكراً ، أو أحسن عقلاً وأروع عن محارم الله ، وأسرع في طاعته ، قاله الرسول صلى الله عليه وسلم .


وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8)

{ أُمَّةٍ } فناء أمة ، أو الأجل عند الجمهور ، الأُمَّة : الأجل . { مَا يَحْبِسُهُ } أي العذاب ، قالوا ذلك تكذيباً له لتأخره ، أو استعجالاً واستهزاء .


أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)

{ بَيِّنَةٍ } القرآن ، أو دلائل التوحيد ووجوب الطاعة ، أو محمد صلى الله عليه وسلم { شَاهِدٌ مِّنْهُ } لسانه يشهد له بتلاوة القرآن ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم شاهد من الله تعالى أو جبريل عليه السلام « ع » أو قال علي رضي الله عنه ما في قريش أحد إلا وقد نزلت فيه آية قيل : فما نزل فيك قال : « ويتلوه شاهد منه » { قَبْلِهِ } الضمير للقرآن ، أو للرسول صلى الله عليه وسلم { إِمَاماً } للمؤمنين لاقتدائهم به { وَرَحْمَةً } لهم ، أو إماماً متقدماً علينا ورحمة لهم . { أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } أي من كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه { الأَحْزَابِ } أهل الأديان كلها ، أو المتحزبون على الرسول صلى الله عليه وسلم وحربه؛ قريش ، أو اليهود والنصارى ، أو أهل الملل كلها . { مَوْعِدُهُ } مصيره . { فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ } من القرآن ، أو من أن النار موعد الكافرين به .


وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)

{ كَذِباً } بأن ادعى إنزال ما لم ينزل عليه ، أو نفى ما أنزل عليه . { يُعْرَضُونَ } يشحرون إلى موقف الحساب . { الأَشْهَادُ } الأنبياء ، أو الملائكة ، أو الخلائق ، أو الأنبياء والملائكة والمؤمنون والأجساد ، الأشهاد : جمع شهيد كشريف وأشراف ، أو جمع شاهد كصاحب وأصحاب .


الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)

{ الَّذِينَ يَصُدُّونَ } قريش صدوا الناس عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عن الدين « ع » . { وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } يرجون بمكة غير الإسلام ديناً ، أو يبغون محمداً هلاكاً ، أو يتأولون القرآن تأويلاً باطلاً .


لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)

{ لا جَرَمَ } لا بد ، أو « لا » صلة ، جرم : حقاً ، أو لا نفي لدفع العذاب عنهم ، ثم استأنف جرم بمعنى كسب أي كسبوا استحقاق النار ، قال :
نصبنا رأسه في رأس جذع ... بما جرمت يداه وما اعتدينا


إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)

{ وَأَخْبَتُواْ } خافوا « ع » ، أو اطمأنوا ، أو أنابوا ، أو خشعوا وتواضعوا ، أو أخلصوا .


فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27)

{ أَرَاذِلُنَا } جمع أََرْذُل ، وأَرْذُل جمع رَذْل وهو الحقير يعنون الفقراء وأصحاب الصنائع الدنيئة . { بَادِىَ الرَّأْىِ } ظاهره ، أي إنك تعمل بأول الرأي من غير فكر ، أو إنما في نفسك من الرأي ظاهر تعجيزاً له ، أو اتبعوك بأول الرأي ولو فكروا لرجعوا عن اتباعك .


قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)

{ بَيِّنَةٍ } ثقة ، أو حجة { رَحْمَةً } إيماناً ، أو نبوة « ع » . { فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ } البينة خفيت فعميتم عنها ، أراد بذلك بيان تفضيله عليهم لما قالوا { وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلِ } . { أَنُلْزِمُكُمُوهَا } البينة ، أو الرحمة . { كَارِهُونَ } أي لا يصح قبولكم لها مع الكراهية ، وقال قتادة : لو استطاع نبي الله صلى الله عليه وسلم لألزمها قومه ، ولكنه لم يملك ذلك .


وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29)

{ تَجْهَلُونَ } أنهم أفضل منكم لإيمانهم وكفركم ، أو لاسترذالكم وطلب طردهم .


وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)

{ خَزَآئِنُ اللَّهِ } الأموال فأدفعها إليكم على إيمانكم ، أو الرحمة فأسوقها إليكم « ع » . { تَزْدَرِى } تحتقر ، أزريت عليه عِبْته ، وزريت عليه حقَّرته .


أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)

{ افْتَرَاهُ } أي النبي صلى الله عليه وسلم اختلق ما أخبر به عن نوح وقومه . { إِجْرَامِى } عقاب إجرامي وهي الذنوب المكتسبة أو الجنايات المقصودة .


وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)

{ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ } لما أخبره بذلك قال : { لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض } الآية [ نوح : 26 ] { تَبْتَئِسْ } تحزن ، أو تأسف ، والابتئاس حزن في استكانة ، لا تحزن لهلاكهم ، أو كفرهم المفضي إلى هلاكهم .


وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37)

{ بِأَعْيُنِنَا } بحيث نراك فعبّر عن الرؤية بالأعين لأنها بها تكون ، أو بحفظنا إياك حفظ من يراك ، أو أعين أوليائنا من الملائكة . { وَوَحْيِنَا } أمْرُنا بصنعتها ، أو بتعليمنا لك صنعتها .


وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38)

{ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ } مكث مائة سنة يغرس الشجر ويقطعها وييبسها ، ومائة سنة يعملها ، وكان طولها ألفاً ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع وكانت مطبقة ، أو طولها أربعمائة ذراع ، وعلوها ثلاثون ذراعاً وعرضها خمسون ذراعاً وكانت ثلاث أبيات ، أو طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها مائة وخمسون ذراعاً ، وعلوها ثلآثين ذراعاً في أعلاها الطير وفي أوسطها الناس وفي أسفلها السباع ، ودفعت من عين ودة يوم الجمعة لعشر مضين من رجب ، ورست بباقردى على الجودي يوم عاشوراء ، وكان بابها في عرضها . { سَخِرُواْ مِنْهُ } لما رأوه يصنعها في البر ، قالوا : صِرت بعد النبوة نجاراً ، أو لم يكونوا رأوا قبلها سفينة فقالوا ما تصنع قال : بيتاً يمشي على الماء فسخروا منه . { إِن تَسخَرُواْ } من قولنا فسنسخر من غفلتكم ، أو إن تسخروا منا اليوم عند بناء السفينة فإنا نسخر منكم غداً عند الغرق ، سمى جزاء السخرية باسمها ، أو عبّر بها عن الاستجهال .


حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)

{ التَّنُّورُ } وجه الأرض ، تسمي العرب وجه الأرض تنوراً ، أو التنور عين وردة التي بالجزيرة ، أو مسجد الكوفة قبل أبواب كندة ، أو التنور ما زاد على الأرض فأشرف منها ، أو تنور الخبز ، قال الحسن رضي الله تعالى عنه كان من حجارة وكان لحواء وصار لنوح عليه الصلاة والسلام ، أو التنور تنوير الصبح قالوا : نور الصبح تنويراً . { زَوْجَيْنِ } من الآدميين والبهائم ذكراً وأنثى . { مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ } من الله بالهلاك ابنه كنعان وامرأته كانا كافرين { قَلِيلٌ } ثمانون رجلاً منهم جرهم ، أو سبعة نوح وأولاده سام وحام ويافث [ وثلاث كنات له ] ، أو السبعة وزوجته فصاروا ثمانية ، فأصاب حام امرأته في السفينة فدعا نوح عليه الصلاة والسلام أن يغير الله تعالى نطفته فجاءوا سودان ، ولما نزل يوم عاشوراء من السفينة قال : من كان صائماً فليتم صومه ومن لم يكن صائماً فليصم .


وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)

{ بْسمِ اللَّهِ مَجْراهَا } سَيْرُها { وَمُرْسَاهَا } ثبوتها ووقوفها ، كان إذا أراد السير قال : بسم الله مجراها فتسير ، وإذا أراد الوقوف قال : بسم الله مرساها فتقف .


قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)

{ سَئَاوِى إِلَى جَبَلٍ } قال ذلك لبقائه على كفره تكذيباً لأبيه ، قيل الجبل طور زيتاً . { عَاصِمَ } معصوم من الغرق . { إِلاَّ مَن رَّحِمَ } الله تعالى فأنجاه من الغرق ، أو إلا من رحمه نوح عليه الصلاة والسلام فحمله في السفينة .


وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)

{ ابْلَعَى مَآءَكِ } بلعت ماءها وماء السماء ، أو ماءها وحده وصار ماء السماء بحاراً وأنهاراً ، لأنه قال : { ابْلَعِى مَآءَكِ } ، { أَقْلِعِى } عن المطر ، أقلع عن الشيء تركه . { وَغِيضَ الْمَآءُ } نقص فذهبت زيادته عن الأرض . { وَقُضِىَ الأَمْرُ } بإهلاكهم بالغرق . { الْجُودِىِّ } جبل بالموصل ، أو الجزيرة ، أو اسم لكل جبل .


قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)

{ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } ولد على فراشه لغير رشدة ، أو كان ابن امرأته ، أو كان ابنه وما بغت امرأة نبي قط « ع » فقوله : { لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } أي أهل دينك وولايتك عند الجمهور ، أو من أهلك الذين وعدتك بإنجائهم . { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } سؤالك أياي أن أنجيه ، أو إن ابنك عمل غير صالح لغير رشدة ، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه ، أو إن ابنك عَمِل عملاً غيرَ صالح « ع » . { أَعِظُكَ } أحذرك أو أرفعك .


وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)

{ مِدْراراً } المطر في إبانه ، أو المتتابع « ع » { قُوَّةً } شدة إلى شدتكم أو خصباً إلى خصبكم ، أو عزاً إلى عزكم بكثرة عددكم وأموالكم أو ولد الولد .


إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)

{ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } الحق ، أو تدبير محكم .


وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)

{ مِّنَ الأَرْضِ } في الأرض ، أو خلقهم من آدم عليه الصلاة والسلام وآدم من ترابها . { وَاسْتَعْمَرَكُمْ } أبقاكم فيها مدة أعماركم من العمر ، أو أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه من مسكن وغرس أشجار أو أطال أعماركم؛ كانت أعمارهم من ألف إلى ثلاثمائة سنة .


قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62)

{ مَرْجُوّاً } يرجى خيرك ، أو حقيراً من الإرجاء والتأخير .


قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63)

{ بَيِّنَةٍ } دين . { رَحْمَةً } نبوة وحكمة . { فَمَا تَزِيدُونَنِى } في احتجاجكم باتباع آبائكم إلا خساراً تخسرونه أنتم ، أو ما تزيدونني على الرد والتكذيب إن أطعتكم إلا خساراً لاستبدال الثواب العقاب .


وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67)

{ الصَّيْحَةُ } صيحة جبريل عليه السلام ، أو أحدثها الله تعالى في حيوان ، أو في غير حيوان . { دِيَارِهِمْ } منازلهم وبلادهم كديار بكر وربيعة ، أو في الدنيا لأنها دار الخلائق . { جَاثِمِينَ } ميتين ، أو هلكى بالجثوم ، وهو السقوط على الوجه ، أو القعود على الرُّكَب .


كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)

{ يَغْنَوْاْ } يعيشوا ، أو ينعموا . { كَفَرُواْ } وعيد ربهم ، أو بأمر ربهم . { بُعْداً } قضى بالاستئصال فهلكوا جميعاً إلا بأ رغال كان بالحرم فمنعه الحرم من العذاب .


وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)

{ رُسُلُنَآ } رسلنا جبريل وميكائيل وإسرافيل واثنا عشر ملكاً مع جبريل « ع » و { إِبْرَاهِيمَ } أعجمي عند الأكثرين ، أو عربي من البرهمة وهي إدامة النظر . { بِالْبُشْرَى } بإسحاق عليه الصلاة والسلام أو النبوة ، أو بإخراج محمد صلى الله عليه وسلم من صلبه وأنه خاتم الأنبياء ، أو بهلاك قوم لوط . { سَلاماً } حيوه فرد عليهم ، أو قالوا : سلمت أنت وأهلك من هلاك قوم لوط ، قوله : سلام : أي الحمد لله الذي سلمني ، والسِّلْم والسَّلام واحد أو السِّلْم من المسالمة والسَّلام من السلامة . { فَمَا لَبِثَ } مدحه بالإسراع بالضيافة لأنه ظنهم . ضيوفاً لمجيئهم على صور الناس . { حَنِيذٍ } حار ، أو مشوي نضيجاً بمعنى محنوذ كطبيخ ومطبوخ ، وهو الذي حُفر له في الأرض ثم غُم فيها ، أو الذي تجعل الحجارة المحماة بالنار في جوفه ليسرع نضاجه .


فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70)

{ نَكِرَهُمْ } نَكِر وأنكر واحد ، أو نَكِر إذا لم يعرفهم وأنكرهم وجدهم على منكر . ونكرهم لأنهم [ لم ] يتحرموا بطعامه وشأن العرب إذا لم يتحرم بطعامهم أن يظنوا السواء ، أو نكرهم لأنه لم يكن لهم أيدي . { وَأَوْجَسَ } أضمر . { إِنَّآ أُرْسِلْنَآ } أعلموه بذلك ليأمن منهم ، أو لأنه كان يأتي قوم لوط فيقول وَيْحكم أنهاكم عن الله تعالى أن تتعرضوا لعقوبته فلا يطيعونه .


وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)

{ قَآئِمَةٌ } تصلي ، أو في خدمتهم ، أو من وراء الستر تسمع كلامهم . { فَضَحِكَتْ } حاضت يقولون : ضحكت المرأة إذا حاضت . والضحك في كلامهم : الحيض وافق ذلك عادتها ، أو لذعرها وخوفها تغيرت عادتها ، أو ضحكت : تعجبت سمي به لأنه سبب له ، عجبت من أنها وزوجها يخدمانهم إكراماً وهم لا يأكلون ، أو من مجيء العذاب إلى قوم لوط وهم غافلون ، أو من مجيء الولد مع كبرها وكبر زوجها ، أو من إحياء العجل الحنيذ ، لأن جبريل عليه السلام مسحه بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه وكانت أمه في الدار أو هو الضحك المعروف قاله الجمهور ، ضحكت سروراً بالولد ، أو بالسلامة ، أو لِما رأت بزوجها من الروع ، أو ظناً أن الرسل يعملون عمل قوم لوط . { وَرَآءِ } بعد ، أو الوراء ولد الولد « ع » ، وخصوها بالبشرى لما اختصت بالضحك ، أو كافؤوها بذلك استعظاماً لخدمتها ، أو لأن المرأة أفرح بالولد من الرجل .


قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)

{ يَاوَيْلَتَى } لم تدع بالويل ولكنها كلمة تخف على ألسنة النساء عند تعجبهن ، استغربت مجيء ولد من عجوز لها تسع وتسعون سنة ، وشيخ له مائة سنة ، أو لها تسعون ، وله مائة وعشرون . { بَعْلِى شَيْخاً } قيل عرَّضت بذلك عن ترك غشيانه لها ، والبعل السيد والبعل المعبود ، وسمي الزوج بعلاً لتطاوله على المرأة كتطاول السيد على المسود . { عَجِيبٌ } منكر . { وعجبوا أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ } [ ص : 4 ] .


قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)

{ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } أنكروا ما قالته استغراباً لا تكذيباً وإنكاراً .


فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74)

{ الرَّوْعُ } الفزع والرُّوع : النفس « ألقى في رُوعي » { يُجَادِلُنَا } بقوله : إن فيها لوطاً ، أو سأل هل يعذبونهم استئصالاً ، أو على سبيل التخويف ليؤمنوا ، أو قال : أتعذبونهم إن كان فيهم خمسون من المؤمنين قالوا : لا ، قال : أربعون قالوا : لا ، فما زال حتى نزلهم على عشرة فقالوا : لا ، فذلك جداله ، ولم يؤمن به إلا ابنتاه .


وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)

{ سِىءَ بِهِمْ } ساء ظنه بقومه وضاق ذرعاً بأضيافه ، { عَصِيبٌ } شديد لأنه يعصب الناس بالشر ، خاف على الرسل أن يفضحهم قومه .


وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78)

{ يُهْرَعُونَ } الإهراع الإسراع بين الهرولة والجمز قال : الكسائي والفراء : ولا يكون إلا مع رعدة ، أسرعوا لما أعلمتهم امرأة لوط بجمال الأضياف . { وَمِن قَبْلُ } إسراعهم كانوا ينكحون الذكور ، أو كانت اللوطية فيهم في النساء قبل كونها في الرجال بأربعين سنة . { بَنَاتِى } نساء الأمة ، أو لصلبه لجوازه في شريعته وكان ذلك في صدر الإسلام ثم نسخ ، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه ، أو على شرط الإيمان كان يشترك العقد ، أو رغبهم بذلك في الحلال دفعاً لبادئتهم لا أنه بذل نكاحهن ولا عرض بخطبتهن . { وَلا تُخْزُونِ } تذلوني بعار الفضيحة ، أو تهلكوني بعواقب فسادكم ، أو أراد الحياء ، خزي الرجل : استحيا { رَّشِيدٌ } مؤمن « ع » ، أو آمر بالمعروف ناهٍ عن المنكر ، تعجب من اتفاقهم على المنكر ، وأراد بالرشيد من يدفع عن أضيافه .


قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79)

{ مِنْ حَقٍّ } حاجة ، أو لَسْن لنا بأزواج ، { مَا نُرِيدُ } من الرجال ، أو بألا نتزوج إلا بواحد وليس منا إلا من له امرأة .


قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)

{ قُوَّةً } أنصاراً ، قال « ع » : أراد الولد . { رُكْنٍ شَدِيدٍ } عشيرة مانعة فوجدت عليه الرسل ، وقالوا : إن ركنك لشديد . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : « رحم الله تعالى لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد » ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : « فما بعث الله تعالى بعده نبياً إلا في ثروة من قومه »


قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)

{ رُسُلُ رَبِّكَ } وقف على الباب ليمنعهم من الأضياف فلما أعلموه أنهم رسل مكنهم من الدخول ، وطمس جبريل عليه السلام أعينهم وغل أيديهم فجفت . { فَأَسْرِ } السرى : سير الليل وسرى وأسرى واحد ، أو أسرى من أول الليل وسرى من آخره ، ولا يقال في النهار إلا سار . { بِقِطْعٍ } سواد ، أو نصف الليل من قطعه بنصفين ، أو السحر الأول أو قطعه « ع » . { وَلا يَلْتَفِتْ } لا يتخلف « ع » أو لا ينظر وراءه ، أو لا يشتغل بما خلفه من مال ومتاع . { امْرَأَتَكَ } بالنصب استثناء من « فأسر » ، أو من « لا يلتفت » عند من رفع بدل من « أحد » . { مُصِيبُهَا } خرجت مع لوط من القرية فسمعت الصوت فالتفتت فأرسل عليها حجر فأهلكها . { مَوْعِدَهُمُ } لما علم أنهم رسل قال : فالآن إذن ، فقال جبريل عليه السلام إن موعدهم الصبح .


فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82)

{ جَآءَ أَمْرُنَا } للملائكة ، أو وقوع العذاب بهم ، أو القضاء بعذابهم . { عَالِيَهَا } صعد بها جبريل عليه السلام على جناحه حتى سمع اهل السماء نباح كلابهم وأصوات دجاجهم ثم قلّبها وجعل عاليها سافلها وأتبعها الحجارة حتى أهلكها وما حولها ، وكن خمس قوى أعظمهن سدوم ، أو ثلاث قرى يقال لها سدوم بين المدينة والشام ، وكان فيها أربعة آلاف ألف . { سِجِّيلٍ } حجارة صلبة ، أو مطبوخة ، حتى صارت كالأرحاء ، أو من جهنم واسمها سجين فقلبت النون لاماً ، أو من السماء واسمها سجيل ، أو من السجل وهو الكتاب كتب الله تعالى عليها أن يعذب بها ، أو سجيل مرسل من السجل وهو الإرسال أسجلته أرسلته ، والدلو سجيل لإرساله ، أو من السجل وهو العطاء سجلت له سجلاً من العطاء كأنهم أعطوا البلاء إذراراً ، او فارسي معرب من سنك وهو الحجر وكل وهو الطين . { مَّنضُودٍ } نضد بعضه على بعض ، أو مصفوف .


مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)

{ مُّسَوَّمَةً } معلمة ببياض في حمرة « ع » ، أو مختمة على كل حجر أسم صاحبه . { عِندَ رَبِّكَ } في علمه ، أو في خزائنه لا يتصرف فيها سواه { الظَّالِمِينَ } من قريش ، أو العرب ، أو ظالمي هذه الأمة ، أو كل ظالم . وأمطرت الحجارة على المدن حين رفعها ، أو على من كان خارجاً عنها من أهلها .


وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84)

{ مَدْيَنَ } بنو مدين بن إبراهيم كمضر لبني مضر ، أو مدين مدينتهم نسبوا إليها ثم اقتصر على اسمها تخفيفاً ، وهو أعجمي ، أو عربي من مَدَنَ بالمكان أقام فيه عند من زعم أنه اسم المدينة ، أو من دنت أي ملكت بزيادة الميم عند من جعله اسم رجل . { شُعَيْباً } تصغير شعب وهو الطريق في الجبل ، أو القبيلة العظيمة ، أو من شعب الإناء المكسور . { بخَيْرٍ } رخص السعر « ع » ، أو المال وزينة الدنيا . { يَوْمٍ مُّحِيطٍ } غلاء السعر « ع » أو عذاب النار في الآخرة ، أو الاستئصال في الدنيا .


بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86)

{ بَقِيَّتُ } رزقه ، أو طاعته ، أو وصيته ، أو رحمته ، أو حظكم منه ، أو ما أبقاه لكم بعد إيفاء الكيل والوزن .


قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)

{ أَصَلاتُكَ } المعروفة ، أو قراءتك ، أو دينك الذي تتبعه ، أصل الصلاة الاتباع ومنه المصلي في الخيل . { تَأْمُرُكَ } تدعوك ، أو فيها أن تأمرنا أن نترك عبادة الأصنام . { مَا نَشَآءُ } من البخس والتطفيف ، أو الزكاة التي أمرهم بها ، أو قطع الدراهم والدنانير لأنه نهاهم عن ذلك . { الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ } استهزاء ، أو نفي « ع » ، أو حقيقة ما نبتغي لك هذا مع حلمك ورشدك .


قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)

{ رِزْقاً حَسَناً } مالاً حلالاً ، قال « ع » : وكان شعيب كثير المال ، أو نبوة فيه حذف تقديره أفأعدل عن عبادته . { أُنِيبُ } أرجع ، أو ادعوا


وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89)

{ يَجْرِمَنَّكُمْ } يحملنكم ، أو يكسبنكم . { شِقَاقِى } عداوتي ، أو إصراري ، أو فراقي . { بِبَعيدٍ } بعد الدار لدنوهم منهم ، أو بعد الزمان لقرب العهد وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شعيباً قال « ذاك خطيب الأنبياء » .


قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91)

{ مَا نَفْقَهُ } ما نفهم صحة ما تقول من البعث والجزاء ، أو قالوه إعراضاً عن سماعه ، أو احتقاراً لكلامه . { ضَعِيفاً } أعمى ، أو ضعيف البصر ، أو البدن ، أو وحيداً ، أو ذليلاً مهيناً ، أو قليل العقل ، أو قليل المعرفة بمصالح الدنيا وسياسة أهلها . { رَهْطُكَ } عشيرتك عند الجمهور ، أو شيعتك { لَرَجَمْنَاكَ } بالحجارة ، أو بالشتم . { بِعَزِيزٍ } بكريم ، أو بممتنع لولا رهطك .


قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)

{ أَرَهْطِى أَعَزُّ عَلَيْكُم } أتراعون رهطي فِيَّ ولا تراعون الله فِيَّ . { ظِهْرِيّاً } أطرحتم أمره وراء ظهوركم لا تلتفتون إليه ولا تعملون به ، أو حملتم أوزار مخالفته على ظهوركم ، أو إن احتجتم إليه استعنتم به وإن اكتفيتم تركتموه كالذي يتخذ من الجمال ظهراً إن اُحتيج إليه حُمل عليه وإن استُغني عنه تُرك ، أو جَعْلهم الله وراء ظهورهم ظهرياً . { مُحِيطٌ } حفيظ ، أو خبير ، أو مجازي .


وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93)

{ مَكَانَتِكُمْ } ناحيتكم « ع » ، أو تمكنكم أي اعلموا في هلاكي فإني عامل في هلاككم قال ذلك ثقة بربه . { عَذَابٌ } الفرق { يُخْزِيهِ } يذله ، أو يفضحه . { وَارْتَقِبُواْ } انتظروا العذاب { إِنِّى مَعَكُمْ } منتظر .


وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)

{ فِى هَذِهِ } الدنيا لعنة المؤمنين ويوم القيامة لعنة الملائكة أو لعنة الدينا الفرق ولعنة الآخرة النار . { الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ } العون المعان ، أو الرفد الزيادة لأنهم زيدوا على الفرق بالنار ، أو ذم لشرابهم فيها لأن الرِفد بالكسر ما في القدح من الشراب ، والرَفد بالتفح القدح .


ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100)

{ نَقُصُّهُ } نخبرك ، أو نتبع بعضه بعضاً . { قَآئِمٌ } عامر { وَحَصِيدٌ } خاوي « ع » ، أو القائم الآثار والحصيد الدارس .


وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101)

{ تَتْبِيبٍ } تخسير ، أو هلاك ، أو شر .


يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)

{ لا تَكَلَّمُ } لا تشفع ، أو لا تكلم بشيء من جائز الكلام ، أو يمنعون في بعض أوقات القيامة من الكلام إلا بإذنه . { شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ } محروم ومرزوق ، أو معذب ومنعم ، ابتدأ بالسعادة والشقاوة من غير جزاء أو جوزيا بها على أعمالها .


فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106)

{ زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } الزفير الصوت الشديد والشهيق الصوت الضعيف « ع » ، أو الزفير في الحلق والشهيق في الصدر ، أو الزفير تردد النفس من شدة الحزن والشهيق النفس الطويل ، جبل شاهق طويل ، أو الزفير أول شهيق الحمار والشهيق آخره .


خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)

{ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ } سماء الدنيا وأرضها { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } من الزيادة عليها بعد فناء مدتها ، أو ما دامت سماوات الآخرة وأرضها إلا ما شاء من قدر وقوفهم في القيامة ، أو إلا من شاء ربك إخراجه منها من أهل التوحيد « ع » ، أو « إلا من شاء أن لا يدخله إليها من أهل التوحيد » مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو إلا من شاء أن يخرجه منها من موحد ومشرك إذا شاء « ع » ، أو الاستثناء من الزفير والشهيق إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي ليست بزفير ولا شهيق مما سماه أو لم يسمِّه ثم استأنف فقال : { مَا دَامَتِ } ، أو المعنى لو شاء أن لا يخلدهم لفعل ولكنه شاء ذلك وحكم به . وقدر خلودهم بسماوات الدنيا وأرضها على عادة العرب وعرفها . زهير :
ألا لا أرى على الحوادث باقياً ... ولا خالداً إلا الجبال الرواسيا


وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)

{ سُعِدُواْ فَفِى الْجَنَّةِ } إلا ما شاء ربك من مدة مكثهم في النار ، أو { إِلاَّ } بمعنى الواو . { مَجْذُوذٍ } مقطوع ، أو ممنوع .


فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109)

{ نَصِيبَهُمْ } من خير أو شر « ع » ، أو الرزق ، أو العذاب .


وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)

{ تَرْكَنُواْ } تميلوا ، أو تدنوا ، أو ترضوا أعمالهم ، أو تداهنوهم في القول فتوافقوهم سراً ولا تنكروا عليهم علانية .


وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)

{ طَرَفَىِ النَّهَارِ } الأول الصبح اتفاقاً والثاني الظهر والعصر ، أو العصر وحدها ، أو المغرب « ع » . { وَزُلَفاً } جمع زلفة والزلفة المنزلة أي ومنازل من الليل أي ساعات ، ومزدلفة لأنها منزل بعد عرفة ، أو لازدلاف آدم عليه الصلاة والسلام من عرفة إلى حواء وهي بها . وأراد عشاء الآخرة ، أو المغرب والعشاء { الْحَسَنَاتِ } الصلوات الخمس « ع » ، أو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وهن الباقيات الصالحات ، أو الحسنات المقبولة تذهب السيئات المغفورة ، أو ثواب الطاعة يذهب عقاب المعصية . { ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } توبة للتائبين ، أو بيان للمتعظين .


فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)

{ أُتْرِفُواْ } انظروا « ع » { بَقِيَّةٍ } طاعة ، أو تمييز ، أو حظ من الله تعالى { الْفَسَادِ } الكفر أو الظلم .


وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118)

{ أُمَّةً وَاحِدَةً } على الإسلام ، أو على دين واحد من ضلالة أو هدى ، { مُخْتَلِفِينَ } في الأديان .


إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)

{ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } من أهل الحق ، أو في الحق والباطل إلا من رحم بالطاعة ، أو في الرزق غني وفقير إلا من رحم بالقناعة ، أو في السعادة والشقاوة إلا من رحم بالتوفيق ، أو في المغفرة إلاَّ من رحم بالجنة ، أو يخلف بعضهم بعضاً يأتي قوم بعد قوم ، خلفوا واختلفوا كقتلوا واقتتلوا . { وَلِذَلِكَ } للاختلاف ، أو للرحمة ، أو للشقاوة والسعادة « ع » ، أو للجنة والنار .


وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)

{ فِى هَذِهِ } السورة « ع » ، أو في الدنيا ، أو الأنباء ، { الْحَقُّ } صدق الأنباء إذا كانت الإشارة للسورة ، أو النبوة إذا كانت الإشارة للدنيا .


الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1)

{ تِلْكَ ءَايَاتُ } هذه السورة ، أو السورة التي قبلها ، أو إشارة إلى ما افتتح به السورة من الحروف ، علامات { الْكِتَابِ } العربي { الْمُبِينِ } حلاله وحرامه ، أو هداه ورشده ، أو المبين للأحرف الساقطة من ألسنة الأعاجم وهي ستة قاله معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه .


إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)

{ أَنزَلْنَاهُ } خبر يوسف عليه الصلاة والسلام ، أو الكتاب عند الجمهور .


نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)

{ نَقُصُّ } نبين والقاص الذي يأتي بالقصة على حقيقتها .


إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)

{ رَأَيْتُ } رأى أبويه وإخوته ساجدين له فعبّر عنهم بالشمس والقمر والكواكب فالشمس أبوه والقمر أمه راحيل « ع » أو رأى الكواكب والشمس والقمر فتأولهم بإخوته والقمر بأُمه والشمس بأبيه عند الأكثرين ، أو الشمس أمه والقمر أبوه لتأنيثها وتذكير القمر ، { رَأَيْتُهُمْ } تأكيد { رَأَيْتُ } الأول لبعد ما بينهما ، أو رؤيته الأولى لهم والثانية لسجودهم ، { سَاجِدِينَ } كسجود الصلاة إعظاماً لا عبادة ، أو عبّر عن الخضوع بالسجود . وكانت رؤياه ليلة القدر في ليلة الجمعة ، فلما قصّها على يعقوب خاف عليه حسد إخوته ، فقال : هذه رؤيا ليل فلا تعمل عليها ، فلما خلا به قال : { لاَ تَقْصُصْ رُءْيَاكَ } [ يوسف : 5 ] ، وقيل كان عمره عند الرؤيا سبع عشرة سنة . ويوسف أعجمي عبراني ، أو عربي من الأسف لأنه حزن وأحزن .


وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)

{ يَجْتَبِيكَ } بالنبوة ، أو بحسن الخَلْق والخُلُق ، أو بترك الانتقام . { تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ } عواقب الأمور ، أو عبارة الرؤيا ، أو العلم والحكمة . { وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } بالنبوة ، أو بإعلاء كلمتك وتحقيق رؤياك { وَعَلَى ءَالِ يَعْقُوبَ } بأن يجعل فيهم البنوة { كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ } نعمته على إبراهيم بالنجاة من النار وعلى إسحاق بالنجاة من الذبح .


لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)

{ ءَايَاتٌ } عبر ، أو زواجر بما ظهر في يوسف من عواقب البغي عليه ، أو بصدق رؤياه وصحة تأويله ، أو بقهره شهوته حتى سلم من المعصية ، أو بحدوث الفرج بعد شدة الإياس ، قال ابن عطاء : ما سمع سورة يوسف محزون إلا استروح إليها .


إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8)

{ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ } كانا أخوين للأبوين ثم ماتت أُمهما فكفلهما أبوهما وزاد لذلك في مراعاتهما فحسدوهما وكان عطفه على يوسف أكثر فلذلك كان حسده أكثر ثم اشتد بسبب رؤياه . { عُصْبَةٌ } العصبة ، الجماعة أو ستة أو سبعة ، أو من عشرة إلى خمسة عشر ، أو إلى أربعين . { ضَلالٍ مُّبِينٍ } محبة ظاهرة ، أو خطأ في رأيه ، أون جور في فعله لتفضيله الصغير على الكبير والقليل على الكثير ومن لا يراعي ماله على من يراعيه وكانوا حينئذ بالغين مؤمنين ليسوا بأنبياء لقولهم : { استغفر لَنَا ذُنُوبَنَآ } [ يوسف : 97 ] إلى { خَاطِئِينَ } [ يوسف : 97 ] أو لم يبلغوا لقولهم : { وَيَلْعَبْ } [ يوسف : 12 ] .


اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)

{ أَرْضاً } لتأكله السباع ، أو ليبعد عن أبيه ، { صَالِحِينَ } بالتوبة ، أو في دنياكم دون الدين .


قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10)

{ قَآئِلٌ } شمعون ، أو يهوذا ، أو أكبرهم روبيل بن خالة يوسف { غَيَابَتِ الْجُبِّ } قعره ، أو ظلمته التي تغيب عن الأبصار . سمي غيابة لأنه يغيب فيه أثره ، أو خبره ، وكان رأسه ضيقاً وأسفله واسعاً . والجب بئر في بيت المقدس ، أو بئر غير معينة ، أو الجب ما عظم من الآبار سواء كان فيه ماء أو لم يكن ، أو ما لا طي له لأنها قطعت ولم يحدث فيها غير القطع قاله الزجاج . { يَلْتَقِطْهُ } يأخذه من اللقطة . { السَّيَّارَةِ } المسافرون لسيرهم ، أو مارة الطريق .


أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)

{ نَرتعْ } نلهو ونلعب ، أو نسعى وننشط ، أو نتحافظ ويلهو ، أو يرعى ويتصرف ، أو نطعم ونتنعم من الرتعة وهي سعة المطعم والمشرب . ولم ينكر أبوهم اللعب لأنهم أرادوا المباح منه .


قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13)

{ وَأَخَافُ } خافهم عليه فكنى عنهم بالذئب « ع » ، أو خاف الذئب لغلبته في الصحارى .


فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)

{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ } ألهمناه ، أو نَبَّأه في الجب { لَتُنَبِّئَنَّهُم } لتوبخنهم بفعلهم ، بشره بخلاصه من الجب ، أو أخبره بما صنعون به قبل إلقائهم أياه في الجب إنذاراً له . { لا يَشْعُرُونَ } بأنك أخوهم ، أو بأن الله تعالى أوحى إليه بالنبوة « ع » .


قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)

{ نَسْتَبِقُ } على الأقدام أو بالنضال ، أو في اقتناص الصيد ، أو في عملهم الذي تشاغلوا به من الرعي والاحتطاب . { صَادِقِينَ } وإن صَدَقْنا أو إن كنا أهل صدق لما صدقتنا .


وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)

{ بِدَمٍ } سخلة ، أو ظبية ، فلما رأى القميص غير مشقوق قال : يا بني والله ما عهدت الذئب حليماً أفأكل ابني وأبقى على قميصه { كَذِبٍ } وصفه بالمصدر ، وكان في القميص ثلاث آيات : حين جاءوا عليه بالدم ، وحين قُد ، وحين أُلقي على وجه أبيه . { سَوَّلَتْ } زينت ، أو أمرت « ع » ، قاله عن وحي ، أو عن علم تقدم له به ، أو عن حدس وفراسة { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } ومن الجميل أن أصبر ، أو أمر نفسه بصبر جميل لا جزع فيه ، أو لا شكوى فيه ، وسئل الرسول صلى الله عليه وسلم عنه فقال : « صبر لا شكوى فيه ، من بث فلم يصبر » { الْمُسْتَعَانُ } على الصبر الجميل ، أو على احتمال ما تصفون أو تكذبون ابتُلي يعقوب في كبره ويوسف في صغره .


وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19)

{ فَأَدْلَىَ دَلْوَهُ } أرسلها ليملأها ، ودلاها أخرجها ملأى فلما أرسلها تعلق بها يوسف { بشراي } بشرهم بذلك ، أو نادى رجلاً اسمه { يَابُشْرَى } يعلمه بالغلام ، وألقي فيه وهو ابن سبع عشرة سنة ، أو ست سنين . وأخرجته السيارة بعد ثلاثة أيام { وَأَسَرُّوهُ } كان أخوته بقرب الجب فلما أخرج قالوا : هذا عبدنا أوثقناه فباعوه وأسروا بيعه بثمن جعلوه بضاعة لهم « ع » ، أو أسرَّ ابتياعه الذي وردوا الجب من أهل الرفقة لئلا يشركوهم وتواصوا أنها بضاعة استبضعناها من أهل الماء ، أو أسر مشتروه بيعه من الملك لئلا يعلم أصحابهم وذكروا أنه بضاعة .


وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)

{ وَشَرَوْهُ } باعه إخواته من السيارة « ع » ، أو السيارة من الملك . { بَخْسٍ } حرام لأنه ثمن حر « ع » ، أو ظلم ، أو قليل { مَعْدُودَةٍ } عشرين أقتسمها العشرة كل واحد درهمين « ع » ، أو اثنين وعشرين اقتسمها الأحد عشر لكل واحد درهمين ، أو أربعين درهماً : قال السدي : اشتروا بها خفافاً ونعالاً { مَعْدُودَةٍ } غير موزونة لزهدهم فيه ، أو كانوا لا يزنون أقل من أوقية وهي أربعون وكان ثمنه أقل منها . { وَكَانُواْ فِيهِ } إخوته زهدوا فيه لما صنعوا به ، أو السيارة لأنهم باعوه بما باعوا لعلمهم حريته ، أو ظنوه عبداً فخافوا أن يظهر عليهم مالكه فيأخذه ، قال عكرمة أُعتق يوسف لما بيع .


وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)

{ الَّذِى اشْتَرَاهُ } العزيز ملك مصر « أطيفر بن روجيب » . وامرأته « راعيل » ، أو اسمه « قطفير » وكان على خزائن مصر ، والملك حينئذ « الوليد بن الرياني » من العماليق « ع » ، وباعه مالك بن دعر بعشرين ديناراً وزاده الملك بَغْلَة ونعلين { أَكْرِمِى } أجملي منزله ، أو أحلي منزلته بطيب الطعام ولين المرقد واللباس . { يَنفَعَنَآ } بالربح في ثمنه ، أو نعتقه ونتبناه . قال ابن مسعود : أحسن الناس فراسة ثلاثة : العزيز وابنة شعيب وأبو بكر رضي الله تعالى عنه في استخلافه عمر رضي الله تعالى عنه { مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الأَرْضِ } بإخراجه من الجب ، أو باستخلاف الملك له { عَلَى أَمْرِهِ } أمر الله تعالى فيما أراده فيقول له كن فيكون ، أو أمر يوسف حتى يبلغ في مراده .


وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)

{ أَشُدَّهُ } أشد يوسف عشرون سنة ، أو ثلاثون سنة ، والأشد قوة الشباب وهو الحلم ، أو ثماني عشرة سنة « ع » ، أو خمس وعشرون أو ثلاثون ، أو ثلاث وثلاثون ، وآخر الأشد أربعون ، أو ستون { حُكْماً } على الناس ، أو عقلاً ، أو حكمة في أفعاله ، أو القرآن ، أو النبوة { وَعِلْماً } فقهاً ، أو نبوة { الْمُحْسِنِينَ } المطيعين ، أو المهتدين « ع » .


وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)

{ الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا } « راعيل » امرأة العزيز « أطفير » أو زليخة وكان العزيز لا يأتي النساء . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : اقتسم يوسف وحواء الحسن نصفين . { وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ } بكثرة الأغلاق ، أو بشدة الاستيثاق { هَيْتَ لَكَ } هلم لك { هِئتُ لك } تهيأت لك ، و « هيت » قبطية « ع » ، أو سريانية ، أو عربية . { إِنَّهُ رَبَّى } الله { أَحْسَنَ مَثْوَاىَ } ، فلا أعصيه ، أو العزيز أو أطفير ربي سيدي أحسن مثواي فلا أخونه .


وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)

{ هَمَّتْ بِهِ } شهوة ، أو استلقت له وتهيأت لوقاعه { وَهَمَّ } بضربها ، أو التقدير لولا أن رأى برهان ربه لهمَّ بها ، أو كان همه عظة ، أو كان همه حديث نفس من غير عزم ، أو همه ما في طباع الرجال من شهوة النساء وإن كان قاهراً له ، أو عزم على وقاعها فحل الهميان وهو السراويل وجلس منها مجلس الرجل من المرأة « ع » ، وجمهور المفسرين ، وابتلاء الأنبياء بالمعاصي ليكونوا على وجل ويجدُّوا في الطاعة ، أو ليعرفهم نعمته عليهم بالصفح والغفران ، أو ليقتدى بهم المذنبون في الخوف والرجاء عند التوبة . { بُرهَانَ رَبِّهِ } نودي أتزني فتكون كطائر وقع رشه فذهب يطير فلم يستطع ، أو رأى صورة أبيه يقول أتهم بفعل السفهاء وأنت مكتوب في الأنبياء فخرجت شهوته من أنامله ، وولد لكل من أولاد يعقوب اثنا عشر ذكراً إلا يوسف لم يولد له إلا غلامين ونقص بتلك الشهوة ولده ، أو رأى مكتوباً على الحائط { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً } [ الإسراء : 32 ] ، أو رأى أطفير سيده ، أو ما أتاه الله تعالى من العفاف والصيانة وترك الفساد والخيانة ، أو رأى ستراً فقال : ما وراء هذا فقالت : صنمي الذي أعبده سترته حياء منه فقال : إذا استحييت ممن لا يسمع ولا يبصر فأنا أحق أن أستحي من إلهي وأتوقاه . { السُّوءَ } الشهوة { وَالْفَحْشَآءَ } المباشرة ، أو { السُّوءَ } الثناء القبيح { وَالْفَحْشَآءَ } الزنا . { الْمُخْلَصِينَ } للطاعة و { الْمُخْلَصِينَ } للرسالة .


وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)

{ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ } ليخرج منه هرباً وأسرعت إليه طلباً { وَقَدَّتْ } أدركته وقد فتح بعض الأغلاق فجذبته فشقت قميصه إلى ساقه فسقط عنه وتبعته . { وَالْفَيَا } وجدا { سَيِّدَهَا } زوجها بلسان القبط .


قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26)

{ هِىَ رَاوَدَتْنِى } لما كذبت عليه دافع عن نفسه بالصدق ولو كفت عن كذبها لكف عن الصدق ، ولو خلص حبها من الشهوة لما كذبت عليه { شَاهِدٌ } صبي أنطقه الله تعالى في مهده ، أو خلق من خلق الله تعالى ليس بإنس ولا جن ، أو حكيم { مِّنْ أَهْلِهَآ } ابن عمها ، أو شهادة القميص المقدود لو كان مقدوداً من قُبُل لَدلَّ على الطلب لكنه قد من دُبُر فَدَلَّ على الهرب .


فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)

{ كَيْدِكُنَّ } كذبها ، أو إرادتها السوء ، قاله الزوج ، أو الشاهد .


يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)

{ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا } الأمر تسلية له إذ لا إثم فيه ، أو عن هذا القول تصديقاً له في براءته قاله الزوج ، لأنه لم يكن غيوراً ، أو سلبه الله تعالى الغيره إبقاء على يوسف حفظاً له من بادرته ، وأمر زوجته بالإقلاع عن مثل ذلك بالاستغفار { الْخَاطِئِينَ } خَطِىء إذا قصد الذنب وأخطأ إذا لم يقصده وكذلك الصواب والصوب .
لعمرك أنما خطئي وصوبي ... عليَّ وإنما أهلكت مالي


وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30)

{ نِسْوَةٌ } أربع ، امرأة الحاجب ، وامرأة الساقي ، وامرأة الخباز ، وامرأة القهرمان ، أو الخامسة امرأة السجان . { فِى الْمَدِينَة } مصر ، أو عين شمس { تُرَاوِدُ فَتَاهَا } بَرَّأْن يوسف وذممنها وطعنَّ فيها { شَغَفَهَا } ولج حبه شغاف قلبها وهو حجابه ، أو غلافه : جلدة رقيقة بيضاء تكون عليه وتسمى لباس القلب ، أو باطن القلب ، أو حبته ، أو داء يكون في الجوف ، أو الذعر والفزع الحادث عن شدة الحب ، والشغف : الحب القاتل والشعف دونه « ع » ، أو الشغف الجنون والشعف الحب { ضَلالٍ } عن الرشد ، أو محبة شديدة .


فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)

{ بِمَكْرِهِنَّ } إنكارهن ، أو أسرَّت إليهن حبها له فَأَذعْنه ، { وَأَعْتَدَتْ } من الإعتاد ، أو العدوان { مُتَّكَئاً } مجلساً ، أو النمارق والوسائد التي يتكأ عليها ، أو الطعام من قولهم : اتكأنا عند فلان أي طعمنا عنده لأنهم كانوا يعدون المتكأ للمدعو إلى الطعام فسمي به الطعام توسعاً والمراد به هنا البزماورد ، أو الأترج « ع » « والمتك » مجفف الأترج ، أو كل ما يحز بالسكين ، أو عام في كل الطعام . { أَكْبَرْنَهُ } أعظمنه « ع » ، أو وجدن شبابه في الحسن والجمال كبيراً ، أو حِضْنَ ، والمرأة إذا جزعت أو خارت حاضت والإكبار الحيض ، قال :
نأتي النساء على أطهارهن ولا ... نأتي النساء إذا أكبرن إكباراً
{ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ } حتى بانت ، أو جرحنها حتى دميت . { حَاشَ لِلَّهِ } معاذ الله أو سبحان الله . مأخوذ من المراقبة ، ما أحاشي في هذا الأمر أحداً أني ما أراقبه ، أو من قولهم : كنت في حشا فلان أي ناحيته ، فحاشى فلاناً أي أعزله في حشا وهو الناحية { بَشَراً } أهل للمباشرة ، أو من جملة البشر لما علمن من عفته إذ لو كان بشراً لأطاعها ، أو شبهنه بالملائكة حسناً وجمالاً { كَرِيمٌ } مبالغة في تفضيله في جنس الملائكة .


قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)

{ أَصْبُ } أتابع ، أو أميل ، قال :
إلى هند صبا قلبي ... وهند مثلها يصبى
{ الأَيَاتِ } قدِّ القميص وقطع الأيدي ، أو ما ظهر من عفته وجماله { حِينٍ } هنا ستة أشهر ، أو سبع سنين ، أو زمان غير محدود ، قالت لزوجها : قد فضحني هذا العبد العبراني ، وقال : إني راودته عن نفسي فإما أن تطلقني حتى أعتذر وإما أن تحبسه كما حبستني فحبسه .


ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)

{ الأَيَاتِ } قدِّ القميص وقطع الأيدي ، أو ما ظهر من عفته وجماله { حِينٍ } هنا ستة أشهر ، أو سبع سنين ، أو زمان غير محدود ، قالت لزوجها : قد فضحني هذا العبد العبراني ، وقال : إني راودته عن نفسي فإما أن تطلقني حتى أعتذر وإما أن تحبسه كما حبستني فحبسه .


وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)

{ فَتَيَانِ } عبدان والعبد يسمى فتى صغيراً كان أو كبيراً ، كان أحدهما على طعام الملك الأكبر « الوليد بن الريان » والآخر ساقية فاتُّهما بسمه ، فلما دخلا معه سألاه عن علمه فقال : عابر ، فسألاه عن رؤياهما صدقاً منهما ، أو كذباً ليجربا علمه فلما أجابهما قالا : كنا نلعب فقال : { قُضِيَ الأمر } الآية [ يوسف : 41 ] ، أو كان المصلوب كاذباً والآخر صادقاً . { خَمْراً } عنباً سماه بما يؤول إليه ، أو أهل عمان يسمون العنب خمراً . { الْمُحْسِنِينَ } قالوه لأنه كان يعود مريضهم ويعزي حزينهم ويوسع على من ضاق مكانه منهم ، أو كان يأمرهم بالصبر ويعدهم بالأجر ، أو كان لا يرد عذر معتذر ويقضي حق غيره ولا يقضي حق نفسه ، أو ممن أحسن العلم ، أو نراك من المحسنين إن نبأتنا بتأويل هذه الرؤيا .


قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)

{ تُرْزَقَانِهِ } لا يأتيكما في النوم إلا نبأتكما بتأويله في اليقظة قبل إتيانه ، أو لا يأتيكما في اليقظة إلا أخبرتكما به لأنه كان يخبر عن الغيب كعيسى ، أو كان الملك إذا أراد قتل إنسان أرسل إليه طعاماً معروفاً فكره يوسف تعبيرها لئلا يحزنه فوعده بتأويلها عند وصول الطعام إليه فلما ألح عليه عبّرها له ، قاله ابن جريج { ذَلِكُمَا } تأويل الرؤيا ، وعدل عن العبارة إلى قوله : { تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ } لما مكان في عبارتها من الكراهة ، ورغبهما في طاعة الله تعالى .


وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)

{ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا } بالنبوة { وَعَلَى النَّاسِ } بأن بعثنا إليهم « ع » .


مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)

{ الْقَيِّمُ } المستقيم ، أو الحساب البَيَّن ، أو القضاء الحق « ع » .


يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)

{ قَُضِىَ الأَمْرُ } السؤال والجواب . أو استقصى التأويل ، ويجوز أن يكون قوله ذلك عن وحي .


وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)

{ ظَنَّ } تيقن ، أو على بابه لأن عبارة الرؤيا ظن فلم يقطع بها ، أو لم يقطع بصدقها فكان ظنه لشكه في صدقهما { رَبٍّكَ } سيدك « الوليد بن الريان » رجاء للخلاص بذكره عنده { فَأَنسَاهُ } الضمير للساقي نسي ذكر يوسف عند ربه ، سيده ، أو ليوسف نسي ذكر الله تعالى بالاستغاثة به ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « رحم الله يوسف لولا الكلمة التي قال اذكرني عند ربك ما لبث في السجن ما لبث » قال « ع » : عوقب بطول السجن بضع سنين بكلمته ولو ذكر ربه لخلصه . وكانت مدة لبثه في السجن سبع سنين ، أو ثنتي عشرة سنة ، أو أربع عشرة سنة ، والبضع منها مدة عقوبته على الكلمة لا مدة الحبس كله ، قبل لبث سبعاً عقوبة بعد الخمس . والبضع من ثلاث إلى سبع ، أو تسع ، أو عشر « ع » ، أو إلى الخمس حكاه الزجاج ، ولا يذكر البضع إلا مع العشر أو العشرين إلى التسعين ولا يذكر بعد المائة ، قاله الفراء ، ورأى الملك الأكبر الوليد رؤياه لطفاً بيوسف ليخرج من السجن ونذيراً بالجدب ليتأهبوا له .


قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44)

{ أَضْغَاثُ } أخلاط ، أو ألوان ، أو أهاويل ، أو أكاذيب ، أو شبهة أحلام ، أبو عبيدة : الأضغاث ما لا تأويل له من الرؤيا ، قال :
كضِغث حُلم غُرَّ منه حالِمه ... والضِغث حزمة الحشيش المجموع بعضه إلى بعض ، وقيل ما ملأ الكف . والأحلام في النوم مأخوذة من الحِلْم وهو الأناة والسكون ، لأن النوم حال أناةٍ وسكون ، ويجوز أن يكونوا صرفوا عن عبارتها لطفاً بيوسف ليكون سبباً في خلاصه .


وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45)

{ أُمَّةٍ } حين « ع » ، أو نسيان . أو أمة من الناس ، قال الحسن رضي الله تعالى عنه ألقوه في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، وكان في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة ، وعاش بعد جمع شمله ثلاثاً وعشرين سنة . { فَأَرْسِلُونِ } لم يكن السجن في المدينة فانطلق إليه وذلك بعد أربع سنين من فراقه .


يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)

{ سُنبُلاتٍ خُضْرٍ } بقر الخصب سمان وسنابله خضر ، وبقر الجدب عجاف وسنابلها يابسات فعبّر ذلك بالسنين . { النَّاسِ } الملك وقومه ، ويحتمل أنه عبّر بالناس عن الملك تعظيماً له .


قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47)

{ دَأَباً } تباعاً ، أو العادة المألوفة في الزراعة . { تَزْرَعُونَ } خبر أو أمر لأنه نبي يأمر بالمصالح . { فَذَرُوهُ } أمر لأن ما في السنبل مدخر لا يؤكل .


ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48)

{ شِدَادٌ } على أهلها لجدبها ، كان يوسف يضع طعام اثنين فيقربه إلى رجل فيأكل نصفه ويدع نصفاً ، فقربه إليه يوماً فأكله كله فقال يوسف هذا أول يوم من السبع الشداد ، { قَدَّمْتُمْ } ادخرتم لهن . { تُحْصِنُونَ } تدخرون ، أو تخزنون في الحصون .


ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)

{ يُغَاثُ النَّاسُ } بنزول الغيب « ع » ، أو بالخصب { يَعْصِرُونَ } العنب والزيتون من خصب الثمار ، أو يحلبون الماشية من خصب المرعى ، أو يعصرون السحاب بنزول الغيث وكثرة المطر { مِنَ المعصرات مَآءً ثَجَّاجاً } [ النبأ : 14 ] أو ينجون من العصرة وهي النجاة ، قاله أبو عبيدة والزجاج ، أو يحبسون ويفضلون . وليس هذا من تأويل الرؤيا وإنما هو خبر أطلعه الله تعالى عليه علماً لنبوته .


وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)

{ ارْجِعْ إِلَىَ رَبِّكَ } توقف عن الخروج لئلا يراه الملك خائناً ولا مذنباً . قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « رحم الله يوسف أن كان ذا أناة لو كنت أنا المحبوس ثم أرسل إليَّ لخرجت سريعاً » { مَا بَالُ النِّسْوَةِ } سأل عنهن دونها إرادة أن لا يبتذلها بالذكر ، أو لأنهن شاهدات عليه . { إِنَّ رَبِّى } الله تعالى أو سيده العزيز .


قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51)

{ رَاوَدتُّنَّ } راودنه على طاعتها فيما طلبت منه ، أو راودته وحدها فجمعهن احتشاماً . { مَا عَلِمْنَا } شهدن على نفي علمهن لأنه نفى { حَصْحَصَ الْحَقُّ } وضح وبان « ع » ، وفيه زيادة تضعيف مثل كبو وكبكبوا قاله الزجاج ، مأخوذ من حص شعره إذا استأصل قطعه ، والحصة من الأرض قطعة منها ، فحصحص الحق انقطع عن الباطل بظهوره وبيانه . { أَنَاْ رَاوَدتُّهُ } برأة الله تعالى عند الملك بشهادة النسوة وبإقرار امرأة العزيز واعترافها بذلك توبة بما قرفته به .


ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)

{ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ } يوسف أني لم أكذب عليه الآن في غيبته .


وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)

{ وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِى } لأن راودته ، لأن النفس باعثة على السوء إذا غلبت الشهوة ، قالته امرأة العزيز ، أو قال يوسف بعد ظهور صدقه { ذَلِكَ لِيَعْلَمَ } العزيز أني لم أخنه في زوجته ، فقالت امرأة العزيز : ولا حين حللت السراويل ، فقال : { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِى } ، أو غمزه جبريل عليه السلام فقال : ولا حين هممت ، فقال : { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِى } « ع » أو قال الملك الذي مع يوسف : اذكر ما هممت به ، فقال : { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِى } قاله الحسن رضي الله تعالى عنه ، أو قال العزيز { ذَلِكَ لِيَعْلَمَ } يوسف { أَنِّى لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ } وأغفل عن مجازاته على أمانته { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِى } من سوء الظن به .


وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)

{ أَسْتَخْلِصْهُ } لما علم الملك الأكبر أمانته طلب استخدامه في خاص خدمته { مَكِينٌ } وجيه ، أو متمكن في الرفعة والمنزلة { أَمِينٌ } آمن لا يخاف العواقب ، أو ثقة مأمون ، أو حافظ { فَلَمَّا كَلَّمَهُ } استدل بكلامه على عقله ، وبعفته على أمانته .


قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)

{ خَزَآئِنِ } الأموال ، أو الطعام ، أو الخزائن : الرجال ، لأن الأقوال والأفعال مخزونة فيهم ، وهذا تعمق مخالف للظاهر ، وهذا مجوز لطلب الولاية لمن هو أهل لها ، فإن كان المولى ظالماً جاز تقلد الولاية منهم إذا عمل الوالي بالحق لأن يوسف قبل من فرعون ، أو لا يجوز ذلك لما فيه من تولي الظالمين ومعونتهم بالتزكية وتنفيذ أعمالهم ، وإنما قبل يوسف من الملك ولاية ملكه الخاص به ، أو كان فرعون يوسف صالحاً وكان فرعون موسى طاغياً ، والأصح أن ما جاز لأهله توليه من غير اجتهاد في تنفيذه جازت ولايته من الظالم كالزكوات المنصوصة ، وما لا يجوز أن ينفردوا به كأموال الفيء لا يجوز توليه من الظالم ، وما يجوز أن يتولاه أهله وللاجتهاد فيه مدخل كالقضاء فإن كان حكماً بين متراضيين أو توسطا بين مجبورين جاز ، وإن كان إلزام إجبار لم يجز . { حَفِيظٌ } لما استودعتني . { عَلِيمٌ } بما وليتني ، أو { حَفِيظٌ } بالكتاب ، { عَلِيمٌ } بالحساب ، وهو أول من كتب في القراطيس ، أو { حَفِيظٌ } للحساب { عَلِيمٌ } بالألسن أو { حَفِيظٌ } بما وليتني ، { عَلِيمٌ } بسني المجاعة ، فيه دليل على جواز تزكية النفس عند حاجة تدعو إلى ذلك .


وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)

{ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ } استخلفه الوليد على عمل أطيفر وعزله ، قال مجاهد : وأسلم على يده ، قال « ع » : ملك بعد سنة ونصف . ثم مات أطيفر فزوجه الملك بامرأته راعيل فوجدها يوسف عذراء ، وولدت له ولدين ، أفرائيم وميشا ، ومن زعم أنها زليخا قال لم يتزوجها يوسف ، ولما رأته في موكبه بكت ثم قالت الحمد لله الذي جعل الملوك بالمعصية عبيداً والحمد لله الذي جعل العبيد بالطاعة ملوكاً فضمها إليه فكانت من عياله حتى ماتت ولم يتزوجها . { يَتَبَوَّأُ } يتخذ من أرض مصر منزلاً حيث شاء ، أو يصنع في الدنيا ما يشاء لتفويض الأمر إليه . { بِرَحْمَتِنَا } نعمة الدنيا ، { وَلا نُضِيعُ } ثواب { الْمُحْسِنِينَ } في الآخرة ، أو كلاهما في الدنيا ، أو كلاهما في الآخرة ، ونال يوسف ذلك ثواباً على بلواه ، أو تفضلاً من الله تعالى وثوابه باقٍ في الآخرة بحاله .


وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)

{ وَلأَجْرُ الأَخِرَةِ خَيْرٌ } من أجر الدنيا لأنه دائم وأجر الدنيا منقطع ، أو خير ليوسف من التشاغل بملك الدنيا لما فيه من التبعة .


وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58)

{ فَعَرَفَهُمْ } من غير تعريف ، أو ما عرفهم حتى تعرفوا إليه ، أو عرفهم بلسانهم العبراني ، قال « ع » : لما عبر أبوهم بهم فلسطين فنزل وراء النهر سموا عبرانيين . وجاءوا ليمتاروا في سني القحط التي ذكرها يوسف في عبارته فدخلوا عليه لأنه كان يتولى بيع الطعام لعزته . { مُنكِرُونَ } لانهم فارقوه صغيراً فكبر ، وفقيراً فاستغنى ، وباعوه عبداً فصار ملكاً .


وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59)

{ بِجَهَازِهِم } كال لكل واحد منهم بعيراً بعدتهم . { ائْتُونِى بِأَخٍ لَّكُمْ } خلا بهم وقال قد ارتبت بكم وأخشى أن تكونوا عيوناً فأخبروني من أنتم؟ فذكروا حالهم وحال أبيهم وأخوتهم يوسف وبنيامين ، فقال : أئتوني بهذا الأخ يظهر أنه يستبرىء بذلك أحوالهم ، أو ذكروا له أنه أحب إلى أبيهم منهم فأظهر لهم محبة رؤيته { الْمُنزِلِينَ } المضيفين من النزل وهو الطعام ، أو خير من نزلتم عليه من المنزل وهو الدار ، وطلب منهم رهينة حتى يرجعوا فرهنوا شمعون ، واختاره لأنه كان يوم الجب أجملهم قولاً ورأياً .


قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61)

{ سَنُرَاوِدُ } المراودة : الاجتهاد في الطلب مأخوذ من الإرادة { لَفَاعِلُونَ } العود بأخيهم ، أو المراودة وطلب أخاه وإن كان فيه إحزان أبيه لجواز أن يكون أمر بذلك ابتلاء ومحنة أو لتتضاعف له المسرة برجوع الابنين ، أو ليتنبه أبوه على حاله ، أو ليقدم سرور أخيه بلقائه قبل إخوته لميله إليه .


وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62)

{ لفتيته } الذين كالوا الطعام ، أو غلمانه { بِضَاعَتَهُمْ } الورق التي اشتروا بها الطعام ، أو ثمانية جُرُب فيها سويق المقل .


فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63)

{ رَجَعُواْ إِلَى أَبِيهِمْ } بالعربات من فلسطين ، أو بالأولاج من ناحية الشعب أسفل من [ حِسمى ] ، وكانوا بادية أهل إبل وشاء { مُنِعَ } سيمنع { نَكْتَلْ } أي إن أرسلته أمكننا أن نعود فنكتال .


قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)

{ هَلْ ءَامَنُكُمْ } لما ضمنوا حفظ يوسف وأضاعوه قال لهم ذلك في حق أخيه .


وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65)

{ مَا نَبْغِى } استفهام أي ما نبغي بعد هذا الذي عاملنا به أو ما نبغي بالكذب فيما أخبرناك به عن الملك . { كَيْلَ بَعِيرٍ } الذي نحمل عليه أخانا ، أو كان يوسف قَسَّط الطعام فلا يعطي لأحد أكثر من بعير { يَسِيرٌ } لا يقنعنا ، أو يسير على من يكتله لنا .


قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)

{ مَوْثِقاً } إشهادهم الله على أنفسهم ، أو حلفهم بالله ، أو كفيل يكفل { يُحَاطََ بِكُمْ } يهلك جميعكم ، أو تغلبوا على أمركم .


وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)

{ لا تَدْخُلُواْ } مصر من باب من أبوابها عند الجمهور ، أو عبّر عن الطريق بالباب فأراد طريقاً من طرقها خشي عليهم العين لجمالهم ، « ع » ، أو خاف عليهم الملك أن يرى عددهم وقوتهم فيبطش بهم حسداً . { وَمَآ أُغْنِى عَنكُم } من شيء أحذره أشار بالرأي أولاً ، وفوض إلى الله أخيراً .


وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68)

{ حَاجَةً } سكون نفسه بالوصية لحذره العين { لَذُو عِلْمٍ } متيقن وعدنا ، أو حافظ لوصيتنا ، أو عامل بما علم .


وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69)

{ أَنَاْ أَخُوكَ } مكان أخيك الهالك ، أو أخوك يوسف { فَلا تَبْتَئِسْ } لا تحزن ، أو لا تأيس . { يَعْمَلُونَ } بك وبأخيك فيما مضى ، أو باستبدادهم دونك بمال أبيك .


فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70)

{ بِجَهَازِهِمْ } الطعام وحمل البعير لأخيهم { السِّقَايَةَ } والصواع واحد « ع » ، وكل شيء يشرب فيه فهو صواع ، قال :
نشرب الخمر بالصواع جهارا ... وترى المتك بيننا مستعارا
وكان إناء الملك الذي يشرب فيه من فضة ، أو ذهب ، كال به طعامهم مبالغة في إكرامهم ، أو هو المكوك العادي الذي تلتقي طرفاه . { أَذَّنَ } نادى مناد { الْعِيرُ } الرفقة ، أو الإبل المرحولة المركوبة . { لَسَارِقُونَ } جَعْلُ السقاية في رحل أخيه عصيان ، فعله الكيّال ولم يأمر به يوسف ، أو فعله يوسف فلما فقد الكيال السقاية ظن أنهم سرقوها فقال : { إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } ، أو كانت خطيئة ليوسف جوزي عليه بقولهم : { إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ } [ يوسف : 77 ] أو كان النداء بأمر يوسف وعني بالسرقة سرقتهم ليوسف من أبيه وذلك صدق ، لأنهم كالسارق لخيانتهم لأبيهم .


قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)

{ صُوَاعَ } الصواع والصاع واحد ، وكانت مشربة للملك أو كالمكوك يكال به . { بَعِيرٍ } جمل عند الجمهور ، أو حمار في لغة . بذله المنادي عن نفسه لقوله : { وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } ، أو بذله عن الملك من الطعام الملك ويجوز أن يكون الحمل معلوماً عندهم كالوسق فيكون جعلاً معلوماً ، ويمكن أن يكون مجهولاً .


قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73)

{ لَقَدْ عَلِمْتُم } ذكروا ذلك لأنهم عرفوا أمانتهم بردهم البضاعة التي وجدوها في رحالهم { لِنُفْسِدَ } لنسرق .


قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75)

{ جَزَآؤُهُ } جزاء من سرق أن يسترق كذلك يُجزى السارق بالاسترقاق ، كان هذا دين يعقوب .


فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)

{ اسْتَخْرَجَهَا } الضمير للسرقة ، أو للسقاية ، أو الصاع يذكر ويؤنث قاله الزجاج { كِدْنَا } صنعنا ، أو دبرنا ، أو أردنا .
كادت وكدت وتلك خير إرادة ... لو عاد من لهو الصبابة ما مضى
{ دِينِ الْمَلِكِ } سلطانه « ع » ، أو قضاؤه ، أو عادته ، كان الملك يضاعف غرم السارق ولا يسترقه . { إلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ } أن يسترق السارق ، أو أن يجعل ليوسف عذراً فيما فعل . { دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ } بالتقوى ، أو بإجابة الدعاء ، أو بمكابدة النفس وقهر الشهوة ، أو بالتوفيق والعصمة ، أو بالعمل { وَفَوْقَ كُلِّ } عالم من هو أعلم منه حتى ينتهي إلى الله تعالى فيوسف أعلم من إخوته وفوقه من هو أعلم منه ، أو أراد تعظيم العلم أن يحاط به ، أو أن يستصغر العالم نفسه ولا يعجب بعلمه وعرض أخاه لتهمة السرقة إذ لم يجد سبيلاً إلى أخذه إلا بها ، أو كان أخوه يعلم الحال فلم يقع منه موقعاً ، أو أشار بذلك إلى سرقة تقدمت منهم ، أو نبه بجعل بضاعتهم في رحالهم على المخرج من جعل الصواع في رحل أخيهم فتزول بذلك التهمة .


قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)

{ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ } كلمة أجراها الله على ألسنتهم عقوبة ليوسف ، أو أرادوا أنه جذبه عرق أخيه يوسف في السرقة لأنه كان من أبويه ، والاشتراك في النسب يوجب الاشتراك في الأخلاق ، وكان يوسف سرق صنماً لجده أبي أمه فكسره وألقاه في الطريق . أو كان مع إخوته على طعام فأخذ عرقاً فخبأه فعيّروه بذلك ، أو كان يسرق من طعام المائدة للمساكين ، أو كذبوا عليه في ذلك ، أو كانت منطقة إسحاق للكبير من ولده وكانت عند عمة يوسف لأنها الكبرى فلما أراد يعقوب أخذ يوسف من كفالتها جعلت المنطقة في ثوبه ثم أظهرت ضياعها واتهمته بها فصارت في حكمهم أحق به ، وفعلت ذلك لشدة ميلها إليه . { فَأَسَرَّهَا } قولهم : { إِن يَسْرِقْ } ، أو قوله : { أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } « ع » { شَرٌّ مَّكَاناً } بظلم أخيكم . وعقوق أبيكم ، أو شر منزلة عند الله ممن نسبتموه إلى هذه السرقة . { تَصِفُونَ } تقولون ، أو تكذبون .


قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)

{ شَيْخاً كَبِيراً } في السن ، أو القدر . { مَكَانَهُ } عبداً بدله { مِنَ الْمُحْسِنِينَ } في هذا إن فعلته ، أو بإكرامنا وتوفية كيلنا ورد بضاعتنا .


قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)

{ لَّظَالِمُونَ } إن أخذنا بريئاً بسقيم ، أو حكمنا عليكم بغير حكم أبيكم في إرقاق السارق .


فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)

{ اسْتَيْئَسُواْ } من رد أخيهم عليهم ، أو تيقنوا أنه لا يرد { خَلَصُواْ نَجِيّاً } انفردوا يتناجون ويتشاورون لا يختلط بهم غيرهم { كَبِيرُهُمْ } في العقل والعلم شمعون الذي ارتهنه يوسف لما رجعوا إلى إبيهم ، أو في السن روبين ابن خالة يوسف ، أو في الرأي والتمييز يهوذا . { مَّوْثِقاً } عند أنفاذ ابنه معكم { فَرَّطتُمْ فِى يُوسُفَ } ضيعتموه { فَلَنْ أَبْرَحَ } أرض مصر حتى يأذن لي أبي بالرجوع ، أو يحكم الله لي بالخروج منها عند الجمهور ، أو بالسيف والمحاربة لأنهم هموا بذلك .


ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81)

{ وَمَا شَهِدْنَآ } بأن السارق يسترق إلا بما علمنا ، أون ما شهدنا عندك بسرقته إلا بما علمنا من وجود السرقة في رحله { لِلْغَيْبِ } من سرقته ، أو استرقاقه .


وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82)

{ الْقَرْيَةَ } مصر سل أهلها ، أو سلها نفسها لتنطق وإن كانت جماداً { وَالْعِيرَ } القافلة وتسمى بها الإبل تشبيهاً ، أو الحمير سل أهلها أو سلها فإن الله تعالى ينطقها معجزة لك .


قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)

{ سَوَّلَتْ } زينت ، أو سهلت . { أمْرًا } قولكم إنه سرق . { بِهِمْ جَمِيعاً } يوسف وبنيامين والأخ المتخلف بمصر .


وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)

{ يَآأَسَفَى } يا حزناً « ع » ، أو يا جزعاً شكا إلى الله ولم يشك منه ، أو أضمر الدعاء تقديره « يا رب أرحم أسفي » { وَابْيَضَّتْ } ضعف بصره لبياض حصل فيه من كثرة بكائه ، أو ذهب بصره { كَظِيمٌ } بالكمد ، أو مخفي حزنه ، كظم غيظه : أخفاه .


قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85)

{ تَفْتَؤُاْ } لا تزال { حَرَضاً } هرماً أو دنفاً من المرض وهو ما دون الموت « ع » ، أو فاسد العقل ، وأصل الحرض فساد الجسم والعقل بمرض أو عشق ، قال :
إني امرؤ لج بي حب فأحرضني ... حتى بليت وحتى شفني السقم
{ الْهَالِكِينَ } الميتين اتفاقاً .


قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)

{ بَثِّى } همي « ع » ، أو حاجتي ، والبث تفريق لهم بإظهار ما في النفس { مَا لا تَعْلَمُونَ } صدق رؤيا يوسف وأني أسجد له ، أو أحست نفسه لما أخبروه بدعاء الملك وقال : لعله يوسف ، وقال : لا يكون في الأرض صديق إلا نبي . دخل على يعقوب رجل فقال ما بلغ بك ما أرى ، قال : طول الزمان وكثرة الأحزان فأوحى الله تعالى إليه يا يعقوب تشكوني فقال : خطيئة أخطأتها فاغفرها لي ، فكان بعد ذلك يقول إنما أشكو بثي وحزني إلى الله .


يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)

{ فَتَحَسَّسُواْ } استعلموا وتعرفوا ، أخذ من طلب الشيءَ بالحس { رَّوْحِ اللَّهِ } فرجه ، أو رحمته من الريح التي تأتي بالنفع . أمرهم بذلك ، لأنه تنبه على يوسف برد البضاعة واحتباس أخيه وإظهار الكرامة ، وسأل يعقوب ملك الموت هل قبضت روح يوسف قال : لا .


فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)

{ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ } استعطفوه ليرد أخاهم ، أو ليوفي كيلهم ويحابيهم . { الْعَزِيزُ } الملك ، أو كان اسماً لكل من ملك مصر . { بِبِضَاعَةٍ } صوف وسمن أو حبة الخضراء والصنوبر ، أو خَلِق الحبل والغِرارة ، أو دراهم { مُّزْجَاةٍ } رديئة ، أو كاسدة ، أو قليلة ، وأصل الإزجاء السوق بالدفع ، { فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ } الذي قد كان كاله لأخيهم ، أو مثل الكيل الأول ، لا ، بضاعتهم الثانية أقل . { وَتَصَدَّقْ } تفضل بما بين سعر الجياد والرديئة ، لأن الصدقة محرمة على الأنبياء ، أو تصدق بالزيادة على حقنا ولا تحرم الصدقة إلا على محمد وآله لا غير ، أو برد أخينا ، أو تجوز عنا . وكره مجاهد أن يقال في الدعاء : اللهم تصدق عليَّ ، لأن الصدقة لمن يبتغي الثواب .


قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89)

{ هَلْ عَلِمْتُم } قد علمتم ك { هَلْ أتى } [ الإنسان : 1 ] لما قالوا مسنا وأهلنا الضر رق لهم فقال : { هَلْ عَلِمْتُم } { جَاهِلُونَ } جهل الصغر ، أو جهل المعاصي .


قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)

{ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا } بالسلامة ثم بالكرامة { مَن يَتَّقِ } الزنا { وَيَصْبِرْ } على الغربة ، أو يتقي الله ويصبر على بلائه . { لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } في الدنيا أو الآخرة .


قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91)

{ ءَاثَرَكَ } فضلك ، من الإيثار : وهو إرادة تفضيل أحد النفسين على الآخر ، وإنما قالوا : { لَخَاطِئِينَ } وإن كانوا إذ ذاك صغاراً لأنهم خطئوا بعد البلوغ بإخفاء صنعهم .


قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)

{ لا تَثْرِيبَ } لا تعيير ، أو لا تأنيب . أو [ لا ] إباء عليكم في قبولكم .


اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)

{ بَصِيراً } من العمى ولولا أن الله أعلمه بأنه يبصر بعد العمى لم يعلم يوسف أنه يرجع إليه بصره ، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه أو مستبصراً بأمري لأنه إذا شم القميص عرفني قال أخوه يهوذا : أنا حملت إلى أبيك قميصك بدم كذب فأحزنته فأنا أحمل القميص الآن لأسره ويعود إليه بصره فحمله . { بِأَهْلِكُمْ } ليتخذوا مصر داراً .


وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)

{ فَصَلَتِ } خرجت من مصر إلى الشام . قال : أبوهم لأولاد بنيه لأن بنيه كانوا غُيَّبا { تُفَنِّدُونِ } تسفهون « ع ، أو تكذبون ، وجد ريح القميص من مسافة عشرة أيام ، أو ثمانية أيام » ع « ، أو ستة أيام .


قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95)

{ ضَلالِكَ } خطئك ، أو جنونك قال الحسن رضي الله تعالى عنه : وهذا عقوق . أو في محبتك .


فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96)

{ الْبَشِيرُ } يهوذا ، سمي بذلك لأنه جاءه ببشارة ، { بَصِيراً } من العمى ، أو بخبر يوسف { مَا لا تَعْلَمُونَ } من صحة رؤيا يوسف ، أو قول ملك الموت ما قبضت روحه ، أو من بلوى الأنبياء بالمحن ونزول الفرج ونيل الثواب .


قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97)

{ اسْتَغْفِرْ } طلبوا أن يحللهم لما أدخلوا عليه من آلام الحزن ، أو لأنه نبي تجاب دعوته ، أقام يعقوب وبنوه عشرين سنة يطلبون التوبة لإخوة يوسف فيما فعلوه بيوسف لا يقبل ذلك منهم حتى لقي جبريل عليه السلام يعقوب عليه الصلاة والسلام فعلمه هذا الدعاء ، يا رجاء المؤمنين لا تخيب رجائي ، ويا غوث المؤمنين أغثني ، ويا عون المؤمنين أعني ، ويا حبيب التوابين تُب علي . فاستُجيب له .


قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)

{ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ } أخره إلى صلاة الليل ، أو السَّحَر أو ليلة الجمعة « ع » مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو دافعهم بالتأخير ، قال عطاء : طلب الحوائج إلى الشباب أسهل منها عند الشيوخ ألا ترى قول يوسف { لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ اليوم } الآية [ يوسف : 92 ] وقول يعقوب { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ } .


فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99)

{ فَلَمَّا دَخَلُواْ } خرج يوسف وأهله والملك الأكبر واستقبلوا يعقوب على يوم من مصر فقال لهم : ادخلوا مصر آمنين من فرعون ، أو من الجدب والقحط . أو لم يجتمعوا به إلا بعد دخولهم عليه بمصر فقوله : ادخلوا أي استوطنوا مصر إن شاء الله استيطانكم ، أو الاستثناء متعلق بقوله : { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّى } دخلوا مصر وهم ثلاثة وتسعون ما بين رجل وامرأة ، وخرجوا مع موسى وهم ستمائة وتسعون ألفاً [ أ ] و دخلوا وهم اثنان وسبعون ، وخرجوا منها مع موسى وهم ستمائة ألف .


وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)

{ أَبَوَيْهِ } أبوه وأمه ، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه وابن إسحاق ، أو أبوه وخالته وكانت أمه قد ماتت في نفاسها بأخيه بنيامين { الْعَرْشِ } السرير . { سُجَّداً } سجدوا له بأمر الله تعالى تحقيقاً لرؤياه ، أو كان السجود تحية من قبلنا وأعطيت هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة { تَأْوِيلُ رُءْيَاىَ } كان بين رؤياه وتأويلها ثمانون سنة ، أو أربعون ، أو ستة وثلاثون ، أو اثنان وعشرون ، أو ثماني عشر ، ورؤيا الأنبياء لا تكون إلا صادقة ، وإنما أمره يعقوب بكتامنها لأنه رآها صغيراً فلم تكن كرؤيا الأنبياء ، أو خاف طول المدة مع مكابدة البلوى وخشي تعجيل الأذى بكيد الإخوة { مِنَ السِّجْنِ } شكر على الإخراج من السجن ولم يذكر الجب لئلا يكون معرضاً بتوبيخ إخوته بعد قوله : { لا تَثْرِيبَ } أو لأنه ما تخوفه في السجن من المعرة لم يكن في الجب فكانت النعمة فيه أتم ، أو لأنه انتقل من بلوى السجن إلى نعمة الملك بخلاف الجب فإنه انتقل منه إلى الرق . { مِّنَ الْبَدْوِ } كانوا بادية بأرض كنعان أهل مواشي أو جاءوا في البادية وكانوا أهل مدن بفلسطين ، أو ناحية حران من أهل الجزيرة قاله الحسن رضي الله تعالى عنه { نَّزَغَ } حرش وأفسد . { لَطِيفٌ } لطف بيوسف بإخراجه من السجن ومجيء أهله من البدو ، ونزع عن قلبه نزغ الشيطان


رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)

{ مِنَ الْمُلْكِ } لأنه كان على مصر من قِبَل فرعون . { تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ } عبار الرؤيا ، أو الإخبار عن حوادث الزمان { مُسْلِماً } مخلصاً للطاعة ، أو على ملة الإسلام ، قال السدي : « كان أول نبي تمنى الموت » ولما لقي البشير يعقوب قال : على أي دين خلفت يوسف قال على الإسلام قال الآن تمت النعمة . { بِالصَّالِحِينَ } أهل الجنة .


ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)

{ ذَلِكَ } قصة يوسف وإخوته من أخبار الغيب { لَدَيْهِمْ } مع إخوة يوسف { إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ } في إلقائه في الجب .


وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)

{ مُّشْرِكُونَ } يقولون : الله ربنا وآلهتنا ترزقنا ، أو المنافق يؤمن بظاهره ويكفر بباطنه « ح » ، أو قول الرجل لولا الله وفلان لهلك فلان .


قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)

{ سَبِيلِى } دعوتي ، أو سنتي { بَصِيرَةٍ } هدى ، أو حق .


وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109)

{ مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى } الأمصار دون البوادي لأنهم أعلم وأحكم . ولم يبعث الله تعالى نبياً من البادية قط ولا من النساء ولا من الجن « ح » .


حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)

{ اسْتَيْئَسَ } من تصديق قومهم « ع » ، أو من تعذيبهم « م » . { وَظَنُّواْ } ظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم « ع » ، أو تيقن الرسل أن قومهم قد كَذَبوهم { جَآءَهُمْ نَصْرُنَا } جاء الرسل نصر الله ، أو جاء قومهم عذاب الله « ع » { فَنُجِّىَ } الأنبياء ومن آمن معهم .


لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)

{ قَصَصِهِمْ } قصص يوسف وإخوته اعتبار للعقلاء بنقل يوسف من الجب والسجن والذل والرق إلى العز والملك والنبوة فالذي فعل ذلك قادر على نصر محمد صلى الله عليه وسلم وإعزاز دينه وإهلاك عدوه . { مَا كَانَ } القرآن { حَدِيثاً } يُختلق { وَلكِن تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ } من التوراة والإنجيل وسائر الكتب ، أو ما كان القصص المذكور حديثاً يُختلق ولكن تصديق الذي بين يديه من الكتب .


المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1)

{ ءَايَاتُ الْكِتَابِ } الزبور ، أو التوراة والإنجيل ، أو القرآن .


اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)

{ بِغَيْرِ عَمَدٍ } لها عمد لا ترى « ع » ، أو لا عمد لها .


وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)

{ رَوَاسِىَ } جبالاً ثوابت ، واحدها راسية لأن الأرض ترسو بها { وَأَنْهَاراً } ينتفع بها شرباً وإنباتاً ومغيضاً للأمطار ومسالك للفلك { زَوْجَيْنِ اثْنَيِنِ } أحدهما ذكر وانثى كفحال النخل وإناثها ، وكذلك كل النبات وإن خفي . والزوج الأخر حلو وحامض ، أو عذب وملح ، أو أبيض وأسود ، أو أحمر وأصفر فإن كل جنس من الثمار نوعان فكل ثمرة ذات نوعين زوجين فصارت أربعة أنواع { يُغشي } ظلمة الليل ضوء النهار ، ويغشي ضوء النهار ظلمة الليل .


وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)

{ مُّتَجَاوِرَاتٌ } في المدى مختلفات عَذِية تنبت وسبخة لا تنبت { صِنْوَانٌ } مجتمع وغيره مفترق ، أو صنوان نخلات أصلها واحد وغيرها أصولها شتى ، أو الصنوان الأشكال وغيره المختلف ، أو الصنوان الفسيل يقطع من أمهاته فهو معروف وغيره ما ينبت من النوى فهو مجهول حتى يعرف ، وأصل النخل الغريب من هذا . { وَنُفَضِّلُ } فمنه الحلو والحامض والأحمر والأصفر القليل والكثير { إِنَّ فِى } اختلافها { لأَيَاتٍ } على عظم قدرته . أو ضربه مثلاُ لبني آدم أصلهم واحد واختلفوا في الخير والشر والإيمان والكفر كالثمار المسقية بماء واحد « ح » .


وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5)

{ وَإن تَعْجَبْ } من تكذيبهم لك فأعجب منه تكذيبهم بالبعث ، ذكر ذلك ليعجب رسوله صلى الله عليه وسلم والتعجب تغير النفس بما خفيت أسبابه ولا يجوز ذلك على الله عز وجل .


وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6)

{ بِالسَّيِّئَةِ } بالعقوبة قبل العافية ، أو الشر قبل الخير ، أو الكفر قبل الإجابة { الْمَثُلاتُ } الأمثال المضروبة لمن تقدم ، أو العقوبات التي مثل الله بها من مضى من الأمم . وهي جمع مثلة { عَلَى ظُلْمِهِمْ } يغفر الظالم السالف للتوبة في المستأنف ، أو يعفو عن تعجيل العذاب مع ظلمهم بتعجيل العصيان ، أو يغفر لهم بالإنظار توقعاً للتوبة ، ولما نزلت قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحداً العيش ، ولولا وعيده عقابه لاتكل كل أحد » .


وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)

{ هَادٍ } الله « ع » ، أو نبي ، أو قادة ، أو دعاة ، أو عمل ، أو سابق يسبقهم إلى الهدى .


اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)

{ مَا تَحْمِلُ } من ذكر أو أنثى { وَمَا تَغِيَضُ } بالسقط الناقص . { وَمَا تَزْدَادُ } بالولد التام « ع » ، أو بالوضع لأقل من تسعة أشهر { وَمَا تَزْدَادُ } بالوضع لأكثر من التسعة ، قال الضحاك حملتني أمي سنتين ووضعتني وقد خرجت سني ، أو بانقطاع الحيض مدة الحمل غذاء للولد { وَمَا تَزْدَادُ } بدم النفاس بعد الوضع ، أو بظهور الحيض على الحمل ، لأنه ينقص الولد { وَمَا تَزْدَادُ } في مقابلة أيام الحيض من أيام الحمل ، لأنها كلما حاضت على حملها يوماً زادت في طهرها يوماً حتى يستكمل حملها تسعة أشهر طهراً قاله عكرمة وقتادة { وَكُلُّ شَىْءٍ } من الرزق والأجل { عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } .


سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)

{ سَوَآءٌ مِّنكُم } في علمه { مَّنْ أَسَرَّ } خيراً أو شراً ، أو جهر بهما { مُسْتَخْفِ } بعمله في ظلمة الليل ومن أظهره بضوء النهار ، أو يرى ما أخفاه الليل كما يرى ما أظهره النهار ، والسارب : المنصرف الذاهب ، من السارب في المرعى وهو بالعشي ، والروح بالغداة .


لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)

{ مُعَقِّبَاتٌ } ملاكة الليل والنهار يتعاقبون صعوداً ونزولاً ، اثنان بالنهار واثنان بالليل يجتمعون عند صلاة الفجر ، أو حراس الأمراء يتعاقبون الحرس « ع » أو ما يتعاقب من أوامر الله وقضائه في عبادة { مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } أمامه وورائه ، أو هداه وضلاله . { يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } بأمر الله ، أو تقديره معقبات من أمر الله يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ، أو معاقبته من الحرس يحفظونه عند نفسه من أمر الله ولا راد لأمره ولا دافع لقضائه « ع » ، أو يحفظونه حتى يأتي أمر الله فيكفوا « ع » ، أو أمر الله : الجن والهوام المؤذي تحفظه الملائكة منه ما لم يأتِ قدر ، أو يحفظونه من أمر الله وهو الموت ما لم يأتِ أجل وهي عامة في جميع الخلائق عند الجمهور ، أو خاصة في الرسول صلى الله عليه وسلم لما أزمع عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة على قتله فمنعه الله تعالى ونزلت { سُوءًا } عذاباً { وَالٍ } ملجأ ، أو ناصر .


هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12)

{ خَوْفاً } من صواعقه { وَطَمَعاً } في نزول غيثه ، أو خوفاً للمسافر من أذيته وطمعاً للمقيم في بركته . { الثِّقَالَ } بالماء .


وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)

{ الرَّعْدُ } الصوت المسموع ، أو ملك والصوت المسموع تسبيحه { خِيفَتِهِ } الضمير لله تعالى ، أو للرعد ، { الصَّوَاعِقَ } نزلت في رجل أنكر القرآن وكذب الرسول صلى الله عليه وسلم فأخذته صاعقة ، أو في أربد لما هم بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم مع عامر بن الطفيل فيبست يده على سيفه ثم انصرف فأحرقته صاعقة فقال أخوه لبيد :
أخشى على أربد الحتوف ولا ... أرهب نوء السِّماكِ والأسد
فجعني البرق والصواعق بالفا ... رس يوم الكريهة النَجُد
أو نزلت في يهودي قال للرسول صلى الله عليه وسلم أخبرني عن ربك من أي شيء هو من لؤلؤ أو ياقوت فجاءت صاعقة فأحرقته « ع » { يُجَادِلُونَ } قول اليهودي ، أو جدال أربد لما همَّ بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم { الْمِحَالِ } العداوة « ع » ، أو الحقد « ح » ، أو القوة « م » أو الغضب أو الحيلة أو الحول « ع » ، أو الهلاك بالمَحْل وهو القحط « ح » ، أو الأخذ أو الأنتقام .


لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14)

{ دَعْوَةُ الْحَقِّ } لا إله إلا الله « ع » ، أو الله هو الحق فدعاؤه دعوة الحق ، أو الإخلاص في الدعاء { لا يَسْتَجِيبُونَ } لا يجيبون دعاءهم ولا يسمعون نداءهم والعرب يمثلون كل من سعى فيما لا يدركه بالقابض على الماء قال :
فأصبحت مما كان بيني وبينها ... من الود مثل القابض الماء باليد
{ كَبَاسِطِ } الظمآن يدعو الماء ليبلغ إلى فيه ، أو يرى خياله في الماء وقد بسط كفيه فيه { لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ } لكذب ظنه وسوء توهمه « ع » ، أو كباسط كفيه ليقبض عليه فلا يحصل في كفه منه شيء .


وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (15)

{ طَوْعاً } المؤمن { وَكَرْهاً } الكافر ، أو طوعاً من أسلم راغباً وكرهاً من أسلم بالسيف راهباً { وَظِلالُهُم } يسجد ظل المؤمن معه طائعاً وظل الكافر كارهاً . { وَالأَصَالِ } جمع أُصُل وأُصُل جمع أصيل وهو العشي ما بين العصر والمغرب .


قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)

{ لا يَمْلِكُونَ } إذ لم يملكوا لأنفسهم جلب نفع ولا دفع ضر فأولى أن لا يملكوا ذلك لغيرهم . { الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ } المؤمن والكافر { الظُّلُمَاتُ وَالْنُّورُ } الضلالة والهدى { فَتَشَابَهَ } لما لم تخلق آلهتهم خلقاً يشبته عليهم بخلق الله فلِمَ اشتبه عليهم حتى عبدوها كعبابدة الله؟


أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)

{ بِقَدَرِهَا } الكبير بقدره والصغير بقدره { رَّابِياً } مرتفعاً { حِلْيَةٍ } الذهب والفضة { أو مَتَاعٍ } الصفر والنحاس . { زَبَدٌ } خبث كزبد الماء الذي لا ينتفع به { جُفَآءً } منتشفاً ، أو جافياً على وجه الأرض ، أو ممحقاً ومن قرأ { جُفالاً } أخذه من قولهم : انجفلت القدر إذا قذفت بزبدها . شبه الله تعالى الحق بالماء وما خلص من المعادن فإنهما يبقيان للانتفاع بهما ، وشبه الباطل بزبد الماء وخبث الحديد الذاهبين غير منتفع بهما .


لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)

{ الْحُسْنَى } الحياة والرزق ، أو الجنة مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم { سُوءُ الْحِسَابِ } المؤاخذة بكل ذنب فلا يعفى عن شيء من ذنوبهم ، أو المناقشة بالأعمال ، أو التقريع والتوبيخ عند الحساب .


وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)

{ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } الرحم { وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } في قطعها { وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ } في المعاقبة عليها . أو الإيمان بالنبيين والكتب كلها { وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } فيما أمرهم بوصله { وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ } في تركه ، أو صلة محمد صلى الله عليه وسلم قاله « ح » .


وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)

{ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ } يدفعون المنكر بالمعروف ، أو الشر بالخير ، أو سفاهة الجاهل بالحلم ، أو الذنب بالتوبة ، أو المعصية بالطاعة .


سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)

{ بِمَا صَبَرْتُمْ } على الفقر ، أو الجهاد في سبيل الله ، أو على ملازمة الطاعة وترك المعصية ، أو عن فضول الدنيا ، أو عما تحبونه حين فقدتموه { فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } الجنة عن الدنيا ، أو الجنة من النار .


اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)

{ مَتَاعٌ } قليل ذاهب ، أو كزاد الراكب .


الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)

{ بِذِكْرِ اللَّهِ } بأفواههم ، أو بنعمه عليهم ، أو بوعده لهم ، أو بالقرآن .


الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29)

{ طُوبَى } اسم للجنة ، أو لشجرة فيها ، أو اسم الجنة بالحبشية ، أو حسنى لهم ، أو نعم ما لهم ، أو خير ، أو غبطة ، أو فرح وقرة عين « ع » ، أو العيش الطيب ، أو طوبى فُعلى من الطيب كالفُضلى من الأفضل .


كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)

{ بِالرَّحْمَنِ } لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم بالحديبية للكاتب : « اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم » ، قالوا ما ندري ما الرحمن ، ولكن اكتب باسمك اللهم ، أو قالوا بلغنا أن الذي يعلمك ما تقول رجل من أهل اليمامة يقال له الرحمن وإنا والله لن نؤمن به أبداً فنزلت { لآ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } وإن اختلفت أسماؤه فهو واحد { مَتَابِ } توبتي .


وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)

{ وَلَوْ أَنَّ قُرْءَاناً } لما قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم إنْ سَرَّك أن نتبعك فسير جبالنا تتسع أرضنا فإنها ضيقة ، وقرب لنا الشام فإنا نتجر إليها ، وأخرج لنا الموتى من القبور نكلمهم ، أنزلها الله تعالى { سُيّرَتْ } أخرت { قُطِّعَتْ } قربت { كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى } أحيوا ، جوابه : « لكان هذا القرآن » فحُذف للعلم به { يَاْيْئَسِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ } من إيمان هؤلاء المشركين ، أو من حصول ما سألوه لأنهم لما طلبوا ذلك اشرأب المسلمون إليه « ع » ، أو ييأس : يعلم ، قال :
ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه ... وإن كنت عن أرض العشيرة نائياً
أو ييأس قبل هي لغة جرهم . { لَهَدَى النَّاسَ } إلى الإيمان ، أو الجنة { قَارِعَةٌ } تقرعهم من العذاب والبلاء ، أو سرايا الرسول صلى الله عليه وسلم { أَوْ تَحُلُّ } أنت يا محمد « ع » ، أو القارعة { وَعْدُ اللَّهِ } القيامة ، أو فتح مكة « ع » .


أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)

{ بِظَاهِرِ } بباطل ، أو ظن ، أو كذب ، أو بالقرآن قاله السدي .


مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)

{ مَّثَلُ الْجَنَّةِ } شبهها أو نعتها إذ لا مثل لها { أُكُلُهَا دَآئِمٌ } ثمرتها لا تنقطع ، أو لذتها في الأفواه باقية قاله إبراهيم التيمي .


وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (36)

{ وَالَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ } الصحابة ، أو مؤمنو أهل الكتاب ، أو اليهود والنصارى فرحوا بما في القرآن من تصديق كتبهم . { مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ } قريش ، أو اليهود والنصارى والمجوس { بَعْضَهُ } عرفوا صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وأنكروا تصديقه ، أو عرفوا نعته وأنكروا نبوته .


وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38)

{ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةْ } أي هم كسائر البشر فلِمَ أنكروا نبوتك وأنت كمن تقدم ، أو نهاه بذلك عن التبتل ، أو عاب اليهود الرسول صلى الله عليه وسلم بكثرة الأزواج فأخبرهم بأن ذلك سنة الرسل عليه الصلاة والسلام { أَن يَأَتِىَ بِآيَةٍ } لما سألت قريش تسيير الجبال وغير ذلك نزلت . { لِكُلِّ أَجَلِ } لكل قضاء قضاه الله تعالى { كِتَابٌ } كتبه فيه ، أو لكل أجل من آجال الخلق كتاب عن الله ، أو لكل كتاب نزل من السماء أجل على التقديم والتأخير .


يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)

{ يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ } من أمور الخلق فيغيرها إلا الشقاء والسعادة فإنهما لا يغيران « ع » ، أو له كتابان أحدهما أم الكتاب لا يمحو منه شيئاً ، والثاني يمحو منه ما يشاء ويثبت كلما أراد أن ينسخ ما يشاء من أحكام كتابه ويثبت ما يشاء فلا ينسخه ، أو يمحو ما جاء أجله ويثبت من لم يأت أجله ، أو يمحو ما يشاء من الذنوب بالمغفرة ويثبت ما يشاء فلا يغفره ، أو يختم للرجل بالشقاء فيمحو ما سلف من طاعته أو يمحو بخاتمته من السعادة ما تقدم من معصيته « ع » ( أم الكتاب ) حلاله وحرامه ، أو جملة الكتاب ، أو علم الله تعالى بما خلق وما هو خالق ، أو الذكر « ع » أو الكتاب الذي لا يبدل ، أو أصل الكتاب في اللوح المحفوظ .


أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41)

{ نَنقُصُهَا } بالفتوح على المسلمين من بلاد المشركين ، أو بخرابها بعد عمارتها ، أو بنقصان بركتها وبمحيق ثمرتها أو بموت فقهائها وخيارها « ع » .


وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)

{ شَهِيداً } بصدقي وكذبكم . { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } ابن سلام وسلمان وتميم الداري ، أو جبريل عليه السلام ، أو الله عز وجل عن الحسن رضي الله تعالى عنه وكان يقرأ { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } ويقول : « هذه السورة مكية وهؤلاء أسلموا بالمدينة » .


الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)

{ الظُّلُمَاتِ } الضلالة والكفر ، و { النُّورِ } الإيمان والهدى { بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } بأمره . آمن بعيسى قوم وكفر به آخرون فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم آمن به من كفر بعيسى وكفر به الذين آمنوا بعيسى فنزلت « ع » .


الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3)

{ يَسْتَحِبُّونَ } يختارون ، أو يستبدلون { سَبِيلِ اللَّهِ } دينه { وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } العوج بالكسر في الأرض والدين وكل ما لم يكن قائماً وبالفتح كل ما كان قائماً كالرمح والحائظ . { وَيَبْغُونَهَا } يرجون بمكة ديناً غير الإسلام « ع » ، أو يقصدون بمحمد صلى الله عليه وسلم هلاكاً .


وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)

{ بَآَيَاتِنَآ } التسع ، أو بالحجج والبراهين { وَذَكِّرْهُم } عظهم بما سلف لهم في الأيام الماضية ، أو بالأيام التي انتقم فيها بالقرون الأول ، أو بنعم الله لأنها تُسمى بالأيام .
وأيام لنا غر طوال ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
{ صَبَّارٍ شَكُورٍ } كثير الصبر والشكر إذا ابتُلي صبر وإذا أعطي شكر ، وأخذ الشعبي من هذه الآية أن الصبر نصف الإيمان والشكر نصفه .


وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)

{ بَلآءٌ } نعمة « ع » ، أو شدة بلية ، أو اختبار وامتحان .


وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)

{ تَأَذَّنَ } قال ، أو أعلم { شَكَرْتُمْ } نعمتي { لأَزِيدَنَّكُمْ } من أفضالي أو طاعتي « ح » .


أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)

{ بِالْبَيِّنَاتِ } الحجج . { فَرَدُّواْ } عضوا الأصابع غيظاً على الرسل ، أو كذبوهم بأفواهم ، أو عجبوا لما سمعوا كتاب الله تعالى ووضعوا أيديهم في أفواهم « ع » ، أو أشاروا بذلك إلى رسولهم لما أدعى الرسالة بأن يسكت تكذيباً له ورداً لقوله ، أو وضعوا أيديهم على أفواه الرسل رداً لقولهم « ح » ، أو الأيدي النعم ردوها بأفواههم جحوداً ، أو عبّر بذلك عن ترك قبولهم للحق يقال لمن أمسك عن الجواب : رد يده في فيه .


قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10)

{ أَفِى اللَّهِ } أفي توحيده ، أو طاعته ، { مِّن ذُنُوبِكُمْ } من زائدة ، أو يجعل المغفرة بدلاً من ذنوبكم ، { وَيُؤَخِّرَكُمْ } إلى الموت فلا يعذبكم في الدنيا .


وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)

{ مَقَامِى } مقامه بين يدي . { وَعِيدِ } عذابي أو زواجر القرآن .


وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15)

{ وَاسْتَفْتَحُواْ } الرسل بطلب النصر « ع » ، أو الكفار استفتحوا بالبلاء . { جَبَّارٍ } متكبر . { عَنِيدٍ } معاند للحق ، أو بعيد عنه .


مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16)

{ مِّن وَرَآئِهِ } من بعد هلاكه جهنم ، أو أمامه جهنم .


يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)

{ مِن كُلِّ مَكَانٍ } من جسده لشدة آلامه ، أو يأتيه أسباب الموت عن يمين وشمال وفوق وتحت وقدام وخلف « ع » ، أو تأتيه شدائد الموت من كل مكان . { وَمِن وَرَآئِهِ } فيه الوجهان المذكوران . { عَذَابٌ غَلِيظٌ } الخلود في النار .


مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18)

{ مَّثَلُ } أعمال { الَّذِينَ كَفَرُواْ } في حبوطها وبطلانها وأنه لا يحصل منها على شيء بالرماد المذكور { عَاصِفٍ } شديدة وصف اليوم بالعصوف لوقوعه فيه كما يقال يوم حار ويوم بارد أو أراد عاصف الريح فحذف لتقدم ذكر الريح ، أو العصوف من صفة الريح المذكورة فلما جاء بعد اليوم أتبع إعرابه .


وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21)

{ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ } ظهروا بين يديه في القيامة ، والضعفاء : الأتباع والذين استكبروا : قادتهم . { تَبَعاً } في الكفر { مُّغْنُونَ } دافعون ، أغنى عنه دفع عنه الأذى وأغناه أوصل إليه نفع { لَوْ هَدَانَا اللَّهُ } إلى الإيمان لهديناكم إليه ، أو إلى الجنة لهديناكم إليها ، أو لو نجّانا من العذاب لنجيناكم منه . { مَّحِيصٍ } ملجأ ومنجى يقول بعضهم لبعض : إن قوماً جزعوا وبكوا ففازوا فيجزعون ويبكون ، ثم يقولون : إن قوماً صبروا في الدنيا ففازوا فيصبرون فعند ذلك يقولون : { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ } الآية .


وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)

{ وَقَالَ الشَّيْطَانُ } يقوم إبليس خطيباً يوم القيامة فيسمعه الخلائق جميعاً { قُضِىَ الأَمْرُ } بحصول أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار . { وَعْدَ الْحَقِّ } الجنة والنار والبعث والثواب والعقاب . { وَوَعَدتُكُمْ } بأن لا بعث ولا ثواب ولا عقاب { بِمُصْرِخِىَّ } بمنجي أو بمغيثي { إِنِّى كَفَرْتُ } قبلكم { بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ } من بعدي لأن كفره قبل كفرهم .


وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23)

{ تَحِيَّتُهُمْ } ملكهم دائم السلام ، ومنه التحيات لله أي الملك ، أو التحية المعرفوة إذا تلاقوا سلموا بها .


أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)

{ كَلِمَةً طَيِّبَةً } الإيمان ، أو المؤمن { كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ } النخلة قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو شجرة في الجنة « ع » { ثَابِتٌ } في الأرض { وَفَرْعُهَا } نحو السماء .


تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)

{ أُكُلَهَا } ثمرها { حِينِ } عبارة عن الوقت في اللغة . يراد بها ها هنا سنة لأنها تحمل في السنة مرة ، أو ثمانية أشهر لأنها مدة الحمل ظاهراً وباطناً ، أو ستة أشهر لأنها مدة الحمل ظاهراً ، أو اربعة أشهر لأنها مدة صلاحها وبروزها من طلعها إلى جذاذها ، أو شهرين لأنها مدة صلاحها إلى جفافها ، أو غدوة وعيشية لأنه وقت اجتنائها « ع » . شبه ثبوت الكلمة في الأرض بثبوت النخلة في الأرض فإذا ظهرت عرجت إلى المساء كما تعلو النخلة نحو السماء فكلما ذكرت نفعت كما أن النخلة إذا أثمرتب نفعت .


وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)

{ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ } الكفر ، أو الكافر { كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ } الحنظل أو الأكشوث ، أو شجرة لم تخلق « ع » ، { اجْتُثَّتْ } اقتلعت من أصلها . { قَرَارٍ } ثبوت ، أو أصل . شبه الكلمة الخبيثه التي ليس لها أصل يبقى ولا ثمرة حلوة بأنه ليس لها عمل في الأرض يبقى ولا ذكر في السماء يرقى .


يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)

{ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ } يديمهم على القول الثابت { بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ } الشهادتان ، أو العمل الصالح { فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } زمن الحياة { وَفِى الآخِرَةِ } عند المساءلة في القبر ، أو الحياة الدنيا : مساءلة القبر والآخرة : مسائلة القيامة .


أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28)

{ الَّذِينَ بَدَّلُواْ } قريش بدلوا نعمة إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم منهم كفراً به وجحوداً ، أو نزلت في بني أمية وبني مخزوم ، فأما بنو أمية فمتعوا إلى حين ، وأما بنو مخزوم فأهلكوا يوم بدر ، أو هم قادة المشركين يوم بدر . أو جبلة بن الأيهم وتابعوه من العرب الذي لحقوا بالروم « ع » أو عامة في جميع المشركين . { دَارَ الْبَوَارِ } جهنم ، أو يوم بدر ، والبوار : الهلاك .


قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31)

{ سِرّاً وَعَلانِيَةً } خفية وجهرة عند الأكثرين ، أو السر : التطوع والعلانية : الفرض . { لاَّ بَيْعٌ } لا فدية في العاصي ، ولا شفاعة للكفار ، أو لا تُباع الذنوب ولا تُشترى الجنة . { خِلالٌ } مصدر خاللت خلالاً كقاتلت قتالاً ، أو جمع خلة كقلة وقلال أي لا مودة بين الكفار لتقاطعهم .


رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)

{ بَيْتِكَ } الذي لا يملكه غيرك . { الْمُحَرَّمِ } ، لأنه يحرم فيه ما يباح في غيره { أَفْئِدَةً } جمع فؤاد وهو القلب ، أو جمع وفود . { تَهْوِى } تحن ، أو تهواهم ، أو تنزل عليهم . طلب ذلك ليميلوا إلى سكناها فتصير بلداً محرماً « ع » ، أو ليحجوا قال « ع » : لولا أنه قال : من الناس لحجه اليهود والنصارى وفارس والروم { مِّنَ الثَّمَرَاتِ } أجابه بما في الطائف من الثمار وما يجلب إليهم من الأمصار .


مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)

{ مُهْطِعِينَ } مسرعين أهطع إهطاعاً أسرع ، أو الدائم النظر لا يطرق ، أو المطرق لا يرفع رأسه . { مُقْنِعِى } ناكسي بلغة قريش أو رافعي ، إقناعُ الرأسِ رَفعُه { طَرْفُهُمْ } الطرف : النظر وبه سيمت العين لأنه بها بكون { هَوَآءٌ } خالية من الخير « ع » ، أو تردد في أجوافهم ليس لها مكان تستقر به فكأنها تهوي ، أو زالت عن أماكنها فبلغت الحناجر فلا تنفصل ولا تعود .


وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44)

{ زَوَالٍ } عن الدنيا إلى الآخرة ، أو زوال عن العذاب .


وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)

{ مَكْرَهُمْ } الشرك « ع » ، أو بالعتو والتجبر ، وهي فيمن تجبر في ملكه وصعد مع النسرين في الهواء ، قاله علي وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما { وَعِندَ الَّلهِ مَكْرُهُمْ } يحفظه ليجازيهم عليه ، أو يعلمه فلا يخفى عنه { لِتَزُولَ } وما كان مكرهم لِتزولَ منه الجبال احتقاراً لمكرهم « ع » ، { لَتزولُ } وكاد أن يزيلها تعظيماً لمكرهم ، والجبال : جبال الأرض ، أو الإسلام والقرآن لأنه في ثبوته كالجبال .


يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)

{ تُبَدَّلُ الأَرْضُ } بأرض بيضاء كالفضة لم تعمل عليها خطيئة ، أو بأرض من فضة بيضاء ، أو هي هذه الأرض تبدل صورتها ويطهر دنسها { وَالسَّمَاواتُ } تبدل بغيرها كالأرض فتصير جناناً ، والبحار ناراً ، أو بجعل السماوات ذهباً والأرض فضة ، قاله علي رضي الله تعالى عنه ، أو بتناثر نجومها وتكوير شمسها ، أو طيها كطي السجل ، أو انشقاقها .


وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)

{ الأَصْفَادِ } الأغلال ، أو القيود والصفد العطاء ، لأنه يقيد المودة .


سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)

{ سَرَابِيلُهُم } جمع سربال وهو القميص { قَطِرَانٍ } الذي تهنأ به الإبل الإسراع النار إليها ، أو النحاس الحامي « ع » .


الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1)

{ الْكِتَابِ } القرآن ، أو التوراة والإنجيل .


رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2)

{ رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ } إذا رأوا المسلمين دخلوا الجنة أن يكونوا أسلموا ، ربما ها هنا للتكثير .


مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5)

{ مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ } رسولها وكتابها فتعذب قبلهما ، ولا يستأخر الرسول والكتاب عنهم .


مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8)

{ إِلاَّ بِالْحَقِّ } القرآن ، أو الرسالة ، أو بالقضاء عند الموت بقبض أرواحهم ، أو العذاب إن لم يؤمنوا .


إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)

{ الذِّكْرَ } القرآن ، { وَإِنَّا لَهُ } لمحمد صلى الله عليه وسلم { لَحَافِظُونَ } ممن أراده بسوء ، أو للقرآن حتى يجزى به يوم القيامة أو بحفظه من زيادة الشيطان فيه باطلاً ، أو نقصه منه حقاً .


وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10)

{ شِيَعِ } أمم ، أو القرى ، أو جمع شيعة ، والشيعة : الفرقة المتآلفة المتفقة الكلمة ، مأخوذ من الشياع وهو الحطب الصغار يوقد بها الكبار ، فهو عون للنار .


كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12)

{ نَسْلُكُهُ } الاستهزاء ، أو التكذيب ، أو نسلك القرآن في قلوبهم وإن لم يؤمنوا به ، أو إذا كذبوا به سلكنا في قلوبهم أن لا يؤمنوا به .


لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13)

{ سُنَّةٌ الأََوَّلِينَ } بالعذاب ، أو بألا يؤمنوا برسلهم إذا عاندوا والسنة : الطريقة .


وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14)

{ يَعْرُجُونَ } المشركون ، أو الملائكة وهم يرونهم .


لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)

{ سُكِّرَتْ } سُدت ، أو عُميت ، أو أّخذت ، أو غُشيت وغُطيت ، أو حُبست { مَّسْحُورُونَ } سُحرنا فلا نبصر ، أو مُعللون ، أو مُفسدون .


وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16)

{ بُرُوجاً } قصوراً فيها الحرس ، أو منازل الشمس والقمر ، أو الكواكب العظام أي السبعة السيارة ، أو النجوم ، أو البروج الإثنا عشر ، وأصله الظهور برجت المرأة أظهرت محاسنها .


وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17)

{ رَّجِيمٍ } ملعون ، أو مرجوم بقول أو فعل .


إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18)

{ اسْتَرَقَ السَّمْعَ } بأخبار الأرض دون الوحي فإنه محفوظ منهم . ويسترقون السمع من الملائكة في السماء ، أو في الهواء عند نزولهم من السماء { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ } قبل سماعه ، أو بعد سماعه فيجرحهم ويحرقهم ويخبلهم ولا يقتل « ع » ، أو يقتلهم قبل إلقائه إلى الجن فلا يصل إلى أخبار السماء إلا الأنبياء « ع » ، ولذلك انقطعت الكهانة ، أو يقتلهم بعد إلقائه إلى الجن ولذلك [ ما ] يعودون لاستراقه ، ولو لم يصل لقطعوا الاستراق . والشهب نجوم يُرجمون بها ثم تعود إلى أماكنها ، أو نور يمتد بشدة ضيائه فيحرقهم ولا يعود كما إذا أحرقت النار لم تعد .


وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)

{ مَدَدْنَاهَا } بسطناها من مكة لأنها أم القرى { مَّوْزُونٍ } بقدر معلوم عبّر عنه بالوزن ، لأنه آلة لمعرفة المقادير ، أو أراد الأشياء التي توزن في أسواقها ، أو مقسوم ، أو معدود .


وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20)

{ مَعَايِشَ } ملابس ، أو التصرف في أسباب الرزق مدة الحياة ، أو المطاعم والمشارب التي يعيشون بها . { وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ } الدواب والأنعام ، أو الوحش .


وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)

{ وَإِن مِّن شَىْءٍ } من أرزاق الخلق { إِلاَّ عِندَنَا خَزَآئِنُهُ } المطر المنزل من المساء إذ به نبات كل شيء { بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ما عام بأمطر من عام ولكن الله تعالى يقسمه حيث يشاء فيمطر قوماً ويحرم آخرين .


وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)

{ لَوَاقِحَ } السحاب حتى يمطر ، كل الرياح لواقح والجنوب ألقح ، أو لواقح للشجر حتى يثمر « ع » .


وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)

{ الْمُسْتَقْدِمِينَ } الذين خلقوا و { الْمُسْتَئْخِرِينَ } من لم يخلق ، أو من مات ومن لم يمت ، أو أول الخلق وآخره ، أو من تقدم أمة محمد صلى الله عليه وسلم والمستأخر من أمته ، أو المستقدمين في الخير والمستأخرين عنه ، أو في صفوف الحرب والمستأخرين فيها ، كانت امرأة من أحسن الناس تصلي خلف الرسول صلى الله عليه وسلم فيقدم بعضهم لئلا يراها ويتأخر بعضهم إلى الصف المؤخر فإذا ركع نظر إليها من تحت إبطه فنزلت .


وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26)

{ الإِنسَانَ } آدم عليه الصلاة والسلام { صَلْصَالٍ } طين يابس لم تصبه نار ، إذا نُقر صَلَ فسمعت له صلصلة ، وهي الصوت الشديد المسموع من غير الحيوان كالقعقعة في الثوب « ع » ، أو طين خلط برمل ، أو منتن ، صل اللحم وأصل أنتن ، { حَمَإٍ } جمع حمأة وهي الطين الأسود المتغير { مَّسْنُونٍ } منتن متغير ، أو أسن الماء تغير « ع » ، أو منصوب قائم من قولهم : وجه مسنون ، أو المصبوب ، سَنَ الماء على وجهه صبه عليه أو الذي يحك بعضه بعضاً ، سننت الحجر بالحجر حككت أحدهما بالآخر ومنه سن الحديد لحكه به ، أو الرطب ، أو المخلص سن سيفك أي : أجله .


وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)

{ وَالْجَآنَّ } إبليس ، أو الجن ، أو أبو الجن { مِن قَبْلُ } آدم { نَّارِ السَّمُومِ } لهب النار ، أو نار الشمس ، أو حر السموم ، والسموم الريح الحارة .


إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38)

{ الْمَعْلُومِ } عند الله تعالى وحده ، أو النفخة الأولى بينها وبين النفخة الثانية أربعون سنة هي مدة موته ، وأراد بسؤاله الإنظار أن لا يموت فلم يجبه إلى ذلك ، وأنظره إلى النفخة الأولى تعظيماً لبلائه وتعريفاً أنه لا يضر بفعله غير نفسه . ولم يكرمه بتكليمه بل كلمه بذلك على لسان رسول ، أو كلمه تغليظاً ووعيداً لا إكراماً وتقريباً .


قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39)

{ أَغْوَيْتَنِى } أضللتني « ع » ، أو خيبتني من رحمتك ، أو نسبتني إلى الإغواء .


إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)

{ الْمُخْلَصِينَ } لعباداتهم من الفساد والرياء ، سأل الحواريون عيسى عليه الصلاة والسلام عن المخلص ، فقال : الذي يعمل لله ولا يحب أن يحمده الناس .


قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41)

{ هَذَا صِرَاطٌ } يستقيم بصاحبه حتى يهجم به على الجنة « ع » ، أو صراط إليَّ « ح » ، أو تهديد ووعيد كقولك لمن تتوعده : « على طريقك » ، أو هذا صراط على استقامته بالبيان والبرهان .


ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46)

{ بِسَلامٍ } بسلامة من النار ، أو بسلامة تصحبكم من كل آفة { ءَامِنِينَ } من الخروج منها ، أو الموت ، أو الخوف والمرض .


وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)

{ وَنَزَعْنَا } بالإسلام { مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } الجاهلية ، أو نزعنا في الآخرة ما فيها من غل الدنيا « ح » وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم { سُرُرٍ } جمع أسرة ، أو سرور { مُّتَقَابِلِينَ } بوجوههم لا يصرفون أبصارهم تواصلاً وتحابياً ، أو متقابلين بالمحبة والمودة لا يتفاضلون فيها ولا يختلفون ، أو متقابلين في المنزلة لا يفضل بعضهم بعضاً لاتفاقهم على الطاعة أو استوائهم في الجزاء ، أو متقابلين في الزيارة والتواصل ، أو أقبلوا على أزواجهم بالمودة وأقبلن عليهم ، قيل نزلت في العشرة ، قال علي رضي الله تعالى عنه : إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير منهم .


قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53)

{ لا تَوْجَلْ } لا تخف { بِغُلامٍ عَليمٍ } في كبره وهو إسحاق لقوله تعالى { فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ } [ هود : 71 ] { عَلِيمٍ } حليم ، أو عالم عند الجمهور .


قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)

{ أَبَشَّرْتُمُونِى } تعجب { فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } تعجباً من قولهم ، أو استفهم هل بشروه بأمر الله تعالى ليكون أسكن لقلبه .


قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55)

{ الْقَانِطِينَ } الآيسين من الولد .


إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59)

{ ءَالَ لُوطٍ } أتباعه وناصروه .


إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)

{ قَدَّرْنَآ } قضينا ، أو كتبنا { الْغَابِرِينَ } الباقين في العذاب ، أو الماضين فيه .


فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65)

{ بِقِطْعٍ مِّنَ الَّيْلِ } ببعضه ، أو آخره ، أو ظلمته .


وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66)

{ وَقَضَيْنَآ } أوحينا { دَابِرَ هَؤُلآءِ } آخرهم ، أو أصلهم .


لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)

{ لَعَمْرُكَ } وعيشك « ع » ، أو وحياتك « ع » ، وما أقسم الله تعالى بحياة غيره ، أو وعملك { سَكْرَتِهِمْ } ضلالهم ، أو غفلتهم { يَعْمَهُونَ } يترددون « ع » ، أو يتمادون ، أو يلعبون ، أو يمضون .


إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)

{ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ } للمتفرسين ، أو المعتبرين ، أو المتفكرين ، أو الناظرين أو المتبصرين ، أو الذي يتوسمون الأمور فيعلمون أن الذي أهلك قوم لوط قادر على أهلاك الكفار .


وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76)

{ لَبِسَبِيلٍ } لهلاك « ع » ، أو لبطريق مُعْلَم .


وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78)

{ لَظَالِمِينَ } بتكذيبهم شعيباً ، أرسل إلى مدين فأهلكوا بالصيحة وإلى أصحاب الأيكة فاحترقوا بنار الظلة ، الأيكة : الغيضة ، أو الشجر الملتف كان أكثر شجرهم الدوم وهو المقل ، أو الأيكة اسم البلد وليكة اسم المدينة كبكة من مكة .


فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79)

{ وَإِنَّهُمَا } أصحاب الأيكة وقوم لوط { لَبِإِمَامٍ } لبطريق واضح . سمي الطريق إماماً لأن سالكه يأتم به حتى يصل إلى مقصده ، أو لفي كتاب مستبين ، سمي إماماً لتقدمه على سائر الكتب ، وقال مُؤرج : هو الكتاب بلغة حمير .


وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80)

{ الْحِجْرِ } الوادي ، أو مدينة ثمود ، أو أرض بين الشام والحجاز وأصحابه ثمود .


وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82)

{ ءَامِنِينَ } أن تسقط عليهم بيوتهم ، أو من خرابها ، أو من العذاب ، أو الموت .


وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)

{ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } الإعراض من غير جزع ، أو العفو بغير توبيخ ولا تعنيف ، ثم نسخ صفحه عن حق الله تعالى بآية السيف ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : بعد ذلك : « لقد أتيتكم بالذبح وبُعثت بالحصاد ولم أُبعث بالزراعة » ، أو أمر بالصفح عنهم في حق نفسه فيما بينه وبينهم .


وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)

[ { سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِى } ] السبع المثاني : الفاتحة ، لأنها تثنى كلما قرأ القرآن وصلى ، أو السبع الطوال ، البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والأنعام ، والأعراف ، ويونس ، « ع » سميت مثاني لما تردد فيها من الأمثال والخبر والعبر ، أو لأنها تجاوز المائة الأولى إلى المائة الثانية ، أو المثاني القرآن كله ، أو معانيه السبعة أمر ونهي وتبشير وإنذار وضرب أمثال وتعديد نعم وأنباء قرون .


لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)

{ أَزْوَاجاً } أشباهاً ، أو أصنافاً ، أو الأغنياء { وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } بما أنعمت عليهم في الدنيا أو بما يصيرون إليه من كفرهم { وَاخْفِضْ } عبّر به عن الخضوع ، أو عن إلانه الجانب ، نزل بالرسول صلى الله عليه وسلم ضيف فلم يكن عنده ما يصلحه فأرسل إلى يهودي يستسلف منه دقيقاً إلى هلال رجب ، فأبى إلا برهن ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : « إني لأمين في السماء أمين في الأرض ولو أسلفني لأديت إليه » فنزلت { لا تَمُدَّنَّ } .


كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90)

{ الْمُقْتَسِمِينَ } اليهود والنصارى اقتسموا القرآن أعضاء أي أجزاء فآمنوا ببعض منها وكفروا ببعض « ع » ، أو اقتسموه استهزاء به فقال بعضهم : هذه السورة لي ، وقال بعضهم : هذه لي ، أو اقتسموا كتبهم فآمن بعضهم ببعضها وكفر ببعضها وكفر آخرون بما آمن به أولئك وأمنوا بما كفروا به ، أو قوم صالح تقاسموا على قتله ، قاله ابن زيد ، أو قوم من قريش اقتسموا طُرق مكة لينفروا على الرسول صلى الله عليه وسلم من يرد من القبائل بأنه ساحر أو شاعر أو كاهن أو مجنون حتى لا يؤمنوا به فنزل عليهم عذاب فأهلكهم ، أو قوم من قريش اقتسموا القرآن فجعلوا بعضه شعراً وبعضه سحراً وبعضه كهانة وبعضه أساطير الأولين ، أو قوم اقتسموا أيماناً تحالفوا عليها .


الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91)

{ عِضِينَ } فرقاً بعضه شعراً وبعضه سحراً وبعضه أساطير الأولين ، جعلوه أعضاء كما تعضى الجزور ، وعضين جمع عضو من عضيت الشيء تعضية إذا فرقته « ع » .
وليس دين الله تعالى بالمعضى
أي المفرق أو العضين جمع عضة وهو البهت لأنهم بهتوا كتاب الله تعالى فيما رموه به ، عضهت الرجل أعضهه عضها بهته ، وقال :
إن العضيهة ليست فعل أحرار ... أو العضه : السحر بلسان قريش ومنه « لعن الرسول صلى الله عليه وسلم العاضهة والمستعضهة » أراد الساحرة والمتسحرة ، أو لما ذكر في القرآن الذباب والبعوض والعنكبوت والنمل قال أحدهم : أنا صاحب البعوض ، وقال آخر : أنا صاحب الذباب وقال آخر أنا صاحب النمل استهزاء منهم بالقرآن .


عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)

{ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يعبدون ، أو ما عملوا فيما علموا ، أو عما عبدوا وما أجابوا الرسل .


فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)

{ فَاصْدَعْ } فامض ، أو أظهر ، أو اجهر بالقرآن في الصلاة ، أو أعلن بالوحي حتى يبلغهم « ع » ، أو افرق به بين الحق والباطل ، أو فرق القول فيهم مجتمعين وفرادى ، { وَأَعْرِضْ } منسوخ بآية السيف « ع » أو أعرض عن الاهتمام باستهزائهم .


إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)

{ الْمُسْتَهْزءِينَ } خمسة : الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأبو زمعة والأسود بن عبد يغوث والحارث بن غيطلة أهلكهم الله تعالى قبل بدر لاستهزائهم برسوله صلى الله عليه وسلم .


وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97)

{ صَدْرُكَ } قلبك لأنه محل القلب { بِمَا يَقُولُونَ } من الاستهزاء ، أو التكذيب بالحق .


فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98)

{ السَّاجِدِينَ } المصلين .


وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)

{ الْيَقِينُ } الحق الذي لا ريب فيه ، أو الموت الذي لا محيد عنه « ح » .


أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)

{ أَتَى } دنا ، أو سيأتي ، أو على حقيقة إتيانه في ثبوته واستقراره . { أَمْرُ اللَّهِ } القيامة ، أو وعيد المشركين ، أو فرائض الله تعالى وأحكامه .


يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)

{ بِالرُّوحِ } الوحي « ع » ، أو كلام الله تعالى ، أو الحق الواجب الاتباع ، أو أرواح الخلق لا ينزل ملك إلا معه روح قاله مجاهد .


خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)

{ خَصِيمٌ } محتج في الخصومة . ذكر ذلك تعريفاً لقدرته ، أو لنعمته ، أو لقبح ما ضيعه من شكر النعمة بمخاصمته في الكفر « ح » قيل نزلت في أُبي بن خلف الجمحي أخذ عظاماً نخرة فذراها وقال أنُعاد إذا صرنا كذا؟


وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)

{ دِفْءٌ } لباس « ع » ، أو ما استدفأت به من أصوافها وأوبارها وأشعارها . { وَمَنَافِعُ } الركوب والعمل { تَأْكُلُونَ } اللحم واللبن .


وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)

{ مَا لا تَعْلَمُونَ } من الخلق عند الجمهور ، أو نهر تحت العرش « ع » .


وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)

{ مَوَاخِرَ } تشق الماء عن يمين وشمال ، والمخر : شق الماء وتحريكه ، أو ما تمخر الريح من السفن والمخر صوت هبوب الريح ، أو تجري بريح واحدة مقبلة ومدبرة ، أو تجري معترضة ، أو المواخر : المواقد .


وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)

{ وَعَلامَاتٍ } معالم الطرق بالنهار { وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } بالليل « ع » ، أو النجوم منها ما يهتدى به ومنها ما هو علامة لا يهتدى بها ، أو الجبال .


وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)

{ لا تُحْصُوهَآ } لا تحفظوها ، أو لا تشكروها .


قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26)

{ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم } هدمه من أساسه ، أو مثل ضربه الله تعالى لاستئصالهم { السَّقْفُ } أتاهم من السماء التي هي سقفهم « ع » ، أو سقطت أعالي بيوتهم وهم تحتها فلذلك قال : { مِن فَوْقِهِمْ } إذ لا يكون فوقهم إلا وهم تحته . وهم نمروذ بن كنعان وقومه « ع » ، أو بختنصر وأصحابه ، أو المقتسمين المذكورين في سورة الحجر .


الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)

{ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ } قيل نزلت فيمن أسلم بمكة ولم يهاجر فأخرجتهم قريش إلى بدر فقُتلوا { تَتَوَفَّاهُمُ } تقبض أرواحهم { ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ } بالمقام بمكة وترك الهجرة { فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ } في خروجهم معهم { مِن سُوءِ } كفر { بَلَى } عملكم أعمال الكفار ، والسَّلَم : الصلح ، أو الاستسلام ، أو الخضوع .


الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)

{ طَيِّبِينَ } صالحين .


وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)

{ ظُلِمُواْ } ظلمهم أهل مكة بإخراجهم إلى الحبشة بعد العذاب والإبعاد . { حَسَنَةً } نزول المدينة « ع » ، أو الرزق الحسن نزلت في أبي جَندل بن سهيل ، أو في بلال وعمار وخباب بن الأرتْ عُذبوا حتى قالوا ما أراده الكفار فلما خلوهم هاجروا .


وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)

{ الذِّكْرِ } العلماء بأخبار القرون الخالية يعلمون أن الله تعالى ما بعث رسولاً إلا من رجال الأمة ولم يبعث ملكاً أو أهل الكتاب خاصة « ع » ، أو أهل القرآن .


بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)

{ إِلَيْكَ الذِّكْرَ } القرآن ، أو العلم .


أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46)

{ تَقَلُّبِهِمْ } سفرهم .


أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)

{ تَخَوُّفٍ } تنقص يهلك واحداً بعد واحد فيخافون الفناء « ع » ، أو على تقريع وتوبيخ بما قدموه من ذنوبهم « ع » ، أو يهلك قرية فتخاف القرية الأخرى .


أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48)

{ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلالُهُ } يرجع ، والفيء : الرجوع وبه سمى الظل بعد الزوال لرجوعه ، أو يتميل « ع » ، أو يدور ، أو يتحول . { الْيَمِينِ وَالشَّمَآئِلِ } تارة جهة اليمين وتارة إلى جهة الشمال « ع » ، أو اليمين أول النهار والشمال آخره { سُجَّداً } ظل كل شيء سجوده ، أو سجود الظل بسجود شخصه ، أو سجود الظلال كسجود الأشخاص تسجد خاضعة لله { دَاخِرُونَ } صاغرون خاضعون .


يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)

{ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ } عذاب ربهم لأنه ينزل من فوقهم من السماء ، أو قدرته التي هي فوق قدرتهم .


وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)

{ الدِّينُ } الإخلاص ، أو الطاعة { وَاصِباً } واجباً « ع » ، أو خالصاً أو دائماً « ح » ، عذاب واصب : دائم .


وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)

{ الضُّرُّ } القحط ، أو الفقر { تَجْئَرُونَ } تضرعون بالدعاء ، أو تضجون وهو الصياح من جؤار الثور وهو صياحه .


وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58)

{ مُسْوَدّاً } أسود اللون عند الجمهور ، أو متغير اللون بسواد أو غيره . { كَظِيمٌ } حزين « ع » ، أو كظم غيظه فلا يظهره ، أو مغموم انطبق فوه من الغم ، من الكظامة وهو شدُّ فَمِ القربة .


يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)

{ هُونٍ } الهوان بلغة قريش ، أو القليل بلغة تميم { يَدُسُّهُ } يريد المؤودة .


وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62)

{ مَا يَكْرَهُونَ } البنات { الْحُسْنَى } البنين ، أو أجزاء الحسنى { لا جَرَمَ } حقاً أو قطعاً ، أو اقتضى فعلهم أن لهم النار [ أو ] بلى إن لهم النار « ع » { مُّفْرَطُونَ } منسيون ، أو مضيعون ، أو مبعدون في النار ، أو متروكون فيها أو مقدمون إليها ومنه « أنا فرطكم على الحوض » أي متقدمكم ، { مُفْرِطون } مسرفون في الذنوب من الإفراط فيها ، { مُفَرِّطون } في الواجب .


وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)

{ سَكَراً } السكر : الخمر ، والرزق الحسن : التمر والرطب الزبيب ، نزلت قبل تحريم الخمر ، أو السكر : ما حرم من شرابه ، والرزق الحسن : ما حل من ثمرته ، أو السكر : النبيذ ، والرزق الحسن : التمر والزبيب ، أو السكر : الخل بلغة الحبشة والرزق الحسن : الطعام ، أو السكر ما طعم من الطعام وحل شربه من ثمار النخيل والأعناب وهو الرزق الحسن .
وجعلتَ عيب الأكرمين سكراً ... أي جلعت ذمهم طُعماً .


وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68)

{ وَأَوْحَى } ألهمها ، أو سخرها أو جعله في غرائزها بما يخفي مثله على غيرها { يَعْرِشُونَ } يبنون ، أو الكروم .


ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)

{ ذُلُلاً } مذللة ، أو مطيعة ، أو لا يتوعر عليها مكان تسلكه ، أو الذلل صفة للنحل بانقيادها إلى أصحابها وذهابها حيث ذهبوا . { مًّخْتَلِفٌ ألْوَانُهُ } لاختلاف أغذيته { فِيهِ شِفَآءٌ } الضمير للقرآن ، أو للعسل .


وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)

{ أَرْذَلِ الْعُمُرِ } أوضعه وأنقصه عند الجمهور ، أو الهرم ، أو ثمانون سنة ، أو خمس وسبعون .


وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71)

{ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ } السادة على العبيد ، أو الأحرار بعضهم على بعض عند الجمهور { فِى الرِّزْقِ } بالغنى والفقر والضيق والسعة { فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ } لما لم يشركهم عبيدهم في أموالهم لم يجز أن يشاركوا الله تعالى في ملكه « ع » ، أو هم وعبيدهم سواء في أن الله تعالى رزق الجميع ، وأن أحداً لا يقدر على رزق عبده إلا أن يرزقه الله تعالى أياه كما لا يقدر على رزق نفسه .


وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)

{ مِّن أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } خلق حواء من آدم { وَحَفَدَةً } أصهار الرجل على بناته ، أو أولاد الأولاد « ع » ، أو بنو زوجة الرجل من غيره « ع » أو الأعوان ، أو الخدم ، والحفدة جمع حافد وهو المسرع في العمل ، « نسعى ونحفد » : نسرع إلى العمل بطاعتك .


ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75)

{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً } مثل للكافر والمؤمن ، فالكافر لا يقدر على شيء من الخير ، والزرق الحسن مما عند المؤمن من الخير « ع » ، أو مثل للأوثان التي لا تملك شيئاً تُعبد دون الله تعالى الذي يملك كل شيء .


وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)

{ رَّجُلَيْنِ } مثل لله تعالى وللوثن الأبكم الذي لا يقدر على شيء ، والذي يأمر بالعدل هو الله عز وجل ، أو الأبكم : الكافر ، والذي يأمر بالعدل المؤمن « ع » ، أو الأبكم غلام لعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه كان يعرض عليه الإسلام فيأبى والذي يأمر بالعدل عثمان رضي الله تعالى عنه .


وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)

{ وَمَآ أَمْرُ السَّاعَةِ } سألت قريش الرسول صلى الله عليه وسلم عن الساعة استهزاء فنزل { وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } يريد قيام الساعة وسميت ساعة لانها جزء من يوم القيامة وأجزاء اليوم ساعاته .


وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)

{ مِّمَّا خَلَقَ ظِلالاً } الشجر { أَكْنَاناً } يستكن فيها جمع كِن { سَرَابِيلَ } ثياب الكتان والقطن والصوف ، والتي تقي الناس : دروع الحرب ، ذكر الجبال والحر ولم يذكر السهل والبرد لغلبة الجبال والحر على بلادهم دون البرد والسهل ، فَمَنَّ عليهم بما يختص بهم ، أو اكتفى بذكر الجبال والحر عن ذكر السهل والبرد فالمنة فيهما آكد .


يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83)

{ نِعْمَتَ اللَّهِ } محمد صلى الله عليه وسلم يعرفون نبوته ثم يكذبونه ، أو نعمه المذكورة في هذه السورة ثم ينكرونها بقولهم : ورثناها عن آبائنا ، أو إنكارها قولهم : لولا فلان لما أصبت كذا وكذا ، أو معرفتهم : اعترافهم أن الله رزقهم وأنكارهم قولهم : رزقنا ذلك بشفاعة آلهتنا ، قال الكلبي تسمى هذه السورة سورة النعم لتعديد النعم فيها . { وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ } أراد جميعهم ، أو فيهم من حكم بكفره تبعاً كالصبيان والمجانين فذكر المكلفين .


إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)

{ بِالْعَدْلِ } شهادة التوحيد { وَالإِحْسَانِ } الصبر على طاعته في أمره ونهيه سراً وجهراً { وَإِيتَآىءِ ذِى الْقُرْبَى } صلة الرحم ، والفحشاء : الزنا . والمنكر : القبائح ، والبغي : الكبر والظلم ، أو العدل : القضاء بالحق ، والإحسان : التفضل بالإنعام ، وإيتاء ذي القربى : صلة الأرحام ، والفحشاء : ما يُسر من القبائح ، والمنكر : ما يُظهر منها فينكر ، والبغي ما يتطاول به من ظلم وغيره ، أو العدل استواء السريرة والعلانية في العمل لله ، والإحسان فضل السريرة على العلانية ، والمنكر والبغي فضل العلانية على السريرة .


وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91)

{ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ } نزلت في بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام أو في الحلف الواقع في الجاهلية بين أهل الشرك والإسلام فجاء الإسلام بالوفاء به ، أو في كل يمين منعقدة يجب الوفاء بها ما لم تدعُ ضرورة إلى الحنث ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم « فليأتِ الذي هو خير » محمول على الضرورة دون المباح ، وأهل الحجاز يقولون : وكدت توكيداً ، وأهل نجد أكدت تأكيداً .


وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)

{ كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا } امرأة حمقاء بمكة كانت تغزل الصوف ثم تنقضه بعد إبرامه . فشبه ناقض العهد بها في السفه والجهل تنفيراً من ذلك { غَزْلَهَا } عبّر عن الحبل بالغزل ، أو أراد الغزل حقيقة { قُوَّةٍ } إبرام ، أو القوة : ما غزل على طاقة ولم تثن { أَنكَاثاً } أنقاضاً واحدها نكث ، وكل شيء نقض بعد الفتل فهو أنكاث { دَخَلاً } غروراً ، أو دغلاً وخديعة ، أو غلاً وغشاً ، أو أن يكون داخل القلب من الغدر غير ما في الظاهر من الوفاء ، أو الغدر والخيانة . { أَرْبَى } أكثر عدداً وأزيد مدداً فتغدر بالأقل .


مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)

{ حَيَاةً طَيِّبَةً } بالرزق الحلال « ع » ، أو القناعة ، أو الإيمان بالله تعالى والعمل بطاعته ، أو السعادة « ع » ، أو الجنة .


فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)

{ قَرَأْتَ } أردت ، أو إذا كنت قارئاً فاستعذ ، أو تقديره فإذا استعذت بالله فاقرأ على التقديم والتأخير .


إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)

{ سُلْطَانٌ } قدره على حملهم على ذنب لا يغفر ، أو حجة على ما يدعوهم إليه من المعصية ، أو لا سلطان له عليهم لاستعاذتهم بالله تعالى لقوله تعالى : { وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ } [ الأعراف : 200 ] ، أو لا سلطان له عليهم بحال لقوله سبحانه وتعالى : { إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتبعك } [ الحجر : 42 ] .


إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)

{ بِهِ مُشْرِكُونَ } بالله ، أو أشركوا الشيطان في أعمالهم ، أو لأجل الشيطان وطاعته أشركوا .


وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)

{ بَدَّلْنَآ } نسخناها حكماً وتلاوة ، أو حكماً دون التلاوة { لا يَعْلَمُونَ } جواز النسخ والله تعالى أعلم بالمصلحة فيما ينزله ناسخاً ومنسوخاً .


وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)

{ بَشَرٌ } بلعام فتى بمكة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدخل عليه ليعلمه فاتهموا الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه يتعلم منه ، أو يعيش عبد بني الحضرمي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلقنه القرآن ، أو غلامان صيقلان لبني الحضرمي من أهل عين التمر كانا يقرآن التوراة فربما جلس إليهما الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو سلمان الفارسي . { يُلْحِدُونَ } يميلون ، أو يعرضون به . والعرب يعبّرون عن الكلام باللسان .


مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)

{ مَن كَفَرَ بِاللَّهِ } نزلت في عبد الله بن أبي سرح ومِقْيسَ بن صُبَابة وعبد الله بن خطل وقيس بن الوليد بن المغيرة كفروا بعد إيمانهم { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ } نزلت في عمار وأبويه ياسر وسمية ، أو في بلال وصهيب وخباب أظهروا الكفر وقلوبهم مطمئنة بالإيمان .


وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)

{ قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً } مكة ، وسمي الجوع والخوف لباساً ، لأنه يظهر عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس ، بلغ بهم القحط أن أكلوا القد والعلهز وهو الوبر يخلط بالدم « والقراد ثم » يؤكل « ع » ، أو المدينة آمنت بالرسول صلى الله عليه وسلم ثم كفرت بعده بقتل عثمان رضي الله تعالى عنه وما حدث فيها من الفتن قالته حفصة ، أو كل مدينة كانت على هذه الصفة من سائر القرى .


ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)

{ بِجَهَالَةٍ } أنه سوء ، أو بغلبة الشهوة مع العلم بأنه سوء .


إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)

{ أُمَّةً } إماماً يؤتم به ، أو معلماً للخير ، أو أمة يقتدى به سمي بذلك لقيام الأمة به { قَانِتاً } مطيعاً ، أو دائماً على العبادة { حَنِيفاً } مخلصاْ ، أو حاجاً ، أو مستقيماً على طريق الحق .


وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)

{ حَسَنَةً } نبوة ، أو لسان صدق ، أو كل أهل الأديان يتولونه ويرضونه ، أو ثناء الله تعالى عليه .


ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123)

{ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } في الإسلام والبراءة من الأوثان ، أو في جميع ملته إلا ما أُمر بتركه .


إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)

{ اخْتَلَفُواْ فِيهِ } فقال بعضهم : السبت أعظم الأيام حرمة ، لان الله تعالى فرغ من خلق الأشياء فيه ، أو قال بعضهم : الأحد أفضل ، لأن الله تعالى ابتدأ الخلق فيه ، أو عدلوا عما أمروا به من تعظيم الجمعة تغليباً لحرمة السبت أو الأحد .


ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)

{ سَبِيلِ رَبِّكَ } الإسلام { بِالْحِكْمَةِ } بالقرآن { وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } القرآن في لين من القول ، أو بما فيه من الأمر والنهي .


وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)

{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ } نزلت في قريش لما مثلوا بقتلى أُحُد ثم نسخت بقوله تعالى { واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله } [ النحل : 127 ] أو هي محكمة ، أو نزلت في كل مظلوم أن يقتص بقدر ظلامته . { وَاصْبِرْ } عن المعاقبة بمثل ما عاقبوا به قتلى أُحد من المثلة .


إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)

{ اتَّقَواْ } المحرمات ، وأحسنوا بالفرائض والطاعات .


سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)

{ سُبْحَانَ } : تنزيه الله تعالى من السوء ، أو براءة الله تعالى من السوء . وهو تعظيم لا يصلح لغير الله . أخذ من السبح في التعظيم وهو الجري فيه ، وقيل هو هنا تعجيب أي اعجبوا للذي أسرى ، لما كان مشاهدة العجب سبباً للتسبيح صار التسبيح تعجباً . ويطلق التسبيح على الصلاة ، وعلى الاستثناء { لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } [ القلم : 28 ] ، وعلى النور « سبحات وجهه » ، وعلى التنزيه ، سئل الرسول صلى الله عليه سلم عن التسبيح فقال : « إنزاه الله تعالى على السوء » { بِعَبْدِهِ } محمد صلى الله عليه وسلم . والسرى سير الليل . { الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } الحرم كله ، أو المسجد نفسه ، سرت روحه وجسده فصلى في بيت المقدس بالأنبياء ثم عرج إلى السماء ثم رجع إلى المسجد الحرام فصلى به الصبح آخر ليلته ، أو لم يدخل القدس ولم ينزل عن البراق حتى عرج به ثم عاد إلى مكة ، أو أسرى بروحه دون جسده فكنت رؤيا من الله تعالى صادقة : { الأَقْصَا } لبعده من المسجد الحرام . { بَارَكْنَا } بالثمار ومجرى الأنهار ، أو بمن جُعل حوله من الأنبياء والصالحين { مِنْ ءَايَاتِنَا } عجائبنا ، أو من أريهم من الأنبياء حتى وصفهم واحداً واحداً { السَّمِيعُ } لتصديقهم بالإسراء وتكذيبهم { الْبَصِيرُ } بما فعل من الإسراء والمعراج .


وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2)

{ وَكِيلاً } : ، شريكاً ، أو رباً يتوكلون عليه في أمورهم ، أو كفيلاً بأمورهم .


ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)

{ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا } : هم موسى وبنو إسرائيل : { شَكُوراً } نوح يحمد ربه على الطعام ، أو لا يستجد ثوباً إلا حمد الله على لبسه .


وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4)

{ وَقَضَيْنَآ } أخبرنا { لَتُفْسِدُنَّ } بقتل الناس وأخذ أموالهم وتخريب ديارهم . { عُلُوّاً } : بالاستطالة والغلبة .


فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5)

{ بَعَثْنَا } خلينا بينكم وبينهم خذلاناً بظلمكم ، أو أمرناهم بقتالكم { عِبَاداً } جالوت إلى أن قتله داود « ع » أو بختنصر ، أو سنحاريب أو العمالقة وكانوا كفاراً ، أو قوم من أهل فارس يتحسسون أخبارهم . { فَجَاسُواْ } مشوا وترددوا بين الدور والمساكن « ع » ، أو قتلوهم بين الدور والمساكن قال :
ومنا الذي لا قى بسيف محمد ... فجاس به الأعداء عرض العساكر
أو طلبوا ، أو نزلوا .


ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)

{ الْكَرَّةَ } : الظفر بهم بقتل جالوت ، أو غزو ملك بابل فاستنقذوا ما بيده من الأسرى والأموال ، أو أطلق لهم ملك بابل الأسرى والأموال . { وَأَمْدَدْنَاكُم } جدد عليهم النعمة فبقوا بها مائة وعشرين سنة ، وبعث فيهم أنبياء .


إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)

{ لأِنفُسِكُمْ } : ثواب إحسانكم { وَإِنْ أَسَأْتُمْ } عاد العقاب عليكم ، رغّب في الإحسان وحذر من الإساءة . { وَعْدُ الأَخِرَةِ } : بعث عليهم بختنصر ، أو انطياخوس الرومي ملك نينوي { الْمَسْجِدَ } : بيت المقدس . يتبروا : يهلكوا ويدمروا ، أو يهدموا ويخربوا .


عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)

{ يَرْحَمَكُمْ } : مما حل بكم من النقمة { وَإِنْ عُدتُّمْ } إلى الفساد عدنا إلى الانتقام ، فعادوا فبُعث عليهم المؤمنون يُذلونهم بالجزية والمحاربة إلى القيامة « ع » { حَصِيراً } فراشاً من الحصير المفترش أو حبسنا من الحصر ، والملك حصير لاحتجابه .


إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)

{ لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ } شهادة التوحيد ، أو أوامره ونواهيه . وأقوم : أصوب .


وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)

{ وَيَدْعُ الإِنسَانُ } إذا ضجر وغضب على نفسه وولده بالهلاك ، ولو أجيب كما يجاب في دعاء الخير لهلك ، أو يطلب النفع عاجلاً بالضرر آجلاً . { عَجُولاً } بدعائه على نفسه وولده عند ضجره « ع » ، أو أراد آدم نفخت الروح فيه فبلغت سرته فأراد أن ينهض عجلاً .


وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)

{ فَمَحَوْنَآ ءَايَةَ الَّيْلِ } ظلمة الليل التي لا تبصر فيها المرئيات كما لا يبصر ما انمحى من الكتابة « ع » ، أو اللطخة السوداء في القمر ليكون ضوءه أقل من ضوء الشمس ليتميز الليل من النهار . { ءَايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً } الشمس مضيئة للإبصار ، أو أهله بصراء فيه .


وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13)

{ طَآئِرَهُ } : عمله من الخير الشر { فِى عُنُقِهِ } لأنه كالطوق أو حظه ونصيبه طار سهم فلان بكذا خرج نصيبه وسهمه منه .


اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)

{ كِتَابَكَ } كتابه : طائره الذي في عنقه { حَسِيباً } شاهداً ، أو حاكماً عليها بعملها من خير أو شر . ولقد أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك بعملك .


مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)

{ وَلا تَزِرُ } : لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ، أو لا يجوز أن يعصي لمعصية غيره { مُعَذِّبِينَ } : في الدنيا والآخرة على شرائع الدين حتى نبعث رسولاً مبيناً ، أو على شيء من المعاصي حتى نبعث رسولاً داعياً .


وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)

{ أَرَدْنَآ } صلة تقديره إذا أهلكنا ، أو حكمنا لهلاك قرية . { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } بالطاعة { فَفَسَقُواْ } بالمخالفة « ع » { أَمَرْنَا } جعلناهم أمراء مسلطين . { آمرنا } كثرّنا عددهم ، أمر القوم كثروا وإذا كثروا احتاجوا إلى أمراء { مُتْرَفِيهَا } الجبارون ، أو الرؤساء .


وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)

{ الْقُرُونِ } مدة القرن مائة وعشرون سنة ، أو مائة سنة ، أو أربعون سنة .


كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)

{ هَؤُلآءِ وَهَؤُلآءِ } نمد البَر والفاجر { مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ } في الدنيا { مَحْظُوراً } منقوصاً ، أو ممنوعاً .


وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)

{ وَقَضَى } أمر « ع » قال الضحاك : كانت في المصحف « ووصى » فألصق الكاتب الواو بالصاد فصارت وقضى قلت : هذا هوس { فَلا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ } إذا رأيت بهما الأذى أو أمطت عنهما الخلاء فلا تضجر كما لم يضجرا في صغرك لما أماطاه عنك ، { أُفٍّ } : كل ما غلظ وقبح من الكلام أو استقذار للنتن وتغير الرائحة ، أو كلمة دالة على التبرم والضجر . ويقولون : أُف وتف فالأُف وسخ الأظفار والتف ما رفعته بيدك من الأرض من شيء حقير . { كَرِيماً } ليناً ، أو حسناً . نزلت والتي بعدها في سعد بن أبي وقاص « ع » .


رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)

{ لِلأَوَّابِينَ } المسبحون « ع » ، أو المطيعون ، أو مصلو الضحى ، أو المصلون بين المغرب والعشاء ، أو التائبون من الذنوب ، أو التائب مرة بعد أخرى كلما أذنب بادر التوبة .


وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)

{ الْقُرْبَى } قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم ، أمر الولاة بدفع حصتهم من الفيء والغنيمة ، أو قرابة المرء من قبل أبويه يدفع له نفقته الواجبة ، أو الوصية لهم عند الوفاة .


وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)

{ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ } عمن سألك من هؤلاء { ابْتِغَآءَ رَحْمَةٍ } طلباً لرزق الله { فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً } عِدْهم خيراً ورد عليهم جميلاً ، أو إن أعرضت حذراً أن ينفقوا ذلك في المعصية فمنعته { ابْتِغَآءَ رَحْمَةٍ } له { مَّيْسُوراً } ليناً سهلاً قاله ابن زيد .


وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)

{ وَلا تَقْتُلُواْ } يريد وأد البنات خوف الفقر { خِطْئاً } : العدول عن الصواب تعمداً والخطأ : العدول عنه سهواً ، أو الخطء : ما فيه إثم والخطأ : ما لا إثم فيه .


وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)

{ بِالْحَقِّ } بما يستحق به القتل . { سُلْطَاناً } بالقود ، أو بالتخيير بين القود والدية والعفو { فَلا يُسْرِف } يقتل غير القاتل ، أو يقتل الجماعة بالواحد { إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً } إن الولي ، أو القتيل كان منصوراً بقتل قاتله .


وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)

{ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } التجارة بماله ، أو حفظ أصله وتثمير فرعه { أَشُدَّهُ } ثمان عشرة سنة ، أو الاحتلام والعقل والرشد . { بِالْعَهْدِ } العقود بين المتعاقدين ، أو الوصية بمال اليتيم ، أو كل ما أمر الله به ونهي عنه { مَسْئُولاً } عنه الذي عهد به ، أو تُسأل العهد لما نقضت كما تُسأل المؤودة بأي ذنب قتلت .


وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)

{ بِالْقِسْطَاسِ } : القبان ، أو الميزان صغيراً أو كبيراً ، وهو العدل بالرومية .


وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)

{ وَلا تَقْفُ } : لا تقل ، أو لا ترم أحداً بما لا تعلم « ع » ، أو من القيافة وهو اتباع الأثر كأنه يتبع قفا المتقدم .


وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37)

{ مَرَحاً } شدة الفرح ، أو الخيلاء في المشي ، أو التكبر فيه ، أو البطر والأشر ، أو تجاوز الإنسان قدره . { لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ } من تحت قدمك { وَلَن تَبْلُغَ الجِبَالَ } بتطاولك ، زجره عن التطاول الذي لا يدرك به غرضاَ ، أو يريد كما أنك لا تخرق الأرض ولا تبلغ الجبال طولاً فلذلك لا تبلغ ما تريده ، بكبرك وعجبك إياساً له من بلوغ إرادته .


تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)

{ وَإِن مِّن شَىْءٍ } حي إلا يسبح دون ما ليس بحي ، أو كل شيء حي أو غيره حتى صرير الباب . أو تسبيحها ما ظهر فيها من آثار الصنعة وبديع القدرة فكل من رآه سبح وقدس .


وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45)

{ حِجَاجاً مَّسْتُوراً } شبههم في إعراضهم بمن بينهم وبينه حجاب ، أو نزلت في قوم كانوا يؤذونه إذا قرأ ليلاً فحال الله تعالى بينهم وبين أذاه .


نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47)

{ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى } : كان جماعة من قريش منهم الوليد بن المغيرة يتناجون بما ينفر الناس عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فنجواهم قولهم : إنه ساحر أو مجنون أو يأتي بأساطير الأولين { مَّسْحُوراً } سُحر فاختلط عليه أمره ، أو مخدوعاً ، أو له سَحَرُ يعنون يأكل ويشرب فهو مثلكم وليس بملك .


وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49)

{ وَرُفَاتاً } تراباً ، أو ما أرفت من العظام مثل الفتات .


قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50)

{ حِجَارَةً } إن عجبتم من إنشائكم لحماً ودماً فكونوا حجارة أو حديداً إن قدرتم ، أو لو كنتم حجارة أو حديداً لم تفوتوا الله تعالى إذا أرادكم إلا أنه أخرجه مخرج الأمر أبلغ إلزاماً .


أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)

{ مِّمَّا يَكْبُرُ فِى صُدُورِكُمْ } السماوات والأرض والجبال ، أو الموت « ع » ، أو البعث لأنه أكبر شيء عندهم ، أو جميع ما تستعظمونه من خلق الله تعالى فإن الله يميتكم ثم يحييكم { فَسَيُنْغِضُونَ } يحركون رؤوسهم استهزاء .


يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52)

{ يَدْعُوكُمْ } الله للخروج إلى أرض المحشر بكلام يسمعه جميع العباد ، أو يسمعون الصيحة فتكون داعية إلى اجتماعهم في أرض القيامة . { بِحَمْدِهِ } فتستجيبون حامدين بألسنتكم ، أو على ما يقتضي حمده من أفعالكم . { لَّبِثْتُمْ } في الدنيا لطول لبث الآخرة ، أو احتقروا أمر الدنيا لما عاينوا القيامة ، أو لما يرون من سرعة الرجوع يظنون قلة لبثهم في القبور ، أو عبّر بذلك عن تقريب الوقت لقول الحسن رضي الله تعالى عنه كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل .


وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)

{ الَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } : تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الشيطان ينزغ في تكذيبه ، أو امتثال الأوامر والنواهي « ح » أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو أن يرد خيراً على من شتمه ، قيل نزلت في عمر رضي الله تعالى عنه شتمه بعض كفار قريش فَهَمَّ به .


رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54)

{ يَرْحَمْكُمْ } بالهدى و { يُعَذِّبْكُمْ } بالضلال ، أو بالتوبة ويعذبكم بالإصرار ، أو بإنجائكم من عدوكم ويعذبكم بتسليطهم عليكم . { وَكِيلاً } يمنعهم من الكفر ، أو كفيلاً لهم يؤخذ بهم .


أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)

{ أُوْلئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ } نزلت فيمن عبد الجن فأسلم الجن ابتغاء الوسيلة وبقي الإنس على كفرهم ، أو الملائكة عبدها قبائل من العرب ، أو عُزير وعيسى وأمه « ع » وهم المعنيون بقوله : { ادعوا الذين زَعَمْتُم } [ الإسراء : 56 ] .


وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)

{ أَحَاطَ } علم ، أو عصمك منهم أن يقتلوك حتى تبلغ الرسالة أو أحاطت بهم قدرته فهم في قبضته . { فِتْنَةً لِّلنَّاسِ } لما أخبرهم أنه أُسري به إلى بيت المقدس رؤيا عين ارتد جماعة من المسلمين افتتاناً بذلك ، أو رأى في النوم أنه يدخل مكة فلما رجع عام الحديبية افتُتن قوم برجوعه ، أو رأى قوماً ينزون على منابره نزوان القردة فساءه ذلك قاله سهل بن سعد { وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ } شجرة الزقوم طعام الأثيم . افتتنوا بها فقال أبو جهل وشيعته : النار تأكل الشجر فكيف تنبته ، أو هي الكشوث الذي يلتوي على الشجر « ع » .


قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62)

{ لأَحْتَنِكَنَّ } لأستولين عليهم ، أو لأضلنهم ، أو لأستأصلنهم بالإغواء ، أو لأستميلنهم ، أو لأقودنهم إلى العصيان كما تُقاد الدابة بحنكها إذا شد فيه حبل يجذبها ، أو لأقتطعنهم إلى المعاصي .


وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)

{ وَاسْتَفْزِزْ } استخف واستنزل { بِصَوْتِكَ } الغناء واللهو ، أو بدعائك إلى المعصية « ع » ، { وَأَجْلِبْ } الجلب السوق بجلبة من السائق { بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } : كل راكب وماشي في المعصية { وَشَارِكْهُمْ } في الأموال التي أخذوها بغير حلها ، أو أنفقوها في المعاصي ، أو ما حرموه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي « ع » ، أو ما ذبحوه لآلهتهم . { وَالأَوْلادِ } يريد أولاد الزنا ، أو قتل المؤودة « ع » ، أو صبغة أولادهم في الكفر حتى هودوهم ونصروهم أو تسميتهم بعبيد الآلهة كعبد الحارث وعبد شمس وعبد العزى وعبد اللات .


رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66)

{ يُزْجِى } يسوق ويسير .


أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68)

{ حَاصِباً } حجارة من السماء ، أو الحاصب الريح لرميها بالحصباء والقاصف الريح التي تقصف الشجر .


وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)

{ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ } : بالإنعام عليهم ، أو بأن جعلنا منهم خير أمة أُخرجت للناس ، أو بأكلهم الطعام بأيديهم وغيرهم بتناوله بفمه .


يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71)

{ بِإِمَامِهِمْ } : نبيهم ، أو كتابهم المنزل عليهم ، أو بكتب أعمالهم من خير أو شر « ع » ، أو بمن اقتدوا به في الدنيا .


وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73)

{ وَإِن كَادُواْ } كان الرسول صلى لله عليه وسلم يطوف فمنعوه أن يستلم الحجر حتى يُلم بآلهتهم فحدث نفسه فقال : « ما عليَّ إذ ألم بها بعد أن يدعوني أستلم الحجر والله يعلم أني كاره » ، فأبى الله ذلك فنزلت ، أو قالت ثقيف : أجلنا سنة حتى نأخذ ما يُهدى لآلهتنا فاذا أخذناه كسرنا الآلهة وأسلمنا فهم الرسول صلى الله عليه وسلم بإجابتهم فنزلت .


إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)

{ ضِعْفَ الْحَيَاةِ } ضعف عذاب الحياة { وَضِعْفَ } عذاب الممات أو ضعف عذاب الدنيا وضعف عذاب الآخرة . فلما نزلت قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين » .


وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76)

{ لَيَسْتَفِزُّونَكَ } يقتلونك ، أو يزعجونك باستخفاف ، أراد اليهود إخراجه من المدينة فقالوا : أرض الأنبياء الشام وليست هذه أرض الأنبياء ، أو أرادت قريش إخراجه من مكة قبل هجرته ، أو أرادوا إخراجه من جزيرة العرب كلها لأنهم قد أخرجوه من مكة { خِلافَكَ } { وخِلافك } بعد { إِلآَّ قَلِيلاً } ما بين إخراجهم له إلى أن قُلتوا ببدر إن جعلناهم قريشاً ، أو ما بين ذلك وقتل بني قريظة وإجلاء بني النضير إن جعلناهم اليهود .


أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)

{ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } غروبها يريد صلاة المغرب « ع » ، أو زوالها يريد صلاة الظهر « ع » والعين تُدلك بالراحة عند الغروب لترى الشمس وعند الزوال لشدة شعاعها . { غَسَقِ الَّيْلِ } ظهور ظلامه ، أو دنوه وإقباله « ع » يريد المغرب « ع » ، أو العصر . { وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ } سمى الصلاة قرآناً لتأكد القراءة في الصلاة . أو أقم القراءة في صلاة الفجر { مَشْهُوداً } تشهده ملائكة الليل والنهار .


وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)

فَتَهَجَّدْ الهجود النوم ، والتهجد السهر بعد النوم ، { نَافِلَةً لَكَ } فضيلة لك ولغيرك كفارة ، أو مكتوبة عليك مستحبة لغيرك « ع » أو حضضه بالترغيب فيها لحيازة فضلها لكرامته عليه { مَّحْمُوداً } الشفاعة للناس في القيامة ، أو إجلاسه على العرش يوم القيامة ، أو إعطاؤه لواء الحمد يومئذ .


وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)

{ مُدْخَلَ صِدْقٍ } دخول المدينة لما هاجر و { مُخْرَجَ صِدْقٍ } من مكة للهجرة ، أو أدخلني الجنة وأخرجني من مكة إلى المدينة ، أو مدخل فيما أرسلتني به من النبوة وأخرجني منه بتبليغ الرسالة مخرج صدق ، أو أدخلني مكة وأخرجني منها آمناً ، أو أدخلني في قبري وأخرجني منه « ع » أو أدخلني في طاعتك وأخرجني من معصيتك ، أو أدخلني في الإسلام وأخرجني من الدنيا . { سُلْطَاناً } ملكاً عزيزاً أقهر به العصاة ، أو حجة بينه .


وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)

{ الْحَقُّ } القرآن { الْبَاطِلُ } الشيطان ، أو الحق : الجهاد ، والباطل : الشرك { زَهُوقاً } ذاهباً ، ولما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم الكعبة أمر بثوب فَبُل بالماء وجعل يضرب به تلك التصاوير ويمحوها ويقول : { جَآءَ الْحَقُّ وَزَهقَ الْبَاطِلُ } الآية .


وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83)

{ الشَّرُّ } الفقر ، أو السقم .


قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84)

{ شَاكِلَتِهِ } حِدَتِه ، أو طبيعته « ع » ، أو نيته ، أو دينه ، أو أخلاقه .


وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)

{ الرُّوحِ } جبريل عليه السلام « ع » ، أو ملك له سبعون ألف وجه بكل وجه سبعون ألف لسان ، يسبح الله تعالى بجميع ذلك قاله علي رضي الله تعالى عنه ، أو القرآن « ح » { رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] ، أو روح الحيوان ، سأله عنها قوم من اليهود إذ كان في كتابهم أنه إن أجاب عن الروح فليس بنبي { قَلِيلاً } في معلومات الله ، أو قليلاً بحسب ما تدعو إليه الحاجة حالاً فحالاً .


وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90)

{ تَفْجُر } تشقق ، الفجر لانشقاقه عن عمود الصبح ، والفجور شق الحق بالخروج إلى الفساد . { يَنبُوعاً } عينا تنبع منها الماء طلبوا الجنان والعيون ببلدهم إذ لم يكن ذلك ببلدهم .


أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92)

{ كِسَفاً } قِطعاً « ع » ، كسفة الثوب قطعته ، والكسوف لانقطاع النور منه . { قَبِيلاً } كل قبيلة على حدتها ، أو مقابلة نعاينهم ونراهم ، أو كفيلاً ، القبيل : الكفيل تقبلت بكذا تكفلته .


أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)

{ زُخْرُفٍ } الزخرف النقوش ، أو الذهب « ع » ، من الزخرفة وهي تحسين الصورة . سأله ذلك عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو سفيان والأسود بن المطلب والوليد بن المغيرة وأبو جهل وعبد الله بن [ أبي ] أمية والعاص بن وائل وأمية بن خلف ونبيه ومُنبه ابنا الحجاج .


وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97)

{ وَمَن يَهْدِ اللَّهُ } يحكم بهدايته { فَهُوَ الْمُهْتَدِ } ، بإخلاصه وطاعته . { وَمَن يُضْلِلْ } يحكم بضلاله فلا ولي له يهديه ، أو يقضي بعقوبته فلا ناصر يمنعه من عقابه { عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً } حقيقة زيادة في عقابهم ثم أبصروا لقوله : { وَرَءَا المجرمون النار } [ الكهف : 53 ] وتكلموا فدعوا هنالك بالثبور ، و { سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } [ الفرقان : 12 ] ، أو لا يزول حواسهم فهم عمي عما يسرهم ، بكم عما ينفعهم ، صم عما يمتعهم . « عح » { خَبَتْ } سكن لهبها { زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } التهاباً ولا يخف عذابهم إذا خبت .


قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)

{ لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ } عام عند الجمهور ، أو خاص بالمشركين { لأَمْسَكْتُمْ } خوف الفقر { قَتُوراً } مقتراً ، أو بخيلاً « ع » .


وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101)

{ تِسْعَ ءَايَاتِ } يده وعصاه ولسانه والبحر الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم « ع » ، أو نحو من ذلك إلا آيتين [ بدل ] منها الطمسة والحجر ، أو نحو من ذلك وزيادة السنين [ ونقص من ] الثمرات أو سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عنها قوم من اليهود فقال : « لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقلته ولا تقذفوا محصنة ، ولا تفروا من الزحف ، وأنتم يا يهود عليكم خاصة لا تعدوا في السبت فقبلوا يده ورجله » { مَسْحُوراً } سحرت لما تحمل عليه نفسك من هذا القول والفعل المستعظمين ، أو ساحراً لغرائب أفعالك ، أو مخدوعاً ، أو مغلوباً .


قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)

{ مَثْبُوراً } هالكاً ، أو مغلوباً .


فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103)

{ يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأَرْضِ } يزعجهم بالنفي منها ، أو يهلكهم فيها بالقتل .


وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104)

{ وَعْدُ الأَخِرَةِ } القيامة وهي الكرة الآخرة ، أو تحويلهم إلى الشام ، أو نزول عيسى عليه الصلاة والسلام { لَفِيفاً } مختلطين لا يتعارفون ، أو جميعاً « ع » .


وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106)

{ فَرَقْنَاهُ } فرقنا فيه بين الحق والباطل و { فرَّقناه } أنزلناه مفرقاً آية آية { مُكْثٍ } تثبت وترتيل ، أو كان ينزل منه شيء ثم يمكثون بعده ما شاء الله ثم ينزل شيء أخر ، أو أن يمكث في قراءته عليهم مفرقاً شيئاً بعد شيء .


قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107)

{ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ } أمة محمد صلى الله عليه وسلم أو قوم من اليهود ، والمتلو عليهم كتابهم إيماناً بما فيه من تصديق محمد صلى الله عليه وسلم [ أو ] القرآن ، كان ناس من أهل الكتاب قالوا : { سُبْحَانَ رَبِّنَآ } الآية [ الإسراء : 108 ] { لِلأَذْقَانِ } الذقن مجتمع اللحيين ، أو الوجوه ها هنا ، أو اللحى « ح » .


قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)

{ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ } كان ذكر الرحمن قليلاً في القرآن كثيراً في التوراة ، فلما أسلم ابن سلام وأصحابه آثروا أن يكون ذكر الرحمن كثيراً في القرآن فنزلت ، أو دعا الرسول صلى الله عليه وسلم في سجوده فقال : « يا رحمن يا رحيم » ، فقالوا : هذا يزعم أن له إلهاً واحداً وهو يدعو مثنى مثنى فنزلت « ع » { بِصَلاتِكَ } بدعائك أو بالصلاة المشروعة ، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجهر في القراءة فيها بمكة فإذا سمعوه سبّوه فَنُهي عن شدة الجهر وعن المخافتة لئلا يسمع أصحابه ويبتغي بينهما سبيلاً « ع » ، أو نُهي أن يجهر في الجميع ويسر في الجميع وأمر بالجهر في صلاة الليل والإسرار في صلاة النهار ، أو عن الجهر بتشهد الصلاة ، أو عن الجهر بفعل الصلاة ، لأنه كان يجهر بها فتؤذيه قريش فخافت بها فأمر أن لا يجهر بها كما كان وأن لا يخافت بها كما صارت ويتخذ بينهما سبيلاً ، أو الجهر بها تحسينها رياء والمخافتة إساءتها في الخلوة ، أو لا يصليها رياء ولا يتركها حياء .


وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)

{ وَلَمْ يَكُن لُّهُ وَلِىٌّ } لم يحالف أحداً ، أو لا يطلب نصر أحد ، أو لا ولي له من اليهود والنصارى لأنهم أذل الناس { وَكَبِّرْهُ } عن كل ما لا يجوز عليه ، أو صفه بأنه أكبر من كل شيء ، أو عظمه تعظيماً .


الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)

{ عَبْدِهِ } محمد صلى الله عليه وسلم ، والكتاب : القرآن تمدح بإنزاله عليه خصوصاً وعلى الخلق عموماً . { عِوَجَا } ملتبساً ، أو مختلفاً ، أو عادلاً عن الحق والاستقامة والبلاغة إلى الباطل والفساد والعي ، والعِوَج بكسر العين في الدين والطريق وما ليس بقائم منتصب ، وبفتحها في القناة والخشبة وما كان قائماً منتصباً .


مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3)

{ قَيِّماً } مستقيماً معتدلاً ، أو قيّم على كتب الله يصدقها وينفي الباطل عنها ، أو يعتمد عليه ويرجع إليه كقيّم الدار ، وفيه تقديم تقديره « أنزل الكتاب قيماً ولم يجعل له عوجاً » قاله الجمهور ، أو التقدير لم يجعل له عوجاً لكن جعله قيّماً { بَأْساً } يحتمل الاستئصال بعذاب الدنيا ، أو جهنم .


فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)

{ بَاخِعٌ } قاتل ، أو متحسر أسف على آثار قريش { إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ } بالقرآن { أَسَفاً } غضباً ، أو جزعاً ، أو ندماً ، أو حزناً .


إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)

{ مَا عَلَى الأَرْضِ } أشجارها وأنهارها ، أو الأنبياء العلماء ، أو الرجال ، أو كل ما عليها ، أو زينة لها : شهوات لهم زينت في أعينهم وأنفسهم { أَحْسَنُ عَمَلاً } تركاً لها وإعراضاً عنها ، أو أصفى قلباً وأهدى سمتاً ، أو توكلاً علينا فيها ، ويحتمل اعتباراً بها وتركاً لحرامها .


وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)

{ صَعِيداً } أرضاً مستوية ، أو وجه الأرض لصعوده ، أو التراب { جُرُزاً } بلقعاً أو ملساً ، أو محصورة ، أو يابسة لا نبات بها ولا زرع . قد جرفتهن السنون الأجراز .


أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)

{ الْكَهْفِ } غار في الجبل الذي أووا إليه . { وَالرَّقِيمِ } اسم ذلك الجبل ، أو اسم قريتهم ، أو كلبهم ، أو لكل كلب ، أو الوادي ، وقيل هو وادٍ بالشام نحو أيلة ، أو الكتاب الذي فيه شأنهم من رقم الثوب ، وكان لوحاً من رصاص على باب الكهف ، أو في خزائن الملوك لعجيب أمرهم ، أو الدواة بالرومية ، أو قوم من أهل السراة كانت حالهم كحال أصحاب الكهف ، قاله سعيد { عَجَباً } ما حسبت أنهم كانوا عجباً لولا أخبرناك وأوحينا إليك ، أو أحسبت أنهم أعجب آياتنا وليسوا بأعجب خلقنا .


إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)

{ أَوَى الْفِتْيَةُ } قوم فروا بدينهم إلى الكهف ، أو أبناء أشراف خرجوا فاجتمعوا وراء المدينة على غير ميعاد فقال : أسنهم أجد في نفسي شيئاً ما أظن أحداً يجده « إن ربي رب السماوات والأرض » فقالوا جميعا : { رَبُّنَا رَبُّ السماوات والأرض } [ الكهف : 14 ] ثم دخلوا الكهف فلبثوا فيه ثلاثمائة وتسعاً ، أو من أبناء الروم دخلوا الكهف قبل عيسى عليه الصلاة والسلام وضُرب على آذانهم فلما بُعث عيسى عليه الصلاة والسلام أُخبر بخبرهم ثم بُعثوا بعده في الفترة التي بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم .
{ شَطَطاً } كذباً ، أو غلواً ، أو جوراً .


فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11)

{ فَضَرَبْنَا } الضرب على الآذان منعها من السماع ، يدل على أنهم كانوا نياماً وضرب على آذانهم لئلا يسمعوا من يوقظهم { عَدَداً } محصية ، أو كاملة ليس فيه شهور ولا أيام فيها .


ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)

{ بَعَثنَاهُمْ } أيقظناهم { أَمَداً } عدداً ، أو أجلاً ، أو غاية { الْحِزْبَيْنِ } من قوم الفتية ، أو أحدهما الفتية والآخر من حضرهم من أهل زمانهم ، أو أحدهما مؤمنون والآخر كفار ، أو أحدهما الله والآخر الخلق تقديره أأنتم أعلم أم الله .


وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14)

{ وَرَبَطْنَا } ثبتنا ، أو ألهمناها صبراً { شَطَطاً } غلواً ، أو تباعداً .


هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)

{ بِسُلْطَانِ } حجة ، أو عذر ، أو كتاب .


وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)

{ مِّرْفَقاً } سعة ، أو معاشاً ، بكسر الميم إذا وصل إليك من غيرك ، وبفتحها ، إذا وصلته إلى غيرك .


وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)

{ تَّزَاوَرُ } تعرض عنه فلا تصيبه ، أو تميل عنه ذات اليمين { تَّقْرِضُهُمْ } تحاذيهم ، القرض : المحاذاة ، أو تجوزهم منحرفة وتقطعهم قرضته بالمقراض قطعته ، أو تعطيهم القليل من شعاعها ثم تأخذه بانصرافها ، من قرض الدراهم التي ترد ، لأنهم كانوا في مكان موحش ، أو لم يكن عليهم سقف فلو طلعت عليهم لأحرقتهم ، كان كهفهم بإزاء بنات نعش فلم تصبهم عند شروقها وغروبها ، أو صرفها الله تعالى عنهم لتبقى أجسادهم عبرة لمن شاهدهم . { فَجْوَةٍ } فضاء ، أو داخل منه ، أو مكان موحش ، أو مكان متسع .


وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)

{ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً } ، لأن أعينهم مفتوحة يتنفسون ولا يتكلمون ، أو لأنهم يقلبون يميناً وشمالاً . { وَنُقَلِّبُهُمْ } تقليب النيام لئلا تأكلهم الأرض ، أو كل ستة أشهر على جنب « ع » ، أو لم يقلبوا إلا في التسع بعد الثلاثمائة { وَكَلْبُهُم } من جملة الكلاب اسمه « حمران » أو « قطمير » أو هو إنسان طباخ لهم ، أو راعي { بِالْوَصِيدِ } لعله العتبة ، أو الفناء « ع » ، أو الصعيد والتراب ، أو الباب أو الحظيرة . { رُعْباً } فزعاً لطول أظفارهم وأشعارهم ولما ألبسوا من الهيبة لئلا يصل إليهم أحد حتى يبلغ الكتاب أجله ، ولما غزا ابن عباس رضي الله تعالى عنه مع معاوية بحر الروم فانتهوا إلى الكهف عزم معاوية أن يدخل عليهم فينظر إليهم ، فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ليس هذا لك فقد منعه الله تعالى من هو خير منك ، فقال : { لَوِ أطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ } الآية فأرسل إليهم جماعة فلما دخلوا الكهف أرسل الله تعالى ريحاً فأخرجتهم . قيل كان رئيسهم نبياً اتبعوه وآمنوا به فكان ذلك معجزة له .


وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)

{ بَعَثْنَاهُمْ } أيقظناهم ، وكان الكلب قد نام معهم { لَبِثْنَا يَوْماً } لما أُنيموا أول النهار وبُعثوا آخر نهار أخر قالوا لبثنا يوماً لأنه أطول مدة النوم المعتاد فلما رأوا الشمس لم تغرب قالوا : أو بعض يوم . { قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ } لما رأى كبيرهم اختلافهم قال : ذلك ، أو هو حكاية عن الله تعالى أنه أعلم بمدة لبثهم . { بِوَرِقِكُمْ } بكسر الراء وسكونها الدراهم ، وبفتحها الإبل والغنم { أزْكَى } أكثر ، أو أحل ، أو خير ، أو أطيب ، أو أرخص . { بِرِزْقٍ } يحتمل بما ترزقون أكله ، أو بما يحل أكله { وَلْيَتَلَطَّفْ } في إخفاء أمركم ، أو ليسترخص فيه دليل على جواز المناهدة وكان الجاهلية يستقبحونها فأباحها الشرع .


إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)

{ يَرْجُمُوكُمْ } بأيديهم استنكاراً لكم ، أو بألسنتهم غيبة وشتماً أو يقتلوكم لأن الرجم من أساب القتل .


وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)

{ أَعْثَرْنَا } أظهرنا أهل بلدهم عليهم ، أو اطَّلعنا برحمتنا إليهم { لِيَعْلَمُواْ } يحتمل ليعلم أهل بلدهم أن وعد الله بالبعث حق لأنه لما خرق العادة في إنامتهم كان قادراً على إحياء الموتى ، أو ليرى أهل الكهف بعد علمهم أن وعد الله حق { إِذْ يَتَنَازَعُونَ } لما دخل أحدهم المدينة لشراء الطعام استنكر أهل المدينة شخصه وورقه لبعد العهد فحمل إلى الملك وكان صالحاً مؤمناً لما نظر إليه قال : لعله من الفتية الذين خرجوا على عهد دقيانوس الملك ، وقد كنت أدعوا الله أن يرينيهم ، وسأل الفتى فأخبره ، فانطلق والناس معه إليهم فلما دنا من الكهف وسمع الفتية كلامهم خافوا وأوصى بعضهم بعضاً بدينهم فلما دخلوا عليهم ماتوا ميتة الحق ، فتنازعوا هل هم أحياء ، أو موتى؟ ، أو علموا موتهم وتنازعوا في هل يبنون عليهم بناء يعرفون به ، أو يتخذون عليهم مسجداً .


سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)

{ وَثَامِنُهُمْ } أدخل الواو على انقطاع القصة وأن الخبر قد تم ، والذين اختلفوا في عددهم أهل بلدهم قبل الظهور عليهم ، أو أهل الكتاب بعد طول العهد بهم { رَجْماً بِالْغَيْبِ } قذفاً بالظن { قَلِيلٌ } ابن عباس رضي الله تعالى عنهما « أنا من القليل الذي استثنى الله تعالى كانوا سبعة وثامنهم كلبهم » ، ابن جريج : « كانوا ثمانية » وقوله ثامنهم كلبهم أي صاحب كلبهم ولما غابوا عن قومهم كتبوا أسماءهم ، فلما بان أمرهم كُتبت أسماؤهم على باب الكهف . { مِرَآءً ظَاهِراً } ما أظهرنا لك من أمرهم ، أو حسبك ما قصصناه عليك فلا تسأل عن إظهار غيره ، أو بحجة واضحة وخبر صادق ، أو لا تجادل أحداً إلا أن تحدثهم به حديثاً « ع » ، أو هو أن تشهد الناس عليه { وَلا تَسْتَفْتِ } يا محمد فيهم أحداً من أهل الكتاب ، أو هو خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ونهي لأمته .


إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)

{ إِلآ أَن يَشَآءَ اللَّهُ } فيه إضمار إلا أن تقول : لأنه إذا علق بالمشيئة لم يكن كاذباً بأخلافه ، ولا كفارة عليه إن كان يمين مع ما فيه من الإذعان لقدرة الله تعالى { إِذَا نَسِيتَ } الشيء فاذكر الله تعالى ليذكرك إياه فإن فعل برئت ذمتك وإلا فسيدلك على أرشد مما نسيته ، أو اذكره إذا غضبت ليزول غضبك ، أو إذا نسيت الاستثناء فاذكر ربك بقولك { عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّى } الآية ، أو اذكره بالاستثناء ، ويصح الاستثناء إلى سنة فتسقط الكفارة ولا يصح بعدها « ع » ، أو في مجلس اليمين ولا يصح بعد فراقه ، أو يصح ما لم يأخذ في كلام غير اليمين ، أو مع قرب الزمان دون بعده ، أو مع الاتصال باليمين دون الانفصال .


وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)

{ وَلَبِثُواْ } من قول نصارى نجران ، أو اليهود فرده الله تعالى بقوله : { قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ } ، أو أخبر الله تعالى بذلك عن مدة لبثهم فيه من حين دخلوه إلى أن ماتوا فيه { تِسْعاً } هو ما بين السنين الشمسية « والقمرية » .


قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)

{ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ } بعد موتهم إلى نزول القرآن فيهم ، أو بالمدة التي ذكرها عن اليهود { أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ } الله أبصر بما قال وأسمع لما قالوا ، أو أبصرهم وأسمعهم ما قال الله تعالى فيهم { وَلِىٍّ } ناصر ، أو مانع { حكمه } علم الغيب ، أو الحكم .


وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)

{ مُلْتَحَداً } ملجأ ، أو مهرباً أو معدلاً ، أو ولياً .


وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)

{ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } تعظيمه ، أو طاعته نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال : « الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر معهم » { يَدْعُونَ } رغبة ورهبة ، أو يحافظون على صلاة الجماعة ، أو الصلوات المكتوبة « ع » . وخص عمل النهار ، لأن عمل النهار إذا كان لله تعالى فعمل الليل أولى ، { وَلا تَعْدُ } لا تتجاوزهم بالنظر إلى أهل الدنيا طلباً لزينتها { وَلا تُطِعْ } قال عيينة بن حصن للرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم لقد آذاني ريح سلمان الفارسي ، فاجعل لنا مجلساً منك لا يجامعونا فيه ولهم مجلساً لا نجامعهم فيه فنزلت { أَغْفَلْنَا } جعلناه غافلاً ، أو وجدناه غافلاً { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } في طلبه التمييز على غيره ، أو في شهواته وأفعاله { فُرُطاً } ضياعاً أو متروكاً ، أو ندماً ، أو سرفاً وإفراطاً ، أو سريعاً ، أفرط أسرف وفرَّط قصَّر .


وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)

{ فَمَن شَآءَ } الله فليؤمن { وَمَن شَآءَ } الله فليكفر ، أو تهديد ووعيد أو المعنى لا تنفعون الله بإيمانكم ولا تضرونه بكفركم ، أو من شاء أن يعرض نفسه للجنة بالإيمان ومن شاء أن يعرضها للنار بالكفر { سُرَادِقُهَا } حائطها الذي يحيط بها ، أو دخانها ولهبها قبل وصوله إليها { ظِلٍّ ذِى ثَلاَثِ شُعَبٍ } [ المرسلات : 30 ] أو البحر المحيط بالدنيا مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم سرادق : فارسي معرب أصله سرادر { بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ } القيح والدم ، أو كدُري الزيت ، أو كل شيء أذيب حتى انماع ، أو الذي انتهى حره وسماه إغاثة لاقترانه بالاستغاثة { مُرْتَفَقاً } مجتمعاً من المرافقة ، أو منزلاً من الارتفاق أو المتكأ مضاف إلى المرفق ، أو من الرفق .


إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)

{ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ } قال أعرابي للرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : أخبرني عن هذه الآية { إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ } ، فقال : ما أنت منهم ببعيد ولا هم ببعيد منك هم هؤلاء الأربعة الذين هم وقوف أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم أجمعين فأعلم قومك أن هذه الآية نزلت فيهم .


أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)

{ سُندُسٍ } ما لطف من الديباج ، أو رق منه واحده سندسة ، { وَإِسْتَبْرَقٍ } الديباج المنسوج بالذهب ، أو ما غلظ منه ، فارسي معرب أصله استبرة وهو الشديد { الأَرَآئِكِ } الحجال ، أو الفرش في الحجال ، أو السرير في الحجال .


كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33)

{ أُكُلَهَا } ثمرها وزرعها { وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } فجره بينهما ليكون أقل مؤنة من سوقه إليهما وأكثر ريعاً ، وهما رجلان ورثا عن أبيهما ثمانية آلاف دينار فأخذ المؤمن حقه منها فتقرب به إلى الله عز وجل وأخذ الكافر حقه فاشترى به ضياعاً منها هاتان الجنتان ولم يتقرب إلى الله تعالى بشيء منها فأفضى أمره إلى ما ذكره الله تعالى أو مثل ضُرب لهذه الأمة ليزهدوا في الدنيا ويرغبوا في الآخرة وليس خبر عن حال تقدمت .


وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34)

{ ثَمَرٌ } بالفتح والضم واحد هو الذهب والفضة لإثمارهما ، أو المال الكثير من صنوف الأموال « ع » ، لأن تثميره أكثر ، أو الأصل الذي له نماء ، لأن النماء تثمير ، أو بالفتح جمع ثمرة وبالضم جمع ثمار ، أو بالفتح ما كان نماؤه من أصله وبالضم ما كان نماؤه من غيره ، أو بالفتح ثمار النخل خاصة وبالضم جميع الأموال ، أو بالضم الأصل وبالفتح الفرع ، وهذا ثمر الجنتين المذكورتين عند الجمهور ، أو ثمر تملكه من غيره دون أصوله « ع » .


قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37)

{ يُحَاوِرُهُ } يناظره في الإيمان والكفر ، أو في طلب الدنيا وطلب الآخرة .


فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40)

{ يُؤْتِيَنِ } في الدنيا خيراً من جنتك ، أو في الآخرة { حُسْبَاناً } عذاباً ، أو ناراً ، أو برداً ، أو عذاب حساب لأنه جزاء كفره وجزاء الله بحساب ، أو مرامي كثيرة من الحسبان وهي السهام التي ترمى بمجرى في طلق واحد فكان من رمي الأكاسرة { زَلَقاً } أرضاً بيضاء لا تنبت ولا يثبت عليها قدم .


أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)

{ غَوْراً } ذا غور و « أو » بمعنى الواو .


وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42)

{ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } أحيط بهلاكه { خَاوِيَةٌ } متقلبة على أعاليها .


وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43)

{ فِئَةٌ } جند ، أو عشيرة { مُنتَصِراً } ممتنعاً ، أو مسترداً ما ذهب منه . وهذان مذكوران في الصافات { إِنِّى كَانَ لِي قَرِينٌ } [ الصافات : 51 ] وضُربا مثلاً لسلمان وخباب وصهيب مع أشراف مشركي قريش .


هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)

{ هُنَالِكَ } في القيامة { الْوَلايَةُ } لا يبقى مؤمن ولا كافر إلا يتولون الله تعالى أو يتولى الله جزاءهم ، أو يعترفون بأن الله تعالى هو الولي فالولاية مصدر الولي ، أو النصير . والولاية بالفتح للخالق وبالكسر للمخلوقين ، أو بالفتح في الدين وبالكسر في السلطان .


وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)

{ هَشِيماً } ما تفتت بعد اليبس من أرواق الشجر والزرع مثل لزوال الدنيا بعد بهجتها ، أو لأحوال أهلها في أن مع كل فرحة ترحة .


الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)

{ الْمَالُ } بجماله ونفعه { وَالْبَنُونَ } بقوتهم ودفعهم زينة الحياة { وَالْبَاقِيَاتُ } الصلوت الخمس ، أو الأعمال الصالحة ، أو الكلام الطيب ، أو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم وزاد بعضهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . { الصَّالِحَاتُ } المصلحات ، أو النافعات عبّر عن المنفعة بالصلاح . { عِندَ رَبِّكَ } في الآخرة { وَخَيْرٌ أَمَلاً } عند نفسك ، لأن وعد الله تعالى واقع لا محالة فلا تكذب أملك فيه .


وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)

{ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ } بنقلها عن أماكنها ، أو بتقليلها حتى لا يبقى منها إلا اليسير ، أو بجعلها هباء منثوراً { بَارِزَةً } برز ما فيها من الموتى ، أو صارت فضاء لا يسترها جبل ولا نبات { نُغَادِرْ } نترك ، أو نخلف ، الغدير : ما تخلفه السيول .


وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)

{ صَفّاً } بعد صف كصفوف الصلاة .


وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)

{ الْكِتَابُ } كتاب أعمالهم يوضع في أيديهم ، أو عبّر عن الحساب بالكتاب لأنهم يحاسبون على ما كُتب { صَغِيرَةً } الضحك « ع » ، أو الصغائر التي تغفر باجتناب الكبائر { كَبِيرَةً } المنصوص تحريمه ، أو ما قرنه الوعيد ، أو الحد { وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ } بنقصان ثواب ولا زيادة عقاب .


وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)

{ مِنَ الْجِنِّ } حقيقة ، لأن له ذرية ولا ذرية للملائكة ، ولأن الملائكة رسل لا يجوز عليهم الكفر وقد كفر إبليس وهو أصل الجن كما آدم عليه الصلاة والسلام أصل الإنس ، أو كان من ملائكة يقال لهم : الجنة ، أو من ملائكة يدبرون أمر السماء الدنيا وهم خزان الجنة كما يقال : مكي وبصري ، أو كان من سبط من ملائكة خُلقوا من نار يقال : لهم الجن وخُلق سائر الملائكة من نور ، أو لم يكن من الجن ولا من الإنس ولكن من الجان { فَفَسَقَ } خرج ، فسقت الرطبة خرجت من قشرها ، والفأرة فويسقة لخروجها من جحرها ، أو اتسع في محارم الله تعالى والفسق والاتساع { بَدَلاً } من الجنة بالنار ، أو من طاعة الله تعالى بطاعة إبليس .


مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)

{ مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ } إبليس وذريته ، أو جميع الخلق ما استعنت بهم في خلقها ، أو ما وقفتهم عليها حتى يعلموا من قدرتي ما لا يكفرون معه { خَلْقَ أَنفُسِهِمْ } ما استعنت ببعضهم على خلق بعض ، أو ما أشهدت بعضهم خلق بعض { عَضُداً } أعواناً في خلق السماوات والأرض ، أو أعواناً لعبدة الأوثان { الْمُضِلِّينَ } عام ، أو إبليس وذريته .


وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)

{ مَّوْبِقاً } محبساً ، أو مهلكاً أو موعداً ، أو عداوة ، أو واد في جهنم ، أو واد يفصل بين الجنة والنار ، أو بينهم تواصلهم في الدنيا مهلكاً لهم في الآخرة .


وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53)

{ فَظَنُّواْ } علموا أو كانوا على رجاء العفو قبل دخولهم إليها { مَصْرِفاً } ملجأ ، أو معدلاً ينصرفون إليه ، لم يجد المشركون عنها انصرافاً ، أو لم تجد الأصنام صرفاً لها عن المشركين .


وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55)

{ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ } أنفسهم ، أو الشياطين أن يؤمنوا { سُنَّةُ الأَوَّلِينَ } عادتهم في عذاب الاستئصال { قُبُلاً } تجاهاً ، أو جمع قبيل يريد أنواعاً من العذاب { قِبَلا } مقابلة ، أو معاينة .


وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56)

{ لِيُدْحِضُواْ } ليزيلوا ويذهبوا ، أو ليبطلوا القرآن ، أو ليهلكوا الحق ، من الدحض وهو المكان الذي لا يثبت عليه خف ولا حافر ولا قدم .


وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58)

{ ذُو الرَّحْمَةِ } العفو ، أو الثواب ، أو النعمة ، أو الهدى . { مَّوْعِدٌ } أجل ، أو جزاء يحاسبون عليه { مَوْئِلاً } ملجأ ، أو محرزاً ، أو ولياً أو منجى ، لا وألت نفسه : لا نجت .


وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)

{ أَهْلَكْنَاهُمْ } وكلناهم إلى سوء تدبيرهم لما ظلموا بترك الشكر ، أو أهلكناهم بالعذاب لما ظلموا بالكفر { مَّوْعِداً } أجلاً يؤخرون إليه ، أو وقتاً يهلكون فيه .


وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)

{ لِفَتَاهُ } يوشع بن نون وهو ابن أخت موسى عليه الصلاة والسلام وسمي فتاه لملازمته له في العلم ، أو الخدمة ، وهو خليفة موسى على قومه من بعده ، وهو موسى بن عمران عند الجمهور ، وقال محمد بن إسحاق هو موسى بن ميشا بن يوسف كان نبياً لبني إسرائيل قبل موسى بن عمران { الْبَحْرَيْنِ } الخضر وإلياس بحران في العلم قاله السدي ، أو بحر الروم وبحر فارس أحدهما في الغرب ، والآخر في الشرق ، أو بحر أرمينية مما يلي الأبواب ، وعد أنه يلقى الخضر عند مجمعهما { لا أَبْرَحُ } لا أزال ، أو لا أفارقك { حُقُباً } زماناً ، أو دهراً ، أو سنة بلغة قيس ، أو ثمانون سنة ، أو سبعون .


فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)

{ مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا } إفريقية { نَسِيَا حُوتَهُمَا } عبّر بالنسيان عن ضلاله عنهما لما اتخذ سبيله في البحر ، أو غفلا عنه فنسي يوشع ونسي موسى أن يأمر فيه بشيء ، أو نسيه يوشع وحده فأضيف إليهما كما يقال نسي القوم أزوادهم إذا نسيها أحدهم { فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ } أحيا الله تعالى الحوت فطفر إلى البحر فاتخذ طريقه فيه { سَرَباً } مسلكاً ، أو يبساً ، أو عجباً .


فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62)

{ جَاوَزَا } مكان الحوت { نَصَباً } تعباً ، أو وهناً .


قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)

{ الصَّخْرَةِ } بشروان أرض على ساحل بحر أيلة عندها عين تسمى عين الحياة ، أو الصخرة التي دون نهر الزيت على الطريق { نَسِيتُ الْحُوتَ } أن أحمله ، أو أخبرك بأمره { أَنسَانِيهُ إِلآَّ الشَّيْطَانُ } بوسوسته لي وشغله لقلبي { عجباً } كان لا يسلك طريقاً في البحر إلا صار ماؤه صخراً فعجب موسى لذلك ، أو رأى دائرة الحوت وأثره في البحر كالكوة فعجب من حياة الحوت ، وقيل لموسى إنك تلقى الخضر حيث تنسى بعض متاعك فعلم أن مكان الحوت مضوع الخضر ف { قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } { قَصَصاً } يقصان أثر الحوت .


فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)

{ رَحْمَةً } نبوة ، أو نعمة ، أو طاعة ، أو طول الحياة ، وكان مَلَكاً ، أمر الله تعالى موسى أن يأخذ عنه علم الباطن ، أو نبياً ، قيل هو اليسع سمي به لأنه وسع علمه ست سموات وست أرضين ، أو عبداً صالحاً عالماً ببواطن الأمور سمي خضراً لأنه كان إذا صلى في مكان اخضرّ ما حوله .


قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)

{ رُشْداً } علماً ، أو كان في علمه غي يجتنب ورشد يؤتى فلطب منه تعليم الرشد الذي لا يعرفه ولم يطلب تعلم الغي لأنه كان يعرفه أو يعني لإرشاد الله تعالى لك بما علمك .


وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)

{ خُبْراً } لم تجد له سبيلاً إذ لم تعرف له علماً ، علماً منه أن موسى لا يصبر إذا رأى ما ينكر ظاهره فعلق موسى عليه الصلاة والسلام صبره بالمشيئة حذراً مما وقع منه .


قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)

{ وَلآ أعْصِى } بالبداية بالإنكار حتى تبتدىء بالإخبار ، أو لا أفشي سرك ولا أدل عليك بشراً .


فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)

{ خَرَقَهَا } أخذ فأساً ومنقاراً فخرقها حتى دخلها الماء أو قلع لوحين منها فضج ركبانها من الغرق { لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا } خصهم بالذكر دون نفسه لأنه شفقة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام { إِمْراً } منكراً ، أو عجباً ، أو داهية عظمية من الأمر وهو الفاسد الذي يحتاج إلى الصلاح ، رجل إِمر إذا كان ضعيف الرأي يحتاج أن يؤمر فيقوى رأيه .


قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)

{ نَسِيتُ } غفلت عنه ، أو تركه من غير غفلة ، أو كأني نسيته وإن لم ينسه ، جعله من معاريض الكلام « ع » { عُسْراً } لا تعنفني على ترك وصيتك ، أو لا يغشاني منك العسر ، غلام مراهق قارب أن يغشاه البلوغ ، ارهقوا القبلة اغشوها واقربوا منها ، أو لا تكلفني الاحتراز عن السهو والنسيان فإن غير مقدور ، أو لا تطردني عنك .


فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)

{ غُلاماً } شاباً بالغاً قبض على لحيته ، لأن غير البالغ لا يجوز قتله « ع » ، أو غير بالغ عند الأكثرين كان يلعب مع الصبيان فأخذه من بينهم فأضجعه وذبحه بالسكين ، او قتله بحجر ، لأنه طبع كافراً ، أو ليصلح بذلك حال أبويه ونسلهما { أَقَتَلْتَ } استخبار ، لأنه علم أنه لا يتعدى حدود الله ، أو إنكار لقوله : { جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً } . { زاكية } و { زَكِيَّةَ } واحد عند الأكثرين ، نامية ، أو طاهرة ، أو مسلمة « ع » ، أو لم يحل دمها ، أو لم تعمل خطيئة ، أو الزكية أشد مبالغة من الزاكية ، أو الزاكية في البدن والزكية في الدين ، أو الزاكية من لم تذنب والزكية من أذنبت { نُّكْراً } منكراً أو فظيعاً قبيحاً ، أو يجب أن ينكر فلا يفعل ، أو هو أشد من الإمر .


قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)

{ فَلا تُصَاحِبْنِى } لا تتابعني ، أو لا تتركني أصحبك ، أو لا تصحبني علماً ، أو لا تساعدني على ما أريد .


فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)

{ قَرْيَةٍ } أنطاكية ، أو الأيلة ، أو باجروان بأرمينية { يُرِيدُ } يكاد { يَنقَضَّ } يسقط بسرعة ، وينقاض ينشق طولاً { فَأَقَامَهُ } بيده فاستقام ، وأصل الجدار الظهور ، والجدري لظهوره .


قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)

{ هَذَا } الذي قتله { فِرَاقُ } ، أو هذا الوقت فراق ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « رحم الله موسى لو صبر لاقتبس عنه ألف باب » .


أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)

{ لِمَسَاكِينَ } فقراء ، أو كانت بهم زمانة وعلل ، أو عجزوا عن الدفع عن أنفسهم لقلة حيلتهم ، أو سموا به لشدة ما يقاسونه في البحر كما يقال لقي هذا المسكين جهداً { وَرَآءَهُم } خلفهم وكان رجوعهم عليه ولم يعلموا ، أو أمامهم ، فوراء من الأضداد ، أو يستعمل وراء موضع أمام في المواقيت والأزمان ، لأن الإنسان يجوزها فتكون وراء دون غيرها ، أو يجوز في الأجسام التي لا وجه لها كحجرين متقابلين كل واحد منهما وراء الآخر ولا يجوز في غيرها ، وعابها الخضر ، لان الملك كان لا يغصب إلا السفن الجيدة .


وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)

{ الْغُلامُ } اسمه « حيسوراً » أو « شمعون » وكان سداسياً؛ له ست عشرة سنة ، أو طوله ستة أشبار ، وكان لصاً يقطع الطريق بين قرية أبيه وقرية أمه فيبصره أهل القريتين ويمنعون منه { فَخَشِينَآ } فكرهنا ، أو علمنا ، أو خفنا { يُرْهِقَهُمَا } يكلفهما ، أو يحملهما على الرهق وهو الجهد .


فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)

{ زَكَاةً } إسلاماً ، أو علماً ، أو ولداً وكانت أمه حبلى فولدت غلاماً مسلماً صالحاً ، أوجارية تزوجها نبي فولدت نبياً هديت به أمة من الأمم { رُحْماً } أكثر براً بوالديه من المقتول ، أو أعجل تعطفاً ونفعاً ، أو أقرب أن يرحما به ، والرُحْم الرحمة .


وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)

{ الْجِدَارُ } حقيقة ما أحاط بالدار فمنع منها وحفظ بنيانها ويستعمل في غيره من حيطانها مجازاً { كَنزٌ } ذخيرة من ذهب وفضة ، أو لوح ذهب مكتوب فيه حِكَم ، أو لوح ذهب مكتوب فيه « بسم الله الرحمن الرحيم عجبت لمن يوقن بالموت كيف يفرح ، وعجبت لمن يوقن بالقدر كيف يحزن ، وعجبت لمن يوقن بالدنيا بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها ، لا إله إلا الله محمد رسول الله » قاله الرسول صلى الله عليه وسلم { صَالِحاً } حُفِظا لصلاح أبيهما السابع . والخضر باق لشربه من الحياة ، أو غير باقٍ إذ لا نبي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم .


وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83)

{ ذِى الْقَرْنَيْنِ } نبي مبعوث فتح الله تعالى على يده الأرض ، أون عبد صالح ناصح لله ، فضربوه على قرنه فمكث ما شاء الله ثم دعاهم إلى الهدى فضربوه على قرنه الآخر ، لم يكن له قرنان كقرني الثور ، وسمي ذا القرنين للضربتين ، أو لضفيرتين كانتا له ، أو لاستيلائه على قرني الأرض المشرق والمغرب ، أو رأى في نومه أنه أخذ بقرني الشمس في شرقها وغربها فقصها على قومه فمسي ذا القرنين . وهو عبد الله بن الضحاك بن معد « ع » ، أو من أهل مصر اسمه مرزبان يوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح ، أو رومي أسمه الاسكندروني أو هو الإسكندر الذي بنى الإسكندرية .


إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)

{ مِن كُلِّ شَىْءٍ سَبَباً } علماً يتسبب به إلى إرادته ، أو ما يستعين به على لقاء الملوك وقتل الأعداء وفتح البلاد .


فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85)

{ فَأَتْبَعَ سَبَباً } منازل الأرض ومعالمها ، أو طرقاً بين المشرق والمغرب ، أو قفا الأثر ، أو طريقاً إلى ما أريد منه .


حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86)

{ حَمِئَةٍ } ذات حمأة ، أو طينة سوداء { حامية } حارة فكانت حارة ذات حمأة ، وجدها تغرب في نفس العين ، أو وراءها كأنها تغرب فيها { إمَّآ أَن تُعَذِّبَ } خُيِّر بين عقابهم والعفو عنهم ، أو تعذبهم بالقتل لشركهم ، أو تتخذ فيهم حسناً بإمساكهم بعد الأسر لتعلمهم الهدى وتنقذهم من العمى ، قيل لم يُسلم منهم إلا رجل واحد .


ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89)

{ أتَّبِعُ } و { اتَّبع } واحد ، أو بالقطع إذا لحق وبالوصل إذا كان على الأثر وإن لم يلحق .


حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90)

{ مَطْلِعَ } ومَطْلَع واحد ، أو بالفتح الطلوع وبالكسر موضع الطلوع يريد بالمطلع والمغرب ابتداء العمارة وانتهائها { سِتْراً } من بناء ، أو شجر ، أو لباس ، يأوون إذا طلعت إلى أسراب لهم فإذا زالت خرجوا لصيد ما يقتاتونه من وحش وسمك قيل : وهم الزنج ، أو تاريش ، وتاويل ومنسك .


حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)

{ السَّدَّيْنِ } و { السُّدين } واحد ، أو بالضم من فعل الله تعالى وبالفتح فعل الآدمي ، « أو بالضم إذا كان مستوراً عن بصرك وبالفتح إذا شاهدته ببصرك » ، أو بالضم الاسم وبالفتح المصدر . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهما جبلان ، قيل جعل الردم بينهما ، وهما بأرمينية وأذربيجان ، أو في منقطع أثر الترك مما يلي المشرق .


قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)

{ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ } من تأجج النار واختلفوا في تكليفهم ، وهما من ولد يافث بن نوح ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « لا يموت الرجل [ منهم ] حتى يولد لصلبه ألف رجل » { خَرْجاً } إجرة و { خراجاً } الغلة ، أو الخراج ما خرج من الأرض ، والخرج مصدر ما يخرج من المال ، أو الخراج ما يؤخذ عن الأرض والخرج ما يؤخذ عن الرقاب ، أو الخرج ما أخذ دفعة والخراج ما كان ثابتاً يؤخذ كل سنة .


قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)

{ بِقُوَّةٍ } بآلة ، أو برجال { رَدْماً } حجاباً شديداً ، أو سداً متراكباً بعضه على بعض .


آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)

{ زُبَرَ الْحَدِيدِ } قطعه ، أو فلقه ، أو الحديد المجتمع ومنه الزبور لاجتماع حروفه { الصَّدَفَيْنِ } جبلان « ع » ، أو رأسا جبلين ، أو ما بين الجبلين إذا كانا متحاذيين من المصادفة في اللقاء ، أو إذا انحرف كل واحد منهما عن الآخر كأنه صدف عنه فساوى بينهما بما جعله بينهما حتى وارى رؤوسهما وسوى بينهما { انفُخُواْ } في نار الحديد حتى إذا جعل الحديد ناراً أي كالنار في الحمى واللهب { قِطْراً } نحاساً ، أو رصاصاً أو حديداً مذاباً ، فكانت حجارته الحديد وطينه النحاس .


فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)

{ يَظْهَرُوهُ } يعلوه { نَقْباً } من أسفله ، وهو وراء بحر الروم بين جبلين هناك مؤخرهما البحر المحيط ، ارتفاعه مائتا ذراع ، عرضه نحو خمسين ذراعاً ، وهو حديد شبه المصمت ، وذكر رجل للرسول صلى الله عليه وسلم أنه رآه فقال : انعته لي ، فقال : هو كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء ، قال : قد رأيته .


قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)

{ وَعْدُ رَبِّى } القيامة ، أو وقت خروجهم بعد قتل الدجال { دَكَّآءَ } أرضاً ، أو قطعاً ، أو انهدم حتى اندك بالأرض فاستوى معها .

==========

ج4.كتاب : تفسير ابن عبد السلام عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي



وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99)

{ بَعْضَهُمْ } القوم الذين ذكرهم ذو القرنين يوم فتح السد ، أو الكفار يوم القيامة ، أو الجن والإنس عند فتح السد { يَمُوجُ } يختلط ، أو يدفع بعضهم بعضاً من موج البحر .


الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)

{ سَمْعاً } على ظاهره ، أو عقلاً فلا يستطيعون سمعه استثقالاً ، أو مقتاً .


أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102)

{ نُزُلاً } طعاماً ، أو منزلاً .


قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103)

{ بِالأَخْسَرِينَ } القسيسون والرهبان ، أو اليهود والنصارى ، أو الحرورية الخوارج ، أو أهل الأهواء ، أون من يصنع المعروف ويمن به .


أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)

{ وَزْناً } أي لا قدر لهم ، أو لخفتهم بالسفه والجهل صاروا ممن لا وزن له . أو ذهبت المعاصي بوزنهم فلا يوازنون لخفتهم [ شيئاً ] أو لما حبط أعمالهم بالكفر صار الوزن عليهم لا لهم .


إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)

{ الْفِرْدَوْسِ } وسط الجنة وأطيب موضع فيها ، أو أعلاها وأحسنها ، أو بستانها ، أو البستان الجامع لمحاسن كل بستان ، أو كل بستان محوط فردوس ، وهو عربي أو رومي ، أو سرياني وبالنبطية فرداساً .


خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)

{ حِوَلاً } بدلاً ، أو تحويلاً ، أو حيلة منزل غيرها .


قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)

{ كَلِمَاتُ رَبِّى } وعده بالثواب والعقاب ، أو ذكر ما خلق وما هو خالق ، أو علم القرآن ، عجز الخلق عن إحصاء معلوماته ومقدوراته .


قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)

{ يَرْجُواْ } يخاف ، أو يأمل ، أو يصدق به { لِقَآءَ رَبِّهِ } لقاء ثواب ربه ، أو لقاءه بالبعث والوقوف بين يديه { صَالِحاً } خالصاً من الرياء ، إو إذا لقي الله تعالى به لم يستحي منه ، أو عمل الطاعة وترك المعصية { بِعِبَادَةِ رَبِّهِ } يريد بالرياء ، أو الشرك بالأصنام ، قيل نزلت في جندب بن زهير أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنا نعمل العمل نريد به وجه الله تعالى فيثنى به علينا فيعجبنا ، وإني لأصلي الصلاة فأطولها رجاء أن يثنى بها عليَّ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « إن الله تعالى يقول : أنا خير شريك فمن شاركني في عمل يعمله لي أحداً من خلقي تركته وذلك الشريك » ونزلت هذه الآية فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل إنها آخر آية نزلت من القرآن والله تعالى أعلم . والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وعلى آل محمد وصحبه وسلامه ، وحسبنا الله تعالى ونعم الوكيل .


كهيعص (1)

{ كهيعص } اسم للسورة أو للقرآن أو لله تعالى أو استفتاح للسورة أو تفسير « لا إله إلا الله » من حروف الجُمَّل ، الكاف عشرون ، والهاء خمسة والياء عشرة ، والعين سبعون ، والصاد تسعون ، كذلك عدد حروف لا إله إلا الله ، أو حروف من حروف أسماء الرب ، الكاف من كبير أو كافٍ أو كريم ، والهاء من هادٍ ، والياء من حكيم أو يمين أو أمين أو يا من يجيب من دعاه ولا يخيب من رجاه ، أو يا من يجير ولا يجار عليه ، قاله الربيع بن أنس ، والعين من عزيز أو عالم أو عدل ، والصاد من صادق .


إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)

{ خَفِيّاً } لا رياء فيه ، أو أخفاه لئلا يستهزأ به لبعد ما طلبه .


قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)

{ وَهَنَ } ضعف وإذا وهن العظم مع قوته فوهن اللحم والجلد أولى ، أو شكا ضعف البطش الذي يقع بالعظم دون اللحم { وَاشْتَعَلَ } شبه انتشار الشيب في الرأس بانتشار النار في الحطب . { شَقِيّاً } خائباً ، كنت لا تخيبني إذا دعوتك .


وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5)

{ خِفْتُ الْمَوَالِىَ } العصبة ، أو الكلالة ، أو بنو العم وكانوا شرار بني إسرائيل ، سموا موالي لأنهم يلونه في النسب بعد الصلب ، أو الأولياء أن يرثوا علمي دون نسلي ، وخافهم على الفساد في الأرض ، أو على نفسه في حياته ، وعلى أسبابه بعد موته { وَرَآءِى } قدامي ، أو بعد موتي .


يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)

{ يَرِثُنِى } مالي { وَيَرِثُ مِنْ ءَالِ يَعْقُوبَ } النبوة ، أو يرثهما العلم والنبوة ، أو منه النبوة ومن آل يعقوب الأخلاق ، أو يرث مني العلم ومن آل يعقوب الملك ، فأجيب إلى وراثة العلم دون الملك ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما روي عن الرسول صلى الله عليه سلم قال : « يرحم الله زكريا ما كان عليه من ورثة » { رَضِيّاً } مرضي الأخلاق والأفعال ، أو راضياً بقضائك وقدرك .


يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7)

{ نُبَشِّرُكَ } بإجابة الدعوة ، وإعطاء الولد ، وتفرد الرب عز وجل بتسميته اختصاصاً له واصطفاء ، سمي يحيى ، لأنه حَيَ بين شيخ وعجوز . { سَمِيّاً } لم تلد العواقر مثله فلا مثل له ولا نظير ، أو لم نجعل لزكريا قبل يحيى ولداً ، أو لم نُسمِّ أحداً قبله باسمه .


قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)

{ عَاقِراً } لا تلد؛ لأنها تعقر النسل أي تقطعه ، أو لعقر رحمها للمني وإفساده وسأل عن أن الولد يأتيهما شابين أو شيخين . { عِتِيّاً } يسباً وجفافاً ، أو نحول العظم ، أو سناً .
قال :
إنما يُعذر الوليد ولا يُع ... ذر من كان في الزمان عتيا


قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)

{ ءَايَةً } دالة على الحمل ، أو على أن البُشرى من الله دون إبليس لأن الشيطان أوهمه ذلك ، قاله الضحاك { ثَلاثَ لَيَالٍ } اعتقل لسانه ثلاثاً من غير مرض ولا خرس عن كلام الناس دون ذكر الله تعالى { سَوِيّاً } صحيحاً من غير خرس ، أو يرجع إلى الليالي أي متتابعات .


فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)

{ فَخَرَجَ } أشرف على قومه . { مِنَ الْمِحْرَابِ } المصلى ، أو ما ينصب ليصلى بإزائه لأن المصلي كالمحارب للشيطان ، أو من مجلس الأشراف الذي يحارب دونه ذباً عن أهله فكأن الملائكة تحارب عن المصلي ذباً عنه .
{ فَأَوْحَى } أومى ، أو أشار ، أو كتب على الأرض ، والوحي الكتابة قال :
كأن أخا اليهود يخط وحياً ... بكاف من منازلها ولام
{ سَبِّحُواْ } صلوا سميت به لاشتمالها على التسبيح .


يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)

{ خُذِ الْكِتَابَ } قاله زكريا عليه الصلاة والسلام ليحيى حين نشأ ، أو قاله الله تعالى حين بلغ ، والكتاب : التوراة ، أو صحف إبراهيم . { بِقُوَّةٍ } بجد واجتهاد ، أو بامتثال الأمر واجتناب المناهي . { الْحُكْمَ } اللب ، أو الفهم ، أو العلم أو الحكمة ، قال له الصبيان : اذهب بنا نلعب فقال : ما للعب خُلقت قيل كان ابن ثلاث سنين .


وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13)

{ وَحَنَاناً } رحمة . قال :
أبا منذر فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشر أهون من بعض
أو تعطفاً ، أو محبة ، أو بركة أو تعظيماً ، أو آتيناه تحنناً على العباد . { وَزَكَاةً } عملاً زاكياً ، أو صدقة به على والديه ، أو زكيناه بثنائنا عليه . { تَقِيّاً } مطيعاً ، أو براً بوالديه .


وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16)

{ انتّبَذَتْ } انفردت ، أو اتخذت ، { شَرْقِيّاً } جهة المشرق فاتخذتها النصارى قبلة أو مشرقة الدار التي تظلها الشمس ، أو مكاناً بعيداً .


فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)

{ حِجَاباً } من الجدران ، أو من الشمس جعله الله تعالى لها ساتراً قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، أو حجاباً من الناس ، انفردت في ذلك المكان للعبادة ، أو كانت تعتزل فيه أيام حيضها . { رُوحَنَا } الروح الذي خُلق منها المسيح حتى تمثل بشراً ، أو جبريل عليه السلام لأنه روحاني لا يشوبه غير الروح ، أو لحياة الأرواح به ، فنفخ جبريل عليه السلام في جيب درعها وكمها فحملت ، أو ما كان إلا أن حملته فولدته ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وكان حملها تسعة أشهر ، أو ستة أشهر ، أو يوماً واحداً ، أو ثمانية أشهر ، ولم يعش لثمانية سواه آية له .


قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18)

{ تَقِيّاً } اسم رجل إسرائيلي مشهور بالعهر ، لما دنا منها جبريل عليه السلام خافت فاستعاذت من ذلك العاهر ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، أو إن كنت تقياً لله امتنعت خوفاً من استعاذتي به .


فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)

{ فَأَجَآءَهَا } ألجأها ، أو جاء بها . { يَالَيْتَنِى مِتُّ } تمنت الموت حياء من التهمة ، أو لئلا يأثم الناس بقذفها ، أو لأنها لم تر في قومها رشيداً ذا فراسة يبرئها من السوء . { نسياً منسياً } لم أخلق ، أو لا يدري من أنا ، أو سقطاً ، أو إذا ذكرت لم أُطلب ، والنسي ما أُغفل من شيء حقير .


فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)

{ فَنَادَاهَا } ، جبريل ، أو عيسى { مِن تَحْتِهَآ } من مكان أسفل من مكانها ، أو من بطنها بالقبطية { سَرِيّاً } عيسى ، السروات : الأشراف ، أو السري النهر بالنبطية أو العربية من السراية لأن الماء يسري فيه ، قيل يطلق السري على ما يعبره الناس من الأنهار وثباً .


وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)

{ النَّخْلَةِ } برنية ، أو عجوة ، أو صرفانة أو قريناً ولم يكن لها رأس وكان الشتاء فجعلت آية ، قيل اخضرت وحملت ونضجت وهي تنظر { جَنِيّاً } مترطب البسر ، أو الذي لم يتغير ، أو الطري بغبار .


فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)

{ فَكُلِى } الجني { وَاشْرَبِى } من السري { وَقَرِّى عَيْناً } بالولد ، طيبي نفساً ، أو لتسكن عينك سروراً أو لتبرد عينك سروراً ، دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة { صَوْماً } صمتاً أو صوماً عن الطعام والشراب وصمتاً عن الكلام ، تركت الكلام ليتكلم عنها ولدها ببراءتها ، أو كان من صام لا يكلم الناس فأُذن لها في هذا القدر من الكلام .


فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27)

{ فَرِيّاً } قبيحاً من الافتراء ، أو عجيباً ، أو عظيماً ، أو باطلاً ، أو متصنعاً من الفرية وهي الكذب .


يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)

{ يَا أُخْتَ هَارُونَ } لأبويه أو نسبت إلى رجل صالح كان أسمه هارون تنسب إليه من تعرف بالصلاح مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو نسبت إلى هارون أخي موسى لأنها من ولده كما يقال : يا أخا بني فلان أو كان رجلاً معلناً بالفسق فنسبت إليه .


فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)

{ فَأَشَارَتْ } إلى الله تعالى فلم يفهموا إشارتها ، أو إلى عيسى على الأظهر ألهمها الله تعالى ذلك بأنه سيبرئها ، أو أمرها به { مَن كَانَ } صلة ، أو بمعنى يكون { الْمَهْدِ } سرير الطفل ، أوة حجرها غضبوا لما أشارت إليه وقالوا : لسخريتها بنا أعظم من زناها ، فلما تكلم قالوا : إنَّ هذا لأمر عظيم .


قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)

{ ءَاتَانِىَ } سيؤتيني { وَجَعَلَنِى } سيجلعني ، أو كان وقت كلامه في المهد نبياً كامل العقل ، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه وكلمهم وهو ابن أربعين يوماً .


وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)

{ مُبَارَكاً } نفّاعاً ، أو معلماً للخير ، أو عارفاً بالله تعالى داعياً إليه ، أو آمراً بالعُرْف ناهياً عن المنكر . { بِالْصَّلاةِ } ذات الركوع والسجود ، أو الدعاء { وَالزَّكَاةِ } للمال ، أو التطهير من الذنوب .


وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32)

{ جَبَّاراً } جاهلاً بأحكامه { شَقِيّاً } متكبراً عن عبادته ، أو الجبار الذي لا ينصح والشقي الذي لا يقبل النصح .


وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)

{ وَالْسَّلامُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدتُّ } السلامة لي في الدنيا وفي القبر وفي البعث ، لأن له أحوالاً ثلاثة : حياة الدنيا والموت مقبوراً والبعث فسلم في هذه من الأحزان ، أو سلم في الولادة من همزة الشيطان إذ لا مولود إلا يهمزه { وَيَوْمَ أَمُوتُ } سلامته من ضغطة القبر لأنه غير مدفون في الأرض ، ويوم البعث : يحتمل سلامته من العرض والحساب . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه ثم انقطع كلامه حتى بلغ مبلغ الغلمان .


ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)

{ الْحَقِّ } الله ، أو عيسى سماه حقاً ، لأنه جاء بالحق ، أو القول الذي قاله عيسى من قبل { يَمْتَرُونَ } يشكون ، أو يختلفون فتقول فرقة هو الله وأخرى هو ابن الله وأخرى هو ثالث ثلاثة هذا قول النصارى ، وقال المسلمون : عبد الله ورسوله ، وقالت اليهود : لغير رشدة عند من قرأ تمترون .


أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38)

{ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ } اليوم كيف يصنع بهم يوم القيامة ، أو عجبه من سماعهم وإبصارهم في الآخرة .


وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39)

{ قَضَى أَمْراً } بعذابهم يوم البعث ، أو قضي بانقطاع توبتهم وتحقق الوعيد يوم الموت .


قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)

{ لأَرْجُمَنَّكَ } بالذم والسب ، أو بالأحجار لتبعد عني . { مَلِيّاً } دهراً طويلاً مؤبداً ، أو سوياً سليماً من عقوبتي ، أو غنياً .


قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47)

{ سَلامٌ } توديع وهجر ، أو سلام : إكرام وبر ، قابل جفوته بالإحسان رعاية لحق الأبوة وهو أظهر { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ } إن تركت عبادة الأوثان ، أو أدعو لك بالهُدى المقتضي للغفران { حَفِيّاً } مقرباً ، أو مكرماً ، أو رحيماً ، أو عليماً ، أو متعهداً .


وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)

{ لِسَانَ صِدْقٍ } ثناء جميلاً ، أو جعلناهم كراماً على الله تعالى اللسان بمعنى الرسالة . قال :
أتتني لسان بني عامر ... أحاديثها بعد قول نكر


وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52)

{ الطُّورِ الأَيْمَنِ } جبل بالشام نودي من يمين الجبل ، أو من يمين موسى { وَقَرِّبْنَاهُ نَجِيّاً } قرب من المكان الذي شرفه فيه وعظمه ليسمع كلامه ، أو قربه من أعلى الحجب حتى سمع صريف القلم ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنه وقال غيره سمع صريف القلم الذي كتبت به التوراة ، أو قربه باصطفائه واجتبائه { نَجِيّاً } ناجاه من النجوى التي لا يكون إلا في خلوة ، أو رفعه بعد التقريب من النجوة وهي الارتفاع ، أو نجاه بصدقه مأخوذ من النجاة ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لم يبلِّغ موسى من الكلام الذي ناجاه به شيئاً .


وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)

{ صَادِقَ الْوَعْدِ } وعد رجلاً أن ينتظره فانتظره ثلاثة أيام أو اثنين وعشرين يوماً أو حولاً كاملاً قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما .


وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)

{ أَهْلَهُ } ، قومه ، أو أهله يبدأ بهم ، وهو إسماعيل بن إبراهيم عند الجمهور ، أو إسماعيل بن حزقيل بعثه الله تعالى إلى قومه فسلخوا جلدة رأسه فخيره الله تعالى فيما شاء من عذابهم فاستعفاه ورضي بثوابه وفوض أمرهم إليه في عفوه وعقوبته لأن إسماعيل مات قبل أبيه إبراهيم .


وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56)

{ إِدْرِيسَ } أو من أعطي النبوة وأول من خط بالقلم .


وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)

{ وَرَفَعْنَاهُ } إلى السماء الرابعة ، أو السادسة وهو في السماء حي لم يمت كعيسى ، أو مات في السماء وهو فيها ميت ، أو مات بين الرابعة والخامسة وهو أول من اتخذ السلاح ، وجاهد في سبيل الله تعالى وقتل بني قابيل وأول من وضع الوزن والكيل وأثار علم النجوم ، وأول من لبس الثياب وإنما كانوا يلبسون الجلود .


أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58)

{ وَبُكِيّاً } سجودهم رغبة وبكاؤهم رهبة .


فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)

{ خَلْفٌ } بالسكون إذا خلفه من ليس من أهله وبالفتح إذا كان من أهله ، أو بالسكون في الذم وبالفتح في الحمد { مِن بَعْدِهِمْ } اليهود بعد متقدمي الأنبياء ، أو المسلمون بعد النبي صلى الله عليه وسلم من عصر الصحابة إلى قيام الساعة ، أو من بعد عصر الصحابة قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « يكون بعد الستين خلف أضاعوا الصلاة » الآية { أَضَاعُواْ الصَّلاةَ } بتركها ، أو تأخيرها عن وقتها { غَيّاً } وادٍ في جهنم أو خسراناً ، أو ضلالاً عن الجنة ، أو شراً أو خيبة .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... ومن يغوِ لا يعدم . . . . . . . .
أي يخب .


لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62)

{ لَغْواً } كلاماً فاسداً ، أو خُلفاً { سَلاماً } سلامة ، أو تسليم الملائكة عليهم { بُكْرَةً وَعَشِيّاً } كان يعجبهم إصابة الغذاء والعشاء فأُخبروا أن ذلك في الجنة ، أو أراد مقدار البكرة والعشي من أيام الدنيا ، قيل : يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وغلق الأبواب ، ومقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب .


وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)

{ وَمَا نَتَنَزَّلُ } موضعاً من الجنة إلا بأمر الله تعالى من كلام أهل الجنة ، أو نزلت لما أبطأ جبريل عليه السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة ليلة فلما أتاه قال : « لقد غبت حتى ظن المشركون كل ظن » ، { مَا بَيْنَ أَيْدِينَا } الدنيا { وَمَا خَلْفَنَا } الآخرة { وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ } ما بين النفختين ، أو ما مضى من الدنيا { وَمَا خَلْفَنَا } ما يكون بعدنا من الدنيا والآخرة { وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ } ما بين ما مضى من قبل وما يكون من بعد { نَسِيّاً } ذا نسيان ، أو ما نسيك .


رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)

{ سَمِيّاً } مثلاً من المساماة ، أو من يُسمى الله أو لا يستحق اسم الإله غيره ، أو ولداً .


فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)

{ جَهَنَّمَ } اسم للنار أو لأعمق موضع فيها كالفردوس اسم لأعلى الجنة { جِثِيّاً } جماعات ، أو بروكاً على الركب .


ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69)

{ شِيعَةٍ } الشيعة : الجماعة المتعاونون ، الأمة شيعة لاجتماعهم وتعانهم . { لَنَنزِعَنَّ } لنبدأن أو لنستخرجن { عِتِيّاً } افتراء بلغة تميم ، أو جرأة أو كفراً ، أو تمرداً ، أو معصية .


ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)

{ صِلِيّاً } دخولاً أو لزوماً .


وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)

{ وَارِدُهَا } الحمى والأمراض ، عاد الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً ثم قال : « إن الله تعالى يقول : هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار في الآخرة » ، أو جهنم يردها الكفار خاصة ، انتقل من معاتبتهم إلى خطابهم ، أو عامة في المؤمن والكفار يردانها فتمس الكافر دون البر ، أو يردها المؤمن بمروره عليها ونظره إليها سروراً بما أنجاه الله تعالى منه { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ } [ القصص : 23 ] { حَتْماً } قضاء مقضياً ، أو قسماً واجباً .


وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73)

{ مَّقَاماً } منزل إقامة في الجنة أو النار ، أو كلاماً قائماً بحجة معناه ، من فلجت حجته خير أم من دحضت حجته . { نَدِيّاً } أفضل مجلساً أو أوسع عيشاً .


وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)

{ أَثَاثَاً } متاعاً { وَرِءْياً } منظراً « ع » أو الجديد من ثياب البيت ، والريّ الارتواء من النعمة ، أو ما لا يراه الناس والرئي ما يرونه ، أو أكثر أموالاً وأحسن صوراً .


وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76)

{ وَيَزِيدُ اللَّهُ } يزيدهم هدى بالمعونة على الطاعة والتوفيق لمرضاته ، أو الإيمان بالناسخ والمنسوخ .


أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)

{ لأُوتَيَنَّ مَالاً } نزلت في العاص بن وائل ، أو في الوليد بن المغيرة ، { لأُوتَيَنَّ } في الدنيا على قول الجمهور ، أو في الجنة استهزاء منه { وَوَلَداً } وُوْلدا واحد كعُدْم وَعَدم ، أو بالضم جمع وبالفتح واحد لغة قيس .


أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78)

{ عَهْداً } عملاً صالحاً ، أو قولاً عهد به الله إليه .


وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)

{ وَنَرِثُهُ } نسلبه ما أعطيناه في الدنيا من مال وولد ، أو نحرمه ما تمناه منهما في الآخرة { فَرْداً } بلا مال ولا ولد ، أو بلا ولي ولا ناصر .


كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82)

{ سَيَكْفُرُونَ } سيجحد العابدون عبادتهما لما رأوا من سوء عاقبتها ، أو يكفر المعبود بالعابد ويكذبه { ضِدّاً } عوناً في الخصومة ، أو بلاء أو أعداء أو قرناء في النار يلعنونهم ، أو على ضد ما أمَّلوه فيهم « ح » .


أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)

{ تَؤُزُّهُمْ } تزعجهم إلى المعاصي ، أو تغويهم أو تغريهم بالشر .


فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84)

{ نَعُدُّ لَهُمْ } أعمالهم ، أو أيام حياتهم ، أو مدة انتظارهم إلى الانتقام منهم بالسيف والجهاد .


يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85)

{ وَفْداً } ركباناً ، أو جماعة ، أو زواراً .


وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)

{ وِرْداً } مشاة ، أو عطاشاً من ورود الإبل عطاشاً ، أو أفراداً .


لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)

{ عَهْداً } وعداً من الله تعالى ، أو إيماناً به .


لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89)

{ إِدّاً } منكراً ، أو عظيماً .


إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)

{ وُدّاً } محبة في الدنيا من الأبرار وهيبة عند الفجار ، أو يحبهم الله تعالى ويحببهم إلى الناس ، قال « ع » نزلت في علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه .


فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)

{ لُّدّاً } فجاراً ، أو أهل لجاج وخصام من اللدود للزومهم الخصام كما يحصل اللدود في الأفواه أو الجدل في الباطل من اللدد وهو شدة الخصومة .


وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)

{ رِكْزاً } صوتاً ، أو حساً ، أو ما لا يفهم من صوت أو حركة .


طه (1)

{ طه } اسم لله تعالى أقسم به . أو اسم للسورة أو اختصار كلام خص الرسول صلى الله عليه وسلم بعلمه ، أو حروف يدل كل حرف منها على معنى ، أو طوبى لمن اهتدى ، أوطأ الأرض بقدميك ولا تقم على أحدهما في الصلاة ، أو يا رجل بلغة عك ، أوطيء ، أو بالنبطية .
إن السفاهة طه من خليقتكم ... لا قدس الله أرواح الملاعين


مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)

{ لِتَشْقَى } بالتعب والسهر في قيام الليل ، أو بالأسف والحزن على كفرهم ، أو جواب لهم لما قالوا : إنه بالقرآن شقي .


إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)

{ تَذْكِرَةً } إنذرراً لمن يخشى الله ، أو زجراً لمن يتقي الذنوب والخوف ما ظهرت أسبابه ، والخشية ما لم تظهر أسبابه .


لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)

{ لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ } ملكهما ، أو تدبيرهما ، أو علم ما فيهما { الثَّرَى } كل شيء مبتل ، أو التراب عند الجمهور ، والذي تحته : ما واراه التراب في بطن الأرض أو الصخرة الخضراء التي تحت الأرض السابعة وهي سجين التي فيها كتاب الفجار .


وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)

{ السِّرَّ } ما ساررت به غيرك ، { وَأَخْفَى } ما أضمرته ولم تحدث به « ع » أو ما أضمرته في نفسك وأخفى ما لم يكن ولا أضمره أحد في نفسه ، أو أسرار عباده وأخفى سر نفسه عن خلقه ، أو ما أسره الناس وأخفى الوسوسة أو ما أسره من علمه [ و ] عمله السالف ، وأخفى : ما يعمله في المستأنف ، أو العزيمة ، وأخفى الهم دون العزيمة .


وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9)

{ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى } باصطفائه للنبوة وتحميله للرسالة .


إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10)

{ رَءَا نَاراً } في ظنه وهي نور عند الله ، وكانت ليلة الجمعة في الشتاء { امْكُثُواْ } أقيموا ، أو الإقامة تدوم والمكث لا يدوم { ءَانَسْتُ } أبصرت ، أو آنست بنار { هُدىً } هادياً يهديني على الطريق ، أو علامة استدل بها على الطريق ، وكانوا قد ضلوا عن الطريق ، فأقاموا بمكانهم [ بعد ذهاب موسى ] ثلاثة أيام فمر بهم راعي القرية فأخبرهم بمسير موسى عليه الصلاة والسلام فعادوا مع الراعي إلى قريتهم وأقاموا بها أربعين سنة حتى أنجز موسى أمر ربه .


إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)

{ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ } لتباشر بقدميك بركة الوادي ، أو لأنهما من جلد حمار ميت فخلعهما ورمى بهما وراء الوادي { الْمُقَدَّسِ } المبارك ن أو المطهر { طُوىً } اسم للوادي ، أو لأنه مَرَّ به ليلاً فطواه « ع » ، أو لأنه نودي به مرتين ، طوى في كلامهم بمعنى مرتين ، لأن الثانية كالمطوية على الأولى ، أو لأن الوادي قدس مرتين ، أوطأ الوادي بقدميك .


إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)

{ لِذِكْرِى } لتذكرني فيها ، أو لا تدخل فيها إلا بذكر ، أو حين تذكرها .


إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)

{ أُخْفِيهَا } لا أظهر عليها أحداً فيكون « أكاد » بمعنى أريد ، أو أُخفيها من نفسي « ع » مبالغة في تبعيد إعلامه بها ، أو أخفيها أظهرها أخفيته كتمته وأظهرته من الأضداد ، وأسررته كتمته وأظهرته أيضاً ، أو المعنى آتية : أكاد آتي بها فحذف للعلم به ثم استأنف { أُخْفِيهَا لِتُجْزَىَ كُلُّ نَفْسٍ } قال :
هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله
أي وكدت أقتله . { بِمَا تَسْعَى } من خير أو شر ، أقسم أنه يأتي بها للجزاء ، أو أخبر بذلك .


فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)

{ فَتَرْدَى } فتشقى ، أو تزل .


وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)

{ وَمَا تِلْكَ } سؤال تقرير وجوابه { هِىَ عَصَاىَ } ولكنه أضافها إلى ملكه ليكفي الجواب إن سئل عنها ثم ذكر احتياجه إليها لئلا يكون عابثاً بحملها { وَأَهُشُ } أخبط ورق الشجر ، والهش والهس واحد ، أو المعجم خبط الشجر ، وغير المعجم زجر الغنم { مَآرِبُ } حاجات نص على لوازم الحاجات وكنى عن عارضها من طرد السباع ، أو قدح النار واستخراج الماء أو كانت تضيء له بالليل .


وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22)

{ جَنَاحِكَ } عضدك ، أو جنبك ، أو جيبك عبّر عنه بالجناح لأنه مائل في جهته .


وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27)

{ عُقْدَةً } من الجمرة التي ألقاها في فمه صغيراً ، أو حدثت عند مناجاته ربه فلا يكلم غيره إلا بإذنه ، أو استحياؤه من الله تعالى أن يكلم غيره بعد مناجاته .


اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)

{ أَزْرِى } الظهر من موضع الحقوين ، أو يكون عوناً يستقيم به أمري وكان هارون أكبر منه بثلاث سنين ، « وأكثر لحماً وأتم طولاً وأبيض جسماً وأفصح لساناً ومات قبل موسى بثلاث سنين » وكان بجبهته شامة وعلى أرنبة أنف موسى شامة ، وعلى طرف لسانه شامة « لم تكن على أحد من قبله ولا تكون على أحد بعده قيل إنها سبب العقلة في لسانه » .


أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)

{ مَحَبَّةً مِّنِّى } حببتك إلى عبادي ، أو حسناً وملاحة ، أو رحمتي ، أو من رآك أحبك حتى أحبك فرعون فخلصت منه ، وأحبتك آسية بن مزاحم فتبنتك { وَلِتُصْنَعَ } لتغذى على اختياري ، أو تصنع بك أمك ما صنعت في اليم بعيني ومشاهدتي .


إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)

{ فُتُوناً } اختباراً حتى صلحت للرسالة ، أو بلاء بعد بلاء خلصناك من محنة بعد محنة ، أولها حملته أمه في سنة الذبح ، ثم أُلقي في اليم ثم مُنع الرضاع إلا من ثدي أمه ، ثم جر بلحية فرعون فهم بقتله فتناول الجمرة بدل الدرة فتركه ، ثم جاءه رجل يسعى بما عزموا عليه من قتله « ع » أو أخلصناك إخلاصاً { عَلَى قَدَرٍ } موعد ، أو قدر من النبوة والرسالة .


وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)

{ لِنَفْسِى } لمحبتي ، أو لرسالتي .


اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42)

{ وَلا تَنِيَا } تفترا في أمري ، أو تضعفا في رسالتي ، أو تبطئا « ع » ، أو لا تزالا .


فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)

{ لَّيِّناً } لطيفاً رفيقاً ، أو كنياه وكنيته أبو مرة أو أبو الوليد قيل كان لحسن تربية موسى فجعل الله تعالى رفقه به مكافأة له لما عجز موسى عنه مكافأته .


قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)

{ يَفْرُطَ } يعجل ، أو يعذبنا عذاب الفارط في الذنب وهو المتقدم فيه ، أفرط إذا أكثر من الشيء وَفَرطَ إذا نقص منه { أَوْ أَن يَطْغَى } يقتلنا .


قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)

{ كُلَّ شَىْءٍ } زوجه من جنسه ثم هداه لنكاحه ، أو صورته ثم هداه إلى معيشته وطعامه وشرابه ، أو ما يصلحه ثم هداه له .


قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51)

{ الْقُرُونِ } « القرن : أهل كل عصر لاقترانهم فيه ، أو أهل كل عصر فيه نبي ، أو طبقة عالية من العلم لاقترانهم بأهل العلم » ، قاله الزجاج ، سأله عنهم هل كانوا على مثل ما يدعوا إليه ، أو بخلافه ، أو ذكره دفعاً للجواب وقطعاً لما دعا إليه وعنتاً ، أو سأل عن بغيهم للجزاء ، أو لما دعاه إلى الإيمان بالبعث قال : فما بال القرون لم يبعثوا .


قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)

{ فِى كِتَابٍ } اللوح المحفوظ { لا يَضِلُّ رَبِّى } لا يخطىء فيه ولا يتركه أو لا يضل الكتاب عن ربي ولا ينسى ربي ما في الكتاب « ع » ولم يكن موسى يعلم علم القرون لأن التوراة إنما نزلت بعد هلاك فرعون .


كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54)

{ النُّهَى } الحكم أو العقل ، أو الورع لأنه يُنتهى إلى رأيهم ، أو لأنهم ينهون النفس عن القبيح .


وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56)

{ ءَايَاتِنَا } الدالة على التوحيد ، أو على نبوة موسى صلى الله عليه وسلم . { فَكَذَّبَ } الخبر { وَأَبَى } الطاعة .


فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58)

{ سُوىً } منصفاً بينهم ، أو عدلاً وسطاً ، أو مستوياً يتبين للناس ما بيننا فيه ، وسوى بالضم والكسر واحد ، أو بالضم المنصف وبالكسر العدل .


قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)

{ يَوْمُ الزِّينَةِ } عيد كان لهم ، أو يوم السبت ، أو عاشوراء ، أو يوم سوق كانوا يتزينون فيه .


قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61)

{ لا تَفْتَرُواْ } بسحركم ، أو بقولكم إني ساحر { فَيُسْحِتَكُم } يستأصلكم بالهلاك .


فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62)

{ أَمْرَهُم } فما هيؤوه من الحبال والعصي ، أو أيهم يبدأ بالإلقاء . { النَّجْوَى } قولهم : إن كان ساحراً فسنغلبه وإن كان من السماء فله أمره ، أو لما قال : { وَيْلَكُمْ } الآية ، قالوا ما هذا كلام ساحر ، أو أسروها دون موسى وهارون { إِنَّ هذان لساحران } الآيات ، أو قالوا : إن غلبنا موسى اتبعناه .


قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)

{ إِنَّ هذان } رفع الاثنين ونصبهما وخفضهما بالألف على لغة بلحارث بن كعب وكنانة وزبيد ، قال :
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى ... مساغاً لناباه الشجاع لصمما
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
أو تقديره « إنه هذان » فحذف الهاء وإن لم تكن هذه اللغة فصحى فيجوز ورود القرآن بالأفصح وبما عداه قاله متقدمو النحاة أو هذان مبني كبناء الذين لا يتغير في أحوال الإعراب ، أو إن بمعنى نعم .
ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنه
وهو قول السحرة ، أو قول فرعون أشير به إلى جماعة ، أو قول قومه . { بِطَرِيقَتِكُمُ } أهل العقل والشرف والأسنان ، أو بنو إسرائيل كانوا ذوي عدد ويسار ، أو بسيرتكم ، أو بدينكم وعبادتكم لفرعون ، أو بأهل طريقتكم المثلى ، والمثلى تأنيث الأمثل وهو الأفضل .


فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)

{ فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ } أجمعوا جماعتكم على أمرهم في كيد موسى وهارون ، أو أحكموا أمركم .


قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)

{ بَلْ أَلْقُواْ } إنما أمر بذلك لإظهار حجته وبطلان كيدهم وإلا فهو كفر لا يجوز الأمر به ، أو هو خبر بصيغة الأمر تقديره « إن كان إلقاؤكم حجة فألقوا » . وكانوا سبعين ألف ساحر أو تسعمائة ثلاثمائة من العريش وثلاثمائة من الفيوم ويشكون في الثلاثمائة من الإسكندرية ، أو اثنين وسبعين اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل ، كانوا أول النهار سحرة وآخره شهداء .


فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67)

{ فَأَوْجَسَ } فأسر { خِيفَةً } أن يلتبس الأمر على الناس فيظنوا أن الذي فعلوه مثل فعله ، أو وجد ما هو مركوز في الطباع من الحذر .


وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)

{ تَلْقَفْ } تبتلع بسرعة فابتلعت حمل ثلاثمائة بعير من الحبال والعصي ثم أخذها موسى فرجعت كما كانت وكانت من عوسج ، أو من آس الجنة « ع » وبها قتل موسى عليه الصلاة والسلام عوج بن عناق .


فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)

{ سُجَّداً } طاعة لله تعالى وتصديقاً بموسى فما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلهما ، فلذلك { قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ } ، وسألت امرأة فرعون عن الغالب فقيل : موسى وهارون ، فقالت : آمنت برب موسى وهارون ، فأمر فرعون بأن يُلقى عليها أعظم صخرة توجد إن أقامت على قولها فلما أتوها رفعت رأسها إلى السماء فرأت منزلها في الجنة ، فمضت على قولها فانتزعت روحها فأُلقيت الصخرة على جسد لا روح فيه .


قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)

{ وَالَّذِى فَطَرَنَا } قسم ، أو معطوف { فَاقْضِ } فاصنع ما أنت صانع أو احكم ما أنت حاكم .


إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)

{ وَاللَّهُ خَيْرٌ } منك { وَأَبْقَى } ثواباً إن أُطيع وعقاباً إن عُصي ، أو { خَيْرٌ } ثواباً منك إن أطيع و [ { وَأَبْقَى } ] عقاباً إن عُصى .


وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77)

{ لا تَخَافُ دَرَكاً } من فرعون { وَلا تَخْشَى } غرقاً من البحر .


كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81)

{ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ } لا تكفروا به ، ولا تستعينوا برزقي على معصيتي أو لا تدخروا منه لأكثر من يوم وليلة فادخروه فدوُّد ولولا ذلك لما دوَّد طعام أبداً « ع » { فَيَحِلَّ } بالضم ينزل وبالكسر يجب . { هَوَى } في النار ، أو هلك في الدنيا .


وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)

{ لِّمَن تَابَ } من الشرك { وَءَامَنَ } بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم { ثُمَّ اهْتَدَى } لم يَشُك في إيمانه « ع » أو لزم الإيمان حتى يموت ، أو أخذ بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو أصاب العمل ، أو عرف جزاء عمله من ثواب ، أو عقاب ، أو اهتدى في ولائه أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم .


فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86)

{ أَسِفاً } شديد الغضب ، أو الحزين ، أو الجزع ، أو المتندم ، أو المتحسر { وَعْداً حَسَناً } النصر والظفر ، أو قوله تعالى { وَإِنِّى لَغَفَّارٌ } الآية أو ثواب الآخرة ، أو التوراة يعملون بما فيها فيستحقون ثوابه { مَّوْعِدِى } « وعدهم أن يقيموا على أمره فاختلفوا ، أو بالميسر » على أثره للميقات فتوقفوا .


قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)

{ بِمَلْكِنَا } بطاقتنا ، أو بملك أنفسنا عند البلية التي وقعت بنا ، أو لم يملك المؤمنون منع السفهاء من ذلك ، وعدهم أربعين ليلة فعدوا عشرين يوماً وظنوا أنهم أكملوا الميعاد بالليالي وأوهمهم السامري ذلك . { أَوْزَاراً } أثقالاً من زينة { الْقَوْمِ } قوم فرعون لأن موسى أمرهم أن يستعيروا حليهم .


فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)

{ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً } لما استبطؤوا موسى قال السامري : إنما احتبس عنكم من أجل ما عندكم من الحلي ، فجمعوه ودفعوه للسامري فصاغ منه عِجلاً ، وألقى عليه قبضة من أثر فرس جبريل عليه السلام ، وهو الحياة فصار له خوار { خُوَارٌ } لما ألقى قبضة أثر الرسول حَيَ العجل وخار « ح » أو لم يصر فيه حياة ولكن جعل فيه خروقاً إذا دخلتها [ الريح ] سمع لها صوت كالخوار { فَنَسِى } السامري إسلامه وإيمانه ، أو قال السامري قد نَسِي موسى إلاهه عندكم ، أو نَسِي السامري أن قومه لا يصدقونه في عبادة عجل لا يضر ولا ينفع ، أو نَسِي موسى أن قومه عبدوا العجل بعده .


أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89)

{ أَفَلا يَرَوْنَ } أفلا يرى بنو إسرائيل أن العجل لا يرد إليهم جواباً ، قيل : لما مضى من الموعد خمس وثلاثون أمر السامري بجمع الحلي وصاغه عجلاً في السادس والثلاثين والسابع والثامن ودعاهم إلى عبادته في التاسع فأجابوه وجاء موسى بعد كمال الأربعين .


قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92)

{ ضَلُّواْ } بعبادة العجل .


أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93)

{ تتبعني } في الخروج من بينهم ، أو في منعهم والإنكار عليهم { أَمْرِى } قول { اخلفنى فِي قَوْمِى } الآية [ 142من الأعراف ] .


قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)

{ يَبْنَؤُمَّ } كان أخاه لأبويه ، أو لأبيه دون أُمه ، وقاله استرقاقاً واستعطافاً . { بِلِحْيَتِى } أخذ شعره بيمينه ولحيته بيساره « ع » ، أو بلحيته وأذنه ، فعبّر عن الأذن بالرأس ، فعل ذلك لِيُسر إليه نزول الألواح عليه في تلك المناجاة إرادة إخفائها على بني إسرائيل قبل التوبة ، أو وقع عنده أن هارون ما يلهم في أمر العجل ، قلت : وهذا فجور من قائله لأن ذلك لا يجوز على الأنبياء ، أو فعل ذلك لتركه الإنكار على بني إسرائيل ومقامه بينهم وهو الأشبه . { فَرَّقْتَ } بينهم بما وقع من اختلاف معتقدهم ، أو بقتال من عبد العجل منهم ، قيل : عبدوه كلهم إلا اثني عشر ألفاً بقوا مع هارون لم يعبدوه { وَلَمْ تَرْقُبْ } لم تعمل بوصيتي ، أو لم تنتظر عهدي .


قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95)

{ فَمَا خَطْبُكَ } الخطب ما يحدث من الأمور الجليلة التي يخاطب عليها ، وكان السامري كرمانياً تبع موسى ، « أو من عظماء بني إسرائيل » اسمه موسى بن ظفر من قبيلة يقال لها سامرة ، أو قرية يقال لها : سامرة .


قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)

{ بَصُرْتُ } نظرت ، أو فطنت ، بصرت وأبصرت واحد ، أو أبصرت نظرت ، وبصرت فطنت والقبضة بجميع الكف وبغير إعجام بأطراف الأصابع { الرَّسُولِ } جبريل عليه السلام عرفه لأنه رآه يوم فلق البحر حين قبض القبضة من أثره ، أو عرفه لأنه كان يغذوه صغيراً لما ألقته أمه خوفاً أن يقتله فرعون لما كان يقتل بني إسرائيل فعرفه في كبره فأخذ التراب من تحت حافر فرسه { فَنَبَذْتُهَا } ألقاها فيما سكه من الحلي فخار بعد صياغته ، أو ألقاها في جوفه بعد صياغته فظهر خواره ، أو الرسول موسى وأثره شريعته ، قبض قبضة من شريعته نبذها وراء ظهره ثم اتخذ العجل إِلهاً ، ونبذُها ترك العمل بها . { سَوَّلَتْ } حدثت ، أو زينت .


قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)

{ فَاذْهَبْ } وعيد من موسى ، فخاف فهرب يهيم في البرية مع الوحش لا يجد أحداً من الناس يمسه ، فصار كالقائل لا مساس لبعده عن الناس وبعدهم عنه أو حرمه موسى بهذا القول ، فكان بنو إسرائيل لا يخالطونه ولا يؤاكلونه فكان لا يَمس ولا يُمس .


إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)

{ وَسِعَ } أحاط علمه بكل شيء فلم يخرج عن علمه شيء ، أو لم يخل شيء من علمه به .


يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102)

{ زُرْقاً } عمياً ، أو عطاشاً ، ازرقت أعينهم من العطش أو شوه خلقهم بزرقة الأعين وسواد الوجوه ، أو الطمع الكاذب إذا تعقبته الخيبة وهو نوع من العذاب ، أو شخوص البصر من شدة الخوف ، « أو الزرق الأعداء يعادي بعضهم بعضاً من قولهم : عدو أزرق » .


يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103)

{ يَتَخَافَتُونَ } يتسارون { إِن لَّبِثْتُمْ } في الدنيا ، أو القبور { إِلا عَشْراً } على التقريب دون التحديد .


نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104)

{ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } أكثرهم سداداً ، أو أوفرهم عقلاً { إِن لَّبِثْتُمْ } في الدنيا ، أو القبور { إِلا يَوْماً } لأنه كان عنده أقصر زماناً وأقل لبثاً .


وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105)

{ يَنسِفُهَا } يجعلها كالرمل تنسفه الرياح ، أو تصير كالهباء .


فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106)

{ قَاعاً } موضعاً مستوياً لا نبات فيه ، أو أرضاً ملساء ، أو مستنقع الماء قاله الفراء . { صَفْصَفاً } موضعاً لا نبات فيه ولا مستوياً كأنه على وصف واحد في استوائه .


لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)

{ عِوَجاً } وادياً { أَمْتاً } رابية « ع » ، أو عوجاً : صدعاً ، أمتاً : أكمة ، أو عوجاً : ميلاً ، أمتاً : أثراً ، أو الأمت الحدب والانثناء ، أو الصعود والارتفاع من الأمت في العصا والحبل وهو أن يغلظ في مكان منه ويدق في مكان .


يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108)

{ وَخَشَعَتِ } خضعت بالسكون { هَمْساً } صوتاً خفياً ، أو تحريك الشفة واللسان ، أو نقل الأقدام .


وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111)

{ وَعَنَتِ } ذلت ، أو خشعت ، الذليل أن يكون ذليل النفس والخشوع أن يتذلل لذي طاعة أو عملت أو استسلمت ، أو وضع الجبهة والأنف على الأرض في السجود { الْقَيُّومِ } القائم على كل نفس بما كسبت ، أو بتدبير الخلق ، أو الدائم الذي لا يزول ولا يبيد { حَمَلَ ظُلْماً } شركاً .


وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)

{ فَلا يَخَافُ ظُلْماً } بالزيادة في سيئاته { وَلا هَضْماً } بالنقصان من حسناته « ع » .


وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113)

{ لَهُمْ ذِكْراً } جداً ، أو شرفاً لإيمانهم به أو ذكراً يعتبرون به .


فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)

{ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرءَانِ } لا تسأل إنزاله قبل أن يأتيك وحيه ، أو لا تلقه إلى الناس قبل أن يأتيك بيان تأويله ، أو لا تعجل بتلاوته قبل فراغ جبريل من إبلاغه خوف نسيانه { زِدْنِى عِلْماً } علماً : قرآناً .


وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)

{ فَنَسِىَ } ترك أَوْ سَهَا { عَزْماً } صبراً ، أو حفظاً ، أو ثباتاً قال أبو أمامة لو وزنت أحلام بني آدم لرجح حلمه على حلمهم وقد قال الله تعالى { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } أو عزماً في العود إلى الذنب ثانياً .


فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)

{ فَتَشْقَى } « بأن تأكل من كد يدك وما تكسبه بنفسك وتصنعه بيدك » أراد فيشقيا لاستوائهما في العلة ، وخصه بالذكر لأنه المخاطب دونها ، أو لأنه الكاد عليها الكاسب لها .


قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)

{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ } ضمن الله تعالى لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة « ع » .


وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)

{ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ } بجعل الجزاء يوم القيامة ، أو بتأخيرهم إلى يوم بدر { لِزَاماً } عذاباً لازماً ، أو فصلاً { وَأَجَلٌ مُّسَمّىً } يوم بدر ، أو يوم القيامة . تقديره « ولولا كلمة وأجل لكان لِزاماً » .


فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)

{ مَا يَقُولُونَ } من الأذى والافتراء { قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ } صلاة الفجر { وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } صلاة العصر { ءَانَآىءِ الَّيْلِ } ساعاته واحدها إني صلاة الليل كله ، أو المغرب والعشاء { وَأَطْرَافَ النَّهَارِ } صلاة الظهر لأنها آخر النصف الأول وأول النصف الثاني ، أو صلاة التطوع { تَرْضَى } تُعطى و « تُرضى » بالكرامة ، أو الشفاعة .


وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)

{ تَمُدَّنَّ } لا تأسفن ، أو لا تنظرن . { أَزْوَاجاً } أشكالاً من المزاوجة { زَهْرَةَ الْحَيَاةِ } زينتها { لِنَفْتِنَهُمْ } لنعذبهم { وَرِزْقُ رَبِّكَ } القناعة بما تملكه والزهد فيما لا تملكه ، أو ثواب الآخرة { خَيْرٌ وَأَبْقَى } مما مُتِّعوا به ، نزلت لما أبى اليهودي أن يُسلف الرسول صلى الله عليه وسلم الطعام إلا برهن فشق ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم .


وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)

{ أَهْلَكَ } نسباؤك ، أو من أطاعك لتنزلهم منزلة الأهل في الطاعة { وَالْعَاقِبةُ } حسن العاقبة لذوي التقوى .


اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)

{ حِسَابُهُمْ } عذاب بدر ، أو حساب القيامة لأن كل آتٍ قريب ، أو لقلة ما بقي من الزمان وكثرة ما مضى .


مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)

{ مُّحْدَثٍ } تنزله سورة بعد سورة وآية بعد آية .


لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)

{ لاهِيَةً } غافلة باللهو عن الذكر أو مشتغلة بالباطل عن الحق { وَأَسَرُّواْ } أخفوا ، أو أظهروا .


بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)

{ أَضْغَاثُ } أهاويل أحلام ، أو تخاليط ، أو ما لا تأويل له { أَحْلامٍ } ما لا تأويل له ولا تفسير ، أو الرؤيا الكاذبة .


وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)

{ أَهْلَ الذِّكْرِ } التوراة والإنجيل ، أو مؤمنو أهل الكتاب ، أو المسلمون .


وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8)

{ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ } ولا يموتون فنجعلك كذلك ردٌ لقولهم { هَلْ هاذآ إِلاَّ بَشَرٌ } الآية [ الأنبياء : 3 ] أو ما جعلناهم جسداً إلا ليأكلوا للطعام فلذلك خلقناك جسداً مثلهم ، جسداً : هو المُجَسدُ الذي فيه روح ويأكل ويشرب ، أو ما لا يأكل ولا يشرب .


لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)

{ ذِكْرُكُمْ } شرفكم إن عملتم به ، أو حديثكم ، أو ما تحتاجون إليه من أمر دينكم ، أو مكارم أخلاقكم ومحاسن أعمالكم .


فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12)

{ أَحَسَّواْ } عاينوا عذابنا { مِّنْهَا } من القرية ، أو العذاب { يَرْكُضُونَ } يسرعون .


لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13)

{ وَارْجِعُواْ } استهزاء بهم وتوبيخ { أُتْرِفْتُمْ } نعمتم { تُسْئَلُونَ } شيئاً من دنياكم استهزاء بهم ، أو عما عملتم ، أو تفيقون بالمسئلة .


فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)

{ حَصِيداً } قطعاً بالاستئصال كحصاد الزرع { خَامِدِينَ } بالعذاب ، أو بالسيف لما قتلهم بختنصر ، والخمود : الهمود تشبيهاً لخمود الحياة بخمود النار إذا طُفِئت كما يقال لمن مات طُفىء تشبيهاً بانطفاء النار .


لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17)

{ لَهْواً } ولداً [ ردٌ ] لقولهم في عيسى ، أو المرأة بلغة أهل اليمن [ ردٌ ] لقولهم في مريم ، أو داعي الهوى ونازع الشهوة { مِن لَّدُنَّآ } لاتخذنا نساءً وولداً من أهل السماء لا من أهل الأرض { إِن كُنَّا } نفي ، أو شرط تقديره لاتخذناه عندنا بحيث لا يصل علمه إليكم .


بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)

{ بِالْحَقِ } المتبوع على الباطل المدفوع ، أو بالقرآن ، والباطل إبليس { زَاهِقٌ } ذاهب ، أو هالك .


وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)

{ يَسْتَحْسِرُونَ } يملون ، أو يعيون ، أو يستنكفون ، أو ينقطعون والبعير المنقطع بالإعياء حسيرٌ .
بها جيف الحسرى . . . . . . . . . . . . ...


أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21)

{ مِّنَ الأَرْضِ } مما خلق في الأرض { يُنشِرُونَ } يخلقون ، أو يحيون الموتى من النشر بعد الطي .


لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)

{ إِلا اللَّهُ } سوى الله ، أو « إلا » بمعنى الواو { لَفَسَدَتَا } هلكتا بالفساد .


لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)

{ لا يُسْئَلُ } عن قضائه وهو يَسأل الخلق عن أعمالهم أو لا يُحاسب على أفعاله وهم يُحاسبون ، أو لا يُسأل عن أفعاله لانها صواب ولا يريد بها الثواب { وَهُمْ يُسْئَلُونَ } لأن في أعمالهم غيرَ الصواب وقد لا يَريدون بها الثواب ، وإن كانت صواباً .


أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)

{ ذِكْرُ مَن مَّعِىَ } يما يلزمهم من حلال وحرام { وَذِكْرُ مَن قَبْلِى } ممن نجا بالإيمان وهلك بالشرك ، أو ذِكرُ من معي بإخلاص التوحيد في القرآن وذِكرُ من قبلي في التوراة والإنجيل .


يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)

{ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } من أمر الآخرة { وَمَا خَلْفَهُمْ } من الدنيا ، أو ما قدموا وأخروا من أعمالهم ، أو ما عملوا وما لم يعملوا { وَلا يَشْفَعُونَ } في الدنيا أو الآخرة في القيامة { ارْتَضَى } عمله ، أو رضي عنه .


أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)

{ رَتْقاً } ملتصقتين ففتق الله تعالى عنهما بالهواء « ع » أو كانت السموات مرتتقة مُطبقة ففتقها سبعاً وكذلك الأرض ، أو السماءَ رتقاً لا تُمطر ففتقها بالمطر ، والأرض لا تنبت ففقتها بالنبات ، الرَتقُ : السد ، والفتقُ : الشق . { كُلَّ شَىْءٍ } خلق كل شيء من الماء ، أو حفظ حياة كل حي بالماء ، أو أراد ماء الصلب .


وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)

{ رَوَاسِىَ } لأنها رست في الأرض وثبتت أو لأن الأرض رست بها فالرواسي الثوابت ، أو الثقال { تَمِيدَ } تزول ، أو تضطرب { فِجَاجاً } أعلاماً يُهتدي بها ، أو جمع فج وهو الطريق الواسع بين الجبلين { سُبُلاً } للاعتبار ، أو مسالك للسابلة { يَهْتَدُونَ } بالاعتبار بها إلى دينهم ، أو ليهتدوا طُرق بلادهم .


وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)

{ مَّحْفُوظاً } أن يقع على الأرض ، أو مرفوعاً ، أو من الشياطين .


وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)

{ فَلَكٍ } الفلك السماء ، أو القطب المستدير الدائر بما فيه من القمرين والنجوم ومنه فَلكة المغزل لاستدارتها ودورانها . واستدارة الفلك كدور الكرة ، أو كدور الرحى والفلك السماء تدور بالقمرين والنجوم ، أو استدارة في السماء تدور بالنجوم مع ثبوت السماء ، أو استدارة بين السماء والأرض تدور فيها النجوم . { يَسْبَحُونَ } يجرون ، أو يدورون « ع » .


كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)

{ بِالشَّرِّ } الشدة والرخاء ، أو بالفقر والمرض { وَالْخَيْرِ } الغنى والصحة أو الشر : غلبة الهوى ، والخير : العصمة من المعاصي ، أو ما تحبون وما تكرهون لنعلم شكركم عى ما تحبون وصبركم على ما تكرهون { فِتْنَةً } ابتلاء واختباراً .


خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)

{ الإِنسَانُ } آدم خلق بعجل يوم الجمعة آخر الأيام الستة قبل غروب الشمس أو لما نفخ الروح في عينيه ولسانه بعد إكمال صورته سأل ربه أن يعجل تمام خلقه وإجراء الروح في جسده قبل الغروب ، أو العجل الطين . قال :
والنبع في الصخرة الصماء منبتهُ ... والنخل ينبت بين الماء والعجل
أو الإِنسان الناس كلهم فخلق الإنسان عجولاً ، أو خلق على حب العجلة ، أو خلقت العجلة فيه ، والعجلة تقديم الشيء قبل وقته ، والسرعة تقديمه في أول أوقاته .


قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42)

{ يَكْلَؤُكُم } يحفظكم استفهام نفي .


أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)

{ يُصْحَبُونَ } يُجارون ، إن لك من فلان صاحباً أي مجيراً ، أو يُحفظون ، أو ينصرون أو لا يُصحبون من الله بخير .


بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44)

{ نَنقُصُهَا } بالظهور عليها وفتحها بلداً بعد بلد « ح » أو بنقصان أهلها وقلة بركتها ، أو بالقتل والسبي أو بموت فقهائها وعلمائها .


وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)

{ الْفُرْقَانَ } التوراة الفارقة بين الحق والباطل ، أو البرهان الفارق بين حق موسى وباطل فرعون ، أو النصر والنجاة الفارقان بين موسى وفرعون .


وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51)

{ رُشْدَهُ } النبوة ، أو هدايته في الصغر { مِن قَبْلُ } إرساله نبياً ، أو من قبل : موسى وهارون { عَالِمِينَ } بأهليته للرشد ، أو للنبوة .


فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)

{ جُذَاذاً } حُطاماً « ع » ، جِذاذاً : قِطعاً مقطوعة ، قال الضحاك : هو أن يأخذ من كل عضوين عضواً ويدع عضواْ . من الجذ وهو القطع .


قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61)

{ أَعْيُنِ النَّاسِ } بمرأى منهم { يَشْهَدونَ } عقابه « ع » أو يشهدون عليه بما فعل كرهوا عقابه بغير بينة « ح » أو بما يقول من حجة وما يقال له من جواب .


قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63)

{ فَسْئَلُوهُمْ } جعل سؤالهم مشروطاً بنطقهم ، أو أخرجه مخرج الخبر يريد من اعتقدها آلهة لزمه السؤال فلعلها تجيبه إن كانت ناطقة ، وقوله { يَنطِقُونَ } أي يخبرون .


فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64)

{ إِلَى أَنفُسِهِمْ } رجع بعضهم إلى بعض ، أو رجع كل واحد إلى نفسه مفكراً فيما قاله إبراهيم . { أَنتُمُ الظَّالِمُونَ } بسؤاله لأنها لو كانت آلهة لم يصل إليها ، حادوا عما أرادوه من الجواب وأنطقهم الله بالحق .


ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65)

{ نُكِسُواْ } رجعوا إلى الشرك بعد اعترافهم بالحق ، أو رجعوا احتجاجهم على إبراهيم بقولهم { لَقَدْ عَلِمْتَ } « الآية » أو خفضوا رؤوسهم .


قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68)

{ قَالُواْ حَرِّقُوهُ } أشار عليهم بذلك رجل من أكراد فارس ، أو هيزون فخسفت به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ، ولما أوثق ليلقى فيها قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين ، لك الحمد ولك الملك ولا شريك لك ، فلما أُلقي فيها قال : « حسبي الله ونعم الوكيل » فلم يحرق منه إلا وثاقه ، وكان ابن ست وعشرين سنة « ولم يبق يومئذ في الأرض دابة إلا كانت تطفىء النار عنه إلا الوزغ كان ينفخها فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتله » ، قال الكلبي : بنوا له أتوناً ألقوه فيه وأوقدوا عليه النار سبعة أيام ثم أطبقوه عليه وفتحوه من الغد فإذا هو عرق أبيض لم يحترق ، وبردت نار الأرض فما أنضجت يومئذ كراعاً .


وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)

{ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً } كان ابن أخي إبراهيم فآمن به فنجا معه { إِلَى الأَرْضِ } مكة ، أو أرض القدس ، أو الشام { بَارَكْنَا } ببعث أكثر الأنبياء منها أو بكثرة خصبها ونمو نباتها ، أو بعذوبة مائها وتفرقه في الأرض منها فتهبط المياه العذبة من السماء إلى صخرة بيت المقدس ثم تتفرق في الأرض .


وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)

{ نَافِلَةً } غنيمة ، أو النافلة ابن الأبن ، أو زيادة العطاء فالنافلة يعقوب لأنه دعا بالولد فزاده الله تعالى ولد الولد « ع » أو النافلة إسحاق ويعقوب لأنهما زيادة على ما تقدم من الإنعام عليه .


وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74)

{ وَلُوطاً ءَاتَيْنَاهُ حُكْماً } نبوة أو قضاء بين الناس « ع » { وَعِلْماً } فقهاً { الْخَبَآئِثَ } اللواط ، أو الضراط والقرية : سدوم .


وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)

{ نَادَى } دعانا على قومه من قبل إبراهيم { الْكَرْبِ الْعَظِيمِ } الغرق بالطوفان .


وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)

{ الْحَرْثِ } زرع ، أو كرم نبتت عناقيده { نَفَشَتْ } النفش رعي الليل والهمل رعي النهار ، قال بعض المتكلمين كان حكمهما صواباً متفقاً إذ لا يجوز الخطأ على الأنبياء فقوله : { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } لأنه أوتي الحكم في صغره وأوتيه داود في كبره ، وهذا شاذ ، أو أخطأ داود وأصاب سليمان على قول الجمهور فحكم داود لصاحب الحرث الغنم ، وحكم سليمان بأن تدفع الغنم إلى صاحب الحرث لينتفع بدرها ونسلها ويدفع الحرث إلى صاحب الغنم ليعمره فإذا عاد في القابل رُدت الغنم إلى صاحبها والحرث إلى مالكه فرجع داود إلى حكمه ، ويجوز أن يكون ذلك اجتهاداً من سليمان ويكون داود فُتْيا عبّر عنها بالحكم لئلا تكون نقضاً للأجتهاد بالاجتهاد ، ويجوز أن يكون حكم سليمان عن وحي فيجب على داود نقض الحكم عملاً بالنص ، قلت : ويمكن أن يجوز في شرعهم نقض الاجتهاد بالاجتهاد والخطأ جائز على جميع الأنبياء ، أو يُستثنى منهم محمد صلى الله عليه وسلم إذ لا نبي بعده يستدرك غلطه ، وهذا مبني على جواز اجتهاد الأنبياء ، وشرعنا موافق لشرعهما في ضمان ما أتلفته البهائم ليلاً وإن اختلف الشرعان في صفة الضمان وكيفيته { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ } ذللنا ، أو ألهمنا { يُسَبِّحْنَ } يسرن من السبح ، أو يصلين ، أو يسبحن تسبيحاً كان مسموعاً كان يفهمه .


وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)

{ لَبُوسٍ } الدروع ، أو جمع السلاح لبوس عند العرب { بَأَسِكُمْ } سلاحكم ، أو حرب أعدائكم .


وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)

{ عَاصِفَةً } العصوف شدة حركتها ، والتِّبْن عصف لأنها تعصفه بشدة تطييرها له { الأَرْضِ } الشام بورك فيها بمن بُعث فيها من الأنبياء ، أو بأن مياه أنهار الأرض تجري منها ، أو بما أودعها من الخيرات فما نقص من الأرض زيد في الشام وما نقص من الشام زيد في فلسطين .


وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)

{ وَأَيُّوبَ } كان ذا مال وولده فهلك ماله ، ومات أولاده ، ثم بُلي في بدنه فقرح وسعى فيه الدود واشتد بلاؤه فطرح على مزبلة بني إسرائيل ولم يبقَ أحدٌ يدنو منه إلا امرأته . { الضُّرُّ } المرض ، أو البلاء الذي بجسده حتى كانت الدود تسقط منه فيردها ويقول كُلي مما رزقك الله ، أو الشيطان لقوله { مَسَّنِىَ الشيطان بِنُصْبٍ } [ ص : 41 ] ، أو وثب ليصلي فلم يقدر فقال : { مَسَّنِىَ الضُّرُّ } إخباراً عن حاله لا شكوى لبلائه ، أو انقطع عنه الوحي أربعين يوماً فخاف هجران ربه فقال : { مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ } تقديره أيمسني الضر وأنت أرحم الراحمين ، أو أنت أرحم بي أن يمسني الضر ، أو قاله استقالة من ذنبه ورغباً إلى ربه ، أو شكا ضره استعطافاً لرحمته وكشف بلائه .


فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)

{ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم } رد إليه أهله الذين أهلكهم بأعيانهم وأعطاه مثلهم معهم قاله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ، أو كان له سبع بنين وسبع بنات فماتوا في بلائه ، فلما كُشف بلاؤه رُد عليه بنوه وبناته ، وولد له بعد ذلك مثلهم ، قال الحسن رضي الله تعالى عنه ماتوا قبل آجالهم فأحياهم الله تعالى فوفاهم آجالهم وأبقاه حتى أعطاه من نسلهم مثلهم .


وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85)

{ وَذَا الْكِفْلِ } عبد صالح كَفَل لليسع بصوم النهار وقيام الليل وأن لا يغضب ويقضي بالحق فوفى بذلك ، أو كان نبياً كفل بأمر فوفى به « ح » سُمي ذا الكفل لوفائه بما كفل به ، أو لغير سبب ، أو لأن ثوابه ضعف ثواب غيره من أهل زمانه .


وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)

{ النُّونِ } الحوت { مُغَاضِباً } مراغماً للملك حزقيا ولم يكن به بأس ، أو لقومه ، أو لربه من غير مراغمة لانها كفر ، بل مغاضبته خروجه بغير إذنه . وذهب لأن خلقه كان ضيقاً فلما أثقلته أعباء النبوة ضاق بهم فلم يصبر ، أو كان من عادة قومه قتبل الكاذب فلما أخبرهم بنزول العذاب ثم رفعه الله تعالى عنهم قال : لا أرجع إليهم كاذباً وخاف القتل فخرج هارباً { فَظَنَّ أَن لَّن [ نَّقْدِرَ ] } نضيق { عَلَيْهِ } طرقه « ع » { وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } [ الطلاق : 7 ] ضُيق ، أو ظن أن لن نحكم عليه بما حكمنا ، أو ظن أن لن نُقَدِّر عليه من العقوبة ما قدرنا من القدر وهو الحكم دون القدرة ، ولذلك قرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما « نُقدِر عليه » ، أو تقديره أفظن أن لن نقدر عليه ، ولا يجوز أن يحمل على ظن العجز لأنه كفر . { الظُّلُمَاتِ } ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الحوت « ع » ، أو الحوت في بطن الحوت { مِنَ الظَّالِمِينَ } لنفسي بخروجي بغير إذنك ولم يكن ذلك عقوبة له لأن الأنبياء لا يعاقبون بل كان تأديباً وقد يؤدب من لا يستحق العقاب كالصبيان .


فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)

{ فَاسْتَجَبْنَا } إجابة الدعاء ثواب من الله تعالى للداعي ولا تجوز أن تكون غير ثواب ، أو هي استصلاح قد يكون ثواباً وقد يكون غير ثواب أوحى الله تعالى إلى الحوت لا تكسري له عظماً ولا تخدشي له جلداً فلما صار في بطنها قال : يا رب اتخذت لي مسجداً في موضع ما اتخذه أحد ، ولبث في بطنه أربعين يوماً ، أو ثلاثة أيام ، أو من ارتفاع النهار إلى آخره ، أو أربع ساعات ، ثم فتح الحوت فاه فرأى يونس ضوء الشمس ، فقال : { سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } فلفظه الحوت .


وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89)

{ فَرْداً } خلياً من عصمتك ، أو عادلاً عن طاعتك ، أو وحيداً بغير ولد عند الجمهور .


فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)

{ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } كانت عاقراً فصارت ولوداً فولدت له وهو ابن اثنتين وسبعين سنة وهي قريبة من سنه ، أو كان في لسانها طول فَحَسَّنا خلقها { يُسَارِعُونَ } يبادرون بالأعمال الصالحة ، { رَغَباً } في ثوابنا { وَرَهَباً } من عقابنا أو رغباً في الطاعات ورهباً من المعاصي ، أو رهباً بظهور الأكف ورغباً ببطونها ، أو طمعاً وخوفاً { خَاشِعِينَ } متواضعين ، أو راغبين راهبين ، أو وضع اليمنى على اليسرى والنظر إلى موضع السجود في الصلاة .


وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)

{ أحْصَنَتْ فَرْجَهَا } بالعفاف من الفاحشة ، أو جيب درعها منعت منه جبريل عليه السلام قبل أن تعلم أنه رسول الله { مِن رُّوحِنَا } أجرينا فيها روح المسيح عليه الصلاة والسلام كما يجري الهواء بالنفخ ، أو أمر جبريل عليه السلام فمد جيب درعها بإصبعه ثم نفخ فيه فحبلت من وقتها وولدته يوم عاشوراء { ءَايَةً } خلقه من غير ذكر ، وكلامه ببراءتها .


إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)

{ أُمَّتُكُمْ } دينكم دين واحد .


وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)

{ وَتَقَطَّعُواْ } اختلفوا في الدين ، أو تفرقوا فيه .


وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)

{ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ } وجدناها هالكة بالذنوب { أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ } إلى التوبة ، أو أهلكناها بالعذاب { أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ } إلى الدنيا « { وحِرْمٌ } وجب على قرية » { أَهْلَكْنَاهَآ } أنهم لم يكونوا ليؤمنوا .


حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)

{ فُتِحَتْ } فُتح لها السد ، ويأجوج ومأجوج : أخوان لأب من ولد يافث بن نوح ، من أجة النار ، أو من الماء الأجاج { حَدَبٍ } الفجاج والطرق أو الجوانب ، أو التلاع والآكام من حَدَبة الظهر { يَنسِلُونَ } يخرجون .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . من ثيابك تَنْسُلي
أو يسرعون وهم يأجوج ومأجوج أو الناس يحشرون إلى الموقف .


إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)

{ حَصَبُ جَهَنَّمَ } وقودها ، أو حطبها ، أو يرمون فيها كما ترمى الحصباء فكأنها تحصب بهم ، « وحضب جهنم » بالإعجام يقال : حضبت النار إذا خبت وألقيت فيها ما يشعلها من الحطب .


إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)

{ الْحُسْنَى } طاعة الله تعالى أو السعادة منه ، أو الجنة ، يريد به عيسى والعُزير والملائكة الذين عُبدوا وهم كارهون ، أو عثمان وطلحة والزبير ، أو عامة في كل من سبقت له الحسنى ، لما نزلت { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ } الآية قال المشركون : إن المسيح والعُزير والملائكة قد عُبدوا فنزلت { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ } الآية .


لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)

{ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ } النفخة الأخيرة « ح » أو ذبح الموت ، أو حين تطبق جهنم على أهلها .


يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)

{ السِّجِلِّ } الصحيفة تُطوى على ما فيها من الكتابة ، أو ملك يكتب أعمال العباد ، أو اسم رجل كان يكتب للرسول صلى الله عليه وسلم « ع » .


وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)

{ الزَّبُورِ } الكتب المنزلة على الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم وسلامه والذكر : الكتاب الذي في السماء ، أو الزبور الكتب المنزلة بعد التوراة « والذكر التوارة » ع « ، أو زبور داود عليه الصلاة والسلام ، والذكر : التوراة » { الأَرْضَ } أرض الجنة { يَرِثُهَا } أهل الطاعة ، أو أرض الشام يرثها بنو إسرائيل ، أو أرض الدنيا يرثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالفتوح « ع » .


إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)

{ إِنَّ فِى هَذَا } القرآن أو السورة { لَبَلاغاً } إليهم يكفهم عن المعصية ويبعثهم على الطاعة أو يبلغهم إلى رضوان الله تعالى وثوابه . { عَابِدِينَ } مطيعين ، أو عاملين .


وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)

{ رَحْمَةً } هداية { لِّلْعَالَمِينَ } المؤمنين ، أو رفعاً لعذاب الاستئصال عن كافة الخلق .


فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109)

{ تَوَلَّوْاْ } أعرضوا عنك ، أو عن القرآن { ءَاذَنتُكُمْ عَلَى سَوَآءٍ } أمر سوي ، أو مهل ، أو عدل ، أو بيان علانية غير سر ، أو على سواء في الإعلام فلا يظهر لبعضهم ما كتمه عن بعض ، أو لتستووا في الإيمان به ، أو من كفر به فهم سواء في قتالهم وجهادهم « ح » .


وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)

{ لَعَلَّهُ } رفع الاستئصال ، أو تأخير العذاب . { فِتْنَةٌ } هلاك ، أو ابتلاء ، أو اختبار { إِلَى حِينٍ } القيامة ، أو الموت ، أو أن يأتي قضاء الله تعالى فيهم .


قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)

{ احْكُم بِالْحَقِّ } عجل الحكم بالحق ، أو افصل بيننا وبين المشركين بما يظهر به الحق للجميع { تَصِفُونَ } تكذبوبن ، أو تكتمون ، كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا شهد قتالاً قرأ هذه الآية .


يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)

{ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ } زلزلة من أشراط الساعة تكون في الدنيا أو نفخة البعث أو عند القضاء بين الخلق .


يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)

{ تَذْهَلُ } تسلو كل والدة عن ولدها ، أو تشتغل ، أو تلهى أو تنساه .
{ سُكَارَى } من الخوف { وَمَا هُم بِسُكَارَى } من الشرب .


وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3)

{ يُجَادِلُ } يرد النص بالقياس أو يخاصم في الدين بالهوى ، نزلت في النضر بن الحارث « ع » .


يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)

{ مِّن تُرَابٍ } يريد آدم { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } يريد ذريته فتصير النطفة علقة ثم تصير العلقة مضغة بقدر ما يمضغ من اللحم { مُّخَلَّقَةٍ } صارت خلقاً { وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ } دفعتها الأرحام فلم تصر خلقاً ، أو تامة الخلق وغير تامة أو مصورة وغير مصورة ، أو لتمام شهوره وغير تمام { لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ } في القرآن بدو خلقكم وتنقل أحوالكم { يُتَوَفَّى } قبل الأشد ، أو قبل أرذل العمر ، { أَرْذَلِ الْعُمُرِ } الهرم ، أو حالة ضعف كحال خروجه من بطن أمه ، أو ذهاب العقل { لِكَيْلا يَعْلَمَ } شيئاً وينسى ما كان يعلمه ، أو لا يعقل بعد عقله الاول شيئاَ . { هَامِدَةً } غبراء متهشمة ، أو يابسة لا تنبت شيئاً ، أو دراسة والهمود : الدروس { اهْتَزَّتْ } استبشرت ، أو اهتز نباتها لشدة حركته { وَرَبَتْ } أضعف نباتها ، أو انتفخت لظهور نباتها على التقديم والتأخير ربت واهتزت . { زَوْجٍ } نوع ، أو لون أصفر وأحمر وأخضر وغير ذلك { بَهيجٍ } حسن الصورة .


ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9)

{ ثَانِىَ عِطْفِهِ } لاوي عنقه إعراضاً عن الله ورسوله ، « أو عادلاً جانبه » كبراً عن الإجابة « ع » والعِطف الجانب ، ومنه نظر في أعطافه ، نزلت في النضر بن الحارث . { لِيُضِلَّ } بتكذيبه الرسول صلى الله عليه وسلم « واعتراضه على القرآن » ، أو كان إذا رأى راغباً في الإسلام أحضره « طعامه وشرابه وغناء قينة له » وقال هذا خير لك مما يدعوكَ إليه محمد صلى الله عليه وسلم .


وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)

{ حَرْفٍ } ميل ، أو متحرفاً بين الإيمان والكفر ، أو على ضعف في العبادة كقائم على حرف ، نزلت في المنافق يعبد الله تعالى بلسانه ويعصيه بقبله « ح » ، أو في ناس من القبائل وفيمن حول المدينة كانوا يقولون نأتي محمد فإن صادفنا عنده خيراً اتبعناه وإلا لحقنا بأهالينا { الْخُسْرَانُ } لذهاب الدنيا والآخرة .


يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)

{ لَبِئْسَ الْمَوْلَى } الناصر والعشير المخالط ، أو المولى : المعبود والعشير : الخليط والزوج لمخالطته من المعاشرة .


مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)

{ يَنصُرَهُ } من ظن أن الله تعالى لا ينصر محمداً صلى الله عليه وسلم على أعدائه في الدنيا بالغلبة وفي الآخرة بظهور الحجة { فَلْيَمْدُدْ } بحبل إلى سماء الدنيا { لْيَقْطَعْ } عنه الوحي ثم لينظر هل يُذهب هذا الكيد منه ما يعطيه من نزول الوحي ، أو ينصره الله تعالى يرزقه والنصر : الرزق ، أو أن لن يمطر الله تعالى أرضه ، يقال للأرض الممطورة منصورة { فَلْيَمْدُدْ } بحبل إلى سقف بيته ، ثم ليختنق به فلينظر هل يذهب ما يغطيه من أن الله تعالى لا يرزقه .


أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)

{ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ } بإدخال النار { فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ } يدخله الجنة { إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } من ثواب وعقاب ، أو من يهنه بالشقاء فلا مُكرم له بالسعادة { إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } من شقاوة وسعادة .


هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)

{ خَصْمَانِ } المسلمون المشركون لما اقتتلوا ببدر ، أو نزلت في ثلاثة مسلمين بارزوا ثلاثة من المشركين فقتلوهم ، أو أهل الكتاب قالوا : نبينا وكتابنا قد تقدما نبيكم وكتابكم ونحن خير منكم وقال المسلمون : نبينا خاتم الأنبياء ونحن أولى بالله منكم ، أو المؤمنون والمشركون اختلفوا في البعث والجزاء ، أو الجنة والنار اختصمتا فقالت النار خلقني الله تعالى لنقمته وقالت الجنة : خلقني الله تعالى لرحمته قاله عكرمة { قُطِّعَتْ } عبّر بتقطيع الثياب عن إحاطة النار بهم إحاطة الثوب بلابسه { الْحَمِيمُ } الماء الحار لأنه ينضج لحومهم والنار تحرقها ، قيل نزلت في مبارزي بدر فقتل حمزة عتبة بن ربيعة ، وقتل علي الوليد بن عتبة بن ربيعة ، وقتل عبيدة بن الحارث شيبة بن ربيعة .


يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)

{ يُصْهَرُ } يذاب صهرت الألية أذبتها ، أو يحرق ، أو يقطع به ، أو ينضج .


وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21)

{ مَّقَامِعُ } جمع مقمعة ، والقمع : ضرب الرأس حتى يقعي فينكب ، أو ينحط .


وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)

{ الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ } لا إله إلا الله ، أو الإيمان ، أو القرآن ، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . { صِرَاطِ الْحَمِيدِ } الإسلام ، أو الجنة .


إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)

{ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } المسجد نفسه { جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ } قبلة ومنسكاً للحج فحاضره والبادي سواء في حكم المسجد ، أو في حكم النسك ، أو أراد جميع الحرم فالحاضر والبادي سواء في الأمن فيه وأن لا يقتلا به صيداً ولا يعضدا شجراً ، أو سواء في دروه ومنازله فليس العاكف أولى بها من البادي { بِإِلْحَادٍ } الإلحاد : الميل عن الحق ، الباء زائدة . قال الشاعر :
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج ... نضرب بالسيف ونرجو بالفرج
{ بِظُلْمٍ } بشرك ، أو باستحلال الحرام ، أو باستحلال الحرم تعمداً « ع » أو احتكار الطعام بمكة ، أو نزلت في أبي سفيان وأصحابه لما صدوا الرسول صلى الله عليه وسلم عام الحديبية « ع » .


وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)

{ بَوَّأْنَا } وطأنا ، أو عرفناه بعلامة سحابة تطوقت حيال الكعبة فبنى على ظلها ، أو ريح هبت فكنست حول البيت يقال لها : الخجوج { وَطَهِّرْ بَيْتِىَ } من الشرك وعبادة الأوثان . أو من الأنجاس كالفرث والدم الذي كان يطرح حول البيت ، أو قول الزور { لِلطَّآئِفِينَ } بالبيت { وَالْقَآئِمِينَ } في الصلاة ، أو المقيمين بمكة { وَالْرُّكَّعِ السُّجُودِ } في الصلاة .


وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)

{ وَأَذِّن فِى النَّاسِ } أعلمهم ونادِ فيهم ، خوطب به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقام إبراهيم على أبي قُبَيْس فقال : عباد الله إن الله تعالى قد بنى بيتاً ، وأمركم بحجة فحجوا فأجابوه من أصلاب الرجال وأرحام النساء . لبيك داعي ربنا فلا يحجه إلى يوم القيامة إلا من أجاب إبراهيم ، قيل أول من أجابه به أهل اليمن فهم أكثر الناس حَجاً { رِجَالاً } جمع راجل { ضَامِرٍ } جمع مهزول { عَمِيقٍ } بعيد .


لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)

{ لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ } شهود المواقف وقضاء المناسك ، أو المغفرة ، أو التجارة في الدنيا والأجر في الآخرة ، { مَّعْلُومَاتٍ } عشر ذي الحجة أخرها يوم النحر « ع » ، أو أيام التشريق ، أو يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر { عَلَى مَا رَزَقَهُم } على نحر ما رزقهم من الأزواج الثمانية من الضحايا والهدايا { فَكُلُواْ } الأكل والإطعام واجبان ، أو مستحبان ، أو يجب الإطعام دون الأكل ، { الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ } الذي جمع الفقر والزمانة ، أو الفقر وضر الجوع أو الفقر الطلب ، أو الذي ظهر عليه أثر البؤس ، أو الذي يُؤنف من مجالسته .


ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)

{ تَفَثَهُمْ } مناسك الحج « ع » ، أو حلق الرأس ، أو إزالة قشف الإحرام بالتقليم والطيب وأخذ الشعر وتقليم الأظفار والغسل « ح » { نُذُورَهُمْ } من نحر ، أو غيره { وَلْيَطَّوَّفُواْ } طواف الإفاضة { الْعَتِيقِ } عتقه الله تعالى من الجبابرة « ع » ، أو عتيق لم يملكه أحد من الناس ، أو من الغرق زمن الطوفان ، أو قديم أول بيت وضع للناس بناه آدم عليه الصلاة والسلام ، وأعاده بعد الطوفان إبراهيم عليه الصلاة والسلام .


ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)

{ حُرُمَاتِ اللَّهِ } فعل المناسك ، أو منهيات الإحرام { مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } من { والمنخنقة } [ المائدة : 3 ] إلى قوله { عَلَى النصب } [ المائدة : 3 ] أو { غَيْرَ مُحِلِّى الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } [ المائدة : 1 ] { الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ } من للجنس ، أو اجتنبوا منها رجسها وهو عبادتها { قَوْلَ الزُّورِ } الشرك ، أو الكذب ، أو شهادة الزور ، أو أعياد المشركين .


حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)

{ حُنَفَآءَ } مسلمين ، أو مخلصين أو مستقيمين ، أو حُجَّاجاً ، { غَيْرَ مُشْرِكينَ } مرائين بعبادته ، أو شهادة الزور ، أو قولهم في التلبية : « إلا شريكاً هو لك » .


ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)

{ شَعَائِرَ اللَّهِ } فروضه ، أو معالم دينه يريد مناسك الحج تعظيمها : بإتمامها .


لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)

{ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } بالتجارة ، والأجل المسمى : العود ، ومحلها : محل المناسك هي الحج والعمرة الطواف بالبيت العتيق ، أو يريد بالشعائر البدن المشعرة تعظيمها باستسمانها واستحسانها ، والمنافع الركوب والدر والنسل ، والأجل المسمى : « إيجابها » « ع » ، أو نحرها ، ومَحِلُّها : مكة ، أو الحرم كله ، أو يريد بالشعائر دين الله كله نعظمه بالتزامه « ح » ، والمنافع : الأجر والأجل المسمى : القيامة ومحلها إلى البيت : « يحتمل إلى رب البيت » ، أو ما اختص منها بالبيت « كالصلاة إليه وقصده بالحج والعمرة » . { تَقْوَى القلوب } [ الحج : 32 ] إخلاصها .


وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)

{ مَنَسَكاً } حجاً ، أو ذبحاً ، أو وعيداً ، والمنسك في كلامهم الموضع المعتاد ، مناسك الحج لاعتياد مواضعها { بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ } الهدى إن جعلنا المنسك الحج ، أو الأضاحي إن جعلناه العيد { الْمُخْبِتِينَ } المطمئنين إلى ذكر الله تعالى أو المتواضعين ، أو الخاشعين ، الخشوع في الأبدان والتواضع في الأخلاق ، أو الخائفين ، أو المخلصين ، أو الرقيقة قلوبهم ، أو المجتهدون في العبادة ، أو الصالحون المقلون ، أو الذين لا يظلمون وإذا ظُلموا لم ينتصروا قاله الخليل .


وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)

{ وَالْبُدْنَ } الإبل عند الجمهور ، أو الإبل والبقر ، وأو ذوات الخف من الإبل والبقر والغنم حكاه ابن شجرة سميت بدناً لأنها مُبدنة بالسمن { شَعَائِرِ اللَّهِ } معالم دينه ، أو فروضه { فِيهَا خَيْرٌ } أجر ، أو ركوبها عند الحاجة وشرب لبنها عند الحلب { صَوَآفَّ } مصطفة ، أو قائمة تصفُّ بين أيديها بالقيود ، أو معقولة ، قرأ الحسن « صوافي » أي خالصة لله تعالى من الصفوة ، ابن مسعود « صوافن » معقولة إحدى يديها فتقوم على ثلاث ، صفن الفرس ثنى إحدى يديه وقام على ثلاث وقال :
ألف الصفون فما يزال كأنه ... مما يقوم على الثلاث كسيرا
{ وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } سقطت إلى الإرض ، وجب الحائط سقط ، وجبت الشمس غربت { فَكُلُواْ } يجب الأكل من المتطوع به ، أو يستحب عند الجمهور ولا يجب ، كانوا في الجاهلية يحرمون أكلها على أنفسهم . { الْقَانِعَ } السائل و { وَالْمُعْتَرَّ } المعترض بغير سؤال « ح » أو القانع الذي لا يسأل والمعتر يعتري فيسأل ، أو القانع المسكين الطَّوَّاف والمعتر الصديق الزائر ، أو القانع : الطامع ، والمعتر الذي يعتري بالبدن ويتعرض للحم لأنه ليس عنده لحم .


لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)

{ لَن يَنَالَ اللَّهَ } لن يتقبل الدماء وإنما يتقبل التقوى ، أو لن يصعد إلى الله تعالى اللحم والدم وإنما يصعد إليه التقوى والعمل الصالح ، كانوا في الجاهلية إذا نحروا البدن استقبلوا الكعبة بدمائها فنضحوها نحو البيت فأراد المسلمون فعل ذلك فنزلت « ع » { هَدَاكُمْ } أرشدكم إليه من حجكم .


إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)

{ يَدْفع } بالكفار عن المؤمنين وبالعصاة عن المطيعين ، وبالجهال عن العلماء ، « أو يدفع عنهم هواجس النفس ووسواس الشيطان » ، أو يدفع بنور السنة ظلمات البدعة .


الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)

{ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ } دفع المشركين بالمسلمين ، أو عن الدين بالمجاهدين ، أو بالنبيين عن المؤمنين ، أو بالصحابة عن التابعين ، أو دفعه عن الحقوق بالشهود قاله مجاهد ، أو عن النفوس بالقصاص { صَوَامِعُ } الرهبان ، أو مصلى الصابئة سُميت بذلك لانصمام طرفيها ، المتصمع المنصم ومنه أذن صمعاء ، { وَبِيَعٌ } النصارى ، أو كنائس اليهود ، { وَصَلَوَاتٌ } كنائس اليهود يسمونها صلوتاً فعرب ، أو تركت صلوات { وَمَسَاجِدُ } المسلمين ، لَهَدَمها المشركون الآن لولا دفع الله بالمسلمين ، أو لهدمت صوامع أيام شرع موسى ، وبيع أيام شرع عيسى ومساجد أيام شرع محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين يعني لهدم في كل شريعة الموضع الذي يعبد الله تعالى فيه .


فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)

{ مُّعَطَّلَةٍ } خالية من أهلها ، أو من دلائها وأرشيتها ، أو غائرة الماء { مَّشِيدٍ } حصين ، أو رفيع أو مجصص ، الشِّيد : الجص أصحاب القصور أهل الحضر وأصحاب الآبار أهل البدو ، أهلك الطائفتين .


أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)

{ يَعْقِلُونَ بِهَآ } يُعَبرون ، أو يعلمون ، يدل على أن العقل علم وأن محله القلب { يَسْمَعُونَ } يفهمون { لا تَعْمَى الأَبْصَارُ } قيل نزلت في ابن أم مكتوم .


وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)

{ وَإِنَّ يَوْماً } من الأيام التي خلقت فيها السماوات والأرض ، أو طول يوم من أيام الآخرة كطول ألف سنة من أيام الدنيا ، أو ألم العذاب في يوم من أيام الآخرة كألم ألف سنة من أيام الدنيا في الشدة وكذلك النعيم .


وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)

{ سَعَوْاْ فِى ءَايَاتِنَا } تكذيبهم بالقرآن ، أو عنادهم في الدين { معجِّزين } مثبطين من اراد اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم أو مثبطين في اتباعه ، أو مكذبين ، أو مظهرين لمن آمن به تعجيزه في إيمانه { مُعَاجِزِينَ } مشاقين « ع » ، أو متسارعين ، أو معاندين ، أو يظنون أنهم يعجزون الله هرباً .


وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)

{ تَمَنَّى } حدّث نفسه فألقى الشيطان في نفسه ، أو قرأ فألقى الشيطان في قراءته ، لما نزلت النجم قرأها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قوله { وَمَنَاةَ الثالثة الأخرى } [ النجم : 20 ] ألقى الشيطان على لسانه « تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهم لترجى » ، ثم ختم السورة وسجد [ وسجد معه ] المسلمون والمشركون ورضي بذلك كفار قريش فأنكر جبريل عليه السلام ما قرأه وشق ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت . وألقاه الشيطان على لسانه فقرأه ساهياً ، أو كان ناعساً فقرأه في نعاسه ، أو تلاه بعض المنافقين عن إغواء الشيطان فتخيل لهم أنه من تلاوة الرسول صلى الله عليه وسلم أو عني بقوله : « الغرانيق العلا » الملائكة « وإن شفاعتهم لترتجى » في قولكم « ح » { رَّسُولٍ } الرسول والنبي واحد ، أو الرسول من يُوحى إليه مع الملك والنبي من يوحي إليه في نومه ، أو الرسول هو المبعوث إلى أمة والنبي مُحَدَّثٌ لا يبعث إلى أمة ، أو الرسول هو المبتدىء بوضع الشريعة والأحكام والنبي هو الذي يحفظ شريعة غيره قاله الجاحظ .


لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53)

{ فِتْنَةً } محنة ، أو اختباراً { مَّرَضٌ } نفاق ، أو شك { وَالْقَاسِيَةِ قُلُوُبُهُمْ } المشركون { شِقَاقٍ بَعِيدٍ } ضلال طويل ، أو فراق للحق بعيد إلى يوم القيامة .


وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)

{ مِرْيَةٍ مِّنْهُ } شك من القرآن { السَّاعَةُ } القيامة على من تقوم عليه من المشركين « ح » أو ساعة موتهم { يَوْمٍ عَقِيمٍ } القيامة ، أو يوم بدر والعقيم : الشديد ، أو الذي لا مثل له لقتال الملائكة فيه .


ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)

{ وَمَنْ عَاقَبَ } لقي قوم من المسلمين قوماً من المشركين لليلتين بقيتا من المحرم فحملوا عليهم فناشدوهم المسلمون أن لا يقاتلوهم في الشهر الحرام فأبوا فأظفر الله تعالى المسلمين بهم فنزلت ، أو لما مَثَّلُوا بالمسلمين بأُحُد عاقبهم الرسول صلى الله عليه وسلم بمثله فنزلت { لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ } تعالى في الدنيا بالقهر والغلبة وفي الآخرة بالحجة والبرهان .


ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)

{ هُوَ الْحَقَّ } اسم من أسماء الله تعالى أو ذو الحق ، أو عبادته حق { مَا يَدْعُونَ } الأوثان ، أو إبليس .


لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67)

{ مَنسَكاً } عيداً ، أو موضعاً معتاداً لمناسك الحج والعمرة ، أو مذبحاً ، أو متعبداً ، النسك : العبادة ، والناسك العابد « ح » .


يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)

{ ضُرِبَ مَثَلٌ } مثلهم في عبادة غير الله كمن عبد من لا يخلق ذباباً أو لا مثل ها هنا والمعنى ضربوا الله مثلاً بعبادة غيره ، وسُمي ذباباً ، لأنه يُذب استقذاراً له واحتقاراً ، وخصه بالذكر لمهانته وضعفه واستقذاره وكثرته .


مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)

{ مَا قَدَرُواْ اللَّهَ } نزلت في اليهود لما قالوا : استراح الله في السبت ما عظموه حق تعظيمه ، أو ما عرفوه حق معرفته ، أو ما وصفوه حق صفته .


يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76)

{ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } ما كان قبل خلق الملائكة والأنبياء { وَمَا خَلْفَهُمْ } ما يكون بعد خلقهم ، أو أول أعمالهم وما خلفهم آخرها ، أو أمر الآخرة وما خلفهم أمر الدنيا .


وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)

{ حَقَّ جِهَادِهِ } اعملوا له حق عمله ، أو أن يُطاع فلا يُعصى ويُذكر فلا يُنسى ويُشكر فلا يُكفر نسخها { فاتقوا الله مَا استطعتم } [ التغابن : 16 ] أو هي محكمة لأن حق جهاده ما لا حرج فيه . { اجْتَبَاكُمْ } اختاركم { حَرَجٍ } ضيق فخلصكم من المعاصي بالتوبة ، أو من الأيمان بالكَفَّارة ، أو بتقديم الأهلة وتأخيرها في الصوم والفطر والأضحى « ع » أو رُخص السفر القصر والفطر ، أو عام إذ ليس في الإسلام ما لا سبيل إلى الخلاص من الإثم فيه { مِّلَّة أَبِيكُمْ } وسع دينكم كما وسع ملة إبراهيم ، أو افعلوا الخير كفعل إبراهيم ، أو ملة إبراهيم وهي دينه لازمة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم داخلة في دينه ، أو عليكم ولاية إبراهيم ولا يلزمكم حكم دينه { هُوَ سَمَّاكُمُ } الله سماكم المسلمين قبل القرآن ، أو إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقوله { أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } [ البقرة : 128 ] { شَهِيداً } ليشهد الرسول عليكم أنه بلغكم وتشهدوا على من بعدكم أنكم بلغتموهم ما بلغكم ، أو يشهد الرسول عليكم بأعمالكم ، وتشهدوا على الناس أن رسلهم بلغوهم { فَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ } المكتوبة { وَءَاتُواْ الزَّكَاةَ } المفروضة { وَاعْتَصِمُواْ بِاللَّهِ } امتنعوا به ، أو تمسكوا بدينه { مَوْلاكُمْ } مالككم ، أو المتولي لأموركم { فَنِعْمَ الْمَوْلَى } لما لم يمنعكم الرزق إذ عصيتموه { وَنِعْمَ النَّصِيرُ } لما أعانكم حين أطعتموه .


قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)

{ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } سعدوا ، أو بقيت لهم أعمالهم ، أو بقوا في الجنة ، الفلاح : البقاء ، أو أدركوا ما طلبوا ، ونجوا من شر ما منه هربوا « ع » .


الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)

{ خَاشِعُونَ } خائفون ، أو خاضعون ، أو ساكنون ، أو غض البصر وخفض الجناح ، أو النظر إلى موضع السجود ، وأن لا يجاوز بصره مصلاه .


وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)

{ اللَّغْوِ } الباطل « ع » أو الكذب ، أو الحلف ، أو الشتم شتمهم كفار مكة فنهوا عن إجابتهم ، أو المعاصي كلها .


أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)

{ الْوَارِثُونَ } قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « ما منكم من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار ، فإن دخل النار ورث أهل الجنة منزله ، وإن دخل الجنة ورث أهل النار منزله فذلك قوله { أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ } » .


الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)

{ الْفِرْدَوْسَ } اسم للجنة « ح » أو أعلى الجنان ، أو جبل الجنة الذي تنفجر منه أنهارها ، أو البستان رومي عُرِّب ، قاله الزجاج . أو عربي وهو الكرم .


وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)

{ الإِنسَانَ } آدم عليه الصلاة والسلام أُستل من الطين ، أو بنوه لرجوعهم إليه . { سُلالَةٍ } سلالة كل شيء صفوته التي تُستل منه ، أو القليل مما يُستل وتُسمى النطفة والولد سلالة لأنهما صفوتان ، أو ينسلان ، أو السلالة الطين الذي إذا عصرته بين أصابعك خرج منه شيء ، أو التراب .


ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13)

{ قَرَارٍ } الرحم { مَّكِينٍ } متمكن هيء لاستقراره .


ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)

{ عَلَقَةً } الدم الطري سمي به لأنه أول أحوال العلوق { الْمُضْغَةَ } قدر ما يمضغ من اللحم ، ذكر ذلك ليعلم الخلق أن الإعادة أهون من النشأة { خَلْقاً ءَاخَرَ } بأن نفخ فيه الروح « ع » ، أو بنبات الشعر ، أو بأنه ذكر ، أو أنثى « ح » ، أو استوى شبابه { فَتَبَارَكَ } تعظيم { أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } أصنع الصانعين « .


وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)

{ طَرَآئِقَ } سماوات لأن كل طبقة طريقة للملائكة أو طباقاً بعضها فوق بعض ومنه طراق النعل إذا أطبق عليها ما يمسكها ، أو كل طبقة منها على طريقة من الصنعة والهيئة . { غَافِلِينَ } من نزول المطر عليهم من السماء أو من سقوطها عليهم ، أو عاجزين عن رزقهم .


وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20)

{ وَشَجَرَةً } الزيتون خصت بالذكر لكثرة نفعها وقلة تعاهدها { سَيْنَآءَ } البركة كأنه قال : جبل البركة « ع » ، أو الحسن المنظر أو الكثير [ الشجر ] ، أو الجبل الذي كلم عليه موسى عليه الصلاة والسلام أو المرتفع من السناء وهو الارتفاع فيكون عربياً وعلى ما سبق سريانياً « ع » أو نبطياً ، أو حبشياً { تَنبُتُ بِالدُّهْنِ } بالمطر ليصح دخول الباء . أو الزيت أي تثمر الدهن فالباء صلة .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... ونرجوا بالفرج
أو معناه تنبت وفيها الدهن ، وهذه عبرة تشرب الماء وتنبت الدهن { وَصِبْغٍ } أدم يصطبغ به ، وقيل الصبغ كل ما يؤتدم به سوى اللحم .


فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24)

{ مَّا سَمِعْنَا } بمثل دعوته ، أو ببشرٍ أتى برسالة ربه { الأَوَّلِينَ } أول أب ولدك أو أقرب آبائك إليك .


إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25)

[ { حَتَّى حِينٍ } ] الحين : موته ، أو ظهور جنونه .


فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27)

{ التَّنُّورُ } تنور الخبز ، أو أحر مكان في دارك ، أو طلوع الفجر أو عَبَّر به عن شدة الأمر كقولهم : حمى الوطيس .


وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29)

{ أَنزِلْنِى } في السفينة { مُنزَلاً مُّبَارَكاً } بالنجاة ، أو أنزلني منها منزلاً مباركاً بالماء والشجر .


إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37)

{ نَمُوتُ } يموت قوم ويولد آخرون ، أو يموت قوم ويحيا آخرون ، أو فيه تقديم وتأخير ، أو يموت الآباء ويحيا الأبناء .


فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41)

{ غُثَآءً } البالي من الشجر « ع » ، أو ورق الشجر إذا وقع في الماء ثم جف ، أو ما حمله الماء من الزبد والقذى { فَبُعْداً } لهم من الرحمة باللعنة ، أو بُعْدًا لهم في العذاب زيادة في هلاكهم


ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44)

{ تَتْرَا } منون متواترين يتبع بعضهم بعضاً « ع » ، أو متقطعين بين كل اثنين دهر طويل ، تتراً : اشتُق من وتر القوس لاتصاله بمكانه منه أو من الوتر لأن كل واحد يبعث فرداً بعد صاحبه ، أو من التواتر .


إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46)

{ عَالِينَ } متكبرين ، أو مشركين ، أو قاهرين ، أو ظالمين .


فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47)

{ عَابِدُونَ } مطيعون ، أو خاضعون ، أو مستعبدون ، أو كان بنو إسرائيل يعبدون فرعون ، وفرعون يعبد الأصنام .


وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50)

{ ءَايَةً } بخلقه من غير والد وكلامه في المهد ببراءة أمه { رَبْوَةٍ } المكان المرتفع إذا اخضر بالنبات فإن لم يكن فيه فهو نشز ، أو ربوة وإن لم يكن به نبات والمراد بها الرملة ، أو دمشق ، أو مصر ، أو بيت المقدس ، قال كعب : هي أقرب إلى السماء بثمانية عشر ميلاً . { قَرَارٍ } استواء ، أو ثمار ، أو معيشة تقوتهم « ح » ، أو منازل يستقرون فيها { وَمَعِينٍ } الماء الجاري ، أو الظاهر ، أشتق من العيون لجريانه منها فهو مفعول من العيون ، أو من المعونة ، أو الماعون .


وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)

{ أُمَّتُكُمْ } دينكم ، أو جماعتكم ، أو خقلكم .


فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)

{ فَتَقَطَّعُواْ } فتفرقوا أمر دينهم { زُبُراً } فرقاً وجماعات ، أو كتباً أخذ كل فريق كتاباً آمن به وكفر بما سواه { بِمَا لَدَيْهِمْ } من دين وكتاب أو أموال وأولاد { فَرِحُونَ } معجبون ، أو مسرورون .


فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54)

{ غَمْرَتِهِمْ } ضلالتهم ، أوجهلهم ، أو غفلتهم ، أو حيرتهم { حَتَّى حِينٍ } الموت ، أو يوم بدر ، أو تهديد كقول القائل « لك يوم » قاله الكلبي .


أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55)

{ نُمِدُّهُم } نعطيهم ونزيدهم .


نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)

{ نُسَارِعُ } بجعله خيراً لهم عاجلاً ، أو نريد لهم به خيراً { لا يَشْعُرُونَ } أنه استدراج ، أو اختبار .


وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)

{ يُؤْتُونَ } الزكاة ، أو أعمال البر كلها { وَجِلَةٌ } خائفة ، قيل وجل العارف من طاعته أكثر من وجله من مخالفته ، لأن التوبة تمحو المخالفة والطاعة تطلب بتصحيح الغرض { أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ } يخافون أن لا ينجوا من عذابه إذا قدموا عليه ، أو أن لا يقبل عملهم إذا عرضوا عليه .


أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)

{ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } لمن تقدمهم من الأمم .


بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)

{ غَمْرَةٍ } غطاء ، أو غفلة من هذا القرآن ، أو الحق { أَعْمَالٌ } خطايا من دون الحق ، أو أعمال أُخر سبق في اللوح المحفوظ أنهم يعلمونها .


حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64)

{ مُتْرَفِيهِم } الموسع عليهم بالخصب ، أو الأموال والأولاد { يَجْئَرُونَ } يجزعون ، أو يستغيثون « ع » ، أو يضجون ، أو يصرخون إلى الله تعالى بالتوبة فلا تُقبل منهم « ح » قيل نزلت في قتلى بدر { إِذَا هُمْ يَجْئَرُونَ } الذين بمكة .


قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66)

{ تَنكِصُونَ } تستأخرون ، أو تكذبون ، أو رجوع القهقرى عَبَّر به عن ترك القبول .


مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)

{ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ } بحرم الله أن يظهر عليهم فيه أحد { سَامِراً } فاعل من السمر وهو الحديث ليلاً ، أو ظل القمر يقولون حلف بالسمر والقمر ، لأنهم يسمرون في ظلمة الليل وضوء القمر ويقولون : لا أكلمك السمر والقمر أي الليل والنهار ، قال الزجاج : أخذت سمرة اللون من السمر . { تَهْجُرُونَ } تعرضون عن الحق أو « تُهِجرون » القول بالقبيح من الكلام وبالضم من هُجر القول ، أنكر تسامرهم بالإزراء على الحق مع ظهوره لهم ، أو أنكر تسامرهم آمنين والخوف أحق بهم .


وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71)

{ اتَّبَعَ الْحَقُّ } الله عند الأكثرين ، أو التنزيل { أَهْوَآءَهُمْ } فيما يشتهون ، أو يعبدون . { وَمَن فِيهِنَّ } الثقلان والملائكة ، أو ما بينهما من خلق { بِذِكْرِهِم } بيان الحق لهم ، أو شرفهم ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم منهم والقرآن بلسانهم ، فهم عن شرفهم ، أو عن القرآن { مُّعْرِضُونَ } .


أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72)

{ فَخَرَاجُ رَبِّكَ } فرزق ربك في الدنيا والآخرة ، أو أجره في الآخرة ، الخَرْج : ما يؤخذ عن الرقاب ، والخراج ما يؤخذ عن الأرض قاله أبو عمرو بن العلاء .


وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74)

{ لَنَاكِبُونَ } عادلون ، أو حائدون ، أو تاركون ، أو معرضون .


حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77)

{ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ } السبع التي دعا بها الرسول صلى الله عليه وسلم فقحطوا سبع سنين حتى أكلوا العلهز من الجوع وهو الوبر بالدم ، أو قتلهم يوم بدر « ع » أو باباً من عذاب جهنم .


وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79)

{ ذَرَأَكُمْ } خلقكم ، أو نشركم .


وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80)

{ اخْتِلافُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ } بالزيادة والنقصان ، أو تعاقبهما .


قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88)

{ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ } خزائن كل شيء ، أو ملك كل شيء وهو مبالغة كالجبروت والرهبوت ، { يُجِيرُ } يمنع ولا يمنع منه .


سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)

{ تُسْحَرُونَ } تُصرفون عن التصديق بالبعث ، أو تكذبون فيخيل إليكم أن الكذب حق .


ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)

{ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } ادفع بالإغضاء والصفح إساءة المسيء ، أو الفحش بالسلام ، أو المنكر بالموعظة ، أو أمح بالحسنة السيئة ، أو قابل أعداءك بالنصح وأولياءك بالموعظة .


وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97)

{ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ } نزغاتهم ، أو إغوائهم ، أو أذاهم ، أو الجنون .


وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)

{ يَحْضُرُونِ } يشهدون ، أو يقاربون .


لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)

{ وَرَآئِهِم } أمامهم { بَرْزَخٌ } حاجز بين الموت والبعث ، أو بين الدنيا والآخرة ، أو بين الموت والرجوع إلى الدنيا ، أو الإمهال إلى يوم القيامة ، أو ما بين النفختين وهو أربعون سنة .


فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)

{ فَلا أَنسَابَ } يتواصلون بها ، أو لا يتعارفون للهول { وَلا يَتَسَآءَلُونَ } أن يحمل بعضهم عن بعض ولا أن يعين بعضهم بعضاً ، أو لا يتساءلون لانشغال كل منهم بنفسه .


قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106)

{ شِقْوَتُنَا } الهوى ، أو حسن الظن بالنفس ، وسوء الظن بالخلق .


قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)

{ اخْسَئُواْ } اصغروا ، الخاسىء : الصاغر « ح » ، أو الساكت الذي لا يتكلم ، أو ابعدوا بُعد الكلب { وَلا تُكَلِّمُونِ } في دفع العذاب ، أو زجرهم عن الكلام غضباً عليهم « ح » ، فهو آخر كلام يُكلمون به .


فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)

{ سِخْرِيّاً } هزواً بالضم والكسر ، أو بالضم من السخرة والاستعباد وبالكسر الاستهزاء « ح » .


قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112)

{ لَبِثْتُمْ } في الدنيا ، أو القبور ، استقلوا ذلك لما صاروا إليه من العذاب الطويل .


قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113)

{ الْعَآدِّينَ } الملائكة ، أو الحُسَّاب .


وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)

{ لا بُرْهَانَ لَهُ } أن مع الله إلهاً آخر ، أو صفة الإله المعبود [ من دون الله ] أنه لا برهان له { حِسَابُهُ } محاسبته عند الله يوم القيامة ، أو مكافأته ، والحساب المكافأة « حسبي الله » أي كافيني الله .


سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)

هذه { سُورَةٌ } { وَفَرَضْنَاهاَ } مخففاً قَدَّرنا فيها الحدود ، أو فرضنا فيها إباحة الحلال وحظر الحرام ، وبالتشديد بَيَّناها « ع » أو كثَّرنا ما فرض من الحلال والحرام { ءَايَاتٍ بَيْنَاتٍ } حججاً دالة على التوحيد ووجوب الطاعة ، أو الحدود والأحكام .


الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)

{ الزَّانِيَةُ } بدأ بها لأن شهوتها أغلب وزناها أعرُّ ولأجل الحبل أضر { فَاجْلِدُواْ } أخذ الجلد من وصول الضرب إلى الجلد ، وهو أكبر حدود الجلد؛ لأن الزنا أعظم من القذف ، وزادت السنة التغريب وحد المحصن بالسنة بياناً لقوله { أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً } [ النساء : 15 ] أو ابتداء فرض { فِى دِينِ اللَّهِ } في طاعته { رَأْفَةٌ } رحمة نهى عن آثارها من تخفيف الضرب إذ لا صنع للمخلوق في الرحمة . { تُؤْمِنُونَ } تطيعونه طاعة المؤمنين { عَذَابَهُمَا } حدهما { طَآئِفَةٌ } أربعة فما زاد أو ثلاثة ، أو اثنان ، أو واحد ، وذلك للزيادة في نكاله .


الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)

{ الزَّانِى لا يَنكِحُ } خاصة برجل استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في نكاح أم مهزول كانت بغيّاً في الجاهلية من ذوات الرايات وشرطت له أن تنفق عليه فنزلت فيهما ، قاله ابن عمرو ومجاهد رحمهما اللَّهُ تعالى ، أو في أهل الصُّفَّة من المهاجرين ، كان في المدينة بغايا معلنات بالفجور فهموا بنكاحهن ليأووا إلى مساكنهن وينالوا من طعامهن وكسوتهن وكن مخاصيب الرحال بالكسوة والطعام ، أو الزانية لا يزني بها إلا زانٍ والزاني لا يزني إلا بزانية « ع » ، أو الزانية محرمة على العفيف والعفيف محرم على الزانية ثم نسخ بقوله تعالى : { فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء } [ النساء : 3 ] ، أو خاص بالزاني المحدود لا ينكح إلا زانية محدودة ولا ينكح غير محدودة ، ولا عفيفة ، والزانية المحدودة لا ينكحها غير محدود ولا عفيف « خ » { وَحُرِّمَ } الزنا ، أو نكاح الزواني { عَلَى الْمؤْمِنِينَ } .


وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)

{ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } حد القذف حق الآدمي لوجوبه بطلبه وسقوطه بغفوه ، أو حق الله ، أو مشترك بينهما . ويتعلق به الحق والفسق ورد الشهادة .


إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)

{ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ } فيزول فسقهم ولا يسقط الحد عنهم وتقبل شهادتهم قبل الحد وبعده لارتفاع فسقه قاله الجمهور ، أو لا تقبل بحال ، أو تقبل قبل الحد ولا تقبل بعده ، أو عكسه وتوبته بإكذابه نفسه ، أو بالندم والاستغفار وترك العود إلى مثله .


وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)

{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ } أي هلال بن أمية جاء الرسول صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه فقال : يا رسول الله جئت عشياً فوجدت رجلاً مع أهلي رأيت بعيني وسمعت بأذني فكره الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك وثقل عليه فنزلت ، أو أتاه عويمر فقال : يا رسول الله رجل وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه به أم كيف يصنع فنزلت فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : قد نزل القرآن فيك وفي صاحبتك ولاعن بينهما ، { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ } عبر عن اليمين بالشهادة .
قال قيس :
وأشهد عند الله أني أحبها ... فهذا لها عندي فما عندها ليا
أو هو شهادة فلا يلاعن الكفار والرقيق .


وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8)

{ وَيَدْرَؤُاْ } يدفع { الْعَذَابَ } الحد ، أو الحبس ، وإذا تم اللعان وقعت الفرقة بلعان الزوج ، أو بلعانهما ، أو بلعانهما وتفريق الحاكم ، أو بطلاق يوقعه الزوج . ثم تحرم أبداً ، فإن أكذب نفسه ففي حِلَّها مذهبان .


وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)

{ فَضْلُ اللَّهِ } الإسلام { وَرَحْمَتُهُ } القرآن ، أو فضله : منته ، ورحمته : نعمته تقديره ورحمته بإمهالكم حتى تتوبوا لهلكتم ، أو لولا فضله ورحمته لنال الكاذب منكم عذابٌ عظيم .


إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)

{ الِّذِينَ جَآءُو بِالإِفْكِ } : عبد الله بن أُبي ، ومسطح بن أُثاثة ، وحسان بن ثابت وزيد بن رفاعة وحمنة بن جحش ، والإفك : الكذب أو الإثم { خَيْرٌ لَّكُمْ } لأن الله تعالى برَّاْ منه وأثاب عليه ، يريد عائشة وصفوان ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، وعائشة رضي الله تعالى عنهما { مَّا اكْتَسَبَ } عقاب ما اكتسب { وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ } عبد الله بن أُبي ، أو حسان ومسطح والعذاب العظيم : العمى .


لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)

{ لَّوْلآ } هَلاَّ { إِذْ سَمِعْتُمُوهُ } أي الإفك { بِأَنفُسِهِمْ } ظن بعضهم ببعض ، أو ظنوا بعائشة رضي الله تعالى عنهما كظنهم بأنفسهم { إِفْكٌ مُّبِينٌ } كذب بيِّنٌ ، ولم يحد الرسول صلى الله عليه وسلم أحداً من أهل الإفك؛ لأن الحد لا يُقام إلا ببينة أو إقرار ولم ينفذ بإقامته بإخبار الله تعالى كما لا يقتل المنافق بإخباره بنفاقه ، أو حدَّ حسان وابن أُبي ومسطحاً وحمنة فيكون العذاب العظيم الحدُّ .
وقال فيهم بعض المسلمين :
لقد ذاق حسان الذي كان أهله ... وحمنة إذ قالوا هجيراً ومسطحُ
تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم ... وسخطة ذي العرش العظيم فأبرحوا
وآذوا رسول الله فيها فَجُلِّلُوا ... مَخازي تبقى عُمِّمُوها وفُضِّحوا
كما ابن سلول ذاق في الحد خِزية ... كما خاض في قول من الإفك يفصح
فصبت عليهم مُحصدات كأنها ... شآبِيبُ مزن من ذُرى المزن تسفحُ
وقال حسان يعتذر من إفكه :
حصانٌ رزَانٌ ما تُزَنُّ برِيَبةٍ ... وتُصبحُ غَرثَى من لُحوم الغَوَافِلِ
مطهرة قد طيب الله خلقها ... وطهرها من مكل سوء وباطل
عقيلة حي من لؤي بن غالب ... كرام المساعي مجدهم غير زائل
فإن كنت قد قلت الذي قد أتاكم ... فَلا رَفَعتْ سوطِي إليَّ أَنامِلِي
وكيف وَوُدِّي ما حَييتُ ونُصرتي ... لآل رسول الله زين المحافل
وإن الذي قد قيل ليس بلائط ... ولكنه قول امرىءٍ غير ماحل


إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)

{ تَلَقَّوْنَهُ } بالقبول من غير إنكار ، أو تتحدثُون به وتُلْقونه حتى ينتشر .


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)

{ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } خطاياه ، أو أثره ، أو تخطيه من الطاعة والحلال إلى المعصية والحرام ، أو النذر في المعاصي .


وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)

{ يَأْتَلِ } ويتألَّ واحد أي لا يقسم أو لا يقصر ، ما ألوت جهداً أي ما قصرت ، أو يأتلِ : يقصر ، ويتألَّ : يقسم ، كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه ينفق على مسطح وكان ابن خالته فلما تكلم في الإفك أقسم أبو بكر رضي الله تعالى عنه أن لا ينفق عليه ، فنزلت . { وَلْيَعْفُواْ } عن الأفعال { وَلْيَصْفَحُواْ } عن الأقوال ، أو العفو : ستر الذنوب من غير مؤاخذة والصفح : الإغضاء عن المكروه { أَلا تُحِبُّونَ } كما تحبون أن تُغفر ذنوبكم فاغفروا لمن أساء إليكم فلما سمِعَها أبو بكر رضي الله تعالى عنه رَدَّ إليه النفقة .


الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)

{ الْخَبِيثَاتُ } خبيثات النساء لخبيثي الرجال ، وخبيثوا الرجال لخبيثات النساء ، وطيبات النساء لطيبي الرجال ، وطيبو الرجال لطيبات النساء ، أو أراد بالخبيثات والطيبات : الأعمال الخبيثة والطيبة لخبيثي الناس وطيبيهم . أو أراد الكلمات الخبيثات والطيبات لخبيثي الناس وطيبهم { أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ } أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم مُبَرآت من الفواحش ، أو عائشة ، وصفوان مبرآن من الإفك ، أو الطيبون والطيبات مبرؤون من الخبيثين والخبيثات .


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)

{ تَسْتَأْنِسُواْ } تَستأذنوا قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخطأ الكاتب فكتب « تستأنسوا » ، أو عَبَّر عن الاستئذان بالاستئناس لأنه مؤنس ، أو تؤنسوا أهل البيت بالتنحنح ليعلموا بالدخول عليهم ، أو تعلموا فيها من يأذن لكم؛ لقوله { فَإِنْ آنَسْتُمْ } [ النساء : 6 ] أو الاستئناس : الاستخبار والإيناس : اليقين { وَتُسَلِّمُواْ } السلام مسنون بعد الاستئذان على ظاهر الآية ، ولأنه تحية للقاء واللقاء بعد الإذن ، أو السلام قبل الاستئذان على ما تضمنته السنة ، وإن كان قريباً فإن لم يكن مَحْرَماً لزم الاستئذان عليه كالأجانب ، وإن كانوا محارم فإن كان ساكناً معهم في المنزل لزمه إنذارهم بدخوله بوطىء أو نحنحة مفهمة إلا الزوجة فلا يلزم ذلك في حقها بحال لارتفاع العورة بينهما وإن لم يكن ساكناً معهم في المنزل لزم الاستئذان بوطىء أو نحنحة ، أو هم كالأجانب .


لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29)

{ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ } الخانات المشتركة ذوات البيوت المسكونة ، أو حوانيت التجار ، أو منازل الأسفار ومناخات الرحال التي يرتفق بها المسافرون ، أو الخرابات العاطلة ، أو بيوت مكة { مَتَاعٌ لَّكُمْ } عروض الأموال ومتاع التجارة ، أو الخلاء والبول؛ لأنه متاع لهم ، أو المنافع كلها . فلا يلزم الاستئذان فيها .


قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)

{ مِنْ أَبْصَارِهِمْ } من صلة ، أو يغضوها عما لا يحل ، أو هي للتبعيض؛ لأن البصر إنما يجب غضه عن الحرام { وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ } بالعفاف عن الزنا ، أو بسترها عن الأبصار ، وكل موضع فيه حفظ فالمراد به عن الزنا ، إلا في هذا الموضع قاله أبو العالية ، وسميت فروجاً؛ لأنها منافذ للبدن .


وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)

{ زِينَتَهُنَّ } الزينة ما أدخلته على بدنها حتى زانها وحسَّنها في العيون كالحلي والثيابن والكحل والخضاب ، وهي ظاهرة وباطنة فالظاهرة لا يجب سترها ولا يحرم النظر إليها { إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } الثياب ، أو الكحل والخاتم « ع » ، أو الوجه والكفان ، والباطنة : القرط والقلادة ، والدملج والخلخال وفي السوار مذهبان وخضاب القدمين باطن ، وخضاب الكفين ظاهر ، والباطنة يجب سترها عن الأجانب ولا يجوز لهم النظر إليها . { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ } بمقانعهن على صدروهن تغطية لنحورهن وكن يلقينها على ظهروهن بادية نحورهن ، أو كانت قمصهن مفرجة الجيوب كالدارعة يبدو منها صُدُورهن فأُمِرن بإلقاء الخُمُرُ عليها لسترها وكنى عن الصدور بالجيوب لأنها ملبُوسة عليها { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } الباطنة { إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ } ، { أَوْ نِسَآئِهنَّ } المسلمات ، أو عام فيهن وفي الكافرات { مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } من العبيد والإماء ، أو خاص بالإماء قاله ابن المسيب ومجاهد وعطاء { غَيْرِ أُوْلِى الإِرْبَةِ } الصغير لا إرب له فيهن لصغره ، أو العِنِّين لا إرب له لعجزه ، أو المعتوه الأبله لا إرب له لجهله ، أو المجبوبُ لفقد إربه مأثور ، أو الشيخ الهرم لذهاب إربه ، أو الأحمق الذي لا تشتهيه المرأة ولا يغار عليه الرجل ، أو المستطعم الذي لا يهمه إلا بطنه ، أو تابع القوم يخدمهم لطعام بطنه فهو مصروف الشهوة لذله « ح » ، وأخذت الإربة من الحاجة ، أو من العقل من قولهم رجل أديب { لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ } لم يكشفوها لعدم شهوتهم ، أو لم يعرفوها لعدم تمييزهم ، أو لم يطيقوا الجماع ، وسميت العورة عورة لقبح ظُهورها وغض البصر عنها أخذاً من عور العين { وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ } كن إذا مشين ضربن بأرجلهن لتسمع قعقعة خلاخلهن فنهين عن ذلك .


وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)

{ وَأَنكِحُواْ } خطاب للأولياء ، أو للأزواج أن يتزوجوا ندباً عند الجمهور أو إيجاباً { الأَيَامَى } المتوفى عنها زوجها ، أو من لا زوج لها من الثيب والأبكار ، رجل أيم وامرأة أيم { وَالصَّالِحِينَ } أنكحوا الأيامى بالصالحين من رجالكم ، أو أمر بإنكاح العبيد والإماء كما أمر بإنكاح الأيامى { فُقَرَآءَ } إلى النكاح يغنهم الله به عن السفاح ، أو فقراء من المال يغنهم الله تعالى بقناعة الصالحين ، أو باجتماع الرزقين { وَاسِعٌ } الغنى { عَلِيمٌ } بالمصالح ، أو واسع الرزق عليم بالخلق .


وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)

{ فَكَاتِبُوهُمْ } ندباً ، أو وجوباً إذا طلب العبد { خَيْراً } قدرة على الاحتراف والكسب « ع » أو مالاً ، أو ديناً وأمانة ، أو وفاءً وصدقاً أو الكسب والأمانة . { وَءَاتُوهُم } من الزكاة من سهم الرقاب أو بحط بعض نجومه ندباً ، أو إيجاباً فيحط ربعها ، أو سهماً غير مقدر « ع » ، كان لحويطب بن عبد العزى عبد سأله الكتابة فامتنع فنزلت ، { فَتَيَاتِكُمْ } الإماء { الْبِغَآءِ } الزنا { تَحَصُّناً } عفة { إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } لا يتحقق الإكراه إلا عند إرادة التحصن لأن من لا تبغي التحصن تسارع إلى الزنا بغير إكراه ، أو ورد على سبب فخرج على صفة السبب وليس بشرط فيه كان ابن أُبَيِّ يُكره أمته على الزنا فزنت ببرد فأخذه وقال : ارجعني فازني على آخر فقالت : لا والله وأخبرت الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت . وكان ذلك مستفيضاً من عادتهم طلباً للولد والكسب { لِّتَبْتَغُواْ } لتأخذوا أجورهن على الزنا { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } للمُكْرَهات دون المُكْرِهين .


اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)

{ نُورُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ } : هاديهما أو مدبرهما ، أو ضياؤهما أو مُنَوِّرهما؛ نَوَّر السماء بالملائكة والأرض بالأنبياء ، أو السماء بالهيبة والأرض بالقدرة ، أو نَوَّرهما بالشمس والقمر والنجوم { مَثَلُ نُورِهِ } نور المؤمن في قلبه ، أو نور محمد صلى الله عليه وسلم في قلب المؤمن ، أو نور القرآن في قلب محمد صلى الله عليه وسلم أو نور الله تعالى في قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، أو قلب المؤمن { كَمِشْكَاةٍ } كُوَّة لا تنفذ و { الْمِصْبَاحُ } السراج ، أو قنديل [ و ] المصباح : الفتيلة ، أو موضع الفتيلة من القنديل وهو الأنبوب والمصباح : الضوء « ع » ، أو السلسلة والمصباح : القنديل ، أو صدر المؤمن والمصباح : القرآن الذي فيه والزجاجة قلبه والمشكاة ، حبشي معرَّبٌ ، { الْمِصْبَاحٌ فِي زُجَاجَةٍ } القنديل؛ لأنه فيها أضوأ قاله الأكثرون ، أو المصباح القرآن والإيمان والزجاجة قلب المؤمن { كَوْكَبٌ } الزهرة ، أو كوكب غير معين عن الأكثر { دُرِّيء } يشبه الدر في صفاته ، دُرِّيٌ : مضيء ، دِرِّيءٌ : متدافع قوي الضوء من درأ دفع ، دِرِّيٌّ : جارٍ درأ الوادي إذا جرى ، والنجوم الدراري الجواري { شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ } إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، والزجاجة : محمد صلى الله عليه وسلم ، أو صفة لضياء دهن المصباح { مُّبارَكَةٍ } ؛ لأنها من زيتون الشام وهو أبرك من غيره ، أو لأن الزيتون يورق غصنه من أوله إلى آخره { لا شَرْقِيَّةٍ } ليست من شجر الشرق ولا من شجر الغرب لقلة زيت الجهتين وضعف نوره ولكنها من شجر ما بينهما كالشام لاجتماع القوتين فيه ، أو لا شرقية تستتر عن الشمس عند الغروب ولا غربية تستتر عنها وقت الطلوع بل هي بارزة من الطلوع إلى الغروب فإنه أقوى لزيتها وأضوأ ، أو هي وسط الشجر لا تنالها الشمس إذا طلعت ولا إذا غربت وذلك أجود لزيتها ، أو ليس في شجر الشرق ولا في شجر الغرب مثلها ، أو ليست من شجر الدنيا التي تكون شرقية ، أو غربية ، وإنما هي من شجر الجنة « ح » أو مؤمنة ليست بنصرانية تصلي إلى الشرق ولا يهودية تصلي إلى الغرب ، أو الإيمان ليس بشديد ولا لين؛ لأن من أهل الشرق شدة وفي أهل الغرب لين { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ } صفاؤه كضوء النهار { وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } أو يكاد قلب المؤمن يعرف الحق قبل أن يُبين له ، أو يكاد العلم يفيض من فم المؤمن العالم قبل أن يتكلم به « ح » أو تكاد أعلام النبوة تشهد للرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يدعو إليه { نُّورٌ عَلَى نُورِ } ضوء النار على ضوء الزيت على ضوء الزجاجة ، أو نور النبوة على نور الحكمة ، أو نور الرجاء على نور الخوف ، أو نور الإيمان على نور العمل ، أو نور المؤمن هو حجة لله يتلوه مؤمن هو حجة لله حتى لا تخلو الأرض منهم ، أو نور نبي من نسل نبي { لِنُورِهِ } نبوته ، أو دينه ، أو دلائل هدايته { وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ } هذا مثل ضربه للمؤمن في وضوح الحق له وفيه ، أو ضربه لطاعته وسماهما نوراً لتجاوزهما عن محلهما ، أو قالت اليهود يا محمد كيف يخلص نور الله من دون السماء فضرب الله تعالى ذلك مثلاْ لنوره « ع » .


فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)

{ بُيُوتٍ } المساجد « ع » ، أو سائر البيوت { تُرْفَعَ } تُبْنَى ، أو تطهر من الأنجاس والمعاصي ، أو تعظم ، أو ترفع فيها الحوائج إلى الله تعالى { وَيُذْكَرَ فِيهَا أسْمُهُ } يتلى كتابه « ع » ، أو تذكر أسماؤه الحسنى ، أو توحيده بأن لا إله غيره ، { فِى بُيُوتٍ } متعلق بقوله كمشكاة ، أو بقوله تعالى « يسبح » { يُسَبِّحُ } يصلي له « ع » أو ينزهه { وَالأَصَالِ } العشايا .


رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)

{ تِجَارَةٌ } التجار : الجلاب المسافرون ، والباعة : المقيمون . { عَن ذِكْرِ اللَّهِ } بأسمائه الحسنى ، أو عن الآذان { تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ } على جمر جهنم ، أو تتقلب أحوالها بأن تلحقها النار ثم تنضجها ثم تحرقها ، أو تقلب القلوب : وجيبها وتقلب الأبصار نظرها إلى نواحي الأهوال ، أو تقلب القلوب : بلوغها الحناجر وتقلب الأبصار الزُّرق بعد الكُحْل والعمى بعد الإبصار ، أو يتقلب قلب الكافر عن الكفر إلى الإيمان ويتقلب بصره عما كان يراه غيَّاً فيراه رشداً .


لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)

{ بِغَيْرِ حِسَابٍ } بغير جزاء بل يبتديه تفضلاً ، أو غير مقدر بالكفاية حتى لا يزيد عليها ، أو غير قليل ولا مضيق ، أو غير ممنون به .


وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)

{ كَسَرَابٍ } : هو الذي يتخيل لرائيه أنه ماء جارٍ والآل مثله إلا أنه يرتفع عن الأرض ضُحى حتى يصير كأنه بين السماء والأرض ، وقيل السراب بعد الزوال والآل قبل الزوال ، والرقراق بعد العصر { بِقِيعَةٍ } جمع قاع كجيرة وجار وهو ما انبسط من الأرض واستوى . مثل مضروب لاعتماد الكافر على ثواب عمله فإذا قدم على الله تعالى وجد ثوابه حابطاً بكفره ووجد أمر الله عند حشره ، أو وجد الله تعالى عند عرضه ، نزلت في شيبة بن ربيعة ترهّب في الجاهلية ولبس الصوف وطلب الدين وكفر في الإسلام .


أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)

{ كَظُلُمَاتٍ } ظلمة البحر وظلمة السحاب وظلمة الليل { لُّجِّىٍّ } واسع لا يرى ساحله ، أو كثير الموج ، أو عميق ، ولجة البحر : وسطه { لَمْ يَكَدْ } لم يَرَهَا ولم يكد قاله الزجاجَ ، أو رآها بعد أن كادَ لا يراها ، أو لم يطمع أن يراها ، أو يكاد صلة { وَمَن لًّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً } سبيلاً إلى النجاة فلا سبيل له إليها ، أو من لم يهده الله إلى الإسلام لم يهتدِ إليه . مثل للكافر والظلمات ظلمة الشرك وظلمة الشك وظلمة المعاصي ، والبحر اللجي قلبه يغشاه موج عذاب الدنيا من فوقه موج عذاب الآخرة .


أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)

{ صَآفَّاتٍ } مُصْطفة الأجنحة في الهواء { صَلاتَهُ } الصلاة : للإنسان والتسبيح : لسائر الخلق ، أو هذا في الطير؛ ضرب أجنحتها صلاة وأصواتها تسبيح ، أو للطير صلاة لا ركوع فيها ولا سجود ، قاله سفيان ، علم الله صلاته وتسبيحه ، أو علمها هو .


أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)

{ يُزْجِى } يسوق { رُكَاماً } يركب بعضه بعضاً { الْوَدْقَ } البرق يخرج من خلال السحاب ، أو المطر عند الجمهور { مِن جِبَالٍ } أي في السماء جبال بَرَد فينزل من السماء من تلك الجبال ما يشاء من البرد ، أو ينزل من السماء بَرَداً يكون كالجبال ، أو السماء : السحاب والسماء صفة للسحاب سُمي جبالاً لعظمته فينزل منه برداً { سَنَا بَرْقِهِ } صوت برقه ، أو ضوؤه ، أو لمعانه .


يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)

{ يُقَلِّبُ اللَّهُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ } بتعاقبهما ، أو بنقص كل واحد منهما وزيادة الآخر ، أو يغير النهار بظلمة السحاب تارة وبضوء الشمس أخرى ويغير الليل بظلمة السحاب تارة وبضوء القمر أخرى .


وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)

{ مِّن مَّآءٍ } النطفة ، أو أصل الخلق كله الماء ثم قلب إلى النار فخلق منها الجن وإلى الريح فخلق منها الملائكة وإلى الطين فخلق منه ما خلق { عَلَى بَطْنِهِ } كالحوت والحية { عَلَىَ رِجْلَيْنِ } كالإنسان والطير { عَلَى أَرْبَعٍ } كالأنعام ولم يذكر ما زاد لأنه كالماشي على أربع لأنه يعتمد في مشيته على أربع .


وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48)

{ مُّعْرِضُونَ } كان بين بِشْر المنافق وبين يهودي خصومة فدعاه اليهودي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا بشر إلى كعب بن الأشرف؛ لأن الحق إذا توجه على المنافق دعا إلى غير الرسول صلى الله عليه وسلم [ ليسقط عنه ] وإن كان الحق له حاكم إليه ليستوفيه له فنزلت { وَإِذَا دُعُواْ } .


وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)

{ مُذْعِنِينَ } طائعين ، أو خاضعين ، أو مسرعين ، أو مقرين .


أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)

{ مَّرَضٌ } شرك ، أو نفاق .


قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)

{ مَا حُمِّلَ } من إبلاغكم { مَّا حُمِّلْتُمْ } من طاعته { تَهْتَدُواْ } إلى الحق { الْبَلاغُ } بالقول للطائع وبالسيف للعاصي .


وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)

{ الأَرْضِ } بلاد العرب والعجم ، أو أرض مكة؛ لأن المهاجرين سألوا الله تعالى ذلك { الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } بنو إسرائيل في أرض الشام ، أو داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام { وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ } بإظهاره على كل دين { لا يُشْرِكُونَ } لا يعبدون إلهاً غيري ، أو لا يراؤون بعبادتي ، أو لا يخافون غيري « ع » ، أو لا يحبون غيري . قيل هي في الخلفاء الأربعة . قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « الخلافة بعدي ثلاثون » .


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)

{ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } النساء يستأذن في الأوقات الثلاث خاصة ويستأذن الرجال في جميع الأوقات ، أو العبيد والإماء فيستأذن العبد دون الأمة على سيده في هذه الأوقات ، أو الأمة وحدها؛ لأن العبد يلزمه الاستئذان في كل وقت « ع » ، أو العبد والأمة جميعاً { وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ الْحُلُمَ } الصغار الأحرار فإن كان لا يصف ما رأى فليس من أهل الاستئذان وإن كان يصفه فيستأذن في الأوقات الثلاث ولا يلزمهم الاستئذان فيما وراء الثلاث . وخُصَّت هذه الأوقات لخلوة الرجل فيها بأهله وربما ظهر منه فيها ما يكره أون يرى من جسده . وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عمر رضي الله تعالى عنه وقت القائلة غلاماً من الأنصار فدخل بغير إذن فاستيقظ عمر رضي الله تعالى عنه بسرعة فانكشف منه شيء فرآه الغلام فحزن عمر رضي الله تعالى عنه لذلك وقال : وددت أن الله تعالى بفضله نهى أن يدخل علنيا في هذه الساعات إلا بإذننا فانطلق إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فوجد هذه الآيات قد نزلت فخر ساجداً . { ثَلاثُ عَوْرَاتٍ } لما اشتملت الساعات الثلاث على العورات سماهن عورات إجراءً لعورات الزمان مجرى عورات الأبدان فلذلك خصها بالإذن { لَيْسَ عَلَيْكُمْ } جناح في تبذلكم في هذه الأوقات ، أو في منعهم فيها { وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ } في ترك الاستئذان فيما سواهن . { طَوَّافُونَ عَلَيْكُم } بالخدمة فلم يُحرَّج عليهم في دخول منازلكم ، والطوَّاف : الذي يكثر الدخول والخروج .


وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)

{ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } الرجال أوجب الاستئذان على من بلغ؛ لأنه صار رجلاً .


وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)

{ وَالْقَوَاعِدُ } جمع قاعد قعدت بالكبر عن الحيض والحمل ، أو لأنها تكثر القعود بعد الكبر ، أو لأنها لا تراد فتقعد عن الاستمتاع { لا يَرْجُونَ } لا يردن لأجل كبرهن الرجال ولا يردهن الرجال { ثِيَابَهُنَّ } رداؤها الذي فوق خمارها تضعه إذا سترها باقي ثيابها ، أو خمارها ورداءها { مُتَبَرِّجَاتٍ } مظهرات من زينتهن ما يستدعى النظر إليهن فإنه حرام على القواعد وغيرهن ، وجاز لهن وضع الجلباب لانصراف النفوس عنهن ، وتمنع الشواب من وضع الجلباب ويُؤمرن بلباس أكثف الجلابيب لئلا تصفهن ثيابهن { وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ } تعفف القاعدة من وضع الجلابيب أفضل لها وأولى بها من وضعه وإن كان جائزاً .


لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)

{ لَّيْسَ عَلَى الأَعْمَى } . . . . . إلى { الْمَرِيضِ } كان الأنصار يتحرجون من الأكل مع هولاء إذا دعوا إلى طعام ويقولون الأعمى لا يبصر أطيب الطعام ، والأعرج لا يقدر على الزحام عند الطعام ، والمريض عن مشاركة الصحيح في الطعام ، فكانوا يعزلون طعامهم ، ويرون أنه أفضل من مشاركتهم فنزلت الآية رافعة للحرج في مؤاكلتهم « ع » ، أو كان الأنصار يستخلفون أهل الزَّمانة المذكورين في منازلهم إذا خرجوا للجهاد فكانوا يتحرجون أن يأكلوا منها فرخص لهم أن يأكلوا من بيوت من استخلفهم ، أو نزلت في سقوط الجهاد عنهم « ح » ، أو لا جناح على من دُعي منهم إلى وليمة أن يأخذ معه قائده { بُيُوتِكُمْ } أموال عيالكم وزوجاتكم لأنهم في بيته ، أو أولادكم فنسبت بيوت الأولاد إليهم كقوله : « أنت ومالك لأبيك » ولذلك لم تذكر بيوت الأبناء ، أو البيوت التي أنتم ساكنوها خدمة لأهلها واتصالاً بأربابها كالأهل والخدم { أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ } . . . إلى { خَالاتِكُمْ } أباح الأكل من بيوت هؤلاء إذا كان الطعام مبذولاً غير مُحرز ، فإن مكان مُحرزاً فلا يجوز هتك الحرز ، ولا يتعدى إلى غير المأكول ولا يتجاوز الأكل إلى الادخار { مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ } وكيل الرجل وقَيِّمُه في ضيعته يجوز أن يأكل مما يقوم [ عليه ] من ثمار الضيعة « ع » ، أو يأكل من منزل نفسه ما ادخره ، أو أكله من مال عبده { صَدِيقِكُمْ } في الوليمة خاصة ، أو في الوليمة وغيرها وإذا كان الطعام غير محرز ، والصديق واحد يعبّر به عن الجمع ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « قد جعل الله في الصديق البار عوضاً من الرحم المذمومة » ، والصديق : من صدقك عن مودته ، أو من وافق باطنه باطنك كما يوافق ظاهره ظاهرك ، وما تقدم ذكره محكم لم ينسخ منه شيء ، قاله قتادة : أو نسخ بوقوله تعالى : { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبى } [ الأحزاب : 53 ] وبقوله : « لا يحل مال أمرىء مسلم » الحديث { أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً } كان بنو كنانة في الجاهلية يرى أحدهم أنه يحرم عليه الأكل وحده حتى أن أحدهم ليسوق الذود الحُفَّل وهو جائع حتى يجد من يؤاكله ويشاربه فنزلت فيهم ، أو في قوم من العرب كانوا يتحرجون إذا نزل بهم ضيف أن يتركوه يأكل وحده حتى يأكلوا معه ، أو في قوم تحرجوا من الاجتماع على الأكل ورأوا ذلك دِيناً ، أو في قوم مسافرين اشتركوا في أزوادهم فكان إذا تأخر أحدهم أمسك الباقون حتى يحضر فرخص لهم في الأكل جماعة وفرادى { بُيُوتاً } المساجد ، أو جميع البيوت { عَلَى أَنفُسِكُمْ } إذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أهلكم وعيالكم ، أو المساجد ، فسلموا على من فيها « ع » ، أو بيوت غيركم فسلموا عليهم « ح » ، أو بيوتاً فسلموا على أهل دينكم ، أو بيوتاً فارغة فسلموا على أنفسكم : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أو سلام علينا من ربنا تحية من الله { تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ } السلام اسم من أسماء الله تعالى ، أو التحية بالسلام أمر من أوامره ، أو الرد عليه إذا سلم دعاء له عند الله ، أو الملائكة ترد عليه إذا سلم فيكون ثواباً من عند الله { مُبَارَكَةً } بما فيها من الثواب الجزيل ، أو لما يرجى من قبول دعاء المجيب .


إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)

{ أَمْرٍ جَامِعٍ } الجهاد ، أو طاعة الله ، أو الجمعة ، أو الاستسقاء والعيدان وكل شيء تكون فيه الخطبة { لِّمَن شِئْتَ } على حسب ما ترى من أعذارهم ونياتهم . قيل نزلت في عمر رضي الله تعالى عنه استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أن يرجع إلى أهله ، فأذن له وكان المنافقون إذا استأذنوه نظر إليهم ولم يأذن ، فيقول بعضهم لبعض إن محمداً يزعم أنه بُعث بالعدل وهكذا يصنع بنا { وَاسْتَغْفِرْ } لمن أذنت له لتزول عنه مذمة الانصراف .


لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)

{ لا تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرَّسُولِ } نهى عن التعرض لدعائه بإسخاطه فإن دعاءه يوجب العقوبة وليس كدعاء غيره « ع » ، أو لا تدعونه بالغلظة والجفاء ولكن بالخضوع والتذلل؛ يا رسول الله ، يا نبي الله ، أو لا تتأخروا عن أمره ولا تقعدوا عن استدعائه إلى الجهاد كما يتأخر بعضهم عن أجابة بعض { الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ } المنافقون يتسللون عن صلاة الجمعة يلوذ بعضهم ببعض استتاراً من الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكن أثقل عليهم من الجمعة وحضور الخطبة ، أو كانوا يتسللون في الجهاد برجوعهم عنه يلوذ بعضهم ببعض { لِوَاذاً } فراراً من الجهاد « ح » { يُخَالِفُونَ } يعرضون ، أو « عن » صلة { عَنْ أَمْرِهِ } أمر الله تعالى ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم { فِتْنَةٌ } كفر ، أو عقوبة ، أو بلية تظهر نفاقهم { عَذَابٌ أَلِيمٌ } جهنم ، أو القتل في الدُنيا .


تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)

{ تَبَارَكَ } تفاعل من البركة « ع » ، أو خالق البركة ، أو الذي تجيء منه البركة وهو العلو ، أو الزيادة ، أو العظمة { الْفُرْقَانَ } القرآن؛ لأن فيه بيان الحلال والحرام ، أو الفرقة بين الحق والباطل ، وقيل الفرقان اسم لكل مُنزل { لِيَكُونَ } محمداً صلى الله عليه وسلم أو الفرقان { لِلْعَالَمِينَ } الجن والإنس؛ لأنه أرسل إليهم { نَذِيراً } محذراً من الهلاك ، ولم تعم رسالة نبي قبله إلا نوح عليه الصلاة والسلام فإنه عم الإنس برسالته بَعد الطوفان وقبل الطوفان مذهبان .


وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4)

{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } مشركو مكة ، أو النضر بن الحارث « ع » { إِفْكٌ } كذب اختلقه وأعانه { قَوْمٌ } من اليهود ، أو عبد الله بن الحضرمي ، أو عداس مولى عتبة « وجبر مولى عامر بن الحضرمي » ، أو أبو فكيهة الرومي .


وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7)

{ يَأْكُلُ الطَّعَامَ } أنكروا أن يكون الرسول مثلهم محتاجاً إلى الطعام متبذلاً في الأسواق ، أو ينبغي كما اختص بالرسالة فكذلك يجب أن لا يحتاج إلى الطعام كالملائكة ولا يتبذل في الأسواق كالملوك { أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ } دليلاً على صدقه ، أو وزيراً يرجع إلى رأيه .


أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8)

{ كَنزٌ } ينفق منه على نفسه وأتباعه كأنهم استقلوه لفقره { وَقَالَ الظَّالِمُونَ } مشركو مكة ، أو عبد الله بن الزَّبَعْرَى { مَّسْحُوراً } سُحر فزال عقلُه ، أو سحركم فيما يقوله .


انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9)

{ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ } بما تقدم من قولهم { فَضَلُّواْ } عن الحق في ضربها ، أو فناقضوا في ذلك لأنهم قالوا : افتراه ثم قالوا يُملى عليه { سَبِيلاً } مخرجاً من الأمثال التي ضربوها ، أو سبيلاً لطاعة الله تعالى أو سبيلاً إلى الخير .


وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13)

{ ضَيِّقاً } تضيق جهنم على الكافر كمضيق الزُّج على الرمح { مُّقَرَّنِينَ } مُكَتَّفين ، أو قرن كل واحد منهم إلى شيطانه . { ثُبُوراً } ويلاً أو هلاكاً ، أو وانصرافاه عن طاعة الله كقول الرجل واحسرتاه وانداماه .


لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)

{ مَا يَشَآءُونَ } من النعيم وتُصرف المعاصي عن شهواتهم { وَعْداً مَّسْئُولاً } وعدهم الله الجزاء فسألوه الوفاء فوفى « ع » ، أو يسأله لهم الملائكة فيجابون إلى مَسْألتهم ، أو سألوه في الدنيا أن يرزقهم الجنة فأجابهم .


وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)

{ يَحْشُرُهُمْ } حشر الموت ، أو البعث « ع » { وَمَا يَعْبُدُونَ } عيسى وعُزير والملائكة { فَيَقُولُ } للملائكة ، أو لعيسى وعُزير والملائكة { ءَأَنتُمْ } تقريرٌ لإكذاب المدعين عليهم ذلك .


قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18)

{ مِنْ أَوْلِيَآءَ } نواليهم على عبادتنا ، أو نتخذهم لنا أولياء { مَّتَّعْتَهُمْ } بتأخير العذاب ، أو بطول العمر ، أو بالأموال والأولاد { بُوراً } هلكى ، البوار : الهلاك « ع » ، أو لا خير فيهم ، بارت الأرض : تعطلت من الرزع فلم يكن فيها خير ، أو البوار : الفساد بارت السلعة : كسدت كساداً فاسداً .


فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)

{ فَقَدْ } كذبكم الكفار أيها المؤمنون { بِمَا تَقُولُونَ } من بنوة محمد صلى الله عليه وسلم ، أو كذب الملائكة والرسل الكفار بقولهم إنهم اتخذوهم أولياء من دونه { صَرْفاً } للعذاب عنهم ولا ينصرون أنفسهم ، أو صرف الحجة { وَلا نَصْراً } على آلهتهم في تكذيبهم ، أو صرفك يا محمد عن الحق ولا نصر أنفسهم من عذاب التكذيب ، أو الصرف : الحلية من قولهم إنه ليتصرف أي يحتال ، وفي الحديث : « لا يقبل منه صرف أي نافلة ولا عدل أي فريضة » ، أو الصرف : الدية والعدل : القود .


وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)

{ فِتْنَةً } اختباراً يقول الفقير لو شاء لجعلني غنياً مثل فلان وكذلك يقول الأعمى والسقيم للبصير ، والسليم ، أو العداوات في الدين ، أو صبر الأنبياء على تكذيب قومهم ، أو لما أسلم بلال وعمار وصهيب وأبو ذر وعامر بن فهيرة وسالم مولى أبي حذيفة وغيرهم من الفقراء والموالي قال : المستهزئون من قريش انظروا إلى أتباع محمد من فقرائنا وموالينا فنزلت ، والفتنة : البلاء ، أو الاختبار { أَتَصْبِرُونَ } على ما امتُحنتم به من الفتنة تقديره أم لا تَصْبرون . { بَصِيراً } بمن يجزع .


وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21)

{ لا يَرْجُونَ } لا يخافون ، أو لا يأملون ، أو لا يبالون { الْمَلائِكَةُ } ليخبرونا بنبوة محمد ، أو رسلاً بدلاً من رسالته { اسْتَكْبَرُواْ } باقتراحهم رؤية ربهم ونزول الملائكة ، أو بإنكارهم إرسالَ محمد صلى الله عليه وسلم إليهم { عُتُوّاً } تجبراً ، أو عصياناً ، أو سرفاً في الظلم ، أو غلواً في القول ، أو شدة الكفر « ع » ، نزلت في عبد الله بن أبي أمية ومكرز بن حفص في جماعة من قريش قالوا : لولا أنزل علينا الملائكة ، أو نرى ربنا .


يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)

{ يَوْمَ يَرَوْنَ } يوم الموت ، أو القيامة { لا بُشْرَى } للمجرمين بالجنة { وَيَقُولُونَ } الملائكة للكفار ، أو الكفار لأنفسهم { حِجْراً مَّحْجُوراً } معاذ الله أن تكون لكم البشرى ، أو حراماً محرماً أن تكون لكم البشرى ، أو منعنا أن يصل إلينا شيء من الخير .


وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)

{ وَقَدِمْنَآ } عمدنا { مِنْ عَمَلٍ } خير فأحبطناه بالكفر ، أو عمل صالح لا يراد به وجه الله . { هَبَآءً } رَهَج الدواب « غبار يسطع من تحت حوافرها » ، أو كالغبار يكون في شعاع الشمس إذا طلعت في كوة ، أو ما ذرته الريح من أرواق الشجر ، أو الماء المهراق « ع » أو الرماد .


أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)

{ وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } المستقر في الجنة ، والمقيل دونها ، أو عبّر به عن الدعة وإن لم يقيلوا ، أو مقيلهم الجنة على الأسرة مع الحور ، ومقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين « ع » ، أو يفرغ من حسابهم وقت القائلة وهو نصف النهار .


وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25)

{ بِالْغَمَامِ } المعهُود لأنه لا يبقى بعد انشقاق السماء ، أو غمام أبيض يكون في السماء ينزله الله تعالى على الأنبياء فيشقق السماء فيخرج منها { وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ } ليبشروا المؤمن بالجنة والكافر بالنار ، أو ليكون مع كل نفس سائق وشهيد .


وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)

{ الظَّالِمُ } قيل عقبة بن أبي مُعيط { سَبِيلاً } طريقاً إلى النجاة أو بطاعة الله ، أو وسيلة عند الرسول صلى الله عليه وسلم تكون صلة إليه .


يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)

{ فُلاناً } لا يثنى ولا يجمع . وهو هنا الشيطان ، أو أُبي بن خلف ، أو أمية بن خلف كان خليلاً لعقبة وكان عقبة يغشى مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : أمية بلغني أنك صبوت إلى دين محمد ، فقال : ما صبوت فقال : وجهي من وجهك حرام حتى تأتيه فتتفل في وجهه وتبرأ منه ، فأتاه عقبة وتفل في وجهه وتبرأ منه فاشتد ذلك على الرسول صلى الله عليه سلم فنزلت .


وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)

{ مَهْجُوراً } أعرضوا عنه ، أو قالوا : فيه هُجراً وقبيحاً ، أو جعلوه هجراً من الكلام وهو ما لا فائدة فيه كالبعث والهذيان .


وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32)

{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } قريش ، أو اليهود : هلا نُزل القرآن جملة واحدة كالتوراة { لِنُثَبِّتَ } لنشجع به قلبك؛ لأنه معجزة تدل على صدقك ، أو أنزلناه متفرقاً لنثبت به فؤادك؛ لأنه أُمي لا يقرأ فنزل مفرقاً ليكون أثبت في فؤاده وأعلق بقلبه ، أو ليثبت فؤاده باتصال الوحي فلا يصير بانقطاعه مستوحشاً { وَرَتَّلْنَاهُ } رسلناه شيئاً بعد شيء « ع » ، أو فرقناه ، أو فصلناه ، أو فسرناه ، أو بيناه « ع » .


وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38)

{ الرَّسِّ } المعدن ، أو قرية من قرى اليمامة يقال : لها الفلج من ثمود ، أو ما بين نجران واليمن إلى حضرموت ، أو بئر بأذربيجان « ع » ، أو بأنطاكية الشام قتل بها صاحب ياسين ، أو كل بئر لم تُطْو فهي رس . وأصحابها قوم شعيب ، أو قوم رسو نبيهم في بئر ، أو قوم نزلوا على بئر وكانوا يعبدون الأوثان فلا يظفرون بأحد يخالف دينهم إلا قتلوه وَرَسُّوه فيها وكان الرسل بالشام ، أو قوم أكلوا نبيهم .


وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40)

{ الْقَرْيَةِ } سدوم . و { مَطَرَ السَّوْءِ } الحجارة . { يَرَوْنَهَا } يعتبرون بها { لا يَرْجُونَ } لا يخافون بعثاً .


أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)

{ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } قوم كانوا يعبدون ما يستحسنونه من الحجارة فإذا رأوا أحسن منه عبدوه وتركوا الأول « ع » ، أو الحارث بن قيس كان إذا هوى شيئاً عبده ، أو التابع هواه في كل ما دعاه إليه « ح » .
{ وَكِيلاً } ناصراً ، أو حفيظاً ، أو كفيلاً أو مسيطراً .


أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45)

{ مَدَّ } بسط { الظِّلَّ } الليل يظل الأرض يدْبر بطلوع الشمس ويقْبل بغروبها ، أو ظلال النهار بما حجب عن شعاع الشمس ، والظل ما قبل الزوال والفيء بعده ، أو الظل : قبل طلوع الشمس والفيء بعد طلوعها . { سَاكِناً } دائماً . { دَلِيلاً } برهاناً على الظل ، أو تالياً يتبعه حتى يأتي عليه كله « .


ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46)

{ قَبَضْنَاهُ } قبضنا الظل بطلوع الشمس ، أو بغروبها . { يَسِيراً } سريعاً « ع » ، أو سهلاً ، أو خفياً .


وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47)

{ لِبَاساً } غطاء كاللباس . { سُبَاتاً } راحة لقطع العمل فيه ، أو لأنه مسبوت فيه كالميت لا يعقل . { نُشُوراً } باليقظة كالنشور بالبعث ، أو ينتشر فيه للمعاش .


وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48)

{ الرِّيَاحَ } قال أُبي بن كعب : كل شيء من ذكر الرياح في القرآن فهو رحمة وكل شيء من الريح فهو عذاب ، قيل لأن الرياح جمع وهي الجنوب والشمال والصبا لأنها لواقح ، والعذاب ريح واحدة ، وهي الدَّبور؛ لأنها لا تُلقح . { نشراً } تنشر السحاب ليمطر ، أو تحيي الخلق كما يحيون بالنشور . { بشراً } لتبشيرها بالمطر ، أو لأنهم يستبشرون بالمطر . { رَحْمَتِهِ } بالمطر .


لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49)

{ بَلْدَةً مَّيْتاً } لا عمارة بها ولا زرع وإحياؤها إنبات زرعها وشجرها { وَأَنَاسِىَّ } جمع إنسان ، أو جمع إنسي .


وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50)

{ صَرَّفْنَاهُ } الفرقان ، أو المطر . قسمة بينهم فلا يدوم على مكان فيهلك ، ولا ينقطع عن آخر فيفسد ، أو يصرفه في كل عام من مكان إلى مكان ، قال ابن عباس . رضي الله تعالى عنهما : ليس عام بأمطر من عام ولكن الله تعالى يصرفه بين عباده { كُفُوراً } قولهم : مطرنا بالأنواء .


فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)

{ فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ } في تعظيم آلهتهم ، أو موادعتهم { وَجَاهِدْهُمْ بِهِ } بالقرآن أو الإسلام . { كَبِيراً } بالسيف ، أو الغلظة .


وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53)

{ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ } أرسل أحدهما في الآخر ، أو خلاهما مرجت الشيء خليته ، ومرج الوالي الناس تركهم ، ومرجت الدابة تركتها ترعى ، فهما بحر السماء وبحر الأرض ، أو بحر فارس والروم ، أو بحر العذب وبحر الملح . { فُرَاتٌ } عذب أو أعذب العذب { أُجَاجٌ } ملح ، أو أملح الملح ، أو مر ، أو حار متوهج من تأجج النار { بَرْزَخاً } حاجزاً من اليبس « ح » أو التخوم ، أو الأجل ما بين الدنيا والآخرة . { وَحِجْراً } مانعاً أن يختلط العذب بالمالح .


وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54)

{ نَسَباً } كل من ناسب بولد أو والد وكل شيء أضيف إلى آخر ليعرف به فهو يناسبه . { وَصِهْراً } الرضاع ، أو المناكح ، أو النسب ما لا يحل نكاحه من قريب وغيره والصهر ما يحل نكاحه من قريب وغيره ، أصل الصهر الملاصقة ، أو الاختلاط لاختلاط الناس بها .


وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55)

{ عَلَى رَبِّهِ } أولياء ربه . { ظَهِيراً } عوناً ، أو الكافر هين على الله ، ظهر فلان بحاجتي استهان بها ، منه { وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً } [ هود : 92 ] قيل نزلت : في أبي جهل .


وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)

{ قَالُواْ وَمَا الرَّحْمَنُ } لم تكن العرب تعرف هذا الاسم لله تعالى فلما دعوا إلى السجود له بهذا الاسم سألوا عنه مسألة الجاهل ، أو لأن مسيلمة يُسمى بالرحمن فلما سمعوه في القرآن ظنوه مسيلمة فأنكروا السجود له ، أو ورد في قوم لا يعرفون الصانع ولا يقرون فلما دعوا إلى السجود أزدادوا نفوراً على نفورهم وإلا فالعرب كانت تعرف الرحمن قبل ذلك .


تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)

{ بُرُوجاً } نجوماً عظاماً أو قصوراً فيها الحرس ، أو مواضع الكواكب ، أو منازل الشمس . { سِرَاجاً } الشمس . سُرُجاً : النجوم ، وسمى الشمس سراجاً لاقتران نورها بالحرارة كالسراج ، وسمى القمر بالنور لعدم ذلك فيه .


وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)

{ خِلْفَةً } ما فات في أحدهما قضي في الآخر ، أو يختلفان ببياض أحدهما وسواد الآخر ، أو يخلف كل واحد منهما الآخر بالتعاقب . { يَذَّكَّرَ } يصلي بالليل صلاة النهار ، وبالنهار صلاة الليل . { شُكُوراً } النافلة بعد الفرض قيل نزلت في عمر رضي الله تعالى عنه .


وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)

{ هَوْناً } علماء حلماء « ع » ، أو أعفاء أتقياء ، أو بالسكينة والوقار ، أو متواضعين غير متكبرين { الْجَاهِلُونَ } الكفار ، أو السفهاء ، { سَلاماً } سداداً ، أو طلباً للمسالمة ، أو وعليك السلام .


وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)

{ غَرَاماً } غراماً ملازماً ، والغريم لملازمته ، أو شديداً وشدة المحنة غرام ، أو ثقيلاً . مغرمون : مثقلون ، أو أغرموا بنعيم الدنيا عذاب النار .


وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)

{ يُسْرِفُواْ } النفقة في المعاصي « ع » ، أو لم يكثروا حتى يقول الناس قد أسرفوا ، أو لا يأكلون الطعام لإرادة النعيم ولا يلبسون الثياب للجمال وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . كانت قلوبهم كقلب رجل واحد ، أو لم ينفقوا نفقة في غ ير حقها . { يَقْتُرُواْ } يمنعوا حق الله « ع » ، أو لا يجيعهم ولا يعريهم ، أو لم يمسكوا عن طاعة الله تعالى ، أو لم يقتصروا في الحق . قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « من منع في حق فقد أقتر ومن أعطى في غير حق فقد أسرف » { قَوَاماً } عدلاً ، أو إخراج شطر الأموال في الطاعة ، أو ينفق في الطاعة ويكف عن محارم الله تعالى . والقوام بالفتح الاستقامة والعدل ، وبالكسر ما يدوم عليه الأمر ويستقر .


وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)

{ إِلا بالْحَقِّ } كفر بعد الإيمان ، أو زنا بعد أحصان ، أو قتل نفس بغير نفس . { أَثَاماً } عقوبة ، أو جزاء ، أو اسم وادٍ في جهنم .


يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)

{ يُضَاعَفْ } عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، أو يجمع له بين عقوبات الكبائر التي فعلها ، أو استدامة العذاب بالخلود .


إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)

{ مَن تَابَ } من الزنا { وَءَامَنَ } من الشرك وعمل صالحاً بعد السيئات . { حَسَنَاتٍ } يبدلون في الدنيا بالشرك إيماناً وبالزنا إحصاناً ، وذكر الله تعالى بعد نسيانه وطاعته بعد عصيانه ، أو في الآخرة من غلبت سيئاتُه حسناتِه بُدلت سيئاته حسنات ، أو يبدل عقاب سيئاته إذا تاب منها بثواب حسناته التي انتقل إليها . { غَفُوراً } لما سبق على التوبة . { رَّحِيماً } بعدها . لما قتل وحشي حمزة كتب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم . هل لي من توبة فإن الله تعالى أنزل بمكة إياسي من كل خير . { والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله } الآية [ الفرقان : 68 ] وأن وحشياً قد زنا وأشرك وقتل النفس فأنزل الله تعالى : { إلا مَن تَابَ } من الزنا وآمن بعد الشرك وعمل صالحاً بعد السيئات الآية . فكتب بها الرسول صلى الله عليه وسلم إليه فقال : هذا شرط شديد ولعلي لا أبقى بعد التوبة حتى أعمل صالحاً . فكتب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هل من شيء أوسع من هذا . فنزلت { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } الآية [ النساء : 48 ] فكتب بها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى وحشي فقال : إني أخاف أن لا أكون من مشيئة الله فنزل في وحشي وأصحابه { قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ } الآية [ الزمر : 53 ] فبعث بها إلى وحشي فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم فأسلم .


وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)

{ الزُّورَ } الشرك بالله ، أو أعياد أهل الذمة وهو الشعانين ، أو الغناء ، أو مجالس الخنا ، أو لعب كان الجاهلية ، أو الكذب ، أو مجلس كان النبي صلى الله عليه وسلم يُشتم فيه . { بِاللَّغْوِ } كان المشركون إذا سبوهم وأذوهم أعرضوا عنهم وإذا ذكروا النكاح كفوا عنه ، ويكنون عن الفروج إذا ذكروها ، أو إذا مروا بإفك المشركين أنكروه ، أو المعاصي كلها ومرورهم بها { كِرَاماً } تركها والإعراض عنها .


وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)

{ لَمْ يَخِرُّواْ } لم يقيموا ، أو لم يتغافلوا . { صُمّاً وَعُمْيَاناً } لكنهم سمعوا الوعظ وأبصروا الرشد .


وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)

{ مَنْ أَزْوَاجِنَا } اجعل أزواجنا وذريتنا قرة أعين أو ارزقنا من أزواجنا أولاداً ومن ذريتنا أعقاباً ، وقرة العين : أن تصادف العين ما يرضيها فتقر على النظر إليه دون غيره ، أو القر البرد معناه بَرَّدَ الله دمعها ، دمع السرور بارد ، ودمع الحزن حار ، وضد قرة العين سخنة العين . { قُرَّةَ [ أَعْيُنٍ ] } أهل طاعة تقر أعيننا في الدنيا بصلاحهم وفي الآخرة بالجنة { إِمَاماً } أئمة هدى يهتدى بنا « ع » ، أو نأتم بمن قبلنا حتى يأتم بنا من بعدنا ، أو أمثالاً ، أو قادة إلى الجنة ، أو رضاً .


أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)

{ الْغُرْفَةَ } الجنةٍ ، أو أعلى منازل الجنة { صَبَرُواْ } على الطاعة ، أو عن شهوات الدنيا . { تَحِيَّةً } بقاء دائماً ، أو ملكاً عظيماً . { وَسَلاماً } جميع السلامة والخير ، أو يحيي بعضهم بعضاً بالسلام .


قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)

{ مَا يَعْبَؤُاْ } ما يصنع ، أو ما يبالي بكم . { دُعَآؤُكُمْ } عبادتكم له وإيمانكم به ، أو لولا دعاؤه لكم إلى الطاعة . { لِزَاماً } القتل ببدر أو عذاب القيامة ، أو الموت ، أو لزوم الحجة لهم في الآخرة على تكذيبهم في الدنيا . وأظهر الوجوه أن اللزام الجزاء للزومه .


طسم (1)

{ طسم } اسم الله تعالى أقسم به جوابه { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ } [ الشعراء : 4 ] « ع » ، أو اسم للقرآن ، أو من الفواتح التي افتتح بها كتابه ، أو حروف من أسماء الله تعالى وصفاته مقطعة الطاء من طَوْل ، أو طاهر ، والسين من قدوس أو سميع ، أو سلام . والميم من مجيد ، أو رحيم أو ملك .


لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)

{ بَاخِعٌ } قاتل أو مخرج ، والبخع القتل .


إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)

{ ءَايَةً } مَا عَظُم من الأمور القاهرة ، أو ما ظهر من الدلائل الواضحة { أَعْنَاقُهُمْ } لا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية ، أو أراد أصحاب الأعناق ، أو الأعناق الرؤساء ، أو العنق الجماعة من الناس ، أتاني عنق من الناس أي جماعة .


أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7)

{ زَوْجٍ } نوع معه قرينه من أبيض وأحمر وحلو وحامض { كَرِيمٍ } حسن ، أو مما يأكل الناس والأنعام ، أو النافع المحمود ، أو الناس نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم قاله الشعبي ، { والله أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً } [ نوح : 17 ] .


وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13)

{ وَيَضِيقُ صَدْرِى } لتكذيبهم ، أو للضعف عن إبلاغ الرسالة . { وَلا يَنطَلِقُ لِسَانِى } من مهابته ، أو للعقدة التي كانت به .


وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14)

{ وَلَهُمْ عَلَىَّ } عندي ذنب ، أو عقوبة ذنب هو قتل النفس .


فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16)

{ رَسُولُ } بمعنى رَسُولاً ، أو كل واحد منا رسول ، أو إنا رسالة ومنه :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وما أرسلتهم برسول


قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18)

{ وَلَبِثْتَ فِينَا } لأنه كان لقيطاً في داره « لبث فيهم ثلاثين سنة » وغاب عنهم عشر سنين ، ثم دعاه ثلاثين سنة ، وعاش بعد غرقه خمسين سنة . ذكر ذلك امتناناً عليه .


وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)

{ فَعْلَتَكَ } قتل النفس { مِنَ الْكَافِرِينَ } أي على ديننا الذي تقول أنه كفر ، أو من الكافرين لإحساني إليك .


قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20)

{ الضَّآلِّينَ } الجاهلين لأنه لم يعلم أنها تبلغ النفس ، أو من الضالين عن النبوة ، أو من الناسين كقوله { أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا } [ البقرة : 282 ] .


وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)

{ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ } اتخاذك بني إسرائيل عبيداً قد أحبط نعمتك التي تمن عليَّ بها ، أو لما ظلمت بني إسرائيل ولم تظلمني اعتددت بذلك نعمة تمن بها عليَّ ، أو لم يكن لفرعون على موسى نعمة وإنما رباه بنو إسرائيل بأمر فرعون لاستبعاده لهم فأبطل موسى نعمته لبطلان استرقاقه ، أو أنفق فرعون على تربية موسى من أموال بني إسرائيل التي أخذها منهم لما استعبدهم فأبطل موسى نعمته وأبطل منته لأنها أموال بني إسرائيل لا أموال فرعون « ح » والتعبيد الحبس والإذلال والاسترقاق لما فيه من الذل .


فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32)

{ ثُعْبَانٌ } الحية الذكر ، أو أعظم الحيات ، أو أعظم الحيات الصفر شعر العنق . { مُّبِينٌ } أنها ثعبان ، أو أنها آية وبرهان ، قيل كان اجتماعهم بالإسكندرية . قيل كان السحرة أثني عشر ألفاً ، أو ستعة عشر ألفاً .


يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35)

{ تَأْمُرُونَ } تشيرون .


قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36)

{ أَرْجِهْ } أخره ، أو أحبسه . ولم يأمروا بقتله لأنهم رأوا منه ما بهر عقولهم فخافوا الهلاك من قِبله ، أو صرفوا عن ذلك تأييداً للدين وعصمة لموسى عليه الصلاة والسلام ، أو خافوا أن يفتن الناس بما شاهدوا منه ورجوا أن يغلبه السحرة .


إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54)

{ لَشِرْذِمَةٌ } : سفلة الناس ، أو العصبة الباقية من « عصب كبيرة »؛ شرذمة كل شيء بقيته القليلة ، والقميص إذا أخلق شراذم ، وما قطع من فضول النعال حتى تحذي شراذم . وكان عدد بني إسرائيل لما قال ذلك ستمائة ألف وتسعين ألفاً ، أو ستمائة وعشرين ألفاً لا يعدون ابن عشرين لصغره ولا ابن ستين لكبره ، أو ستمائة ألف مقاتل ، أو خمسمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة مقاتل واستقل هذا العدد لكثرة من قَتَل منهم ، أو لكثرة من معه ، كان على مقدمته هامان في ألف ألف وتسعمائة ألف حصان أشهب ليس فيها أنثى ، أو كانوا سبعة ألاف ألف .


وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)

{ لَغَآئِظُونَ } لأنهم استعاروا حُلِي القبط وذهبوا به مغايظة لهم ، أو لقتلهم أبكارهم وهربهم منهم ، أو بخلاصهم من رقهم واستخدامهم .


وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)

{ حَاذِرُونَ } وحاذرون واحد ، أو الحَذِر الخائف والحاذر المستعد أو الحذر المطبوع على الحذر والحاذر فاعل الحذر ، أو الحذر المتيقظ والحاذر آخِذُ السلاح لأن السلاح حذر .


وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58)

{ وَكُنُوزٍ } الخزائن ، أو الدفائن ، أو الأنهار { وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } المنابر « ع » أو مجالس الأمراء ، أو المنازل الحسان ، أو مرابط الخيل لتفرد الزعماء بارتباطها عدة وزينة .


فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)

{ مًّشْرِقينَ } حين أشرقت الشمس بالشعاع ، أو أشرقت الأرض بالضياء ، أو ناحية الشرق شرقت الشمس : طلعت وأشرقت : أضاءت . وتأخر فرعون وقومه عنهم لاشتغالهم بدفن أبكارهم لأن الوباء تلك الليلة وقع فيهم ، أو لأن سحابة أظلتهم فخافوها حتى أصبحوا فانقشعت عنهم .


فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)

{ لَمُدْرَكُونَ } ملحوقون لأنهم رأوا فرعون وراءهم والبحر أمامهم .


قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)

{ كَلآ } زجر وردع { سَيَهْدِينِ } إلى الطريق ، أو سيكفيني .


فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)

{ فَانفَلَقَ } أثني عشر طريقاً لكل سبط طريق عرض كل طريق فرسخان وكان ذلك ضحوة النهار يوم الأثنين عاشر المحرم بعد أربع ساعات من النهار . والبحر بحر النيل ما بين أيلة ومصر ، وقطعوه في ساعتين فصار ست ساعات { كَالطَّوْدِ } كالجبل .


وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64)

{ وَأَزْلَفْنَا } قربنا فرعون وقومه إلى البحر « ع » ، أو جمعنا فرعون وقومه في البحر .


الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)

{ خَلَقَنِى } بنعمته { فَهْوَ يَهْدِينِ } لطاعته ، أو خلقني لطاعته فهو يهدين لجنته .


رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83)

{ حُكْماً } لُبّاً ، أو علماً ، أو نبوة ، أو القرآن { بِالصَّالِحِينَ } الأنبياء والمؤمنين .


وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)

{ لِسَانَ صِدْقٍ } ثناء حسناً من الأمم كلها ، أو أن يؤمن به أهل كل ملة ، أو يجعل من ولده من يقوم بالحق بعده .


وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86)

{ لأَبِى } كان يُسِِر الإيمان ويظهر الكفر فيصح اسغفاره له . والأظهر أنه كان كافراً في الباطن أيضاً فسأل أن يغفر له في الدنيا ولا يعاقبه فيها أو يغفر له جنايته عليه التي تسقط بعفوه .


إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)

{ سَلِيمٍ } من الشك ، أو الشرك « ح » أو المعاصي ، أو مخلص ، أو ناصح لله تعالى في خلقه .


فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94)

{ فَكُبْكِبُواْ } جمعوا في النار ، أو طرحوا فيها على وجوههم ، أو نكسوا فيها على رؤوسهم ، أو قلب بعضهم على بعض ، { هُمْ } يعني الآلهه .
{ وَالْغَاوُنَ } المشركون ، أو الشياطين .


وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)

{ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ } أعوانه من الجن أو أتباعه من الإنس .


فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100)

{ شَافِعِينَ } من الملائكة ، أو الناس .


وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)

{ حَمِيمٍ } شفيق ، أو قريب نسيب ، حُم الشيء قرب والحمى لتقريبها من الأجل . قال الشاعر :
لعل لبنى اليوم حُم لقاؤها ... ببعض بلاد إنَّ ما حُم واقع
أو سمي القريب حميماً من الحمية لأنه يحمى لغضب صاحبه ، ذهبت يومئذ مودة الصديق ورقة الحميم .


قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111)

{ الأَرْذَلُونَ } الذي يسألون ولا يقنعون ، أو المتكبرون ، أو السفلة ، أو الحاكة ، أو الأساكفة .


قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116)

{ الْمَرْجُومِينَ } بالحجارة ، أو بالشتم ، أو القتل .


فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)

{ فَافْتَحْ } فاقض ولم يدع عليهم إلا بعد ما قيل له { لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } [ هود : 36 ] .


أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128)

{ رِيعٍ } طريق ، أو الثنية الصغيرة ، أو السوق ، أو الفج بين الجبلين ، أو الجبال ، أو المكان المشرف من الأرض « ع » { ءَايَةً } بنياناً ، أو أعلاماً « ع » أو أبراج الحمام . { تَعْبَثُونَ } باللهو واللعب ، أو عبث العشارين بأموال من يمرُّ بهم .


وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)

{ مَصَانِعَ } قصوراً مشيدة ، أو مآخذ الماء تحت الأرض ، أو أبراج الحمام . { لَعَلَّكُمْ } كأنكم تخلدون وهي كذلك في بعض القراءات .


وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)

{ جَبَّارِينَ } أقوياء « ع » أو بضرب السياط ، أو القتل بالسيف في غير حق ، أو القتل على الغضب .


إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137)

{ خُلُقُ الأَوَّلِينَ } دينهم أو كذبهم ، أو عادتهم ، أو كان الأولون يموتون فلا يبعثون ولا يحاسبون .


وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148)

{ هَضِيمٌ } رطب لين « ع » ، أو المذنَّب من الرطب ، أو ما لا نوى له « ح » أو المتهشم المتفتت ، أو الملاصق بعضه ببعض ، أو الطلع حين يتفرق ويخضر أو اليانع النضيج « ع » أو المكتنز قبل أن ينشق عنه القشر ، أو الرخو ، أو اللطيف ، والطلع من الطلوع وهو الظهور ، ومنه طلعت الشمس والقمر .


وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)

{ فَرهين } شرهين أو معجبين ، أو آمنين ، أو فرحين ، أو بطرين أشرين « ع » ، أو متخيرين { فَارِهينَ } كيسين ، أو حاذقين من فراهة الصنعة « ع » ، أو قادرين ، أو جمع فاره وهو المرح .


قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153)

{ الْمُسَحَّرِينَ } المسحورين ، أو الساحرين ، أو المخلوقين « ع » ، أو المخدوعين ، أو الذي ليس له شيء ولا ملك ، أو ممن له سَحَر وهو الرئة ، أو ممن يأكل ويشرب .


وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182)

{ بِالْقِسْطَاسِ } القبان « ح » ، أو الحديد ، أو المعيار ، أو الميزان ، أو العدل بالرومية ، أو بالعربية من القسط وهو العدل .


وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)

{ وَلا تَعْثَوْا } لا تمشوا فيها بالمعاصي ، أو بالظلم .


وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)

{ وَالْجِبِلَّةَ } الخليقة . قال امرؤ القيس :
والموت أكبر حادث ... مما يمر على الجبلة


فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187)

{ كِسَفاً } جانباً ، أو قطعاً ، أو عذباً .


نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)

{ الرُّوحُ الأَمِينُ } جبريل عليه السلام .


بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)

{ عَرَبِىٍّ مُّبِينٍ } لسان جُرْهم ، أو قريش .


وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)

{ وَإِنَّهُ } ذكر القرآن ، أو ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وصفته ، أو ذكر دينه وصفته أمته . { لَفِى زُبُرِ الأَوَّلِينَ } التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب .


كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200)

{ سَلَكْنَاهُ } أدخلنا الشرك ، أو التكذيب ، أو القسوة في قلوب المجرمين .


إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)

{ عَنِ السَّمْعِ } عن سمع القرآن لمصروفون ، أو عن فهمه وإن سمعوه ، أو عن العمل به وإن فهموه .


الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218)

{ حِينَ تَقُومُ } في الصلاة « ع » ، أو من فراشك ومجلسك ، أو قائماً وجالساً وعلى حالتك ، أو حين تخلو عبّر بالقيام عن الخلوة لوصوله إليها بالقيام عن ضدها .


وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)

{ فِى السَّاجِدِينَ } من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبياً « ع » ، أو تقلبك في سجود صلاتك وركوعها ، أو ترى بقلبك في صلاتك من خلفك كما ترى بعينك من قدامك ، أو تصرفك في الناس ، أو تقلب ذكرك وصفتك على ألسنة الأنبياء قبلك ، أو حين تقوم إلى الصلاة منفرداً وتقلبك في الساجدين إذا صليت جماعة ، قاله قتادة .


وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)

{ وَالشُّعَرَآءُ } يعني الذين إذا غضبوا سَبُّوا ، وإذا قالوا كذبوا { يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُنَ } الشياطين ، أو المشركون ، أو السفهاء ، أو الرواة « ع » .


أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225)

{ وَادٍ يَهِيمُونَ } في كل فن من الكلام يأخذون « ع » ، أو في كل لغو يخوضون ، أو يمدحون قوماً بباطل ، ويذمون قوماً بباطل ، والهائم المخالف في القصد ، أو المجاوز للحد .


وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226)

{ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ } من كذب في شعرهم بمدح ، أو ذم ، أو تشبيه ، أو تشبيب .


إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)

{ إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ } فإنه لا يتبعهم الغاوون ، ولا يقولون ما لا يفعلون . ولما نزلت { وَالشُّعَرَآءُ } جاء عبد الله بن رواحة وكعب من مالك وكنا عند الرسول صلى الله عليه وسلم وقالا هلكنا يا رسول الله فنزلت { إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ } . فقرأها عليهم ، وقال : أنتم هم { وَذَكَرُواْ اللَّهَ } في شعرهم ، أو في كلامهم ، { وَانتَصَرُواْ } بردهم على المشركين ما هجوا به المسلمين { مُنقَلَبٍ } مصير يصيرون إليه من النار والعذاب ، والمنقلب الانتقال إلى ضد ما هو فيه ، والمرجع العود من حال هو عليها إلى حال كان فيها .


طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1)

{ تِلْكَ } أي هذه آيات القرآن وآيات الكتاب والإشارة بتلك عائد إلى السورة ، أو إلى الحروف التي هي { طس } . المبين حلاله وحرامه وأمره ونهيه ووعده ووعيده .


هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)

{ هُدىً } إلى الجنة { وَبُشْرى } بالثواب ، أو هدى من الضلالة وبشرى بالجنة .


الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3)

{ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ } المفروضة باستيفاء فروضها وسننها « ع » ، أو بالمحافظة على مواقيتها . { الزَّكَاةَ } زكاة المال ، أو زكاة الفطر ، أو طاعة الله تعالى والإخلاص ، أو تطهير أجسادهم من دنس المعاصي « ع » .


إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)

{ يَعْمَهُونَ } يترددون « ع » ، أو يتمادون ، أو يلعبون ، أو يتحيرون « ح » .


وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)

{ لَتُلَقَّى } لتأخذ ، أو لتؤتى ، أو لتلقن ، أو لتلقف . { حَكِيمٍ } في أمره . { عَلِيمٍ } بخلقه .


إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)

{ ءَانَسْتُ } رأيتُ ، أو أحْسَسْتُ ، الإيناس : الإحساس من جهة يؤنس بها . { بِخَبْرٍ } بخبر الطريق لأنه كان ضلها « ع » ، أو سأخبركم عنها بعلم . { بِشهَابٍ } الشعاع المضيء ومنه شهب السماء . { قَبَسٍ } قطعة من نار ، اقتبس النار أخذ قطعة منها ، واقتبس العلم لاستضاءته به كما يستضيء بالنار { لَّعَلَّكُمْ } لكي تصطلوا من البرد وكان شتاء .


فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)

{ جَآءَهَا } جاء النور الذي ظنه ناراً وقف قريباً منها فوجدها تخرج من شجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها العليق ، لا تزداد النار إلا تضرماً ولا تزاد الشجرة إلا خضرة وحسناً { بُورِكَ } قُدِس « ع » ، أو تبارك ، أو البركة في النار . { النَّارِ } نار فيها نور ، أو نور لا نار فيه عند الجمهور { مَن فِى النَّارِ } مَنْ : صلة تقديره بوركت النار ، أو بورك النور الذي في النار ، أو بورك الله الذي في النور أو الملائكة ، أو الشجرة لأن النار اشتعلت فيها وهي خضراء لا تحترق . { وَمَنْ حَوْلَهَا } الملائكة ، أو موسى عليه الصلاة والسلام . { وَسُبْحَانَ اللَّهِ } من كلام الله تعالى لموسى ، أو قاله موسى لما سمع الكلام وفزع استعانة بالله تعالى وتنزيهاً له ، وسمع موسى كلام الله تعالى من السماء عند الشجرة وحكى النقاش أن الله تعالى خلق في الشجرة كلاماً حتى خرج منه فسمعه موسى عليه الصلاة والسلام ولا خبر فيما ذكره من ذلك . قال وهب لم يمس موسى عليه الصلاة والسلام امرأة بعد ما كلمه ربه .


وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)

{ جَآنٌّ } الحية الصغيرة سميت بذلك لاختفائها واستتارها ، أو الشيطان لأنهم يشبهون كل ما استهولوه بالشياطين لقوله : { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين } [ الصافات : 65 ] وقد كان انقلابها إلى أعظم الحيات وهي الثعبان .
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ولما توجه إلى مدين أعطاه العصا ملك من الملائكة . { وَلَمْ يُعَقِّبْ } لم يرجع ، أو لم ينتظر ، أو لم يلتفت . { لا يَخَافُ لَدَىَّ } أي لا يخافون في الموضع الذي يوحى إليهم فيه وإلا فهم أخوف الخلق لله تعالى .


إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11)

{ إِلا مَن ظَلَمَ } من غير المرسلين فيكون الاستثناء منقطعاً ، أو أراد آدم ظَلَم نفسه بأكل الشجرة ، أو يخافون مما كان منهم قبل النبوة كقتل موسى للقبطي ، أو يخافون من الصغائر بعد النبوة لأنهم غير معصومين منها .


وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)

{ عِلْماً } فهماً ، أو قضاء ، أو علم الدين ، أو منطق الطير ، أو بسم الله الرحمن الرحيم ، أو صنعة الكيمياء . وهو شاذ { فَضَّلَنَا } بالنبوة ، أو الملك ، أو العلم .


وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)

{ وَوَرِثَ سُلَيْمانُ } نبوة داود وملكه ، أو سخر له الشياطين والرياح ، أو استخلفه في حياته على بني إسرائيل فسمي ذلك وراثة ، وكان لداود تسعة عشر أبناً .


وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)

{ يُوزَعُونَ } يساقون ، أو يدفعون ، أو يدفع أخراهم ويوقف أولاهم ، أو يسحبون ، أو يجمعون ، أو يحبسون ، أو يُمْنعون ، وَزَعه عن الظلم : منعه منه ، وقالوا لا بد للسلطان من وَزْعه : أي من يمنع الناس عنه ، وقال عثمان : ما وزع الله بالسلطان أكثر مما وزع بالقرآن ، والمراد بهذا المنع أن يرد أولهم على آخرهم ليجتمعوا ولا يتفرقوا .


حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)

{ وَادِ النَّمْلِ } بالشام ، وكان للنملة جناحان فعلم منطقها لأنها من الطير ولولا ذلك لما علمه ، قاله الشعبي . { يَحْطِمَنًّكُمْ } يهلكنكم { وَهُمْ } والنمل { لا يَشْعُرُونَ } بسليمان وجنوده ، أو وسليمان وجنوده لا يشعرون بهلاك النمل ، قيل سمع كلامها من ثلاثة أميال حملته الريح إليه . وسميت نملة لتنملها ، وهو كثرة حركتها وقلة قرارها .


فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)

{ فَتَبَسَّمَ } من حذرها بالمبادرة أو من ثنائها عليه ، أو من إستبقائها النمل قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما! فوقف سليمان وجنوده حتى دخل النمل مساكنه . { أَوْزِعْنِى } ألهمني ، أو اجعلني « ع » ، أو حرضني { أّنْ أَشْكُرَ } سبب شكره علمه بمنطق الطير حتى فهم قولها أو حمل الريح صوتها إليه حتى سمعه من ثلاثة أميال فأمكنه الكف . { صَالِحاً } شكر ما أنعم عليه به . { بِرَحْمَتِكَ } بنبوتك ، أو بمعونتك التي أنعمت بها عليّ . { فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } . الأنبياء ، أو الجنة التي هي دار الأولياء .


وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)

{ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ } كان إذا سافر أظله الطير من الشمس ، فلما غاب الهدهد أتت الشمس من مكانه وكانت الأرض للهدهد كالزجاج يرى ما تحتها فيدل على مواضع الماء حتى تحفر { أمْ كَانَ مِنَ الْغَآئِبِينَ } أي انتقل عن مكانه ، أو غاب .


لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)

{ لأُعَذِّبَنَّهُ } بنتف ريشه حتى لا يمتنع من شيء « ع » ، أو بإحواجه إلى جنسه ، أو بجعله مع أضداده . { بِسُلْطَانٍ } حجة بَيِّنة أو عذر ظاهر .


فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)

{ أَحَطتُ } بلغت ، أو علمت ، أو اطلعت « ع » ، والإحاطة : العلم بالشيء من جميع جهاته . { سَبَإٍ } مدينة بالمين يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء ثلاث ليالي ، أو حَيُّ من اليمن سموا بأسم أمهم ، أو سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن سبأ فقال : « هو رجل وُلِدَ له عشرة أولاد باليمن منه ستة وبالشام أربعة فأما اليمانيون؛ فمذحج وحمير وكندة وأنمار والأزد والأشعريون . وأما الشاميون فلخم وجذام وعاملة وغسان » وقيل هو سبأ بن يعرب بن قحطان سمي سبأ لأنه أو من سبى .


إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)

{ امْرَأَةً } بلقيس بنت شراحيل أو شرحبيل بن مالك بن الريان وأمها جنية . { مِن كُلِّ شَىْءٍ } في أرضها ، أو من أنواع الدنيا كلها . { عَرْشٌ } سرير ، أو كرسي ، أو مجلس ، أو ملك . { عَظِيمٌ } كريم ، أو حسن الصنعة ، أو كان ذهباً مستراً بالديباج والحرير قوائمه لؤلؤ وجوهر . وكان يخدمها ستمائة امرأة ، وأهل مشورتها ثلاثمائة واثنا عشر رجلاً؛ كل رجل على عشرة آلاف رجل .


أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)

{ الْخَبْءَ } غيب السماوات والأرض ، أو خبء السماوات المطر وخبء الأرض : النبات ، والخبء المخبوء وصفه بالمصدر ، والخبء في اللغة ما غاب واستتر . { أَلا يَسْجُدُواْ } من قول الله ، أمر خلقه بالسجود أو من قول الهدهد تقديره يا هؤلاء اسجدوا .


اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)

{ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ } كن قريباً منهم « ع » أو تقديره « فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم » أخذ الهدهد الكتاب بمنقاره وجعل يدور في بهوها ، فقالت : ما رأيت خيراً منذ رأيت هذا الطير في بهوي فألقى الكتاب إليها ، أو ألقاه على صدرها وهي نائمة .


قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29)

{ كَرِيمٌ } لحسن ما فيه ، أو مختوم ، أو لكرم صاحبه وأنه ملك ، أو لتسخيره الهدهد لحمله .


إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يكتب باسمك اللهم فلما نزلت { بِسْمِ الله مَجْرَاهَا } [ هود : 41 ] كتب بسم الله فلما نزلت { أَوِ ادعوا الرحمن } [ الأسراء : 110 ] كتب بسم الله الرحمن فلما نزلت { أَوِ ادعوا الرحمن } الآية كتب بسم الله الرحمن الرحيم .


أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)

لا تَعْلُوا : لا تخافوا ، أو لا تتكبروا ، أو لا تمتنعوا { مُسْلِمِينَ } مستسلمين ، أو موحدين « ع » ، أو مخلصين ، أو طائعين .


قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32)

{ أَفْتُونِى } أشيروا عَلَيَّ . { قَاطِعَةً } ممضية { تَشْهَدُونِ } تشيروا ، أو تحضروا .


قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33)

{ قُوَّةٍ } عدد وعدة . { بَأْسٍ } شجاعة وآلة تفويضاً منهم الأمر إليها ، أو إجابة منهم إلى قتاله .


قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34)

{ دَخَلُواْ قَرْيَةً } أخذوها عنوة « ع » . { أَفْسَدُوهَا } أخربوها . { أَذِلَّةً } بالسيف ، أو الاستعباد . { وَكّذَلِكَ يَفْعَلُونَ } . من قول الله إنهم يفسدون القرى « ع » ، أو قالت بلقيس وكذلك يفعل سليمان إذا دخل بلادنا .


وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)

{ بِهَدِيَّةٍ } لبنة من ذهب « ع » ، أو صحائف الذهب في أوعية الديباج ، أو جوهر ، أو غلمان ولباسهم لباس الجواري وجواري لباسهم لباس الغلمان ، ثمانون غلاماً وجارية أو ثمانون غلاماً وثمانون جارية وقصدت بالهدية استعطافه لعلمها بموقع الهدايا من الناس ، أو اختبرته فإن قبل هديتها فهو مَلِك فتقاتله وإن لم يقبلها فهو نبي فلا طاقة لها به ، أو اختبرته بأن يميز الجواري من الغلمان فأمرهم بالوضوء فاغترف الغلام بيده وأفرغت الجارية على يدها فميزهم بذلك ، أو يغسل الغلمان ظهور السواعد قبل بطونها وغسل الجواري بطون السواعد قبل ظهورها ، وبدأ الغلمان بغسل المرافق إلى الأكف وبدأ الجواري من الأكف إلى المرافق .


فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)

{ فَلَمَّا جَآَءَ } رسلها ، أو هداياها { أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ } أمر الشياطين فموهوا لبِن المدينة وحيطانها بالذهب والفضة وبعثت إليه بعصا كان يتوارثها ملوك حمير ، وطلبت أن يميز أعلاها من أسفلها ، ويقدح التمست أن يملأه ماء فريداً لا من الأرض ولا من السماء وبخرزتين ليثقب أحدهما وليدخل في ثقب الأخرى خيطاً وكان ثقبها أعوج فلما جاء رسلها وكانوا رجالاً أو نساء قال { أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ ءَاتَانِ اللَّهُ } من النبوة والملك { خَيْرٌ مِّمَّآ ءَاتَاكُم } من المال . ثم ميز الجواري من الغلمان وأرسل العصا إلى الهواء وقال أي الرأسين سبق إلى الأرض فهو أسفلها وأجريت الخيل حتى عرقت فملأ القدح من عرقها ، وثقب إحدى الخرزتين وأدخل الخيط في الأخرى فهال الرسل ما شاهدوه منه .


ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37)

{ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ } أيها الرسول بما جئت به من الهدايا ، أو أمر الهدهد بالرجوع وأن يقول : { فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لا قِبَلَ } لا طاقة ، وصدق لأن من جنوده الجن والإنس والطير والريح . { وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ } أخبرهم بما يصنع بهم ليبادروا إلى الإسلام . فلما رجعت إليها الهدايا قالت : قد والله علمت ما هذا بملك ولا طاقة لنا به ثم أرسلت إليه إني قادمة عليك بملوك قومي وأمرت بعرشها فجُعِل في سبعة أبيات بعضها في بعض وأغلقت عليه الأبواب وشخصت إليه في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن فلما علم بقدومها .


قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)

{ قَالَ يَآ أيُّهَا الْمَلَؤُاْ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا } أراد أن يعلم بذلك صدق الهدهد « ع » أو أعجبه لما وصفه الهدهد فأراد أخذه قبل أن يَحْرُمَ عليه بإسلامها ، أو أراد أن يعايها ، وكانت الملوك يتعايون بالملك والقدرة ، قاله ابن زيد ، أو أراد اختبار فطنها هل تعرفه أو تنكره ، أو أراد أن يعرفها بذلك صحة نبوته قاله وهب بن منبه . { مُسْلِمِينَ } طائعين أو على دين الحق .


قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)

{ عِفْرِيتٌ } ، وهو المارد القوي والعفريت البالغ من كل شيء أُخِذ من قولهم فلان عفرية نفرية إذا كان مبالغاً في الأمور ، أو من العفر وهو الشديد فزيدت فيه الهاء فقيل عفريه وعفريت . { مَّقَامِكَ } مجلسك ، أو يوماً كان يوم فيه سليمان عليه الصلاة والسلام خطيباً يعظهم ويذكرهم وكان مجيء ذلك اليوم قريباً أو أراد قبل أن تسير إليهم من ملكك محارباً ، { لَقَوِىٌ } على حمله { أَمِينٌ } على ما فيه من جوهر ولؤلؤ أو لا آتيك بغيره بدلاً منه أو أمين على فرج المرأة .


قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)

{ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ } مَلَك أُيَّد به سليمان عليه الصلاة والسلام والعلم الذي عنده هو ما كتب الله تعالى لبني آدم وقد أعلم الله تعالى الملائكة كثيراً منه فأذن الله له أن يعلم سليمان ذلك وأن يأتيه بالعرش أو بعض جنوده من الإنس أو الجن ، وعلم الكتاب : علمه بكتاب سليمان إلى بلقيس وعلم أن الريح مسخرة لسليمان وأن الملائكة تعينه فوثق بذلك وأخبره أن يأيته به قبل ارتداد طرفه ، أو هو سليمان قال ذلك للعفريت ، أو هو بعض الإنس : مليخا أو أسطوم أو آصف بن برخيا وكان صدِّيقاً ، أو ذو النون مصر ، أو الخضر { عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ } هو اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب . { يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } يأتيك أقصى من تنظر إليه أو : قبل أن يعود طرفك إلى مد بصرك أو يعود طرفك إلى مجلسك أو قبل الوقت الذي يتنظر وروده فيه من قولهم أنا ممتد الطرف إليك أي منتظر أو قبل أن يرجع إليك طرف رجائك خائباً لأن الرجاء يمد الطرف والإياس يقصره ، أو قبل أن يقبض طرفك بالموت أخبره أنه سيأتيه به قبل موته ودعا بالاسم الأعظم وعاد طرف سليمان عليه الصلاة والسلام إليه فإذا العرش بين يديه ولم يكن سليمان عليه الصلاة والسلام يعلم ذلك الإسم { هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّى } وصول العرش قبل ارتداد طرفي ، { ءَأَشْكُرُ } على وصوله { أَمْ أَكْفُرُ } فلا أشكر إذا رأيت من هو أعلم مني في الدنيا وكان ذلك معجزة لسليمان عليه الصلاة والسلام أجراها الله تعالى على يد بعض أوليائه وكان العرش باليمن وسليمان بالشام قيل خرق الله تعالى به الأرض حتى صار بين يديه .


قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41)

{ نَكِّرُواْ } غيروه بانتزاع ما عليه من فصوص وجواهر ومرافق « ع » أو بجعل ما كان أحمر أخضر وما كان أخضر أحمر ، أو بالزيادة فيه والنقصان منه ، أو بجعل أعلاه أسفله ومقدمه مؤخره أو جعل فيه تمثال السمك . { أَتَهْتَدِى } إلى الحق بعقلها أم تكون من الذين لا يعقلون ، أو تعرف العرش بفطنتها أم تكون ممن لا يفطن ولا يعرف .


فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42)

{ كَأَنَّهُ هُوَ } لما خلفته وراءها فوجدته أمامها منعها معرفتها به من إنكاره وتركها له خلفها من إثباته ، أو لأنها رأت فيه ما تعرفه فلم تنكره وما غيِّر وبدل فلم تثبته ، أو شبهوا عليه بقولهم { أَهَكَذَا عَرْشُكِ } فشبهت عليهم بقولها : { كَأَنَّهُ هُوَ } ولو قالوا هذا عرشك لقالت نعم . { وَأُوِتينَا } قاله سليمان عليه الصلاة والسلام ، أو بعض قومه . { الْعِلْمَ } بمعرفة الله تعالى وتوحيده ، أو النبوة ، أو علمنا أنه عرشها قبل أن نسألها . { مُسْلِمِينَ } طائعين لله تعالى بالاستسلام له ، أو مخصلين له بالتوحيد .


وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43)

{ وَصَدَّهَا } عبادة الشمس أن تعبد الله تعالى ، أو صدها كفرها أن تهتدي للحق ، أو صدها سليمان عما كانت تعبد في كفرها ، أو صدها الله تعالى عن الكفر بتوفيقها للإيمان .


قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)

{ الصَّرْحَ } بكرة بنيت من قوارير ، أو صحن الدار ، وصرحه الدار وساحتها وباحتها وقاعتها كلها واحد من التصريح وهو الإظهار ، أو القصر . { حَسِبَتْهُ لُجَّةً } لأنه أمر الجن أن يبنوه من قوارير في ماء فبنوه وجعلوا حوله أمثال السمك فأمرها بالدخول إليه لأنها وصفت له فأحب أن يراها وكانت هلباء الشعر وقدماها كحافر حمار وأمها جنية وخافت الجن إن تزوجها أن تطلعه على أشياء كانت الجن تخفيها ويبعد أن يتولد بين الإنس والجن ولد لأن الجن لطيف والإنس كثيف . { وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا } فرأهما شعراوين فصنعت له الجن النورة وقصد بدخولها الصرح . وكشف ساقيها اختبار عقلها ، أو أُخبر أن ساقيها ساق حمار فأراد أن يعلم ذلك ، أو أراد تزوجها فأحب مشاهدتها . { مُّمَرَّدٌ } مملس ، أو واسع في طوله وعرضه . { ظَلَمْتُ نَفْسِى } بالشرك ، أو ظنت أن سليمان أراد تغريقها لما أمرها بدخول الصرح فلما بان أنه صرح علمت أنها ظلمت نفسها بذلك الظن ، قاله سفيان . { وَأَسْلَمْتُ } استسلمت طاعة لله قبل تزوجها سليمان عليه الصلاة والسلام ، واتخذ لها بالشام حماماً ونورة ، وكان أول من اتخذ ذلك .


وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45)

{ فَرِيقَانِ } مؤمن وكافر ، أو مصدق ومكذب . { يَخْتَصِمُونَ } بقولهم { أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ } [ الأعراف : 75 ] ، أو يقول كل فريق : نحن على الحق دونكم .


قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46)

{ بِالسَّيِّئَةِ } بالعذاب قبل الرحمة؛ لقولهم : { ائتنا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ المرسلين } [ الأعراف : 77 ] ، أو بالبلاء قبل العافية . { تَسْتَغْفِرُونَ } بالتوبة ، أو بالدعاء . { تُرْحَمُونَ } بالكفاية أو الإجابة .


قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)

{ اطَّيَّرْنَا } تشاءموا به لافتراق كلمتهم ، أو للشر الذي نزل بهم . { طَآئِرُكُمْ } مصائبكم « ع » ، أو عملكم . { تُفْتَنُونَ } بالطاعة والمعصية ، أو تصرفون عن الإسلام الذي أمرتم به .


وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48)

{ رَهْطٍ } الرهط : جمع لا واحد له وهم عاقرو الناقة : فُسَّاق من أشراف قومهم . { يُفْسِدُونَ } بالكفر ولا يصلحون بالإيمان ، أو بالمنكر ولا يصلحون بالمعروف ، أو بالمعاصي ولا يصلحون بالطاعة ، أو بقطع الدنانير والدراهم ولا يصلحون بتركها صحاحاً ، أو يتبعون عورات الناس ولا يسترون عليهم .


قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49)

{ تَقَاسَمُواْ } تحالفوا . { لَنُبَيِّتَنَّهُ } لنقتلنه ليلاً . البيات قتل الليل . { لِوَلِيِّهِ } لرهط صالح { مَهْلِكَ أَهْلِهِ } قتلهم { لَصَادِقُونَ } في إنكار القتل .


وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)

{ وَمَكَرُواْ } عزموا على بياته { ومكر الله } بهم فرماهم بصخرة فهلكوا أو أظهروا أنهم خرجوا مسافرين فاستتروا في غار ليعودوا في الليل فيقتلوه فألقى الله تعالى صخرة فسدت عليهم فم الغار { لا يَشْعُرُونَ } بمكرنا أو بالملائكة الذي أرسلوا لحفظ صالح من قومه لما دخلوا عليه ليقتلوه فرموا كل رجل منهم بحجر فقتلوهم جميعاً .


وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)

{ تُبْصِرُونَ } أنها فاحشة ، أو يبصر بعضكم بعضاً .


أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)

{ حَدَآئِقَ } النخل ، أو الحائط من الشجر والنخل . { بَهْجَةٍ } غضاضة ، أو حُسْن . { مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ } لا تقدرون على خلق مثلها { أَءِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ } يفعل هذا ، أو نفي للآلهة . { يَعْدِلُونَ } عن الحق ، أو يشركون فيجعلون له عِدْلاً .


أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)

{ قَرَاراً } مستقراً . { خِلالَهَآ } في مسالكها ونواحيها . { الْبَحْرَيْنِ } بحر السماء وبحر الأرض ، أو بحر فارس والروم ، أو بحر الشام والعراق ، أو العذب والمالح . { حَاجِزاً } مانعاً من الله تعالى لا يبغي أحدهما على صاحبه ، أو حاجزاً من الأرض أن يختلطا . { لا يَعْلَمُونَ } التوحيد ، أو لا يعقلون ، أو لا يتفكرون .


أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)

{ السُّوءَ } الضر ، أو الجور . { خُلَفَآءَ } خلفاً بعد خلف ، أولادكم خلفاً منكم ، أو خلفاً من الكفار ينزلون أرضهم بطاعة الله تعالى بعد كفرهم . { مَّا تَذَكَّرُونَ } النعم .


بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)

{ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ } هذا ذم أي غاب علمهم « ع » ، أو لم يدرك علمهم ، أو اضمحل أو ضل ، أو هو مدح لعلمهم وإن كانوا مذمومين أي أدرك علمهم ، أو أجمع ، أو تلاحق .


قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)

{ رَدِفَ لَكُم } قرب منكم « ع » ، أو أعجل لكم ، أو تبعكم ، ورِدْف المرأة لأنه تبع لها من خلفها . { بَعْضُ الَّذِى تَسْتَعْجِلُونَ } يوم بدر ، أو عذاب القبر .


وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75)

{ غَآئِبَةٍ } جمع ما خفي عن الخلق ، أو القيامة ، أو ما غاب عنهم من عذاب السماء والأرض . { كِتَابٍ مُّبِينٍ } اللوح المحفوظ ، أو القضاء المحتوم .


وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)

{ وَقَعَ الْقَوْلُ } حق عليهم القول أنهم لا يؤمنون ، أو وجب الغضب ، أو وجب السخط عليهم إذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ، أو نزل العذاب . { دَآبَّةً } سئل عنها علي رضي الله تعالى عنه فقال : « أما والله ما لها ذَنَبْ وإن لها للحية » إشارة إلى أنها من الإنس ، أو هي من دواب الأرض عند الجمهور ذات زغب وريش لها أربع قوائم « ع » ، أو ذات وَبَر تناغي السماء ، أو لها رأس ثور وعينا خنزير وأذنا فيل وقرن أيل وعنق نعامة وصدر أسد ولون نمر وخاصرة هر وذنب كبش وقوائم بعير بين كل مفصلين أثنا عشر ذراعاً رأسها في السحاب . معها عصا موسى وخاتم سليمان فتنكت في مسجد المؤمن نكتة بيضاء فتبيض وجهه . وتنكت في وجه الكافر بخاتم سليمان فتسود وجهه . قاله ابن الزبير . { مِّنَ الأَرْضِ } بعض أودية تهامة « ع » ، أو صخرة من شِعْب أجياد ، أو الصفا ، أو بحر سدوم . { تَكْلِمُهم } مخففاً تَسِمُ وجوههم بالبياض والسواد حتى يتنادون في الأسواق يا مؤمن يا كافر ، قال : الرسول صلى الله عليه وسلم : « تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم ، أو تجرحهم فيختص هذا بالكافر والمنافق » ، وجرحهما بإظهار الكفر والنفاق كجرح الشهود بالتفسيق { تُكَلِّمُهُمْ } عبّر عن ظهور الآيات منها بالكلام من غير نطق ، أو تنطق فتول هذا مؤمن وهذا كافر ، أو تقول { أَنَّ النَّاسَ كَانُواْ بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ } قاله ابن مسعود وعطاء ، قال ابن عمر : رضي الله تعالى عنه تخرج ليلة النحر والناس يسيرون إلى منى .


وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83)

{ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً } وهم كفارها . { بِآيَاتِنَا } محمد صلى الله عليه وسلم ، أو بالرسل عند الأكثرين . { يُوزَعُونَ } يجمعون ، أو يدفعون ، أو يساقون ، أو يرد أولاهم على أخراهم .


وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)

{ وَيَوْمَ يُنفَخُ } يوم النشور من القبور . { الصُّورِ } جمع صورة ينفخ فيها أرواحها ، أو شيء كالبوق يخرج منه صوت يحيى به الموتى ، أو مثل ضُرب لخروج الموتى في وقت واحد كخروج الجيش عند نفخ البوق . { فَفَزِعَ } أسرع إلى إجابة النداء فزعت إليك في كذا أسرعت إلى ندائك في معونتك . { إِلا مَن شَآءَ اللَّهُ } استثناء من الإسراع والإجابة إلى النار ، أو الفزع الخوف والحذر لأنهم أزعجوا من أجداثهم فخافوا { إِلا مَن شَآءَ اللَّهُ } فلا يفزعون وهم الملائكة أو الشهداء ، وقيل إن إسرافيل هو النافخ في الصور . { دَاخِرِينَ } راغمين ، أو صاغرين « ع » فالفزع في النفخة الأولى وإتيانهم صاغرين في النفخة الثانية .


وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)

{ جَامِدَةً } واقفة { تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ } لا يرى سيرها لبعد أطرافها ، مثل ضُرب للدنيا تظن أنها واقفة كالجبال وهي آخذة بحظها من الزوال ، أو للإيمان تحسبه ثابتاً في القلب وعلمه صاعد إلى السماء . { أَتْقَنَ } أحكم ، أو أحصى ، أو أحسن ، أو أوثق سريانية ، أو عربية من إتقان الشيء إذا أُوثق وأحكم ، وأصله التقن وهو ما ثقل في الحوض من طينة .


مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89)

{ بِالْحَسَنَةِ } أداء الفرائض كلها ، أو التوحيد والإخلاص . { خَيْرٌ مِّنْهَا } الجنة ، أو أفضل : بالحسنة عشر ، أو فله منها خير الثواب العائد عليه « ع » { مِّن فَزَعٍ } القيامة . { ءَامِنُونَ } في الجنة ، أو من فزع الموت في الدنيا آمنون في الآخرة .


وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)

{ بِالسَّيِّئَةِ } الشرك « ع » .


إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91)

{ الْبَلْدَةِ } مكة ، أو منى { حَرَّمَهَا } بتعظيم حرمتها والكف عن صيدها وشجرها { وَلَهُ كُلُّ شَىْءٍ } ملكه فيحل منه ما يشاء ويحرم ما يشاء .


وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)

{ سَيُرِكُمْ ءَايَاتِهِ } في الآخرة { فَتَعْرِفُونَهَا } على ما قال في الدنيا « ح » أو يريكم في الدنيا آيات السموات والأرض فتعرفون أنها حق .
{ تَعْمَلُونَ } من خير وشر فيجازي عليه .


إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)

{ عَلا } بملكه وسلطانه ، أو بقتله أبناء بني إسرائيل واستعبادهم ، أو بإدعائه الربوبية وكفره . { الأَرْضِ } مصر . لأنه لم يملك الأرض كلها . وعلوِّه لغلبته وقهره ، أو لكبره وتجبره . { شِيَعاً } فرقاً؛ فرق بني إسرائيل والقبط ، استضعف طائفة بني إسرائيل بالاستعباد والأعمال القذرة { يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ } رأى في نومه ناراً أقبلت من القبلة واشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل فسأل عن تأويلها ، فقيل يخرج من هذا البلد رجل يكون على يده هلاك مصر . فأمر بذبح أبنائهم وأسرع الموت في شيوخ بني إسرائيل . فقيل له قد فني شيوخ بني إسرائيل بالموت وصغارهم بالقتل فاستبقهم لعملنا وخدمتنا فأمر أن يقتلوا عاماً ويتركوا عاماً فولد هارون عام الاستحياء وموسى عام القتل ، وعاش فرعون أربعمائة سنة وهو أو من خضب بالسواد . وكان قصيراً دميماً . وعاش موسى عليه الصلاة والسلام مائة وعشرين سنة .


وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)

{ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ } بنو إسرائيل ، أو يوسف وولده : قاله قتادة . { أَئِمَّةً } ولادة الأمر ، أو قادة متبوعين ، أو أنبياء لأن الأنبياء بين موسى وعيسى كانوا من بني إسرائيل وكان بينهما ألف ألف نبي . قاله الضحاك . { الْوَارِثِينَ } للملك ، أو لأرض فرعون .


وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)

{ وَأَوْحَيْنَآ } ألهمنا ، أو رؤيا نوم أو وحي مع الملك كوحي الأنبياء . أوحى إليها برضاعه قبل الولادة ، أو بعدها . { خِفْتِ عَلَيْهِ } القتل ، أو أن يسمع جيرانك صوته . { الْيَمِّ } البحر وهو النيل . { وَلا تَخَافِى } عليه الغرق ، أو الضيعة . { وَلا تَحْزَنِى } لفراقه ، أو أن يقتل . فجعلته في تابوت طوله خمسة أشبار وعرضه مثلها . وجلعت المفتاح مع التابوت وألقته في اليم بعد أن أرضعته أربعة أشهر ، أو ثلاثة أشهر ، أو ثمانية أشهر . ولما فرغ النجار منه أخبر فرعون به ، فبعث معه من يأخذه فطمس الله تعالى على عينيه وقلبه فلم يعرف الطريق . فعلم أنه المولود الذي خافه فرعون فآمن ذلك الوقت وهو مؤمن آل فرعون . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : فلما غاب عنها ندَّمها الشيطان فقالت . لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب إلي من إلقائه في دواب البحر وحيتانه . فقال الله تعالى : { إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكَ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } .


فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)

{ فَالْتَقَطَهُ ءَالُ فِرْعَوْنَ } خرجت جواري امرأة فرعون لاستقاء الماء فوجدن تابوته فحلمنه إليها « ع » ، أو خرجت امرأة فرعون إلى البحر وكانت برصاء فوجدته فأخذته فبرئت من برصها فقالت هذا صبي مبارك .


وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)

{ قُرَّتُ عَيْنٍ } لما علم أصحاب فرعون بموسى جاءوا ليذبحوه فمنعتهم وأتت فرعون وقالت قرة عين لي ولك . فقال فرعون لها : قرة عينٌ لَكِ أما لي فلا . قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « لو أقر بأنه يكون قرة عين له لهداه الله تعالى به كما هداه به » وقرة العين بردها بالسرور من القر وهو البرد ، أو قر دمعها فلم يخرج بالحزن مأخوذ من القرار . { لا يَشْعُرُونَ } أن هلاكهم على يديه .


وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)

{ فَارِغاً } من كل شيء إلا من ذكر موسى « ع » ، أو من الوحي بنيسانه « ح » أو من الحزن لعلهما أنه لم يغرق ، أو نافراً ، أو ناسياً ، أو والهاً ، أو فازعاً من الفزع . { وَأَصْبَحَ } لأنها ألقته ليلاً فأصبح فؤادها فارغاً ، أو ألقته نهاراً فيكون أصبح يعني صار . { لَتُبْدِى بِهِ } لتصبح عند إلقائه وابناه « ع » ، أو تقول لما حملت لإرضاعه وحضانته هو ابني لأنه ضاق صدرها لما قيل هو ابن فرعون ، أو لتبدي بالوحي . { رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا } بالإيمان ، أو العصمة ، { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } بِردِّه وجعله من المرسلين .


وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)

{ قُصِّيهِ } تتبعي أثره واستعلمي خبره . { جُنُبٍ } جانب « ع » أو بعد ، أو شوق بلغة جذام جنبت إليك اشتقت إليك . { لا يَشْعُرُونَ } أنها أخته .


وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)

{ وَحَرَّمْنَا } منعناه { الْمَرَاضِعَ } فلا يؤتى بمرضع فيقبلها . { مِن قَبْلُ } مجيء أخته أو قبل رده إلى أمه .


فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)

{ فَرَدَدْنَاهُ } انطلقت أخته إلى أمه فأخبرتها فجاءت فوضعته في حجرها فترامى إلى ثديها فامتصه حتى امتلأ جنباه رياً « ع » . فقيل لها : كيف ارتضع منك دون غيرك . قالت لأني طيبة الريح طيبة اللبن لا أكاد أوتى بصبي إلا ارتضع مني فَسَخَّر الله تعالى فرعون لتربيته وهو يقتل الخلق لأجله وكان إلقاءه في البحر وهو سبب لهلاكه سبباً لنجاته . { أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ } في رده إليها وجعله من المرسلين حق . { لا يَعْلَمُونَ } ما يراد بهم ، أو مِثْل علمها به .


وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)

{ أَشُدَّهُ } أربعون سنة ، أو أربع وثلاثون ، أو ثلاث وثلاثون « ع » أو ثلاثون أو خمس وعشرون ، أو عشرون ، أو ثماني عشرة ، أو خمس عشرة ، أو الحلم ، أو الأشد جمع لا واحد له ، أو واحد شُدَّ . { وَاسْتَوَى } باعتدال القوة ، أو نبات اللحية ، أو انتهاء شبابه ، أو بأربعين سنة « ع » . { حُكْماً } عقلاً ، أو نبوة ، أو القرآن ، أو الفقه { وَعِلْماً } بما في دينه وحدوده وشرائعه ، أو فهماً ، أو فقهاً .


وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)

{ الْمَدِينَةَ } مصر ، أو منف ، أو عين شمس . { حِينِ غَفْلَةٍ } نصف النهار وهم قائلون ، أو بين المغرب والعشاء « ع » ، أو يوم عيد لهم وهم في لهوهم ، أو لأنهم غفلوا عن ذكره لبعد عهدهم به . { مِن شِيعَتِهِ } إسرائيلي ومن عدوه قبطي « ع » أو من شيعته مسلم ومن عدوه كافر . سخر القبطي الإسرائيلي ليحمل حطباً إلى مطبخ فرعون فامتنع ، واستغاث بموسى وكان خبازاً لفرعون { فَوَكَزَهُ } ولكزه واحد إلا أن الوكز الدفع في الصدر واللكز الدفع في الظهر . ولم يرد موسى بذلك قتله . { فَقَضَى عَلَيْهِ } أي قتله ولم يكن مباحاً حينئذ لأنها حال كف عن القتال « ع » { عَمِلِ الشَّيْطَانِ } إغوائه .


قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)

{ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ } من المغفرة ، أو الهداية .


فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18)

{ خَآئِفاً } من الله تعالى ، أو من قومه ، أو أن يؤخذ بقتل النفس ، { يَتَرَقَّبُ } يتلفت من الخوف ، أو ينتظر عقوبة الله تعالى إن جعلنا خوفه منه ، أو أن يسلمه قومه للقتل إن كان خوفه منهم . أو أن يطلب بقتل النفس إن كان خوفه من الأخذ بها . { يَسْتَصْرِخُهُ } على قبطي آخر خاصمه . { لَغَوِىٌّ } قاله للإسرائيلي لأنه أغواه حتى قتل النفس ، أو قاله للقبطي فظن الإسرائيلي أنه عناه فخافه « ع » .


فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)

{ أَن يَبْطِشَ } أخذت موسى الرقة على الإسرائيلي فهم بالقبطي فظن الإسرائيلي أنه يريد قتله لما رأى من غضبه وسمع من قوله { إِنَّكَ لَغَوِىٌّ } الآية فقال الإسرائيلي : أتريد أن تقتلني ، أو ظن الإسرائيلي أن موسى يقتل القبطي فيقتل به الإسرائيلي فقال ذلك دفعاً لموسى عنه . قيل هذا الإسرائيلي هو السامري ، فتركه القبطي وذهب فأشاع أن المقتول بالأمس إنما قتله موسى . { جَبَّاراً } قَتَّالاً . قال عكرمة : ولا يكون الإنسان جباراً حتى يقتل نفسين .


وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)

{ وَجَآءَ رَجُلٌ } هو مؤمن آل فرعون قيل ابن عم فرعون أخي أبيه . { يَأَتَمِرُونَ } يتشاورون ، أو يأمر بعضهم بعضاً .


وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)

{ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ } عرض له أربع طرق فلم يدر أيها يسلك فقال { عَسَى رَبِّى } الآية ، أو قال ذلك بعد أخذه طريق مدين . { سَوَاءَ السَّبِيلِ } قصد الطريق إلى مدين قاله قتادة . ومدين ماء كان عليه قوم شعيب قال « ع » وكان بينه وبينها ثمان مراحل ولم يكن لهم طعام إلا ورق الشجر وخرج حافياً فما وصل إليها حتى وقع خف قدميه .


وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)

{ أُمَّةً } جماعة قال ابن عباس : الأمة أربعون . { تَذُودَانِ } تحبسان أو تطردان غنمهما عن الماء لضعفهما عن الزحام ، أو يمنعان الغنم أن تختلط بغنم الناس ، أو يذودان الناس عن غنمهما . { مَا خَطْبُكُمَا } ما شأنكما . والخطب تفخيم للشيء والخُطبة لأنها من الأمر المعظم { يُصْدِرَ } ينصرف ومنه الصدر لأن التدبير يصدر عنه فعلتا ذلك تَصوُّناً عن مزاحمة الرجال ، أو لضعفهما عن الزحام { الرِّعَآءُ } جمع راعٍ { وَأَبُونَا شَيْخٌ } قالتا ذلك ترقيقاً لموسى ليعينهما أو اعتذاراً من معاناتهما السقي بأنفسهما .


فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)

{ فَسَقَى لَهُمَا } بأن زحم القوم فأخرجهم عن الماء ثم سقى لهما ، أو أتى بئراً فاقتلع عنها صخرة لا يقلها إلا عشرة من أهل مدين وسقى لهما ولم يستق إلا ذَنُوباً واحداً حتى رويت الغنم { ثمَّ تَوَلَّى } إلى ظل سَمُرة . { فَقَالَ رَبِّ } قال ذلك وقد لصق بطنه بظهره جوعاً وهو فقير إلى شق تمرة ولو شاء إنسان لنظر إلى خضرة أمعائه من الجوع « ع » ، أو مكث سبعة أيام لا يذوق إلا بقل الأرض . فعرَّض لهم بحاله { مِنْ خَيْرٍ } شبعة من طعام « ع » ، أو شبعة يومين .


فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)

{ فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا } استكثر أبوهما سرعة صدورهما بالغنم حُفَّلاً بِطاناً فقال إن لكما لشأناً فأخبرتاه بصنع موسى فأمر أحداهما أن تدعوه . { عَلَى اسْتِحْيَآءٍ } مستترة بكم درعها ، أو لبعدها من النداء له ، واستحيت لأنها دعته لتكافئه وكان الأجمل مكافأته من غير إعناء ، أو لأنها كانت رسول أبيها ، أو ما قاله عمر ليست بسلفع من النساء خراجة ولا ولاجة . أراد تمشي مشي من لم تتعود الخروج حياء وخَفَرَاً وكان أبوهما شعيباً ، أو يثرون ابن أخي شعيب . قاله الكلبي وأبو عبيدة . { لِيَجْزِيَكَ } ليكافئك فمشت أمامه فوصفت الريح عجيزتها فقال : امشي خلفي ودليني للطريق إن أخطأت . { الْقَصَصَ } خبره مع آل فرعون { نَجَوْتَ } إذ لسنا من مملكة فرعون .


قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)

{ قَالَتْ إِحْداهُمَا } الصغرى التي دعته استأجره لرعي الغنم { الْقَوِىُّ } فيما ولي { الأَمِينُ } فيما استودع . « ع » أو القوى في بدنه الأمين في عفافه .


قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)

{ ثَمَانِى حِجَجٍ } أي رعي الغنم ثماني حجج كانت هي الصداق أو شرطاً للأب في الإنكاح وليست بصداق . { عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ } كانت الثمان واجبة والعشر عدة فوفى بالعشر « ع » . { مِنَ الصَّالِحِينَ } في حسن الصحبة ، أو فيما وعده به . وكان جعل له كل سخلة تُوضَع على خلاف شبه أمها . فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه الصلاة والسلام أن الق عصاك في الماء فولدن كلهن خلاف شبههن ، أو جعل له كل بلقاء تولد فولدن كلهن بلقاً .


قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)

{ فَلا عُدْوَانَ } فلا سبيل . { وَكِيلٌ } شهيد ، أو حفيظ ، أو رقيب .


فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)

{ قَضَى مُوسَى الأَجَلَ } وَفَّى العمل . قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « أَجَّر موسى نفسه لعفة فرجه وطعمة بطنه » فقيل : أي الأجلين قضى . قال : « أبرهما وأوفاهما » { ءَانَسَ } رأى . { امْكُثُواْ } اقيموا مكانكم { جَذْوَةٍ } أصل شجرة فيها نار ، أو عود في بعضه نار وليست في بعضه ، أو عود في بعضه نار ليس له لهب ، أو شهاب من نار ذو لهب « ع » . { تَصْطَلُونَ } تستدفئون .


فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)

{ أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } عَرَّفه وحدانيته ولم يَصِرْ بذلك رسولاً . لأنه لم يأمره بالرسالة وإنما صار بذلك من أصفيائه { الشَّجَرَةِ } العليق وهو العوسج « ع » .


وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)

{ أَلْقِ عَصَاكَ } ليعلم بذلك أن الذي سمعه كلام الله تعالى . { وَلَمْ يُعَقِّبْ } لم يثبت مأخوذ من العقب الذي يثبت به القدم أو لم يتأخر لسرعة مبادرته . { الأَمِنِينَ } من الخوف فلا يصير رسولاً إلا بقوله { فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ } ، أو الآمنين المرسلين لقوله : { لاَ تَخَفْ إِنِّى لاَ يَخَافُ لَدَىَّ المرسلون } [ النمل : 10 ] فيصير بذلك رسولاً . { بُرْهَانَانِ } اليد والعصا { الرَّهْبِ } الكُمْ ، أو الخوف .


وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34)

{ رِدْءاً } عوناً ، أو زيادة والردء الزيادة .


وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)

{ مَا عَلِمْتُ لَكُم } كان بينها وبين قوله { أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى } [ النازعات : 24 ] أربعون سنة « ع » { عَلَى الطِّينِ } هو أول من طبخ الآجُر . { صَرْحاً } قصراً عالياً وهو أول من صنع الصرح فصعده ورمى نُشَّابة نحو السماء فعادت ملتطخة دماً فقال قتلت إله موسى .


فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40)

{ الْيَمِّ } بحر يقال له أساف من وراء مصر غرقوا فيه .


وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41)

{ أَئِمَّةً } يقتدى بهم في الكفر ، أو يأتم بهم المعتبرون وتيعظ بهم ذوو البصائر { إِلَى النَّارِ } إلى عملها ، أو إلى ما يوجب دخولها .


وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)

{ لَعْنَةً } خزياً وغضباً ، أو طرداً منها بالهلاك فيما . { الْمَقْبُوحِينَ } بسواد الوجوه وزرقة الأعين ، أو المشوهين بالعذاب ، أو المهلكين ، أو الملعونين .


وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43)

{ الْكِتَابَ } ست من المثاني السبع المنزلة على محمد صلى الله عليه وسلم ، أو التوراة وهي أول كتاب نزل فيه الفرائض والحدود والأحكام . { مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى } قال أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه « لم تهلك قرية ولا أمة ولا قرن بعذاب من السماء ولا من الأرض بعد نزول التوراة ، إلا الذين مسخوا قردة » . { بَصَآئِرَ } بينات { وَهُدىً } دلالة { وَرَحْمَةً } نعمة . { يَتَذَكَّرُونَ } هذه النعم فيثبتون على إيمانهم .


وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46)

{ وَمَا كُنتَ } يا محمد { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا } يا أمة محمد استجبت لكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني ، أو نودوا في أصلاب آبائهم أن يؤمنوا بك إذا بعثت . { وَلَكِن رَّحْمَةً } ما نودي به موسى من جانب الطور من ذكرك نعمة من ربك ، أو إرسالك إلى قومك نعمة مني .


فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48)

{ قَالُواْ } موسى ومحمد { ساحران } . قاله مشركوا العرب ، أو موسى وهارون قالته اليهود من ابتداء الرسالة ، أو عيسى ومحمد وهو قول اليهود اليوم { سِحْرَانِ } . التوراة والقرآن ، أو التوراة والإنجيل ، أو القرآن والإنجيل وقائل ذلك اليهود ، أو قريش .


وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51)

{ وَصَّلْنَا } بَيَّنا ، أو أتممنا كصلتك الشيء بالشيء ، أو أتبعنا بعضه بعضاً . { الْقَوْلَ } الخبر عن أمر الدنيا والآخرة ، أو الخبر عمن أهلكناهم بماذا أهلكناهم من أنواع العذاب { يَتَذَكَّرُونَ } محمداً فيؤمنون به « ع » ، أو يتذكرون فيخافون أن ينزل بهم كما نزل بمن قبلهم ، أو يتعظون بالقرآن عن عبادة الأوثان .


الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52)

{ الْكِتَابَ } التوراة ، والإنجيل { قَبْلِهِ } من قبل محمد هم بمحمد يؤمنون ، أو من قبل القرآن هم بالقرآن يؤمنون . نزلت والتي بعدها في تميم الداري والجارود العبدي وسلمان الفارسي ، أو في أربعين رجلاً من أهل الإنجيل . آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه . اثنان وثلاثون من الحبشة قدموا مع جعفر بن أبي طالب على الرسول صلى الله عليه وسلم وثمانية قدموا من الشام منهم بحيرا أو أبرهة .


أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54)

{ أَجْرَهُمْ مَّرَّتَيْنِ } لإيمانهم بالكتاب الأول ، والكتاب الآخر ، { بِمَا صَبَرُواْ } على الإيمان ، أو الأذى ، أو الطاعة وعن المعصية . { بِالْحَسَنَةِ } يدفعون بالعمل الصالح ما سلف من الذنب ، أو بالحلم جهل الجاهل ، أو بالسلام قبح اللقاء ، أو بالمعروف المنكر ، أو بالخير الشر . { يُنفِقُونَ } الزكاة « ع » ، أو نفقة الأهل وهذا قبل نزول الزكاة ، أو يتصدقون من أكسابهم .


وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)

{ وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ } قوم أسلموا من اليهود فكان اليهود يلقونهم بالسب والأذى . فيعرضون ، أو أسلم منهم قوم فكانوا إذا سمعوا ما غُيِّر من التوراة . من نعت الرسول صلى الله عليه وسلم كرهوه وأعرضوا عنه ، أو المؤمنون إذا سمعوا الشرك أعرضوا عنه ، أو ناس من أهل الكتاب ليسوا يهود ولا نصارى وكانوا على دين الأنبياء ينتظرون مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم فلما سمعوا بظهوره بمكة أتوه فعرض عليهم القرآن فأسلموا فكان أبو جهل ومن معه يلقونهم فيقولون لهم : « أُفٍّ لكم من قوم منظور إليكم تبعتم غلاماً قد كرهه قومه وهم أعلم به منكم » فإذا قالوا ذلك أعرضوا عنهم . { أَعْمَالُنَا } لنا ديننا ولكم دينكم ، أو لنا حلمنا ولكم سفهكم . { لا نَبْتَغِى الْجَاهِلِينَ } لا نتبعهم أو لا نجازيهم .


إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)

{ مَنْ أَحْبَبْتَ } هدايته ، أو أحببته لقرابته نزلت في أبي طالب . { يَهْدِى مَن يَشَآءُ } قال قتادة : يعني العباس . { بِالْمُهْتَدِينَ } بمن قَدَّر له الهدى .


وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57)

{ وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى } نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد مناف قال للرسول صلى الله عليه سلم إنا لنعلم أن قولك حق ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى معك مخافة أن يتخطفنا العرب في أرضنا يعني مكة وإنما نحن أكلة رأس للعرب ولا طاقة لنا بهم . { ءَامِناً } بما طبعت عليه النفوس من السكون إليه حتى لا يفر الغزال من الذئب والحمام من الحدأ ، أو أمر بأن يكون آمناً لمن دخله ولاذ به يقول كنتم آمنين في حرمي تأكلون رزقي وتعبدون غيري . أفتخافون إذا عبدتموني وآمنتم بي . { يُجْبَى } يجمع { ثَمَرَاتُ كُلِّ } أرض وبلد { لا يَعْلَمُونَ } لا يعقلون ، أو لا يتدبرون .


وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58)

{ بَطِرَتْ } البطر : الطغيان بالنعمة { مَعِيشَتَهَا } في معيشتها قاله الزجاج أو أبطرتها معيشتها .


وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)

{ أُمِّهَا } أوائلها « ح » ، أو معظم القرى من سائر الدنيا ، أو مكة .


أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)

{ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ } الرسول صلى الله عليه وسلم . { وَعْداً حَسَناً } النصر في الدنيا والجنة في الآخرة أو حمزة بن عبد المطلب ، والوعد الحسن الجنة وملاقاتها دخولها . { كَمَن مَّتَّعْنَاهُ } أبو جهل { الْمُحْضَرِينَ } للجزاء ، أو في النار ، أو المجهولين .


فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66)

{ الأَنبَآءُ } الحجج ، أو الأخبار . { لا يَتَسَآءَلُونَ } بالأنساب ، أو لا يسأل بعضهم بعضاً عن حاله ، أو أن يحمل من ذنوبه شيئاً .


وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)

{ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } كان قوم في الجاهلية يجعلون خير أموالهم لآلهتهم . فقال { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } من خلقه { وَيَخْتَارُ } منهم ما يشاء لطاعته ، أو يخلق ما يشاء من الخلق ويختار من يشاء للنبوة ، أو يخلق ما يشاء النبي ويختار الأنصار لدينه { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } أي يختار للمؤمنين الذي فيه خيرتهم ، أو « ما » نافية أن يكون للخلق على الله تعالى خيرة نزلت في الذين { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحرث والأنعام نَصِيباً فَقَالُواْ هذا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وهذا لِشُرَكَآئِنَا } [ الأنعام : 136 ] ، أو في الوليد بن المغيرة قال { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] يعني نفسه وأبا مسعود الثقفي فقال الله تعالى ما كان لهم أن يتخيروا على الله الأنبياء .


وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75)

{ وَنَزَعْنَا } أخرجنا { مِن كُلِّ أُمَّةٍ } رسولاً مبعوثاً إليها ، أو أحضرناه ليشهد عليهم أن قد بلغها الرسالة . { بُرْهَانَكُمْ } حجتكم ، أو بينتكم . { الْحَقَّ لِلَّهِ } التوحيد ، أو العدل ، أو الحجة .


إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)

{ قَارُونَ } كان ابن عم موسى أخي أبيه وقطع البحر مع بني إسرائيل ونافق كما نافق السامري . { فَبَغَى } كفر بالله ، أو زاد في طول ثيابه شبراً ، أو علا بكثرة ماله وولده ، أو كان غلاماً لفرعون فتعدى على بني إسرائيل وظلمهم ، أو نسب ما أتاه الله تعالى من الكنوز إلى نفسه بعلمه وحيلته ، أو لما أمر موسى برجم الزاني دفع قارون إلى بَغِيٍّ مالاً قيل ألفي درهم وأمرها أن تدعي على موسى أنه زنا بها ففعلت فعظم ذلك على موسى فأحلفها بالله تعالى الذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت . فقالت : أشهد أنك برىء وأن قارون أعطاني مالاً وحملني على ذلك « ع » . { مِنَ الْكُنُوزِ } أصاب كنزاً ، أو كان يعمل الكيمياء . { مَفَاتِحَهُ } خزائنه ، أو أوعيته ، أو مفاتيح خزائنه وكانت من جلود يحملها أربعون بغلاً ، أو مفاتيحها : إحاطة علمه بها . { لَتَنواْ } لتثقل العصبة « ع » ، أو لتمر بالعصبة من النأي وهو البعد ، أو ينهض بها العُصبة { بِالْعُصْبَةِ } الجماعة يتعصب بعضهم لبعض وهم سبعون رجلاً ، أو ما بين العشرة إلى الأربعين ، أو ما بين العشرة إلى الخمسة عشر ، أو ستة أو سبعة ، أو ما بين الثلاثة والتسعة وهم النفر ، أو عشرة قال أبو عبيدة : هذا من المقلوب تأويله أن العصبة لتنوء بالمفاتيح { الْقُوَّةِ } الشدة { إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ } مؤمنو قومه ، أو موسى . { لا تَفْرَحْ } لا تبغ ، أو لا تبخل ، أو لا تبطر .


وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)

{ وَابْتَغِ فِيمَآ ءَاتَاكَ } بطلب الحلال في الكسب « ح » ، أو بالصدقة وصلة الرحم { وَلا تَنسَ } حظك من الدنيا أن تعمل فيه لآخرتك « ع » ، أو لا تنس الغَناء بالحلال عن الحرام أو لا تنس ما أنعم الله عليك فيها أن تشكر الله بطاعته . { وَأَحْسِن } فيما فرض عليك كما أحسن الله تعالى في نعمه عليك ، أو في طلب الحلال . كما أحسن إليك بالإحلال ، أو أعط فضل مالك كما زادك على قدر حاجتك . { لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } لا يقربهم ، أو لا يحب أعمالهم .


قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)

{ عِلْمٍ عِندِى } بقوتي وعملي ، أو خير عندي ، أو لرضا الله عني وعلمه باستحقاقي ، أو علم بوجه المكاسب ، أو صنعه الكيمياء علمه موسى ثلث الصنعة ويوشع الثلث وهارون الثلث . فخدعهما قارون وكان على إيمانه فعلم ما عندهما فعلم الكيمياء وكثرت أمواله . { وَلا يُسْئَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ } سؤال استعتاب ، أو لا تسأل عنهم الملائكة لأنهم يعرفونهم بسيماهم ، أو يعذبون ولا يحاسبون ، أو لا يسألون عن إحصاء أعمالهم ويعطون الصحائف فيعرفونها ويعترفون بها .


فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)

{ فِى زِينَتِهِ } حشمه ، أو تَبَعِه سبعين ألفاً عليهم المعصفرات وهو أول يوم رؤيت فيه المعصفرات وكان أول من خضب بالسواد ، أو جَوارٍ بيض على بغال بيض بسروج من ذهب على قُطُف أرجوان { حَظٍّ } درجة ، أو جد .


فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81)

{ فَخَسَفْنَا } قيل شكاه موسى عليه الصلاة والسلام إلى الله تعالى فأمر الأرض أن تطيع موسى فأقبل قارون وشيعته فقال موسى عليه الصلاة والسلام « يا أرض خذيهم » فأخذتهم إلى أوساطهم ثم قال : خذيهم فأخذتهم إلى أعقابهم ، ثم قال : خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم فخسف بهم وبدار قارون وكنوزه ، أو قال بنو إسرائيل : إنما أمر الأرض بابتلاعه ليرث ماله لأنه كان ابن عمه فخسف بداره وبجميع أمواله بعد ثلاثة أيام .


وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)

{ وَيْكَأَنَّ } أو لا يعلم أن الله ، أو لا يرى أن الله ، أو ولكن الله بلغة حمير ، والياء صلة تقديره كأن الله ، أو الياء والكاف صلتان تقديره وأن الله ، أو الكاف صلة والياء للتنبيه ، أو ويك مفصولة بمعنى ويح فأبدل الحاء كافاً ، أو ويلك فحذف اللام ، أو وي منفصلة على جهة التعجب ثم استأنف كأن الله . قاله الخليل . { وَيَقْدِرُ } يختار له . « ع » ، أو ينظر له إن كان الغنى خيراً له أغناه وإن كان الفقر خيراً له أفقره . « ح » أو يضيق .


تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)

{ عُلُوّاً } بغياً ، أو تكبراً ، أو شرفاً وعزاً ، أو ظلماً ، أو شركاً أو لا يجزعون من ذلها ولا يتنافسون في عزها . { فَسَاداً } أخذها بغير حق ، أو المعاصي ، أو قتل الأنبياء والمؤمنين . { وَالْعَاقِبَةُ } الثواب ، أو الجنة .


إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85)

{ فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ } أنزله ، أو أعطاكه ، أو ألزمك العمل به ، أو حَمَّلك تأديته وتبليغه ، أو بينه على لسانك . { مَعَادٍ } مكة ، أو بيت المقدس ، أو الموت . « ع » ، أو يوم القيامة ، أو الجنة .


وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)

{ إِلا وَجْهَهُ } إلا هو ، أو ملكه ، أو ما أريد به وجهه ، أو إلا موت العلماء فإن علمهم باق ، أو إلا جاهه ، لفلان جاه ووجه بمعنى ، أو العمل ، { لَهُ الْحُكْمُ } القضاء في خلقه بما شاء ، أو ليس للعباد أن يحكموا إلا بأمره { تُرْجَعُونَ } في القيامة فتجزون بأعمالكم .


أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)

{ أَحَسِبَ } أَظَنَّ قائلوا لا إله إلا الله { أَن يُتْرَكُواْ } فلا يختبر صدقهم وكذبهم ، أو أَظَنَّ المؤمنون أن لا يؤمروا ولا ينهوا ، أو أن لا يؤذوا ولا يقتلوا أو خرج قوم للهجرة فعرض لهم المشركون فرجعوا فنزلت فيهم فلما سمعوها خرجوا فقتل بعضهم وخلص آخرون فنزلت { والذين جَاهَدُواْ فِينَا } الآية [ العنكبوت : 69 ] . أو نزلت في عمار ومن كان يعذب في الله تعالى بمكة ، أو في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل لأمه عذبه أبو جهل على إسلامه حتى تلفظ بالشرك مُكرَهاً ، أو في قوم أسلموا قبل فرض الزكاة والجهاد فلما فرضا شق عليهم { لا يُفْتَنُونَ } لا يهلكون ، أو لا يختبرون في أموالهم وأنفسهم بالصبر على أوامر الله تعالى وعن نواهيه .


وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)

{ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } بما فرض عليهم ، أو بما بلاهم به . { فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ } فليميزن الصادق من الكاذب ، أو ليظهرن لرسوله صدق الصادق . قيل نزلت في مهجع مولى عمر أو قتيل بين الصفين من المسلمين ببدر . فقال الرسول صلى الله عليه وسلم « سيد الشهداء مهجع » وقيل هو أول من يدعى إلى الجنة من شهداء المسلمين .


أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)

{ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ } اليهود . والسيئات الشرك { يَسْبِقُونَا } يعجزونا فلا نقدر عليهم ، أو يسبقوا ما كتب عليهم من محتوم القضاء . { يَحْكُمُونَ } يظنون ، أو يقضون لأنفسهم على أعدائهم .


مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)

{ يَرْجُواْ } يخاف ، أو يأمل . { لِقَآءَ اللَّهِ } لقاء ثوابه ، أو البعث إليه { أَجَلَ اللَّهِ } بالجزاء في القيامة . { السَّمِيعُ } لأقوالكم { الْعَلِيمُ } باعتقادكم .


وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)

{ وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ } ألزمناه أن يبرهما ، أو ما أوصيناه به من برهما { حُسْناً } { لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } حجة ، أو لا يعلم أحد أن الله تعالى شريكاً . نزلت في سعد بن أبي وقاص حلفت أمه أن لا تأكل طعاماً حتى يرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم ، أو في عياش بن أبي ربيعة حلفت أمه كذلك وخدعه أخوه لأمه أبو جهل حتى أوثقه وعاقبه .


وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)

{ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ } أعوان الظلمة ، أو المبتدعة إذا تُبعوا على بِدَعهم ، أو محدثو السنن الجائرة إذا عمل بها بعدهم .


وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14)

{ نُوحاً } هو أول رسول بعث وبعث من الجزيرة . { أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَاماً } وهي مبلغ عمره لبث قبل دعائهم ثلاثمائة ودعاهم ثلاثمائة وبقي بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين ، أو بعث لأربعين ودعاهم ألفاً إلا خمسين وبقي بعد الطوفان ستين فذلك ألف وخمسون « ع » ، أو لبث فيهم ألفاً إلا خمسين وعاش بعد ذلك سبعين فذلك ألف وعشرون ، أو بعث على ثلاثمائة وخمسين ودعاهم ألفاً إلى خمسين وبقي بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين فذلك ألف وستمائة وخمسون { الطُّوفانُ } المطر « ع » ، أو الغرق ، أو الموت مأثور قيل كان الطوفان في نيسان .


يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21)

{ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } بالانقطاع إلى الدنيا { وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ } بالإعراض عنها ، أو يعذب بسوء الخلق ويرحم بحسنه ، أو يعذب بالحرص ويرحم بالقناعة ، أو يعذب ببغض الناس له ويرحم بحبهم ، أو يعذب بمتابعة البدعة ويرحم بملازمة السنة .


فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)

{ لُوطٌ } كان ابن أخيه وآمنت به سارة وكانت بنت عمه ، أو كانت سارة أخت لوط . { مُهَاجِرٌ } للظالمين . فهاجر من الجزيرة إلى حَرَّان ، أو من كوثى وهي سواد الكوفة إلى الشام .


وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)

{ أَجْرَهُ فِى الدُّنْيَا } الذكر الحسن « ع » ، أو رضا أهل الأديان به ، أو النية الصالحة التي اكتسب بها آجر الآخرة « ح » ، أو لسان صدق ، أو ما أوتي في الدنيا من الأجر ، أو الولد الصالح حتى إن أكثر الأنبياء من ولده .


أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)

{ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ } لأن الناس انقطعوا عن الأسفار حذراً من فعلهم الخبيث ، أو قطعوا الطريق على المسافرين ، أو قطعوا سبيل النسل بترك النساء إلى الرجال . { نَادِيكُمُ } مجلسكم { الْمُنكَرَ } كانوا يتضارطون أو يحذفون من يمر بهم ويسخرون منه مأثور ، أو يأتي بعضهم بعضاً ، أو الصفير ولعب الحمام والجلاهق ومضغ العِلْك وبصاق بعضهم على بعض والسؤال وحل أزرار القباء في المجلس .


مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)

{ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ } كما لا يغني عنها بيتها كذلك لا تغني عبادة الأصنام شيئاً وقيل العنكبوت شيطان مسخها الله عز وجل .


اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)

{ اتْلُ } يا محمد على أمتك القرآن . { وَأَقِمِ الصَّلاةَ } المفروضة « ع » أو القرآن ، أو الدعاء إلى أمر الله تعالى . { الْفَحْشَآءِ } الزنا { وَالْمُنكَرِ } الشرك « ع » ، تنهى الصلاة عنهما ما دام المصلي فيها ، أو تنهى عنهما قبلها وبعدها « ع » قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله تعالى إلا بعداً » ، أو ما تدعوهم إليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نهاهم عن الفحشاء والمنكر { وَلَذِكْرُ اللَّهِ } إياكم أكبر من ذكركم إياه « ع » ، أو ذكره أفضل من كل شيء ، أو ذكره في الصلاة أفضل مما نهت عنه من الفحشاء والمنكر ، أو ذكره في الصلاة أكبر من الصلاة ، أو ذكره أكبر أن تحويه عقولكم ، أو ذكره أكبر من قيامكم بطاعته ، أو أكبر من أن يُبقي على صاحبه عقاب الفحشاء والمنكر .


وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)

{ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } قول لا إله إلا الله « ع » ، أو الكف عند بذل الجزية والقتال عند منعها ، أو إن قالوا شراً قلنا لهم خيراً . { الَّذِينَ ظَلَمُواْ } أهل الحرب ، أو من منع الجزية ، أو من ظلم بالإقامة على اكفر بعد ظهور الحجة ، أو الذين ظلموا في جدلهم فأغلظوا لهم ، منسوخة ، أو محكمة . { وَقُولُواْ ءَامَنَّا } كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية للمسلمين فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : « لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم { وَقُولُواْ ءَامَنَّا } » الآية . { مُسْلِمُونَ } بقوله لأهل الكتاب ، أو لمن آمن .


وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)

{ وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ } قبل القرآن كتاباً من الكتب المنزلة ولا تكتبه بيمينك فتعلم ما فيه حتى يشكوا في إخبارك عنه أنه من وحي الله إليك ، أو كان نعته في الكتب المنزلة أن لا يكتب ولا يقرأ فكان ذلك دليلاً على صحة نبوته . { الْمُبْطِلُونَ } مكذبو اليهود ، أو مشركو العرب ، أو قريش لأنه لو كتب وقرأ قالوا تعلمه من غيره .


بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)

{ بَلْ هُوَ ءَايَاتٌ } يعني النبي صلى الله عليه وسلم في كونه لا يقرأ ولا يكتب آيات بينات في صدور العلماء من أهل الكتاب لأنه في كتبهم بهذه الصفة ، أو القرآن آيات بينات في صدور النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به خُصوا لحفظه في صدورهم بخلاف من قبلهم فإنهم كانوا لا يحفظون كتبهم عن ظهر قلب إلا الأنبياء . { الظَّالِمُونَ } المشركون .


وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)

{ لَوْلآ أُنزِلَ } اقترحوا عليه الآيات ليجعل الصفا ذهباً وتفجير الأنهار ، أو سألوه مثل آيات الأنبياء كالناقة والعصا واليد وإحياء الموتى . { الأَيَاتُ } عند الله تعالى يخص بها من شاء من الأنبياء { وَإِنَّمَآ أَنَأْ نَذِيرٌ } لا يلزمني الإتيان بالمقترح من الآيات وإنما يلزمني أنه يشهد على تصديقي وقد فعل الله تعالى ذلك وأجابهم بقوله : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ } دلالة على نبوتك القرآن بإعجازه واشتماله على الغيوب والوعود الصادقة ، أو أراد بذلك ما رُويَ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أُتِي بكتاب في كتف فقال : « كَفَى بقوم حمقاً أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى غير نبيهم ، أو كتاب غير كتابهم » فنزلت { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ } . { لَرَحْمَةً } إستنقاذاً من الضلال . { وَذِكْرَى } إرشاداً إلى الحق { لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يقصدون الإيمان دون العناد .


قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52)

{ شَهِيداً } لي بالصدق « ع » والإبلاغ وعليكم بالكذب والعناد . { بِالْبَاطِلِ } إبليس ، أو عبادة الأصنام . { الْخَاسِرُونَ } لأنفسهم بإهلاكها ، أو لنعيم الجنة بعذاب النار .


وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53)

{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ } عناداً ، أو استهزاءً كقول النضر { إِن كَانَ هذا هُوَ الحق } الآية : [ الأنفال : 32 ] { أَجَلٌ مُّسَمّىً } القيامة ، أو أجل الحياة إلى الموت وأجل الموت إلى البعث ، أو النفخة الأولى أو الوقت الموقت لعذابهم . { بَغْتَةً } فجأة . { لا يَشْعُرُونَ } بنزوله قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « تقوم الساعة والرجل قد رفع أكلته إلى فِيه فما تصل إلى فِيه حتى تقوم الساعة » .


يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)

{ أَرْضِى وَاسِعَةٌ } فجانبوا العصاة بالخروج من أرضهم ، أو اطلبوا أولياء الله تعالى ، أو رحمتي واسعة ، أو رزقي واسع . { فَاعْبُدُونِ } بالهجرة إلى المدينة ، أو بأن لا تطيعوا أحداً في معصيتي ، أو فارهبون .


كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)

{ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ } كل حي ميت ، أو تجد كرب الموت وشدته إرهاباً لهم لِيدَعوا المعاصي ، أو إعلاماً أن الرسل يموتون فلا تضلوا بموت من مات منهم .


وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58)

{ لَنُبَوِّئَنَّهُم } من الثواء وهو طول المقام والباء لنسكننهم { غُرَفاً } الغرف أعالي البيوت وهي أنزه وأطيب من البيوت .


وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)

{ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا } بل ما تأكل بأفواهها ولا تحمل شيئاً ، أو تأكل لوقتها ولا تدخر لغدها « ح » ، أو يأتيها بغير طلب وذكر النقاش شيئاً لا يحل ذكره ولبئس ما قال وقال ابن عباس رضي الله عنهما : الحيوان كل ما دب لا يحمل رزقه ولا يدخر إلا ابن آدم والنمل والفأر . { يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ } يسوي بين القادر والعاجز والحريص والقانع ليعلم أن ذلك يقدره الله تعالى دون حول وقوة قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لما أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة خافوا الضيعة والجوع وقال بعضهم نهاجر إلى بلدة ليس فيها معاش فنزلت هذه الآية فهاجَرُوا .


وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)

{ الْحَيَاةُ } الحياة الدائمة . قال أبو عبيدة : الحيوان والحياة واحد .


أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67)

{ وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ } بالقتل والسبي . { أَفَبِالْبَاطِلِ } الشرك ، أو إبليس { وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ } بعافيته « ع » ، أو عطائه وإحسانه أو بالهدى الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو بإطعامهم من جوع وأمنهم من خوف .


وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68)

{ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً } جعل له شريكاً وولداً { بِالْحَقِّ } التوحيد أو القرآن ، أو محمد صلى الله عليه وسلم . { مَثْوىً } مستقر .


وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)

{ جَاهَدُواْ } أنفسهم في هواها ، أو العدو بالقتال ، أو اجتهدوا في الطاعة وترك المعصية ، أو تابوا من ذنوبهم جهاداً لأنفسهم . { سُبُلَنَا } طريق الجنة ، أو دين الحق ، أو نعلمهم ما لا يعلمون ، أو نخلص نياتهم في الصوم والصلاة والصدقة . { لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } بالنصر والمعونة .


الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)

كان المسلمون يؤثرون ظهور الروم على فارس لأنهم أهل كتاب ، وآثر المشركون ظهور فارس على الروم لأنهم أهل أوثان فلما غلبت فارس سُرَّ المشركون وقالوا للمسلمين إنكم تزعمون أنكم تغلبونا لأنكم أهل كتاب وقد غلبت فارس الروم وهم أهل كتاب وكان آخر فتوح كسرى فتح فيه القسطنطينية بنى فيها بيت النار فبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم فساءه ذلك فنزلت هاتان الآيتان فبادر أبو بكر رضي الله عنه فأخبر المشركين بذلك فاقتمر المسلمون والكفار على أنهم يغلبون إلى ثلاث سنين ، أو خمس سنين ، أو سبع سنين . قامر عن المسلمين أبو بكر رضي الله تعالى عنه . وعن المشركين أبو سفيان بن حرب ، أو أُبي بن خلف وذلك قبل تحريم القمار وكان العوض خمس قلائص ، أو سبع قلائص فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر قدر المدة أمره أن يزيد في الخطر فزاد قلوصين وازداد سنتين وكانت الزيادة بعد انقضاء الأجل الأول قبل الغلبة ، أو قبل انقضاء الأجل الأول . وغلبت الروم فارس عام بدر في يوم بدر ، أو قبل الهجرة بسنتين ، أو عام الحديبية . { أدنى الأرض } أدنى أرض فارس ، أو أدنى أرض الروم عند الجمهور بأطراف الشام « ع » ، أو أذرعات الشام كانت بها الوقعة ، أو الجزيرة أقرب أرض الروم إلى فارس ، أو الأردن وفلسطين .


فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)

{ بِضْعِ } ما بين الثلاث إلى العشر . مأثور ، أو ما بين العقدين من الواحد إلى العشرة . قاله بعض أهل اللغة ، فيكون من الثاني إلى التاسع ، أو ما بين الثلاث والتسع . والنَّيف ما بين الواحد إلى التسعة ، أو ما بين الواحد والثلاثة عند الجمهور . { مِن قَبْلُ } ما غُلِبتْ الروم { وَمِن بَعْدُ } ما غُلِبت ، أو قبل دولة فارس على الروم وبعد دولة الروم على فارس . { يَفْرَحُ الْمؤْمِنُونَ } جاءهم الخبر بهلاك كسرى يوم الحديبية ففرحوا { بِنَصْرِ اللَّهِ } لضعف فارس وقوة العرب ، أو فرحوا بنصر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب مثلهم ، أو لأنه مقدمة لنصرهم على المشركين ، أو لما فيه من تصديق خبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك . { يَنصُرُ مَن يَشَآءُ } من أوليائه ونصره مختص بهم وغلبة الكفار ليست بنصر منه وإنما هي بلاء ومحنة { الْعَزِيزُ } في نقمته من أعدائه { الرَّحِيمُ } بأوليائه .


يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)

{ ظَاهِراً } أمر معاشهم متى يزرعون ويحصدون وكيف ينبتون ويغرسون « ع » وكبنيان قصورها وشق أنهارها وغرس أشجارها ، أو يعلمون ما ألقته الشياطين إليهم باستراق السمع من أمور الدنيا .


أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8)

{ بِالْحَقِّ } بالعدل ، أو الحكمة ، أو بأن استحق عليهم الطاعة والشكر ، أو للثواب والعقاب . { وَأَجَلٍ مُّسَمّىً } القيامة « ع » أو أجل كل مخلوق .


ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10)

{ أَسَآءُواْ } كفروا . { السُّوأَى } جهنم ، أو عقاب الدارين « ح » . { أَن كَذَّبُواْ } لأن كذبوا { بِآيَاتِ اللَّهِ } محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ، أو معجزات الرسل ، أو نزول العذاب بهم .


وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12)

{ يُبْلِسُ } يفتضح ، أو يكتئب ، أو ييأس ، أو يهلك ، أو يندم ، أو يتحير .


وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14)

{ يَتَفَرَّقُونَ } في المكان بالجنة والنار ، أو بالجزاء بالثواب والعقاب .


فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)

{ رَوْضَةٍ } البستان المتناهي منظراً وطيباً . { يُحْبَرُونَ } يكرمون « ع » ، أو ينعمون ، أو يلتذون بالسماع والغناء ، أو يفرحون . والحبرة : السرور والفرح .


وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)

{ مُحْضَرُونَ } نازلون ، أو مقيمون ، أو يدخلون ، أو مجموعون .


فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17)

{ فَسُبْحَانَ اللَّهِ } سبحوه ، أو صلّوا له سميت الصلاة تسبيحاً لاشتمالها عليه في الركوع والسجود ، أو من السبحة وهي الصلاة . { تُمْسُونَ } المغرب والعشاء المساء بدو الظلام بعد المغيب { تُصْبِحُونَ } صلاة الصبح .


وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)

{ وَلَهُ الْحَمْدُ } على نعمه ، أو الصلاة لاختصاصها بقراءة حمده بالفاتحة وخص صلاة النهار باسم الحمد لأن تقلب النهار يكثر فيه الإنعام الموجب للحمد والليل وقت فراغ وخَلوة يوجب تنزيه الله تعالى من الأسواء فيها . { وَعَشِيّاً } العصر العشي آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب لنقص نورها أخذ من عشا العين وهو نقص نورها { تُظْهِرُونَ } صلاة الظهر . نزلت هذه الآية بعد الإسراء به قبل الهجرة وكل آية نزلت تذكر الصلاة قبل الإسراء فليست من الصلوات الخمس لأنهن إنما فرضن ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة .


يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19)

{ يُخْرِجُ } الإنسان الحي من النطفة الميتة والنطفة الميتة من الإنسان الحي « ع » ، أو المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ، أو الدجاجة من البيضة والبيضة من الدجاجة ، أو النخلة من النواة والنواة من النخلة والسنبلة من الحبة والحبة من السنبلة . { تُخْرَجُونَ } كما أحيى الموات وأخرج النبات فكذلك تبعثون .


وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)

{ أَزْوَاجاً } حواء من ضلع آدم ، أو سائر الأزواج من أمثالهم من الرجال . { لِّتَسْكُنُواْ } لتأنسوا . { مَّوَدَّةً } محبة { وَرَحْمَةً } شفقة ، أو المودة الجماع والرحمة الولد « ح » ، أو المودة حب الكبير والرحمة الحُنو على الصغير ، أو الرحمة بين الزوجين .


وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)

{ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } بما فيهما من العبر ، أو لعجز الخلق عن إيجاد مثلهما . { أَلْسِنَتِكُمْ } لغاتكم كالعربية والرومية والفارسية { وَأَلْوَانِكُمْ } أبيض وأحمر وأسود ، أو اختلاف النغمات والأصوات وألوانكم صوركم فلا يشتبه صورتان ولا صوتان . كيلا يشتبهوا في المناكح والحقوق . { لِّلْعَالِمِينَ } الإنس والجن وبالكسر العلماء .


وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23)

{ مَنَامُكُم بالَّيْلِ } { وَابْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ } بالنهار ، أو منامكم وابتغاؤكم فيهما جميعاً لأن منهم من يتصرف في المعاش ليلاً وينام نهاراً وابتغاء الفضل بالتجارة ، أو بالتصرف في العمل . فالنوم كالموت والتصرف نهاراً كالبعث { يَسْمَعُونَ } الحق فيتعبونه ، أو الوعظ فيخافونه ، أو القرآن فيصدقونه .


وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24)

{ خَوْفاً } للمسافر { وَطَمَعاً } للمقيم ، أو خوفاً من الصواعق وطمعاً في الغيث ، أو خوفاً من البرد أن يهلك الزرع وطمعاً في الغيث أن يحييه ، أو خوفاً أن يكون خُلباً لا يمطر وطمعاً أن يمطر .


وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)

{ قَانِتُونَ } مطيعون . مأثور ، أو مصلون « ع » ، أو مقرون بالعبودية ، أو قائمون له يوم القيامة ، أو قائمون بالشهادة أنهم عباده « ع » أو مخلصون .


وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)

{ يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ } بعلوقه في الرحم ثم يعيده بالبعث استدلالاً بالنشأة على الإعادة . { أَهْوَنُ عَلَيْهِ } أعادة الخلق أهون على الله تعالى من ابتدائه لأن الإعادة أهون من البُدأة عُرفاً وإن كانا هينين على الله تعالى ، أو الإعادة أهون على المخلوق لأنه يقلب نطفة ثم علقه ثم مضغة ثم عظماً ثم رضيعاً ثم فطيماً وفي الإعادة يُصاح به فيعود سوياً « ع » أو أهون بمعنى هين . قال :
إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتاً دعائمه أعز وأطول
وأهون أيسر وأسهل { الْمَثَلُ الأَعْلَى } الصفة العليا ليس كمثله شيء « ع » أو شهادة أن لا إله إلا الله ، أو يحيي ويميت { الْعَزِيزُ } المنيع في قدرته أو القوي في انتقامه { الْحَكِيمُ } في تدبيره ، أو في إعذاره وحجته إلى عباده .


ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)

{ ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً } سبب ضربه إشراكهم في عبادته ، أو قولهم في التلبية إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك ، أو كانوا يورثون آلهتهم أي لما لم يشرككم عبيدكم في أموالكم لملككم إياهم فالله تعالى أولى أن لا يشاركه أحد في العبادة لأنه مالك كل شيء { تَخَافُونَهُمْ } أن يشاركوكم في أموالكم كما تخافون ذلك من شركائكم ، أو تخافون أن يرثوكم كما تخافون ورثتكم ، أو تخافون لأئمتهم كما يخاف بعضكم بعضاً .


فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)

{ وَجْهَكَ } قصدك ، أو دينك ، أو عملك . { حَنِيفاً } مسلماً ، أو مخلصاً ، أو متبعاً ، أو مستقيماً ، أو حاجاً « ع » ، أو مؤمناً بجميع الرسل . { فِطْرَتَ اللَّهِ } صنعة الله ، أو دينه الإسلام « ع » الذي خلق الناس عليه { لِخَلْقِ اللَّهِ } لدين الله ، أو لا يُتَغير بخلقه من البهائم أن يخصى فحولها « ع » أو لا خالق غير الله يخلق كخلقه { الدِّينُ الْقَيِّمُ } الحساب البين ، أو القضاء المستقيم « ع » .


مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)

{ مُنِيبِينَ } مقبلين ، أو داعين ، أو مطيعين ، أو تائبين من الذنوب والإنابة من القطع فهي الانقطاع إلى الله تعالى بالطاعة ومنه الناب لقطعه ، أو من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد مرة ومنه النوبة لأنها الرجوع إلى عادة .


مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)

{ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ } بالاختلاف فصاروا فرقاً و { فارقوا دينهم } وهم اليهود ، أو اليهود والنصارى ، أو خوارج هذه الأمة مأثور ، أو أهل الأهواء والبدع مأثور . { شِيَعاً } فرقاً ، أو أدياناً { بِمَا لَدَيْهِمْ } من الضلالة { فَرِحُونَ } مسرورون عند الجمهور ، أو معجبون أو متمسكون .


أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35)

{ سُلْطَاناً } كتاباً ، أو عذراً ، أو برهاناً ، أو رسولاً .


وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36)

{ رَحْمَةً } عافية وسعة ، أو نعمة ومطر { سَيِّئَةٌ } بلاء وعقوبة ، أو قحط المطر . { يَقْنَطُونَ } القنوط اليأس من الرحمة والفرج عند الجمهور أو ترك فرائض الله تعالى في السر « ح » .


فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)

{ ذَا الْقُرْبَى } قرابة الرجل يصلهم بماله ونفسه ، أو قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم بنو هاشم وبنو المطلب يعطون حقهم من الفيء والغنيمة . { وَابْنَ السَّبِيلِ } المسافر ، أو الضيف « ع » .


وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)

{ مِّن رِّباً } هو أن يهدي الهدية ليكافأ بأفضل منها « ع » ، أو رجل خدم في السفر فجعل له جزء من الربح لخدمته لا لوجه الله تعالى ، أو رجل وهب قريبه ليصير غنياً ذا مال ولا يفعله طلباً للثواب . { فَلا يَرْبُواْ } لا يكون له ثواب عند الله { زكَاةٍ } مفروضة ، أو صدقة . { وَجْهَ اللَّهِ } ثوابه . { الْمُضْعِفُونَ } الحسنة بعشر ، أو يضاعف أموالهم في الدنيا بالنمو والبركة .


ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)

{ الْفَسَادُ } الشرك ، أو المعاصي ، أو قحط المطر ، أو فساد البر قتل ابن آدم أخاه وفساد البحر أخذ السفينة غصباً { الْبَرِّ } الفيافي { وَالْبَحْرِ } القرى . العرب تسمى الأمصار البحر ، أو البر أهل العمود والبحر أهل القرى والريف ، أو البر بادية الأعراب والبحر الجزائر ، أو البر ما كان من المدن والقرى على غير نهر والبحر ما كان منها على شاطىء نهر « ع » { بَعْضَ الِّذِى عَمِلُواْ } لأن للمعصية جزاء عاجلاً وجزاء آجلاً . { يَرْجِعُونَ } عن المعاصي ، أو إلى الحق ، أو يرجع من بعدهم « ح » .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار {من موسوعة التاريخ}

أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار ج / 1 ص -3- بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة التحقيق : لا نعرف عن بدايات التأليف في تاريخ مكة -وخاصة المؤ...